Alqenaei

الرئيسية » المكتبة » صفحات من تاريخ الكويت

صفحات من تاريخ الكويت

الشيخ يوسف بن عيسى

صفحات من تاريخ الكويت

بسم الله الرحمن الرحيم

والعاقبة للمتقين

وبعد. فهذه نبذة يسيرة عن تاريخ الكويت ألفتها لأبناء المدارس مبتدئاً فيها من صباح الأول وختمتها بوفاة مبارك بن صباح سنة 1334 هجرية، وأرجأت تاريخ من بعده إلى وقت آخر إن سنحت لي الفرصة، وقد اعتمدت فيها على ما شاهدته ثم النقل عن الآباء فنقل الآباء عن أسلافهم.

والله أسأل أن يوفقني للحقيقة والصواب.

الكويت

هو تصغير كوت وهو معروف بالعراق، وهو عندهم يحتوي على عدة دور للفلاحين ويحاط بسور، وقد تكون هذه الدور خالية من السور.

وتاريخ بناء هذا الكويت لا نعلمه بوجه الحقيقة والأحرى أنه بنى في آخر القرن الحادي عشر من الهجرة، أما الباني فهو أمير بني خالد باتفاق الرواة، كان هذا الأمير يضع فيه الزاد والمتاع إذا اشتمل للربيع ويتزود منه لحاجته، والظاهر أن الباني لهذا الكويت هو براك أمير بني خالد، لأن براكاً سنة 1074 هجرية كان هو الأمير على بني خالد أيام دولتهم، وقد ذكر في تاريخ العراق الحديث (أن الحكومة أمرته أن يأخذ الإحساء من محمد باشا فلم يجد صعوبة في أخذها ورأى من المناسب أن يأخذها لنفسه). فمن هذه العبارة استدل أن الباني هو براك وأن البناء قد يكون في آخر سنة 1100 من الهجرة.

مناخ الكويت

الكويت أحسن بلد في الخليج العربي مناخاً وصحة أما الهواء فريح الشمال تهب على الكويت من بحر لا يتجاوز عرضه عدة أميال فيأتيها الشمال خالياً من السموم ومن الرطوبة متلطفاً بالبرودة من هذا البحر، والصبا يأتيها من البحر ويسمى “نعشي”، والجنوب يأتيها من الخليج العربي محاذياً لساحل العدان وفيه نداوة قليلة لا تنكمش منها النفس، وهواؤها ليلاً في الغالب هو الغربي يأتيها من الصحراء لذيذاً بارداً، وليس في الكويت هواء فيه سموم إلا السهيلي، ويهب من جهة سهيل اليماني وهو ما بين الغرب والجنوب، وهذا الهواء مع ندرته لا يكون به سموم إلا إذا هب نهاراً في أيام الصيف قرب الظهيرة، ومنام الكويت أيام الصيف لا يوجد حتى في الشام ولبنان والسبب عدم وجود البعوض والبق، وينام الكويتيون في الصيف على سطوح المنازل بينما المنام في الشام ولبنان داخلها وهي لا تخلو من البعوض.

أما الصحة فحدث عنها ولا حرج فلقد مضى على أهل الكويت ما ينيف على 200 سنة وليس فيها طبيب سوى طب العجائز: الكي وشرب المسهل، والأمراض الفتاكة نادرة فيها ولهذا لما حدث الطاعون سنة 1247 هجرية جعلوا لحدوثه تاريخاً، ومن بعده لم يحدث وباء يذكر سوى الانفلونزة العامة آخر سنة 1336 هجرية، ولو أن أهل الكويت أعطوا النظافة حقها في مسكن وملبس ومأكل وبدن لرأيتهم أكثر مما هم فيه من الصحة والنشاط ولكن الأغلبية الساحقة هي على البداوة من قلة العناية بالنظافة وعدم الاعتقاد أن النظافة أساس الصحة، وقد بدأت حالتهم تتبدل لانتشار العلم وإدراك أن النظافة من الإيمان.

أرض الكويت والزراعة

أرض الكويت صالحة للزراعة بجميع أنواعها، وإنما العلة هي قلة الماء الصالح للزراعة، إذ ليس في الكويت ماء معين ولا عيون يتوفر فيها الماء وتقوم بحاجة المزارعين، بل جل ما فيها آبار يتوقف ماؤها على الأمطار، فإذا جاء المطر صارت هذه الآبار صالحة للزراعة، وإن قل المطر أو انقطع صارت مالحة لا تصلح لذلك، فلهذا يقتصر زراع الكويت على زرع المخضرات من طماطم وبطيخ وقثاء وبصل وكراث وفجل وما أشبه ذلك لأنها تثمر مدة ليلة وقبل أن يتبدل ماء الآبار.

وأما زراعة الأشجار والفواكه والنخيل وكل زرع يريد استمرار الماء فإنها لا تنتج بسبب تبدل الماء إذا دام عليه النزح .

وفي الجهرة (وهي قرية من قرى الكويت) آبار ماؤها غزير ولا ينقطع أو يتبدل إلا أنه مر لا يصلح لكل زراعة، ويزرع في هذه القرية النخل والبرسيم والشعير والكراث وما أشبه ذلك، وجعل حاصل زراعتها من البرسيم، ولو سهل للكويت آباراً ارتوازية أو مدت لها أنابيب المياه من البصرة لكانت أرضها جنة تشد إليها الرحال، وما ذلك على الله بعزيز .

أول من سكن الكويت

سكن الكويت قبل آل الصباح وجماعتهم لفيف من البدو وصيادي السمك ثم آل الصباح وآل الخليفة والزايد والجلاهمة والمعاودة، ونزل هؤلاء بعد الإذن من أمير بني خالد، وكانت هجرتهم إلى الكويت بالتدريج لأنهم لما تركوا قطر تفرقوا في البلاد فمنهم من سكن بلاد فارس ومنهم من سكن قيس (وهي جزيرة في الخليج العربي)، ومنهم من سكن الصبية ومنهم من سكن عبادان والمخراق، ثم أخذوا يتوافدون على الكويت وتبعهم خلق كثير غيرهم من عرب وعجم.

اختيار صباح الأول للحكم

لما كثر الساكنون في الكويت وخالطهم جمع من المهاجرين إليها رأوا من الضروري أن يؤمر عليهم أمير منهم يكون مرجعاً لحل المشكلات والاختلافات فوقع اختيارهم على صباح لهذا الأمر، فوافقهم صباح بعد أخذ العهد منهم على السمع والطاعة في الحق، ولا نعلم على وجه الحقيقة في أي سنة أختير هذا الأمير ولكن اتفق الرواة على أنها ما بين سنة 1110 هجرية وسنة 1130 هجرية على وجه التقريب.

لم نعلم بحقيقة الحال عن مولده ومدة حياته ولا نعلم بسنة موته وأما سيرته فهي باتفاق الرواة حميدة مرضية ويؤيد ذلك أن الجماعة ما اختارته وقدمته إلا لأنه أمثلهم عقلاً وأحسنهم سيرة وأقربهم لاتباع الحق، وقد أصابوا المرمى في ذلك والحمد لله.

عبدالله بن صباح الأول

لا نعلم تاريخ ولادته.

وهو أصغر أولاد صباح، ولصباح عدة أولاد ولكن عبدالله أحسنهم سيرة ونباهة، وقد استقام في الإمارة ما يقارب سبعين سنة وتوفي سنة 1229هجرية، وتقدمت الكويت في أيامه وامتدت تجارتها إلى الهند والمليبار واليمن والعراق -كما ترى ذلك مفصلاً عند ذكرنا للتجارة- ومن المتفق عليه أن عبدالله رجل حازم قريب من الحق، محب للعدالة، حسن السياسة، لا يبت في أمر مهم إلا بعد مشاورة جماعته، لا يخالفهم فيما يرونه صواباً.

الحوادث المهمة في زمن عبدالله الأول

(1) هجرة آل خليفة من الكويت إلى الزبارة سنة 1180هجرية:

أصح الاقوال في سببها هو ما حصل من التعدي على أهل الكويت من بني كعب بن عامر، وبنو كعب قبيلة كبيرة من سبيع كانت تابعة للحكومة العثمانية، وحصل بينها وبين الحكومة خلاف فهاجرت إلى الدورق سنة 1178هرية، فصارت تابعة لإيران، وكانت سفنهم من أيام قوتهم إلى حال التاريخ لم تنقطع من سابلة الكويت، وبسبب هذا الاختلاط حصل منهم ظلم وتعد على الكويتيين فلم يطق الشيخ محمد بن خليفة هذه الإهانة فهاجر إلى الزبارة وأول من نزل الزبارة الشيخ أحمد بن رزق.

وإن أردت تفصيلاً لتحول الخليفة من الكويت إلى الزبارة ثم تملكهم للبحرين فراجع تاريخ البحرين للشيخ محمد النبهاني تجد فيه الحقيقة.

(2) وقعة الرقة:

الرقة محل معروف بقرب فيلكة، وأسباب الوقعة طمع بني كعب في الكويت وآباء أهل الكويت الخضوع لمظالمهم، ولما علم عبدالله بن صباح بحملتهم على الكويت جهز سفن الكويت بما لديه من قوة بالرجال والسلاح، فالتقت السفن بالرقة ومن حسن حظ الكويتيين أن الهواء كان ساكناً وسفن العدو متفرقة، وسفن الكويت صغيرة تجذف بالمجاذيف، فأخذت تحيط بسفن الكعبيين واحدة بعد واحدة، وسفن الكعبيين كبيرة لا تستطيع الاتصال لركود الهواء فكلما قضت سفن الكويت على واحدة تحولت إلى الأخرى.. وهكذا، حتى قضت على أغلب سفن العدو ولم يسلم منهم إلا النادر، ورجع أهل الكويت فائزين بالنصر، وأخذوا من العدو عدة سفن مع ما بها من ذخيرة فصار هذا النصر فاتحة عز لأهل الكويت.

(3) بناء السور للكويت:

كانت الكويت في بادئ أمرها تحت حماية أمير بني خالد فلما توفي وضعف حكم بني خالد صارت الكويت مهددة من جهة الجنوب بسعود بن عبدالعزيز آل سعود، ومن جهة الشمال بأمراء المنتفق، فاضطر الكويتيون لحماية أنفسهم وأموالهم إلى بناء السور، فبنوه في مدة وجيزة.

وكان أوله من الجهة الشرقية جناح نقعة (النقعة: حوض ترسو فيه السفن) ابن نصف الشرقي، وآخره من جهة الغرب جناح نقعة سعود القبلي (قرب المدرسة الأحمدية الآن) ثم زيد هذا السور في زمن جابر بن عبدالله من الجهة الغربية فصار آخره من جهة الغرب جناح نقعة ابن عبدالجليل الشرقي.

وقد جعلوا للسور ستة أبواب: فالأول من جهة الشرق يسمى (دروازة ابن بطي) وهو شرقي بيت ابن نصف، والثاني (دروازة القروية) وهو يقابل محلة القناعات من جهة الجنوب، والثالث يسمى (دروازة آل عبدالرزاق) في جنوب المسجد الآن، والرابع (دروازة الشيخ) وهو محل الصنقر ويسمى محل ادهيمان، والخامس (دروازة السبعان) وهو شرقي بيت ابن بحر حوالي مدرسة البنات الآن، والسادس يسمى (دروازة البدر) وهو بقرب مسجد الصقر، ويقال أن جنوبي بيت عثمان الراشد باب يسمى (دروازة الفداغ).

جابر الأول

تولى الإمارة بعد وفاة أبيه عبدالله بن صباح سنة 1229هجرية، وكان حين وفاة والده في البحرين، وعين محمد السلمان نائباً عنه حتى يقدم، فلما قدم بويع بالإمارة فاستقام بها إلى وفاته سنة 1276 هجرية.

والمشهور عنه أنه رجل عاقل هادئ الطبع، محب لقومه، مشفق عليهم، اشتهر بجابر العيش لكرمه، ولأنه كان يطبخ الأرز للفقراء، وله عريش قرب بيته يجتمعون فيه ويقدم لهم الطعام.

الحوادث المهمة في أيامه

(1) مساعدته للحكومة العثمانية:

ذكر المرحوم عبدالعزيز بن رشيد في تاريخه ما خلاصته: “في أيام علي باشا احتلت القبائل العراقية البصرة وفر المتسلم إلى الكويت، وطلب النجدة من جابر، فكان جابر أكبر مساعدة للحكومة في استخلاص البصرة من بني كعب، ولهذا كافأته الحكومة بمائة وخمسين كارة من التمر سنوياً ولم تنقطع هذه المساعدة إلا في أيام مبارك الصباح”.

وذكر الأعظمي في تاريخ البصرة: “أنه في سنة 1246 على أثر عزل داود باشا تولى إمرة العراق علي باشا، وهجمت عشيرة بني كعب على البصرة فقاتلهم البصريون بزعامة آل الزهير، ومعاضدة بني عقيل النجديين أهل الزبير، فطردوهم خاسرين، ومتسلم البصرة هو عزيز آغا، تولى المتسلمية سنة 1240 وعزل عنها سنة 1246 ولم يغادر البصرة”.

نجد بين نقل ابن رشيد والأعظمي فرقا كبيراً واختلافاً ظاهراً، والذي أرجح أن نقل الأعظمي هو الواقع، وأما جابر فقد جهز السفن وتوجه لمساعدة الحكومة، ولكن لم يجر بينه وبين بني كعب قتال، بل طرد بني كعب عنها كان كما ذكره الأعظمي في تاريخ البصرة، وكوفئ جابر بـ 150 كارة من التمر لهذه المساعدة، ولأهل الكويت مساعدات كثيرة للحكومة إلا أنها لم يجر فيها قتال وحادثة سنة 1246 قريبة، وقد أدركنا من الشيبان من عنده علم بهذا الأمر مثل المرحوم جبر الغانم -وهو من المعمرين- وأنا سألته بنفسي ولم أجد عنده تفصيلاً لهذا القتال بل عنده خبر تجهز جابر أما المتسلم الذي فر إلى الكويت فهو مصطفى الكردي عصى الحكومة العثمانية فزحف عليه سليمان باشا ففر إلى الكويت ومنها سافر إلى نجد.

(2) غزوة المحمرة:

ذكر الأستاذ ابن رشيد : “أن قبيلة بني كعب طردت جند الحكومة العثمانية من المحمرة فهب جابر لمساعدتها وخلصها من أيدي الغاصبين، وسلمها لأهلها ” .

ويقول النبهاني في حاشية تاريخه: “أنه في سنة 1253 أخذ علي باشا المحمرة وأرخ بقولهم كلب غار/1253.

وأهل الكويت متفقون على مساعدة جابر للحكومة ولكنهم لا يعرفون شيئاً عن هذا القتال، سوى أن قلة ضربت دماغ رجل في السفينة من أهل الكويت، ونثرت مخه على الزاد الذي يأكلونه، فتوقف الجميع عن الأكل، عدا رجل من الزايد فإنه أزال ما انتشر على الزاد، وأتم أكله.

وأرى مما تقدم أن مساعدة الكويتيين للحكومة صحيحة إلا أن القتال لم يجر بينهم وبين بني كعب في ساحة الحرب، والواقعة قريبة العهد وهي سنة 1253 هجرية، ولم يذكر أحد من الشيبان صفة الوقعة، ولا من قتل فيها وسلمها للحكومة، لكان لهذه المعركة شأن يذكر عند أهل الكويت، وعلى هذا فإن ما كتبه النبهاني من أن علي باشا هو الذي أخذ المحمرة هو الصحيح والله أعلم.

صباح بن جابر

تولى الإدارة بعد وفاة أبيه سنة 1276 هجرية، وكان في حياة والده أكبر مساعد له، بل لما كبر جابر آلت الأحكام إليه، وكانت أيام صباح كلها هناء وسعة في المعيشة، ولم يحدث في أيامه شئ يكدر صفو العيش، وتقدمت التجارة في أيامه تقدماً يشار إليه، وأراد أن يضع رسوماً على الأموال الخارجة من الكويت فعارضته الجماعة، لأن الرسم على الأموال الخارجة مضر بمصلحة التجارة ومعوق لها، وقالوا له: إن كنت في حاجة إلى الأموال فما عندنا شئ يعز عليك فانصاع لإرشادهم.

توفي سنة 1283 هجرية حميد السيرة، مرضياً عنه، ولم تجر في أيامه حوادث تذكر.

الحكم المشترك بين أبناء الصباح

توفي صباح عن عدة من الأولاد ولكن إدارة البلد صارت بين أربعة منهم فقط وهم : عبدالله وهو الأكبر، ومحمد ومبارك وجراح والثلاثة أشقاء، واسم الإمارة لأخيهم الأكبر، وكانت أغلب الأعمال بيد الثلاثة، فمحمد يباشر الأحكام للحضر، ويشاركه مبارك في ذلك، يختص بأغلب الأحكام بين بدو الكويت، أما جراح فأغلب عمله في المالية، فهو كوزير للمالية ومباشرته للأحكام قليلة، وقبل الجراح لم يكن لبيت الإمارة مالية تذكر فالدخل ضعيف جداً ولا يسد حاجة الإمارة بل ربما أحوج الأمر للاقتراض من الأهالي، ولكن جراحاً التفت إلى الفاو وعمره، وأخذ يؤدي ما يسد الحاجة ويزيد، وقد بنى عدة من الدكاكين سنة 1312 هجرية ومنها سوق اللحم، والسمك فصار الدخل ينمو سنوياً ويدخر الفاضل منه، ولكن على تقدمه لم يكن شيئاً مذكوراً نسبة لدخل الكويت اليوم، فأدنى تاجر من أهل الكويت هذه الأيام يملك أكثر مما يملك الأمراء في ذلك الوقت، والدليل على ذلك أن مباركاً لما قتل أخويه وتولى على المالية لم يجد فيها سوى 700 ريال نقداً، و73500 روبية أمانة في بيت ابن إبراهيم في بومبي.

عبدالله بن صباح الثاني

كان عليه الرحمة حسن السيرة ساكن الطبع دمث الأخلاق ليس عليه شئ من مظهر الإمارة وعظمتها، لا يميز عن سائر أهل الكويت في هيئة وملبس، ويعيش عيشة القانع في مأكله وملبسه ومسكنه، يمشي وحده بلا خادم ولا أبهة وقد يتبعه في بعض الأوقات عبده النوبي ويسمى (أبو سموم) وتارة يتبعه خادمه عبدالله الهقهق، ولم يتعد على أحد ولم يكدر خاطر الجلساء بكلمة سوء مدة حياته، وكان محبوباً لدى جميع الأهالي، ومن نوادره أنه جاءه رجل يدعي على خصمه بشيء تافه فأنكر المدعى عليه، فطلب عبدالله من المدعي البينة، فذهب لإحضار شهوده، فلما أدبر قال عبدالله للمدعى عليه (انحش قبل أن يأتي بشهوده) ففر المدعى عليه، فلما جاء المدعي قال له (خصمك انحاش) فضحك الحاضرون من هذه النادرة.

توفي عليه الرحمة آخر سنة 1309 هجرية.

محمد بن صباح

لا أكون مبالغاً إذا قلت أن محمداً بن صباح هو الرجل الوحيد في زمنه بالعفة والنزاهة، ولم يذكر عنه في شبابه ولا في كهولته ما يدنس شرفه أو يحط من قدره، وقد حبب لعموم الكويتيين حتى صار كما قال الشاعر :

كأنك من كل النفوس مركب             فأنت إلى كل الأنام حبيب

ألبسته عفته مهابة ووقاراً، مع تواضعه ولطفه، وكان كثير الصمت قليل الكلام، متديناً يحب العلماء ويسمع كلامهم، محباً لجماعته، وحريصاً على التآلف والتوادد بينهم فلهذا أحبته الجماعة حباً جماً.

قتل مظلوماً في 25 من ذي القعدة سنة 1313هجرية.

السبب في قتل محمد وجراح

بعد وفاة عبدالله بن صباح اشتد الخلاف بين الأشقاء ولا أرى لها سبباً سوى الدراهم، لأن مباركاً حاكم ويريد أن يظهر بمظهر حكام العرب من البذل، سواء كان البذل في محله أم لا، وجراح يخالفه في ذلك، ويقتر عليه، لأنه يرى المؤسس الوحيد للمال، ولا يرى ما يراه مبارك من البذل، ومحمد عليه الرحمة ينصاع لما يراه جراح ولما بلغ الخلاف أشده جاء سالم البدر من البصرة سنة 1310 هجرية، وأصلح بين الأخوة، وجعل لمبارك راتباً سنوياً عشرة آلاف روبية، ولا أدي هل جاء سالم بدعوة من آل الصباح أم بنفسه لأنه صديق حميم لآل الصباح.

ولما توفي سالم سنة 1312 هجرية عاد الخلاف بينهم ليقضي الله أمراً كان مفعولاً .

وإليك صفة الحادثة نقلاً عن المرحوم جابر بن مبارك فهو يقول: “رأيت مبادئ الحركة عند خدم الوالد تلك الليلة ولكني لم أجزم بأن المراد به هو القتل، فبت في بيتي، ولما مضى أغلب الليل خرجت إلى محل الوالد فإذا هو وسالم وجميع الخدم على أهبة الهجوم، فأمرت خادمي أن يأتي بسلاحي من البيت ولما طلع الفجر خرج صباح بن محمد للمسجد، وصار البيت مفتوحاً فحينئذ دخلنا البيت والكل نيام، فأمرني الوالد أن أتوجه لجراح وتوجه الوالد إلى جهة محمد ووقف سالم بالباب كيلا يدخل علينا احد ولما صعدت على سطح البيت وتوجهت إلى عمي جراح رأيت باباً صغيراً مغلقاً بين سطحين فحركته فانفتح ودخلت عليه فإذا هو قاعد على سريره وزوجته واقفة بقربه، فصوبت عليه البندقية فلم تصدق، فتأخرت إلى الخلف وأمرت الفداوية، فصوبوا إليه بنادقهم وهو يقول: عمك عمك -أي اتق الله في عمك-“.

وقتل الأخوان في ذلك اليوم النحس الذي لم تشهد  الكويت منذ تأسست مثله، فما ترى إلا أعيناً دامعة وقلوباً خاشعة، وإنا لله وإنا إليه راجعون.

مبارك بن صباح

انفرد بالحكم في 25 ذي القعدة سنة 1313 هجرية وتوفي في 20 من المحرم سنة 1334 هجرية وفي هذه المدة اتسعت الكويت وزاد العمران، وصار لها اسم كبير في خليج فارس، واستتب الأمن في بادية الكويت، وزادت الثروة وتقدمت التجارة وأخذت البواخر تمر الكويت في ذهابها للبصرة ورجوعها منها وبلغ الغواصون على اللؤلؤ الحد النهائي في الاتساع في السفن والمحصول، وكان مبارك في العشر سنين الأول من حكمه جارياً على سيرة أسلافه من التواضع وعدم المظالم بل كان خيراً من أسلافه في صرامة الحكم والدفاع عن أهل الكويت خارج حدود الكويت فالقوي والضعيف عنده بالحق سواء، حتى أخضع آل الصباح بحكمه الصارم فلم يستطع أحد منهم التجاوز على أحد من الرعية، بل ضرب أخاه جابر بن صباح في قضية تافهة لأنه تعدى فيها على ضعيف، ولكن مع الأسف لما صحب حاكم المحمرة خزعل بن مرداو تبدلت حالته وقلده في كثير من المظالم والتكبر والتهاون بالدين وانتهاك المحرمات، وقرين السوء يعدي جليسه كما يعدي السليم الأجرب.

وإن أردت زيادة عن حال مبارك فراجع تاريخ ابن رشيد.

الحوادث المهمة في زمن مبارك

(1) حادثة يوسف آل إبراهيم:

يوسف بن عبدالله آل إبراهيم من بيت رفيع بالكويت وله مصاهرة مع الصباح، وكان هذا البيت في ذلك الزمن أثرى بيت في الكويت، وقد حصل ليوسف من العز والإقبال ما لم ينله أحد من قبله منذ تأسست الكويت، وكان يوسف صديقاً حميماً لمحمد بن صباح وأمره نافذ لا يرد، ولما قضى الله على محمد كان يوسف بالصبية وهي محل نزهته، فالتجأ إليه سعود بن محمد الصباح، وبعد أيام تبعه بقية أولاد محمد فتحول يوسف معهم إلى البصرة خوفاً من هجوم مبارك عليهم، وأخذ يطالب بحق أولاد محمد لدى الحكومة العثمانية، ولم يترك طريقاً للمساعدة إلا سلكه، ولكنه لم يوفق في جميع أعماله حتى توفي في حائل سنة 1323 هجرية.

والمهم من أعماله أنه في محرم 1315 جهز على الكويت نحو 13 سفينة معدة بالسلاح والرجال، ومراده أن يهجم على مبارك على غرة، ولكن أبو كحيل أنذر مباركاً قبل وصول السفن بيوم، وجاءت أيضاً سفينة من الفاو أرسلها جابر الصباح لأخيه مبارك يخبره بمشاهدة السفن ، ومن لطف الله أن الهواء في ليلة الهجوم كان معاكساً لسير السفن ، فأصبح الصبح والسفن أمام الكويت متفرقة، ورأى يوسف عياناً جمعاً من أهالي الكويت على الساحل بأتم الاستعداد لمحاربته، فتشاور مع مبارك بن عذبي، وهو من آل الصباح، فكان من رأيه الهجوم مهما كلف الأمر، لأن أغلب أهل الكويت حينذاك يميلون إلى أولاد محمد، ولكن يوسف أجابه إننا لم نقصد أهل الكويت، مرادنا ثلاثة لا غير، يعني مباركاً وولديه جابر وسالم، ثم رجعت السفن بخيبة الفشل وسلم الله الكويت وأهلها من وخامة الهجوم.

(2) وقعة الصريف:

كتب عبدالعزيز المتعب أمير حائل إلى يوسف بن إبراهيم يدعوه، فلبى طلبه، ولما علم مبارك بوصول يوسف إلى حائل استاء جداً وتوحش من عبدالعزيز المتعب، وأيقن أن الحرب واقعة لا محالة بينه وبينه، ولهذا حرك عبدالرحمن الفيصل وأمره أن يغزو عشائر ابن رشيد فغزاهم في الروضة وأخذهم، ثم جهز مبارك أخاه حمود الصباح للهجوم على شمر، عرب ابن رشيد القاطنين على الرخيمة، فأخذ طرفاً منهم، وبعد هذه الحادثة اشتدت العداوة بين مبارك وابن رشيد، وأخذ كل منهما يستعد لوقعة حاسمة، فجهز مبارك كثيراً من عرب البادية، من العجمان، والعوازم، وعريب دار، والمنتفق وبني هاجر، وأكمل هذا الجيش بالحضر من أهل الكويت ومن تبع عبدالرحمن الفيصل، وآل سليم، والمهنا أمراء عنيزة وبريدة والملتجئين إلى الكويت. وسار هذا الجيش العرمرم إلى نجد بقيادة مبارك بن صباح ولم يجد أمامه أدنى مقاومة، فدخل آل سليم بلدهم عنيزة وآل مهنا بريدة، ودخل عبدالعزيز السعود الرياض واستولى عليها ما عدا القصر الذي فيه الأمير عبدالرحمن بن ضبعان، من قبل ابن رشيد ومعه حامية من الجند فأنه حاصره بالقصر إلى أن خرج عبدالعزيز بن سعود من الرياض بعد أن جاءه الخبر بانكسار مبارك بن صباح، وتمزق جيشه، أما صفة الوقعة فأنقلها عن ثقة من آل الصباح، كان حاضر الوقعة وهو من جند ابن رشيد فهو يقول : “مضت مدة طويلة على مبارك وجنده في أطراف نجد ، وليس لابن رشيد اسم يذكر أما ابن رشيد فعنده علم عن هذه القوة الهائلة، فأخذ يعد لها العدة، فلما تم استعداده توجه لمقابلة خصمه، فالتقى الجمعان في الصريف في شهر ذي القعدة سنة 1318 هجرية، فنزل ابن رشيد في محل منخفض من الأرض، بينه وبين جيش مبارك مرتفع يمنع الرؤيا، وأرسل كشافة من خيله على المرتفع، ورجعوا يخبرونه بما شاهدوا من الجيش، وكان عزم ابن رشيد أن يؤخر القتال إلى الغد، ولكن أشار عليه مبارك بن عذبي (وهو من آل الصباح) بمناجزة الحرب، وقال له: إن بت هذه الليلة بهذا المحل هجم عليك العجمان لأنهم أهل براعة في هجوم الليل. فقبل مشورته، وساق المسيوق أمامه (المسيوق جملة من الأباعر يربط بعضها ببعض وتساق أما الجند لتكون وقاية لمن خلفها)، أما جند مبارك فإنهم لما بدت لهم طلائع خيل ابن رشيد استبشروا بها لأنهم يعتقدون أن النصر لا محالة لهم لكثرتهم، فأخذوا يركضون لملاقاة العدو بلا نظام ولا تدبير، ولما التقى الجمعان غارت الخيل من جند مبارك من بدو وحضر، فردت على أعقابها ثم جاءت أخرى من الجناح الآخر فكسرت، أما الحضر من أهل الكويت فإنهم لما ساق ابن رشيد عليهم المسيوق ردوه خاسراً، فأخذ الأمير ابن رشيد مع عمدة قومه يردون المسيوق إلى الحضر الكويتي، ولما تبين لابن رشيد أن بدو مبارك انهزموا جميعهم، ولم يبق إلا الحضر أمر خيله أن تحيط بهم، فصار حضر الكويت بالوسط يرمون من الأمام والخلف، وانهزم مبارك مع المنهزمين وترك الحضر يجاهدون حتى قضي عليهم بالإنكسار والتشتت.

وقد عمل ابن رشيد بعد الواقعة أعمالاً تمثل الوحشية والهمجية والظلم الذي لم يسمع له مثيل منذ خلق الله الأرض ومن عليها، أخذ يتتبع الفارين والمنهزمين ويجمعهم ويقتلهم صبراً بلا رحمة ولا شفقة مع علمه أن هؤلاء المساكين سيقوا للحرب بالقوة، ولم يكفه من قتل منهم في المعركة بل أخذ يتتبعهم في بيوت القصيم والقرى والمساجد، وحذر أهل نجد أن يلوذ بهم أحد من جند ابن صباح، ولهذا العمل الشنيع عاقبه الله بعد مد طويلة بالقتل وتمزيق ملكه على يد أعدى عدو له وهو عبدالعزيز السعود، الذي قتله شر قتله.

(3) وقعة هدية:

حدثت في شهر ربيع الأول سنة 1328 هجرية، وسببها أن سعدون المنصور غزا قبيلة مطير، وصادف أن بعضاً من بدو الكويت نازلون بقربهم فأخذوا مع المأخوذين؟، ولم يعلم سعدون بهم، وكتب إليه جابر بن مبارك عنهم فجاء الجواب من سعدون يعتذر إليه بعدم علمه بهم وأنه مستعد لدفع ما أخذ منهم، ثم كتب جابر لوالده مبارك يقول: إن سعدوناً مستعد لدفع ما أخذ وهو يعتذر بعدم علمه وطلب منا السماح فسامحناه، ولما قرأ مبارك كتاب جابر اغتاظ غيظاً شديداً وأخذ يردد هذه الكلمة: “من أنت الذي تسامح وأنا بالوجود.. الأمر لي ولا بد من زوال سعدون من عالم الوجود.. وما سعدون إلا كالزقارة التي بيدي أشربها”. ثم أمر أهل الكويت بالاستعداد للحرب وكلفهم مؤونة الجيش، ومن ركاب وسلاح وزاد، وكل ما يحتاج الغازون، فسار ذلك الجيش الذي لا يقل عن جيش الصريف بقيادة جابر بن مبارك وبصحبة عبدالعزيز السعود ومعه نحو 400 مقاتل من أهل نجد، وسار مع الجيش رجال من أهل الكويت للمتاجرة بما يكسب هذا الجيش من الغنيمة، فكأن النصر حليفهم لا محالة، فلما تلاقى الجيش غارت الخيل على جند سعدون فردت على أعقابها خاسرة ثم جرى قتال طفيف بين الجيشين فألقى الكويتيون السلاح وتركوا حلتهم غنيمة باردة كهدية لقوم سعدون!.. فسميت هذه الوقعة هدية، لأنه لم يجر بين المتقاتلين قتال يوجب هذا التسليم.

أما سعدون فقد أمر جنده ألا يقتلوا مدبراً وأن يكرموا الأسرى ويرجعوهم إلى أهلهم معززين، فشتان ما بين سعدون وعبدالعزيز بن رشيد.

وقد كنت أعجب من هذه الحروب بين العرب لأسباب لا تستحق رفع العصا فضلاً عن إراقة دماء الأبرياء المرغمين على الدخول في ميدان الحرب إرضاء لأمير خالف أمر الله ورسوله النبي صلى الله عليه وسلم: [إذا التقى المسلمان بسيفهما فالقاتل والمقتول في النار]. ولكن لما وقعت الحرب العالمية الأولى وتلتها الأخرى بين أهل العلم والمدنية الذين يزعمون أنهم أهل الرحمة، ويدافعون عن الحرية والإنسانية زال عجبي، وعلمت يقيناً أنه لا فرق بين العرب وغيرهم في هذه الهمجية وأيقنت أن الناس إلى اليوم على حد قول الهندي: سمك كبار يأكل سمكا صغارا، فويل للضعيف.

خلصنا اللهم من هذه الحروب الطاحنة في سبيل المطامع الوحشية وارزقنا الحرية الصحيحة إنك على كل شيء قدير.

إلى هنا انتهي من ذكر الأمراء وسيرتهم، ولعلك تقول أيها القارئ الكريم: إنك قد كلت الثناء للأمراء ولم تذكر لهم أثراً خالداً يذكرون به، فلا مساجد ولا مدارس ولا ملاجئ للفقراء والمرضي، ولا مستشفيات ولا ولا.. فالجواب أن الأمراء الذين ذكرتهم.. ما عدا مبارك لهم العذر الواسع في ذلك، لعدم وجود المال الذي هو الأساس لهذه المشاريع الخيرية، وقد علمت مما مر أن المالية لم تسد حاجات الأمراء الضرورية ولهذا يستقرضون من الأهالي، ولأنه لا فرق إذ ذاك بين أمراء الكويت وأمراء البادية في الأمية وعدم التصدر لهذه المشاريع والأهالي مثل ذلك. وإذا وجهنا اللائمة إليهم فأهل الكويت أولى بذلك حيث وجد فيهم الأثرياء بالمال مثل يوسف البدر، ويوسف الصقر، ويوسف بن إبراهيم، ومحمد بن علي بن عصفور، وغيرهم من التجار الذين هم أثرى من الأمراء، وكل هؤلاء لهم أثراً خالداً يذكرون به في مستقبل الزمان.

أما مبارك فلا عذر له في المال ولا في التصور حيث أن المال فاض في أيامه وأسست المدرسة المباركية في زمنه وزارها مراراً، وحبذا هذا المشروع المفيد ، ولكنه لم يساعدها بشيء يذكر، ولا استبعد أنه يرى أن من صالحه أن تبقى الأمة جاهلة كي لا تطالبه بحقوقها، وقد سمعت من أخيه جابر بن صباح هذه الكلمة مراراً بعد تأسيس المباركية وهي: (إن من صالحنا بقاءكم على الجهل).

وهذه فكرة خاطئة ولا شك، والمشاهد أكبر دليل فإن أمراء البلاد العالمة هم في أحسن حال وأنعم بال، بخلاف أمراء البلاد الجاهلة فهم في شقاء وتقاتل، وكفى قوله تعالى: {قل هل يستوي الذين يعلمون والذين لا يعلمون}.

الأحكام في الكويت

منذ تأسست الكويت إلى يومنا هذا ، أحكامها جارية على غير دستور شرعي أو قانون تطبق عليه الأحكام بلا مخالفة له، كما هو الحال في البلاد المتمدنة، ولئن التمسنا العذر للمتقدمين لقربهم من البداوة فلا عذر للمتأخرين.

مرجع الأحكام في الكويت الأمير وقاضي الشرع، مع النظر عن أهلية الاثنين وعدمها، فإذا صار الأمير عادلاً والقاضي نزيهاً جرت الأحكام على وجه العدالة الشرعية، وإن بليت بأمير ظالم وقاض مرتش فقدت العدالة وحصل الظلم، والحق يقال أن ما يحصل في بعض الأزمان من ظلم وتعد في أحكام الكويت فهو لا ينسب لما في البلاد القانونية من التلاعب في الأحكام وكثرة الرشوة، ومضي السنين العديدة على الدعوى حتى أن صاحب الحق يترك حقه وإن كان ظاهراً خوفاً من التردد على المحاكم، وعندي على ذلك حوادث عديدة أعرض عن ذكرها خوفاً من التطويل. وأرى أن السبب في ذلك أمران: (الأول) النزاهة في أغلب أمراء الصباح الذين بيدهم الحل والعقد. (والثاني) فطرة الكويتيين على الإنصاف وعدم التعدي، ولهذا إذا نظرت إلى سعة الكويت وكثرة السكان ترى أن المرافعات قليلة جداً، وأغلب ما يجري من الخلاف بين الكويتيين يحل عند المرتضين من الأهالي بلا مرافعة للمحاكم، فالتجار لهم لجنة من أهل التجارة وينتهي الأمر بالرضى بحكمها، وكذلك أهل الغوص وأهل السفر لهم ناس يرتضونهم لحل مشكلاتهم.

والخلاصة أنه لو كان في الكويت قانون شرعي أو عرفي محترم تجري عليه في جميع الأحكام لكانت أسعد بلد في العالم، وأملي بالله جميل بأن يتم إحسانه فأرى الكويت في جميع دوائرها تمشي على نظام مدون له حرمة وسلطة، بحيث لا يستطيع أحد ما مخالفته، ويتساوى الرفيع والوضيع.

تاريخ القضاء في الكويت

إن مبدأ تاريخ القضاء في الكويت مجهول، وقد ذكر الأستاذ ابن رشيد في تاريخه أن أول قاض عين في الكويت هو الشيخ محمد بن فيروز، ولم يذكر تاريخ توليته، ويذكر أيضاً أن الشيخ ابن فيروز توفي سنة 1135هجرية، ويقال أن منصب القضاء تولاه بعد ابن فيروز رجل من آل الجليل، ولما قدم من الإحساء محمد بن عبدالرحمن العدساني زوجه ابنته وتنازل له عن منصب القضاء إعجاباً بعلمه، فباشر القضاء في  سنة 1170 هجرية، واستمر القضاء في هذا البيت إلى سنة 1348 هجرية بوفاة عبدالله بن خالد العدساني، وقد باشر القضاء على بن شارخ نحو ثلاث سنين، والسبب أنه جرى خلاف بين محمد صالح العدساني، وابن شارخ في صوم الثلاثين من شعبان إذا غم عليه، ثم عاد محمد للقضاء بعد وفاة ابن شارخ.

سلسلة القضاة في الكويت

(1) الشيخ محمد بن فيروز وقد توفي سنة 1135، ولم ندر بالتحقيق من شغل القضاء نحو 35 سنة من بعده سوى ما يقال عن ابن عبدالجليل.

(2) الشيخ محمد بن عبدالرحمن العدساني من سنة 1170 وتوفي سنة 1197 هجرية.

(3) الشيخ محمد بن محمد العدساني من سنة 1197 إلى سنة 1208 هجرية.

(4) الشيخ محمد صالح العدساني من سنة 1208 هجرية إلى سنة 1225 هجرية.

(5) الشيخ علي بن شارخ من سنة 1225 إلى سنة 1228 هجرية.

(6) عودة الشيخ محمد صالح العدساني من سنة 1228 إلى سنة 1233 هجرية.

(7) الشيخان علي بن نشوان ومحمد بن محمود من سنة 1233 إلى سنة 1235 هجرية (هذان توليا القضاء بالوكالة حتى استعد للقضاء عبدالله العدساني).

(8) الشيخ عبدالله العدساني من سنة 1235 إلى سنة 1274 هجرية.

(9) الشيخ محمد بن عبدالله العدساني من سنة 1274 إلى سنة 1338 هجرية.

وفي أيامه الأخيرة باشر القضاء ابنه عبدالعزيز، ولما توفي محمد تولى القضاء عبدالعزيز وساعده عبدالله بن خالد العدساني ، وتوفي عبدالعزيز سنة 1339 هجرية.

وهنا ينتهي كلامنا عن القضاء في الكويت لأننا نكتب تاريخ الكويت إلى نهاية حكم مبارك، وقد أدرجنا عبدالعزيز هنا لأنه باشر القضاء في زمن مبارك بالنيابة عن والده.

علم القضاة وسيرتهم

لم أقف على مبلغ علمهم ، ولا أعرف شيئاً عنهم بوجه صحيح، سوى محمد بن عبدالله وابنه عبدالعزيز، فإنهما تصديا للقضاء بالإرث لا بالعلم والأهلية، فلهذا صارت الأحكام في زمنهما مهزلة وألعوبة عاملهما الله بعفوه، أما سيرة القضاة المتقدمين فالمسموع أنها سيرة طيبة، ولم يذكر عنهم شيء مخالف للشرع.

نادرة: جرت مذاكرة عند الشيخ محمد العدساني في زكاة الفطر، وأنها تكون من غالب قوت البلد، فقال رجل من طلبة العلم: نعم ولكن البر أفضل من غيره، لأنه هو غالب قوت البلد في رمضان، فرد عليه القاضي: إذن فلتكن الفطرة تشريبة (أي ثريداً).

المعارف والصناعة

لم يكن في الكويت معارف تذكر منذ تأسست إلى سنة 1330 هجرية، وإنما فيها كتاتيب يتعلم فيها الأولاد الصغار مبادئ الكتابة والحساب وقراءة القرآن على الطريقة القديمة، ويسمى المعلم مطوعاً، والذي يحسن القراءة والكتابة قليل على حسب نسبة السكان، وأغلب أهل الكويت إذ ذاك أميون والمطوع نفسه لا يحسن التجويد ولا رسم الخط ولا يميز بين القاف والغين، ولهذا تجد الكويتي لا يفرق في كتابته ولا في نطقه بينهما، أما الحساب فقد عرفوا منه الجمع والطرح والضرب، أما القسمة فقد عرفها قليل جداً منهم، ولم تكن العلوم العصرية التي تدرس بالمدارس الآن تعرف، وعلماء الدين أغلب معرفتهم في الفقه والنحو والوعظ، ويسمى الواعظ محدثاً.

والصناعات بأسرها لا توجد لها مدرسة ولا معلم يأخذون عنه الصناعة إلى يومنا هذا، وإنما المشتغلون بالحدادة والنجارة والبناء والصواغ والنحاسون تلقوا معرفتهم بالممارسة لهذه الحرف.

وعند أهل الكويت أن المشتغل بهذه الصناعات ساقط الأصل، ولهذا يترفع النسيب عن تعاطي الصناعة، ولكنهم لا يعيبون النسيب إذا كان متسولاً يريق ماء وجهه، ولا أن يكون زبالاً أو كناساً، أو جصاصاً، أو سقاء، وهذا المعتقد الفاسد لا يختص بالكويتيين وحدهم بل يشمل النجدين وأهل البحرين وأهل قطر، والعجيب أنهم يترفعون عن مهنة شريفة لم يترفع عنها أنبياء الله الذين هو صفوة الخلق.

اللهم أرشد العرب لما به حياتهم، وأزل عنهم هذه الفكرة السخيفة، فكرة الفخر بالعظام النخرة وبالأصول التي ما لها أصل عند الله ورسوله، فالله يقول: {إن أكرمكم عند الله أتقاكم}، والرسول صلى الله عليه وسلم يقول: [لا فضل لعربي على أعجمي، ولا أبيض على أسود، الناس من آدم وآدم من تراب]. ويقول الرسول لما تلي عليه قوله تعالى: {وآخرين من دونهم لا تعلمونهم} [صدق الله وكذب النسابون]. والعجيب المستغرب الذي لا يقبله العقل السليم أن كتب الأنساب تسلسل النسب إلى آدم، فكان المؤلف في النسب قابلة تقيد المولود من بني آدم إلى زمننا هذا!! وانظر نسب السلطان عبدالمجيد في كتاب الأنساب تر سلسلة نسبه إلى آدم.

فيا أخواني وأبناء جنسي كونوا عصاميين لا عظاميين وجاروا الأمم الحية بصناعاتها، فلا حياة لكم إلا بالأخلاق العظيمة، والصناعات المفيدة، أليس من النقص أن الأصيل لا يحسن صنع إبرة يخيط بها ثوبه، والأوروبي طبق الأرض بعلومه وصناعاته فطار مع الأطيار، وغاص في لجج البحار، واستولى على الممالك وما فيها من الأقوات وصرنا نعيش تحت رحمته محافظين على الأصل كي لا يتدهور بالصناعة.. فأف وتف لهذا العقل السقيم وأقول على هذه المصيبة: إنا لله وإنا إليه راجعون.

السبب في بناء المدرسة المباركية

كان الشيخ محمد بن جنيدل يقرأ البرزنجي في محلنا وكان المجلس محتشداً بالمستمعين، فلما انتهى المولد قام المرحوم السيد ياسين طباطبائي وألقى كلمة خلاصتها: “ليس القصد من مولد النبي تلاوة المولد وإنما القصد الاقتداء بما جاء به النبي صلى الله عليه وسلم من الأعمال الجليلة. ولا يمكننا الاقتداء به إلا بعد العلم بسيرته. والعلم لا يأتيكم اليوم إلا بفتح المدارس المفيدة، وإنقاذ الأمة من الجهل”. وبعد ما انتهى كلامه تدبرته فإذا هو الحق فأخذت أفكر في الوسيلة التي يكون بها فتح مدرسة علمية. فرأيت أن أكتب مقالاً أبين فيه فضل العلم والتعلم، ومضرات الجهل وقيمة التعاون على هذا المشروع فكتبت هذا المقال وابتدأت بالتبرع لهذا المشروع بمبلغ 50 روبية، ليست في ملكي حينئذ وإنما دفعتها بعد أن يسرها الله لي، ثم ذهبت إلى المرحوم سالم بن مبارك الصباح وتلوت عليه المقال، فأجابني بأنه لا يمكن أن يقوم بهذا الأمر إلا الحاكم وكان الحكم حينئذ بيد والده مبارك. وخرجت منه قاصداً محل شملان بن علي بن سيف ولم أجد هناك إلا إبراهيم بن مضف فتكلمت معه عن المشروع فتبرع بمائة روبية، وبعد هنيهة جاء شملان وأخبرته فحبذ هذا العمل ولكنه لم يظهر لي غايته ولم يكتب شيئاً، فخرجت من محله منكسف البال، لأنه الصديق الحميم الذي يسمع كلامي ولا يخالفني في شيء. ولكنه حين قيامه من محله ذهب إلى دكان أولاد خالد الخضير، وأخبرهم بالخبر فاستبشروا به وتبرعوا بخمسة آلاف روبية وتبرع شملان بمثلها، وطلبوا من إبراهيم بن مضف الزيادة فتبرع بخمسمائة روبية. ثم خاطبوا هلال المطيري فتبرع بخمسة آلاف روبية، ثم جرى الاكتتاب فحصل من بقية أهل الكويت 12500 روبية ثم كتب آل خالد وناصر المبارك وشملان وهلال إلى قاسم وعبدالرحمن آل إبراهيم فتبرع قاسم بثلاثين ألف روبية وتبرع عبدالرحمن بعشرين ألفاً فصار مجموع رأس مال المدرسة 77500 روبية، وتبرع أيضاً أولاد خالد الخضير ببيت كبير للمدرسة. وعينت لمباشرة البناء، واشترينا بيت سليمان العنزي. وبيتاً آخر بقيمة زهيدة. وحصل بيت وقف خرب تحت إشراف آل خالد أدخلناه في المدرسة وتعهدت المعارف بدفع قيمة أضحيتين بحسب نص الموقف كل سنة، فصار مجموع قيمة البيوت التي ألحقت في بيت خالد 4000 روبية وشرعنا في البناء سنة 1329هجرية وانتهى في رمضان من هذه السنة وبلغ مجموع ما صرف على البناء والأبواب والأخشاب نحوه 16000 روبية، وفتحت المدرسة للتدريس أول المحرم سنة 1330هجرية وعينت ناظراً لها والمدير السيد عمر عاصم وسارت المدرسة سيراً حسناً نحو 3 سنوات ثم عزلني مبارك الصباح عنها. وحجته أمام الأعضاء أن محلي مأوى للأجانب وهو لا يأمن مني.. وأما الحقيقة فإنه طلب مني أن يكون الأخ حسين كاتباً عنده فالتمست منه العفو عن ذلك. فعفى وفي خاطره شيء عن ابائي، ثم أمر ابنه سالماً أن يأخذ حسيناً معه في غزو العجمان لما حاصروا الاحساء، فرجوت من سالم أن يقنع والده بتركه. فلم يقصر وسعى بكل جهده حتى أقنعه.

ولما خرج سالم في غزوته هذه لمساعدة عبدالعزيز السعود أمر أعضاء المدرسة بعزلي، فجاءني المرحوم حمد الخالد ليلاً مشفقاً على وقال لي: أرجوك أن تذهب بكرة إلى مبارك الصباح أنت وأخوك حسين، وتطلب منه العفو والسماح وتقول له: ها أنا وأخي تحت أمرك للخدمة، وتكتب أيضاً لأعضاء المعارف الاستقالة كأنها منك لا بأمر مبارك فأجبته لو أعلم أني أخطأت على أدنى أحد لذهبت ألتمس منه العفو والصفح، ولكني لم أذنب فكيف أطلب عفواً بلا ذنب صدر مني. وأما الكتابة للأعضاء بأن الاستقالة صدرت مني فأعدها كذباً، ولا أفتري على الله، بل أقول: “مبارك عزلني بصراحة”، ثم أخذ يقول: “الله يهديك!.. الله يهديك!.. سلم النظارة للشيخ يوسف الحمود بالغد”. فسلمتها له بنفس طيبة، فكان الخير فيما اختاره الله، وعسى أن تكرهوا شيئاً وهو خير لكم.

علماء الدين في الكويت

لا بد لي من كلمة في علم الدين قبل الشروع بذكر العلماء.

ورد في الحديث الشريف: [إن الله لا يقبض العلم انتزاعاً ينتزعه من قلوب الرجال، ولكن يقبض العلم بقبض العلماء]. الخ.

ومما لا شك فيه أن العلماء يموتون كغيرهم، فلماذا تقدمت جميع العلوم حتى صارت علماء الأزمان الماضية لا ينسبون إلى المتأخرين في سعة العلم والمدارك، إلا علماء الدين فإنهم في تأخر وانقراض؟ الذي أراه أن السبب في ذلك هو أن الحكومات الإسلامية أعرضت عن أحكام الشرع، وجعلت الحكم للقانون فحل محل القضاة الشرعيين قضاة القوانين وحل محل المفتين رجال المحاماة وصار رجال الدين لا يعيشون إلا من أوساخ الصدقات. فالذي عنده نفس أبية لا يقبل هذه الحالة الدنيئة، فلهذا أخذ العلم الديني ينقرض والسبب هو الإعراض عنه بعكس ما كان من الإقبال عليه في الزمن السابق وإليك ما يذكره الإمام الغزالي في الإحياء واعتراضه على أهل زمنه بترك الطب والإقبال على الفقه. قال: إنكم من بلد ليس فيه طبيب إلا من أهل الذمة، ولا تجوز شهادتهم فيما يتعلق بالأطباء من أحكام الفقه. ثم لا نرى أحداً يشتغل به ويتهافتون على علم الفقه ولا سيما الخلافيات والجدليات والبلد مشحون من الفقهاء بمن يشتغل بالفتوى والجواب عن الوقائع فليت شعري كيف يرخص فقهاء الدين في الاشتغال بفرض كفاية قد قام به جماعة وإهمال ما لا قائم به، وهل لهذا من سبب إلا أن الطب ليس يتيسر به الوصول إلى تولي الأوقاف والوصايا وحيازة مال الأيتام وتقلد القضاء والحكومة والتقدم على الأقران والتسلط على الأعداء.

فمن كلام الغزالي يظهر لك ما قلناه من أن السبب في انقراض العلم الديني إعراض الحكومات الإسلامية عن الأحكام الشرعية واستبدالها بالقوانين الوضعية، والناس هم الناس وقس الحاضر على الماضي تجدهم على حد قول القائل:

أظهروا للناس نسكاً       وعلى الدينار داروا

وهذا الحال هو الغالب على الناس والنادر لا يبنى عليه حكم. وإليك طائفة من علماء الدين في الكويت:

(1) السيد أحمد بن السيد عبدالجليل طباطبائي:

هو رجل العلم والورع تصدى للتدريس نحو 20سنة ولم ينقطع عنه إلا بمرض موته. استفاد منه الكثير من أهل العلم فمنهم الشيخ خالد بن عبدالله العدساني، ويوسف اليعقوب، وعبدالوهاب الغرير. وتوفي حوالي سنة 1295هجرية.

(2) الشيخ أحمد بن محمد الفارسي:

رحل في طلب العلم على نفقة سليمان البدر القناعي وتعلم في كوهج ومسقط ومصر، وعاد إلى الكويت بعد مضي سبع سنين.

كان آية في الذكاء والحفظ، فصيح اللسان لا يتطرق لسانه اللحن، حسن الصوت متوغلاً في علم الأدب، ويحفظ الكثير من الشعر، إذا جلس في مجلس كثر المستمعون لما ينثر من الأدب وإذا وعظ امتلأ المسجد من الخلق لسماع وعظه، وقد حصل له من الإقبال ما لم ينله أحد في الكويت من طلبة العلم، وأكثر علمه في الأدب والوعظ، ولكنه مع الأسف لم يتصدر للتدريس ولم تنتفع منه الكويت، حتى أولاده لم يعلمهم ولا أحسن تربيتهم، ولهذا يقول فيه الشيخ عبدالعزيز العلجي من قصيدة طويلة:

فالشيخ مهما رأينا من سماحته         نراه للعلم مناعاً وحباساً

وكان إذا وجهت إليه اللائمة بعدم التعليم يقول: إذا تصديت للتدريس أقبل إلي الأفاقون من الطلبة وليس لهم ملجأ يأوون إليه ولا نفقة يستعيشون منها. توفي سنة 1354هجرية بعد أن تجاوز التسعين.

(3) الشيخ خالد بن عبدالله العدساني:

طلب العلم في بادىء أمره عن يد والده عبدالله، ثم واظب على التعليم عند السيد أحمد بن السيد عبدالجليل، ثم تصدى للتعليم إلى أن كف بصره.

كان فقيهاً نحوياً، وله يد في الشعر إذا بدت الحاجة إليه وعين إماماً وخطيباً في جامع السوق واستمر به إلى أن توفي سنة 1318هجرية، وقد رثاه عبدالله الفرج بقصيدته التي مطلعها:

أراع لخطب بدى في الوجود            وقوعاً كوقع مواضي الحدود

وكيف وقد ضرمت في البلاد            مصائبه النار ذات الوقود

على مثل خالد فليبك من                يحن عليه حنين الرعود

إلى أن قال بتاريخ الوفاة:

وقد قلت لما مضى ارخوا                       دعته جنان لأجل الخلود

(4) الشيخ عبدالرحمن الفارسي:

طلب العلم في مكة ورجع إلى الكويت، وشرع في التعليم في النحو والفقه، وممن استفاد منه الشيخ عبدالله بن خالد العدساني، وصار خطيباً في جامع الخليفة، ثم لم تطب له الإقامة في الكويت فسافر عنها خمسين سنة متنقلاً في بلاد الله الواسعة وأكثر إقامته في كربلاء، وكان قد تزوج في العراق ورزق ولداً وعاد إلى الكويت بعد نصف قرن واستقام خمس سنين حتى توفاه الله سنة 1360هجرية وله من العمر ما يقارب تسعين سنة.

كان لطيف المحضر صاحب نكتة. سمعته يقول: دخلت على الزهاوي (والد جميل المشهور) فأنشدني:

ابن ابننا من ابننا أحب         الابن قشر والحفيد لب

فأجبته حالاً:

وكل كردي وإن تنبا    فهو إذا حققت فيه دب

فضحك وقال: قاتلك الله.

(5) الشيخ مساعد العازمي:

سافر إلى مصر لطلب العلم، ومكث بها سنتين ورجع إلى الكويت وأخذ يدرس في فقه مالك والنحو والعروض ثم اضطر لكسب المعيشة فتعلم صفة التلقيح ضد الجدري واستفاد منها في توسعة معيشته وفي آخر عمره هاجر إلى البحرين وتوفي بها.

(6) الشيخ عبدالله بن خالد العدساني:

تعلم الفقه على والده خالد، والعربية على عبدالرحمن الفارسي وتصدى للتدريس بعد أن كف بصر والده واستقام نحو عشرين سنة مثابراً على التعليم، واستفاد منه خلق كثير وعين مفتياً في زمن سالم المبارك، ولما توفي عبدالعزيز العدساني صار هو القاضي إلى أن توفاه الله سنة 1348هجرية.

(7) السيد سليمان ابن السيد علي:

تغرب لطلب العلم إلى الاحساء، وكان بها في محل الحفاوة لصلاحه واجتهاده في الطلب. وأدرك في مدة قليلة ما لا يدركه غيره في زمن طويل، ورجع إلى الكويت وشرع في التعليم، وحصل عليه إقبال من وجهاء الكويت، ولكن المنية عاجلته وهو في مقتبل العمر ولم تفسح له حتى نرى ثمرة ذلك الاجتهاد والإخلاص.

وما الدهر والأيام إلا كما ترى      رزية حر أو فراق حبيب

(8) ملا أحمد بن محمد القطان:

هو رجل تقي كفيف البصر تغرب لطلب العلم إلى الاحساء وفارس فاستفاد من هذه الرحلة سيما في علم الفقه، وكان لا يمل من مجالسة طلبة العلم والمذاكرة معهم، عين إماماً في مسجد عبدالعزيز المطوع وبقي فيه إلى أن توفى سنة 1327هجرية.

(9) الشيخ عبدالله بن خلف:

رحل إلى الزبير لطلب، وتعلم عند الشيخ عبدالله بن حمود، والشيخ صالح المبيض، والشيخ محمد بن عبدالله العوجان، ورجع إلى الكويت وشرع في التعليم، وكان محله مدة حياته مجمعاً لطلبة العلم صباحاً ومساءاً، واستفاد منه كثير من طلبة العلم في الكويت، وتولى القضاء سنة 1348هجرية. وكان مثالاً للعفة والنزاهة والعدل، ولم نعرف أحداً تولى القضاء وأدى واجبه مثله. وكانت توليته القضاء بإلزام من الشيخ أحمد الجابر لأنه متعين عليه القيام بهذه الوظيفة حيث لم يوجد من يماثله في العلم والصلاح. واستقام في القضاء محتسباً لم يأخذ أجرة عليه، وتوفي سنة 1349هجرية في رمضان وصار يوم موته مصيبة كبرى على أهل الكويت.

(10) الشيخ محمد بن فارس:

هو الرجل الوحيد في الكويت المشهور بالتقوى والنزاهة والورع كان في أول عمره يعلم الصبيان القرآن. ثم اشتغل بالتجارة فكان فيها مثالاً صالحاً بحسن المعاملة على الوجه الشرعي، وربح منها بما أغناه عن ذل الحاجة للناس، وكان عليه الرحمة رجلاً مسموع الكلمة محبباً لدى عموم الكويتيين، تعلم عنده الشيخ عبدالله الخلف الفقه في أول طلبه، ولا مبلغ تحصيل الشيخ محمد من العلوم، والمسموع أن علم الفقه هو الغالب عليه بالدراية.

توفي سنة 1326هجرية حميد السيرة مرضياً عنه.

(11) الشيخ محمد بن إبراهيم الغانم:

رحل إلى الاحساء لطلب العلم، وساعده توقد ذكائه، حتى إنه أدرك ما لا يدركه غيره في مدة سنين ورجع إلى بلاده وشرع في التعليم محتسباً لله، وأدركته الوفاة وهو في ريعان الشباب، رحمه الله.

(12) الشيخ محمد بن جنيدل:

طلب العلم في الكويت عن يد الشيخ عبدالله العدساني والشيخ عبدالله بن خلف، واستفاد فائدة كبيرة لكثرة ملازمته لمحل الشيخ عبدالله بن خلف، وكان لا يفارق مجلسه حتى توفاه الله حوالي سنة 1342هجرية.

(13) الشيخ يوسف بن حمود:

طلب العلم في الكويت عند الشيخ مساعد العازمي، واستفاد منه فائدة كبيرة، فاشتغل في التجارة فلم يوفق فيها، وعين مدرساً بالمدرسة المباركية، وكان ملازماً لمحل الشيخ عبدالله الخلف لما به من المذكرات العلمية، وبعد وفاة الشيخ عبدالله لزم بيته، وانقطع عن مخالطة الناس حتى توفي سنة 1365هجرية.

الشعراء في الكويت

قد تكلم الأستاذ ابن رشيد عن شعراء الكويت وأدبائها فلا حاجة لإعادة ذكرهم، وإنما أراه ترك عدداً من شعراء الكويت لهم المحل الأرفع ولم يذكرهم في تاريخه. وإليك البيان عنهم.

(1) عبدالله الفرج:

هو شاعر بالعربية والنبط والزهيري، وله شهرة كبيرة في زمانه في الكويت وتسمى بمحيي الهوى لقوله:

يقول محيي الهوى بالحب زايد غرامه      عطشان يشكو الظما..

وأكثر شعره في الشكوى من الزمان وأهله، والسبب في ذلك أن والده خلف له مالاً كثيراً ولكنه لم يحسن التصرف فيه، ونفد من يده في مدة قليلة، وأعرض عنه الناس بعد ذهاب المال من يده، وأحسن قصائده بالعربية قصيدته في السلطان عبدالحميد التي مطلعها:

هلم لطالع الملك السعيد     وسلطان الورى عبدالحميد

أما بالنبط فأحسن ما قال قصيدته في مدح الأمير محمد بن عبدالله بن رشيد، أمير حائل التي مطلعها :

ما حلا النظم المسطر كالعقود       والسلام اللي جما الدر النضيد

إلى أن يقول:

ما خفي من طالعه نجم السعود      ولد عبدالله محمد بن رشيد

ومنها :

سل بني عتبه وسل عنه السعود       والخليفة قاطبة وآل بو سعيد

وأنشد العربان قطان العدود         يخبرونك عنه بالعلم الوكيد

عن ربيع الضيف عن ريف الوفود    عن ذرى الملهوف عن ملجا الطريد

وكان من اللازم على محمد بن رشيد أن يكافئه على هذا الثناء بما هو أهل له، ولكن كانت مكافأته لا تنسب إلى مكانة الأمير ومكانة عبدالله، لأن عبدالله من بيت رفيع وكان صاحب ثروة، وأحوجه الأمر للثناء ملتمساً رفد الأمير ولا نقول إلا أن لكل جواد كبوة.

وقد قضى عبدالله معظم حياته آخر زمنه في يوسفان في بيت الحاج أحمد النعمة من ضواحي البصرة، وكان يجيد الضرب على العود وغيره من آلات اللهو، وله مهارة في التلحين وله أصوات كثيرة مبتكرة من تلحينه، أما مبلغ شعره من حيث البلاغة والطلاوة فهو وسط وأرى أنه لا ينسب شعره لشعر خالد بن محمد الفرج في العربية، كما أن شعر حمود الناصر في النبط أمتن من شعر عبدالله، ومما يؤخذ عليه استعمال الشعر القديم بدون تنبيه أو إشارة لقائله. مثل قوله:

وفاضت دموع العين مني صبابة        على فقد سكن الدار والمنزل البالي

فالشطر الأول لامرىء القيس، ويوجد غير هذا في شعره. توفي سنة 1320هجرية عن عمر يقارب 80 سنة ورثاه ملا عابدين بقصيدة فيها تاريخ وفاته وهو “لقد غاب محيي الهوى في اللحود”.

(2) حمود بن ناصر البدر:

هو شاعر مجيد في النبط وعنده اطلاع واسع في مفردات اللغة وأكثر شعره في الغزل، حتى قال بعض الأدباء عنه عند المقارنة بين شعره وشعر العوني “إن حموداً بلاغته في الغزل فقط”. ولما بلغه الخبر أنشأ قصيدته المشهورة التي مطلعها:

أنحي الدجا وانجال عن لذ الكرى        جفن من أسباب الحوادث مسهراً

وتنكبت شهب النجوم وغربت         وانجال جنح الليل والصبح أسفرا

وهي قصيدة طويلة بدأ فيها بالغزل ثم خرج إلى الثناء على ممدوحه وهو سالم بن مبارك الصباح ثم طلب العفو من الله بالسماح في ختامها، ومن الغزل فيها:

رعبوبة رقت حواشي حسنها        خوذ لها لب الفؤاد مسخراً

يشبه غضيض الموز ناعم عودها       من نود نسمات النسيم يهصرا

ومن الثناء:

كالأحنف المشهور حلمه والذكا       ياس المسمى والشجاعة عنترا

أعنيك يا زين الجوازي سالم            أن باه مفقود اليقين المبهرا

حيث أنت يا ديم المحول وريفها       جذوة جهامتها منير المجمرا

ومن طلب العفو :

يا لله يا من لا إله غيرك        ارحم ضعيفاً لك بدأ يتعذر

وأشهر من هذه قصيدته بالصريف التي مطلعها :

يا راكبين أكوار ست تبارى     فج النحور أفحاز ما بين الأزوار

فقد صارت لها شهرة كبيرة في الكويت، والحقيقة أن حموداً شاعر مقتدر، ولكن أغلب شعره في الغزل، ومن ابتكاراته التي لم أطلع على أحد سبقه لهذا المعنى قوله في قصيدة مطلعها :

لا باس يا دمثات ترفات الأبدان

حيث يقول :

إلى زها الملبوس والعمر ما زان     واضيعتاه بين السرف والغواتي

ومنها:

عن حور عدن لا تسألون رضوان     جان استقر وقال ذا أكمل صفات

استغفر الله ما على الحور قصران      لكنهن عن ما فعل قاصرات

بدقاق رمش امدوعجة خرس الأعيان    نجل سهام الحاظهن مفتنات

(3) محمد الفوزان:

هو شاعر مجيد بالنبط، وشعره لا يخلو من حكمة أو ظرف، وقد أقبل أهل الكويت على شعره لما فيه من سهولة اللفظ ووضوح المعنى، وأكثر شعره في الشكوى من الزمان وأهله. لأنه من المقلين، فمن قصائده الشهيرة قوله:

الله من كثر الهواجيس بالبال     يا ليت بفراق الهواجيس ساعة

إلى أن يقول:

أصحابنا هالوقت يا خيبة الفال           لو هربدوا وياك عدوان قاعة

ياقون عثرات القوي صاحب المال      وإلا الفقير إن طاح داسو خناعه

ويقول:

لولا السبيل ولذعته تردع الياش        خطر يطيش العقل من زود ما فيه

ثم أخذ يشكو الزمان وعدم توفيقه من جميع الجهات حتى قال فيها:

ومنين ما تلتاح والرق حواش       والبلد حذفه ما يجديه راعيه

وقد دعاه محمد المطوع على باجه وخبز ودبس التمر فلما قام من الأكل قال:

الحمد لله السمي * شغله دني * دبسة وراسة غثني

(4) السيد عبدالمحسن بن السيد عبدالله طباطبائي:

نبغ في الشعر وهو حديث السن فكان ينظم الزهيري والنبط والعربي وهو من المكثرين في ذلك، وله سعة اطلاع في مفردات اللغة، ولما رد ابن جمهور على حمود الناصر في قصيدته التي مطلعها :”يا راكبين أكوار ست تباري”.

وقال في رده:

ذي لابةٍ ما يلبسون الوزارا        ولا يمعوها من حساوي وبحار

رد عليه السيد عبدالمحسن بقوله:

احمود ما داس المظالم وجارا    كلا وقولك له هو الخزي والعار

إلى أن قال في أهل الزبير بسبب حبهم لابن رشيد وكرههم لمبارك بن صباح:

مثل الذي يعرس بحايل قفارا          وبدار ابن عوام يضرب له الطار

مناقب الكويتيين

لأهل الكويت مناقب يمتازون بها عن غيرهم، وإن كانت بلادهم لا تخلو من الطيبين رجال الفضل والإحسان إلا أن الكويتيين نسبة لحالتهم المالية وقلة عددهم يفوقون غيرهم في ذلك.

وإليك بعضاً من مناقبهم الجليلة:

(1) التآلف والتوادد فيما بينهم فكأنهم بيت واحد وإن اختلف الجنس والنسب.

(2) لا تجد التحاسد والتدابر والمشاغبات بينهم.

(3) لا يجري بينهم تقاتل ولا تضارب، وإذا جرى شيء من بعض السفهاء لم يرفع الأمر إلى الحاكم بل يتوسطه خيارهم ويزال الخلاف.

(4) مساعدات بعضهم لبعض متواصلة، للمنكوبين والمعوزين من الفقراء واليتامى والمساكين وأبناء السبيل وتجد المساعدات لهؤلاء البائسين لا تنقطع يومياً.

(5) إكرام الضيف، والأجنبي إذا نزل بساحتهم لا يعد إلا كواحد منهم.

(6) منازلهم في رمضان مفتوحة لإفطار الصائمين من الفقراء والمساكين، وتجد الفقير في رمضان كالشاة في أيام الربيع.

(7) لا تجد في الكويتي كبرياء ولا يحتقر الناس مهما كانت منزلته من الرفعة، وهذه الخصلة الشريفة تشمل الأمير والمأمور وأصحاب الوظائف الحكومية.

(8) جميع الأعمال الخيرية يعملونها بتكتم ولا يحبون أن يطلع عليها أحد ولا يتباهون ولا يتفاخرون بهذه الأعمال بل تنسى كأن لم تكن.

وبالختام أقول إن قول الشاعر:

وإن كانت النعما عليهم جزو بها       وإن أنعموا لا كدروها ولا كدوا

ينطبق عليهم تماماً. والله أسأل أن يتم عليهم نعمته ويوفقهم لرضائه.

الحوادث التي يؤرخ بها الكويتيون

جرت عادة أهل البادية أن يؤرخوا بالحوادث التي لها شأن دون أن يعرفوا السنة التي وقع الحادث بها، وحيث أن أهل الكويت في بادئ أمرهم قريبون من حالة البادية قلدوهم بذلك، إلا أن أهل البادية لا يعرفون تاريخ الحادثة وأهل الكويت يعرفونها. فمن الحوادث المؤرخ بها:

(1) الطاعون:

حدث في سنة 1247هجرية، ولم يختص بالكويت بل حدث بالعراق وغيرها من البلاد التي على الخليج العربي. وقد فتك بالكويت فتكاً ذريعاً بحيث أن أغلب البيوت خلت من سكانها بل عجز الناس عن دفن موتاهم في المقابر فأخذوا يدفنونهم في بيوتهم، ومن النوادر التي جرت في أيام الطاعون أن بعض البيوت لم يبق فيه سوى امرأة وأصيبت بالطاعون، فدخل سارق وأخذ ماعز في البيت، ولم تستطع المرأة أن تستغيث، فلما حمل المال على ظهره أصيب ولم يستطع حمله وبقي هو والمال في محله حتى توفي، وسلمت المرأة من المرض!..

(2) الهيلك:

ليس لهذا الاسم أصل بالعربية، وإنما هو اصطلاحي ومعناه أن خلقاً من أهل فارس أصابتهم مجاعة وجاء عدد كبير منهم إلى الكويت وسمو بهذا الاسم، وهذه المجاعة حدثت سنة 1285هجرية وانتهت سنة 1288هجرية.

وقد قام أهل الكويت بالأعمال الجليلة من إطعام المساكين وإنقاذهم من التهلكة حتى فرج الله على عباده، وقد بلغت الحالة ببعض أهل فارس أن باعوا بناتهم، وشربوا الدم، وممن صارت لهم شهرة طيبة بالإطعام: سالم بن سلطان وعبداللطيف العتيقي، ويوسف البدر، ويوسف بن صبيح، وبيت ابن إبراهيم.

(3) الطبعة:

حدثت سنة 1288هجرية. وهي غرق جملة من سفن الكويتيين بسبب طوفان عظيم حدث بين الهند ومسقط، ولم يسلم منه إلا النادر من السفن، وممن ذهبت سفنهم، بيت إبراهيم، والعصافير، ونصف البدر، وابن صبيح، ومحمد الغانم.

(4) الرجبية:

وهي مطر عظيم وقع في رجب سنة 1289هجرية، وأضر ببيوت الكويت، وكان مع قوة المطر ريح عاصف، حتى طغى البحر وارتطم كثير من السفن، ونتج عن هذا ضرر عظيم.

التجارة والتجار

تصدر إلى الكويت في الزمن السابق الأطعمة من العراق (البصرة وسوق الشيوخ) كما يصدر إليها شيء قليل من الهند، ثم تحولت الحالة فصارت الغلبة للهند والقليل من العراق ولا سيما بعد ظهور أرز رانقون فقد تغلب على جميع الأطعمة لعدم كلفته ولرخص قيمته. وتجلب الأخشاب بأنواعها والبهارات والصبار والكمبار من المليبار في السفن الشراعية وتجلب الملابس من الهند.

وأشهر التجار في ذلك الوقت بيت آل إبراهيم وعثمان وعلي آل فريح، وخالد الخضير، ومحمد صالح الحميضي، وسالم بن سلطان، وعبداللطيف العتيقي، وزاحم بن عثمان، ومحمد تقي غالب، وعثمان العنقري، وعبدالله رشيد البدر، وبيت محمد رفيع، ولم نذكر أحداً من تجار هذا الوقت مع تفوقهم على المتقدمين بالمال والإدارة لأننا نكتب عن الزمن الماضي.

تجار اللؤلؤ

إن المشتغل بتجارة اللؤلؤ يسمى (طواشاً) وتجار اللؤلؤ كثيرون ولا نذكر منهم إلا أهل الثروة الطائلة. ففي أول القرن الثالث عشر الهجري اشتهر بتجارة اللؤلؤ الشيخ أحمد بن رزق وهذا الرجل صار له منصب عالي في زمنه عند الأمراء ورجال الحكومة العثمانية، وكان يجمع بين المال والأدب والكرم وقد اطلعت على كتاب له مؤرخ في سنة 1219هجرية لمعتمد العثمانية في بغداد، وخلاصته أن معتمد الحكومة طلب منه أخشاباً من المليبار وأن الشيخ أحمد عين له بعض السفن الكويتية لنقل الأخشاب من المليبار وفيه يقول لمعتمد الحكومة: “كن مطمئناً من عبدالله الصباح فإنه رجل عاقل ومغلوب لجماعته” وكانت الحكومة في ذلك الوقت متخوفة من سعود عبدالعزيز آل سعود وخافت من ابن صباح أن ينضم إليه. وبعد الشيخ أحمد اشتهر بتجارة اللؤلؤ محمد بن علي بن موسى بن عصفور ثم هلال المطيري، وهذا أكبر طواش لا في الكويت بل في الخليج كله، وقد بلغت ثروته ما ينوف على سبعة ملايين روبية، ثم حسين وشملان أولاد علي بن سيف، وآل خالد الخضير، وإبراهيم بن مضف، ويوجد طواشون غير هؤلاء ولكنهم لم يبلغوا مبلغهم.

تجار الخيل

كانت تجارة الخيل رائجة في الزمن السابق، وكان التجار يحملون خيولهم في السفن الشراعية إلى بومبي، ولما اتصلت البواخر إلى البصرة أخذوا يحملون الخيل إلى المحمرة بالسفن ومنها بالبواخر، وحين مرور السفن التجارية بالكويت حينذاك ضعفت تجارة الخيل حتى انقطعت، والسبب هو وجود السيارات.

وأشهر تاجر بهذه التجارة يوسف البدر فقد بلغت ثروته 120.000 ريال وتوفي سنة 1297هجرية عن 60.000 ريال وهذا المبلغ في ذلك الزمن شيء كثير، وليوسف عليه الرحمة الذكر الجميل في الكويت وفيه يقول شاعر العراق (الأخرس):

إن الكويت حماها الله قد جعلت       في اليوسفين مكان السبعة الشهب

ويقصد بيوسف الثاني ابن صبيح، وبعد يوسف البدر في تجارة الخيل علي العامر، ومحمد بن فيد، ومحمد المديرس، وأحمد العدواني، وسليمان الجاسم. هؤلاء التجار لم تبق باقية لثروتهم، وكثير من أهل الكويت يتشاءمون من تجارة الخيل، ويعتقدون بسرعة زوالها، والحقيقة أن تجار الخيل وتجار اللؤلؤ يجازفون مجازفة تضر بتجارتهم إذا لم تأت الأمور على المطلب فالذي يملك عشرة آلاف يشتري بخمسين ألف فإذا خسر عشرين بالمائة أفلس، ولو اعتدل بالشراء لبقي له شيء من رأس المال.

السفن الشراعية وتجارها

كانت الكويت في بادىء أمرها -إلى أن أخذت البواخر تمرها- معظم تجارتها تأتي في السفن الشراعية، وفيها تجار يجلبون البضائع من الهند والمليبار واليمن وزنجبار، وأشهر تاجر منهم يوسف الصقر وسليمان بن عبدالجليل وصقر وحمد آل عبدالله الصقر، فهؤلاء ملكوا ثروات طائلة من التجارة، وكانت لهم سفن خاصة، كما كانوا ينولون السفن الأجنبية لحمل التمر من البصرة إلى الهند واليمن، ومن هناك يشحنون هذه السفن إلى الكويت بما يرونه صالحاً لتجارتهم.

أسماء السفن وأنواعها

ومن السفن الكبيرة التي تسافر إلى الأماكن البعيدة في الزمن السابق نوع يسمى (بغلة) ونوع يسمى (شوعي) أما (البوم) فهو اسم للسفينة الصغيرة التي تشتغل في البلد أو في البلاد القريبة مثل البصرة والبحرين، أما الآن فقد عدمت البغلة والشوعي أو كادت، وحل محلها البوم مطلقاً للبلاد البعيدة والقريبة لأنه أمتع وأسهل صنعة من البغلة والشوعي.

وسأذكر هنا أسماء السفن الكبار في الزمن السابق أما سفن هذا الوقت فكثيرة جداً ففي الكويت نحو 150سفينة من السفن التي تسافر إلى الهند وغيرها، وأما الصغار فكثيرة جداً ولا حاجة لذكر عددها.

وإليك أسماء البغال:

(الاقحطاني والابراهيمي) لبيت ابن إبراهيم (شط العرب ورقوان) للجد محمد بن حسين (العكف) لعبدالعزيز بن زبن (المنصوري) لأولاد ابن نصف (السالمي) للشيوخ (السليماني) لحمد بن ناصر (العذرة) ليوسف الغنيم (الميل) لعبدالعزيز الجوعان (مكاتبي والاقحطاني) لابن عبدالجليل (الهاشمي) للسيد محمد (شط الفرات) للوالد عيسى (عنقاش) لملا عبدالله ابن حسين (الهايته) لجاسم السليمان (الهاشمي) للسيد صالح (العريضة) ليوسف بن خميس (فتح المبارك) لحسين العسعوسي (السلامتي) لمحمد الغانم وقد بنيت بعد هذه من الأبوام ما هو أكبر منها.

الغواص وتطوره

كان الغواص على اللؤلؤ في بادىء أمر الكويت ضعيفاً جداً، وحاصله زهيد وعيشته ضنكى، فهو يأكل التمر العتيق (ويسمى الحويل، أي حال عليه الحول) وإدامه السمك، ويأكل وجبتين من الأرز في الأسبوع. وكان لا يستعمل الصفحة وإنما ينثر الزاد على السفرة، وتتلبد الأوساخ عليها ولا تغسل إلا مرة في الأسبوع. ثم تحسنت عيشته بسبب زيادة أسعار اللؤلؤ، فاستعمل الصحاف للأكل بدل السفرة وأكل الأرز للعشاء ومعها قليل من الدهن، ثم ترقى الغواص وصارت معظم ثروة الكويت من الغوص على اللؤلؤ وبلغ عدد سفن الغواصين في زمن مبارك الصباح 812 سفينة. وبلغ حاصل الغواص ستة ملايين روبية في موسم الغوص وهو أربعة أشهر من السنة، وبلغ منتهاه سنة 1330هجرية وتسمى هذه السنة: سنة الطفحة. واستمر الغواص في حالة لا بأس بها إلى سنة 1348هجرية ومن هذه السنة أخذ الغوص في الانحطاط حتى صار كأن لم يكن، والسبب الحقيقي هو هبوط قيم اللؤلؤ بحيث نزل إلى ما قيمته عشرة آلاف من الألف.

سفن الغواصين وقوادها

كانت سفن الغواصين في السابق أنواع: البتيل والبقارة والشوعي، ثم انتشرت صنعة السنابيك والأبوام، وطغت على البتيل والبقارة.

وقواد الغواصين هم الذين بيدهم الحل والترحال والقفال وأول قائد عرف بالكويت هو ابن تمام، ثم بعده ابن مهنا ثم أحمد بن يوسف بن رومي، وبعده استمرت القيادة في هذا البيت إلى يومنا هذا.

وعند الكويتيين مثل لمن يلازم حالة واحدة فهم يقولون: “فلا بتيل ابن تمام شاحن وخالي في ريالين” والسبب في هذا المثل أن بتيل ابن تمام بعد أن يأتي من الغوص يسافر إلى البصرة لتحميل الأطعمة، وفي كل سفرة يحاسب بحارته على ريالين سواء زاد النول أو نقص.

وأشهر الغواصين في الكويت بيت ابن رومي وبيت علي بن سيف، أبو قماز، وأبو رسلي، والدبوس، وسعود المطيري، وناهظ، والفلاح، وابن مضف، والمناعي، وجميع هؤلاء أصيبوا بأضرار مادية فادحة من جراء هبوط أسعار اللؤلؤ.

المنازل في الكويت

إن الاصطلاح الجاري في الكويت وغيرها الآن عكس ما كان عليه العرب، فالدار تسمى اليوم بيتاً والبيت يسمى داراً وقد جرينا على هذا الاصطلاح لأنه هو المتعارف.

لم تتبدل بيوت الكويت عما كانت عليه في أول تأسيسها إلا قليلاً. وتوجد محلات باقية على ما كانت عليه من الضيق وعدم دخول الشمس في الدور، وعدم وجود النوافذ، وإلى الآن ليس في دورهم منافذ على الطريق لتخلل الهواء ودخول الشمس إلا ما ندر وفتحها عندهم عيب كبير لأنه يسمع منه صوت المرأة. والعجيب أنه بالرغم من هذه الغيرة على المرأة بحيث لا ترى ولا يسمع لها صوت، فإنها ليس لها كرامة عندهم، حتى إن المحدث إذا حدث جليسه وجاء ذكر المرأة قال له: أكرمك الله. ولم يقلها لمخاطبه عند ذكر الحشرات وكان في الزمن السابق يسكن الدار الرجل والرجلان مع أزواجهم، ويجعل بينهم ساتر من رداء وما أشبه، وكانوا لا يستعملون المراحيض في البيوت على عادة أهل البادية، بل يكون قضاء الحاجة في البحر أو في الفضاء أو في الأماكن التي تلقى فيها الزبالة (وتسمى سمادة) وهذه السمائد لم تزل إلا بعد تأسيس البلدية.

اللباس وتطوره

كان لباس الرأس الشائع في الكويت هو (الغترة) وفوقها إزار كالعمامة. ثم أخذ أهل الثروة يلبسون بدل الغتر محرمة ساعورية تأتي من بغداد. ثم حل محلها (الشماغ) ويلبس فوق الشماغ (عقال الطي) ثم أبدل بعقال (الشطفة).

أما الآن فالغالب هو الغترة البيضاء والعقال الأسود.

وأما لباس الجسم فالقميص وثوب الشلاح، وقليل من يستعمل الصديري، ويلبس فوق القميص زبون (وهو القباء) ثم حل محل الزبون (الدقلة) والبالطوا. وكان لبس السراويل نادراً. وأغلب أهل الكويت في الزمن السالف يمشون حفاة الأقدام وقليل منهم من يلبس النعال، ثم تدرجوا إلى لبس الأحذية بأنواعها.

وكانوا يضعون على أكتافهم العباءة البرقاء، وهي من ملابس العرب القديمة، وفيها يقول العرجي:

على عباءة برقاء ليست         من البلوى تجاوز نصف ساقي

ويلبس أهل الثروة عباءة القيلان. وهي تصنع بالإحساء أما الآن فقد حل محل العباءة البشت، وهو في الحقيقة عباءة لا يختلف عنها إلا أن لونه متنوع بعدة ألوان.

وكان المتأنقون في اللباس من الشيوخ مبارك الصباح، ومن السادة السيد خلف النقيب، ومن التجار يوسف المطوع، وسويد ابن عبدالرحمن بن أسود. وأما المتأنقون اليوم فلا يحصون!..

المعيشة في الكويت

كانت المعيشة في الكويت بسيطة جداً. فالماء الذي للشرب يجلب من الشامية والنقرة والدسمة، ويوجد ماء للطبخ والحيوان ويسمى مروقاً، وفيه ملوحة، ويباع بأرخص من ماء الشامية والنقرة. ويجلب الماء على الحمير، وبائع الماء يصيح بأعلى صوته (شراي النقرة) (شراي الرقيق) ثم ظهر ماء الحولي وفيه يقول شاعرهم:

ماء الحولي مثله ما دارا     لا في فنيطيس ولا في وراه

وفي سنة 1324هجرية صارت هذه المياه لا تسد ظمأ البلد بسبب كثرة الساكنين فأخذوا يجلبون الماء من وجه البصرة بالسفن الشراعية.

أما الأكل فكانوا يأكلون في الصباح التمرة والغبيبة، (وهي بقية العشاء). ويأكل الأغنياء الخبز والمفروك والبثيث. وأما الغداء فالفقير غداؤه التمر والمتوت (وهي سمك صغار مجفف) ويأكل الغني الخبز مع المخيض والتمر. وقد كانت هذه هي المعيشة الغالبة، وقليل من يطبخ الأرز مع الماش والروبيان أو السمك المجفف. وأما اللحم والسمك الطري فلا يؤدم به يومياً بل مرة في الأسبوع أو مرتين. ويأكل الأغنياء في الشتاء المتوت والرغيد والعصيد، ولكن بصفة غير مستمرة. ويكون ليوم العصيد شأن عند الأطفال فتراهم يغنون: “عيد عيد على العصيد” وكانوا إذا أكلوا العصيدة مسحوا أيديهم بأرجلهم، وكانوا لا يستعملون الصابون بعد الأكل، ولم يستعمل الصابون إلا من مدة قليلة.

وأذكر في هذه المناسبة النادرة التالية: وهي أنه دخل رجل اسمه عيسى ابو عبود على المرحوم الأخ أحمد فوجده يغسل يده بالصابون بعد العشاء، فقال له متأسفاً “آفا عليك يا أحمد تغسل يدك بالصابون” فأجابه أحمد “إن الأخ يوسف يغسل يده بالصابون مثلي” فرد عليه بشدة “حاشا على ذلك الوجه أن يغسل يده بالصابون”.

وأهل الكويت إلى يومنا هذا مقتصدون في المعيشة وليس عندهم شيء من السرف والتفنن في أشكال الأطعمة والسبب في ذلك فقر البلد في بادئ أمره واستمرار هذا الاقتصاد إلى يومنا هذا.

وحالة المعيشة اليوم غيرها في الأيام السالفة، فالفقير اليوم عيشته أحسن من الغني في ذلك الزمن، ولا يمكن اليوم أن يخلو الزاد من إدام، لحم أو سمك، إلا في النادر.

الخرافات في الكويت

إن سواد العامة في الكويت يعتقدون بخرافات لا يقبلها العقل، سببها الجهل الذي جعلهم يقبلون ما هب ودب.

من هذه الخرافات (أم حمار) يعتقدون أنها على شكل امرأة إلا أن لها رجل حمار، وأنه حينما كان العبيد يستقون خارج البلد قبيل الفجر كانوا يرونها تصحبهم كأنها واحدة منهم، فإذا عرفوها فروا منها راجعين إلى البيوت.

ومنها (الطنطل) وهو يوصف بطول الجسم طويل الخصا بحيث إذا مشى يسمع لها صوت، وهو يتمثل للسارين في الليل ويلعب عليهم ولكن الحيلة في دفعه أن يكون مع الساري مسلة فإذا رآه صاح هات المسلة. فهو يهرب منها خوفاً على خصيته من غرز المسلة فيها.

ومنها (الدعيدع) وهو أن يرى الإنسان في الظلام شيئاً كالجمر ملقي في الطريق، فإذا اقترب منه انتقل إلى محل آخر.

ومنها (السعلو) وهو بصفة عبد نوبي طويل، وله أنياب طويلة، يختطف الأولاد الصغار ويأكلهم (وقد جرى في سنة 1327هجرية عند السواد الأعظم فزع شديد من هذا السعلو وسببه أنه غرق ولد في البحر، ولم يره أحد فشاع أن السعلو أكله، وتلا ذلك فقدان ولد سعود بن فهد وهو صغير فتحقق عندهم أن السعلو أكله، ولكن الولد بعد عشرين سنة جاء الكويت وأخبر أنه سرقه رجل من أهل البصرة وباعه إلى رجل من أهل البادية في شرق الأردن، وهذا الذي اشتراه أمر أولاده عند موته أن يرجعوا الولد إلى أهله).

ومنها (أبو درياه) عند أهل البحر. وهو بصفة إنسان يسمعون صياحه في البحر كأنه غريق فإذا أنقذوه أكل ما قدم له. وإذا غفل عنه رجع إلى البحر وربما أتلف شيئاً من السفينة.

وهذه الخرافات زالت الآن بسبب انتشار العلم ولم يبق لها أثر والحمد لله.

اللهو

لا أريد أن أتكلم عن حكم اللهو في الشرع، من حيث التحريم أو الجواز، وإنما أريد بيانه لمعرفة ما في الكويت من لهو، وإن أردت ما قيل فيه من الوجهة الشرعية فراجع الجزء التاسع من المحلى للإمام ابن حزم من صفحة 55 إلى 62 تجد فيه حجج الطرفين المجوز والمحرم، واختر لنفسك ما يطمئن إليه قلبك وينشرح له صدرك.

وإليك أنواع اللهو المعروفة في الكويت:

(1) اللهو الحربي:

ويسمى العرضة، وهو يحتوي على عدة من الدفوف وطبل، ويختلف الضرب والرقص فيه بين النجدي والكويتي فأهل الكويت رقصهم تابع لضرب الطبل والدف فحركتهم بطيئة تبعاً للضرب، بخلاف الرقص النجدي فهو سريع الحركة سريع الضرب، وتأثيره في النفس أكثر من الكويتي.

ويستعمل هذا اللهو في الأعياد والأعراس والختان وأيام الحرب، وينشدون فيه من الأشعار ما يوافق الحال ويرقص فيه أشراف الناس وعامتهم وكأن لسان حالهم يقول ما قال ابن رشيق صاحب العمدة:

الرقص شيء حسن       ليس به من حرج

أقل ما فيه ذهاب            الهم من قلب الشجى

(2) اللهو البحري:

يستعمله أهل السفن الشراعية ليشجعهم على القيام بأعمالهم ويسمى المغني لهم (نهاماً) والملاحون يتبعون السفينة التي فيها نهام له صوت حسن، وكل عمل من الأعمال له غناء خاص به. ففي الجذف بالمجاذيف يغني لهم النهام بالمواليا ولكنه يحرف بها فبدل أن يقول: يا موالي يا موالي، يقول: يا مال، يا مال، كما يبتدئ المغني بيا ليل، يا ليل، ثم يشرع بالقصيدة والملاحون يردون عليه بوحوحة مثل وحوحة أهل الطرق الصوفية حتى تنتهي القصيدة فإن لم يتم العمل شرع في غيرها. والشعر الذي ينشده يسمى (زهيري) وإليك نموذجا منه:

زاد العنا بالضمير وما شفت راحلي       والهم بحشاي نساني الذي راح لي

يوم شفت عيسهم يوم النوى راحل       ناديت: يا جيرتي ابكم غرامي وفي

وعلى ثوب المذلة من جفاكم وفي         بالله سيروا على مسراي يا هل الوفي

لأني ضعيف وضالع بينكم راحلي

وفي رفع الأنجر من البحر يبتدئ النهام بقوله: يا الله هو يا الله هو. أوهو يا الله. أصلها يا هو يا الله. فتجد افتتاح النهام الاستعانة بالله.

وعندهم افتتاحية ينشدونها عند رفع الشراع أو غيره وهي (واسعة رحمة ربي).

وقد ذكر المسعودي شيئا من غناء البحارة قبل ألف سنة وهو:

يا بربرة يا بربرة     وموجها كما ترى

يا بربرة وشجوني   موجها المجنون

وقد شاهدت بنفسي هذه الأمواج وما كنت أعلم أن لها شأناً عند الأقدمين، وكنت أسمع من البحارة: شرم برم تر يا للي. ولم أدر لها أصلاً هو قول الشاعر:

إذا لم تكن لي والزمان شرم برم    فلا خير فيك والزمان ترللي

وأشهر نهام عند الكويتيين هو: فرحان أبو هيلة، ثم سلطان ابن دليم، فسليمان الغرير، وشريدة وابنه سعد، وصالح أبو كحيل وسعد بن فايز وبخيت بن بشير وعبدالعزيز الدويش وهؤلاء لم يبق منهم على قيد الحياة الآن إلا عبدالعزيز الدويش ويوجد الآن نهامون بكثرة ولكن ليست لهم شهرة مثل من ذكرنا.

(3) لهو الأعراس وغيرها من المسرات:

يقوم به عدة من الوصائف بضرب الدفوف والطبول ولهن مغنية ذات صوت مطرب، فهي تبتدئ بأول القصيدة ويرددن عليها ما قالته في أول بيت من القصيدة. فمثلاً هي تقول:

صلى عليك الله يا عدناني       يا مصطفى يا صفوة الرحمن

وهن يرددن هذا البيت نفسه وهي تسير في إنشاد باقي القصيدة إلى أن تنتهي منها. ويسمون غنائهن (نجدي أو خماري).

(4) لهو العبيد النوبي والممباسي:

وهو أشكال عديدة أعرض عن تفصيلها، والمهم منها على زعمهم الفاسد استنزال الزار، وبعضهم إذا نزل زاره يشرب الماء المالح ويأكل الجمر!..

(5) لهو السمار ليلاً:

يحتوي على ضرب العود والمرواس (وهو طبل صغير) ويغني فيه ضارب العود بأبيات عربية ويمانية، ويزفن الشبان على وقع هذا الضرب.

وأشهر ضارب بالعود وملحن هو عبدالله الفرج.

وهذا اللهو يحضره الرفيع والوضيع، إذا خلا من المفاسد، وله تأثير كبير على النفوس، وللسامع أن يحمله على ما يريد من هواه فمثلاً إذا أنشد:

إذا جن ليلي هام قلبي بذكركم   أنوح كما ناح الحمام المطوق

فللنساك أن يحملوه على الهيام بحب الله، وبكائهم من خشية الله إذا جن ليلهم. وللعشاق أن يحملوه على الهيام بمحبوبيهم. وللناس فيما يسمعون مذاهب.

المرأة في الكويت

المرأة شقيقة الرجل، وهي معه على حد سواء، لا تنقص عنه إلا في الشجاعة والثبات، وسرعة الانفعال فلهذا نجد الرجال والنساء في بلاد العلم يتبارون في جميع الأعمال عدا الجندية والقيادة في الحرب، وتجدهم في بلاد الجهل كالأنعام السارحة لا يهمهم إلا المرعى، ويسوقهم الراعي كما يريد. ولكن رجال الكويت وإن نشأوا في بلد جاهل فهم أرقى من النساء بكثير، وأرى أن السبب في ذلك أولاً: كثرة أسفار الرجال ومخالطة الأجانب، وثانياً: انتشار الجرائد والمجلات الدينية والأدبية والسياسية. وثالثاً: فتح المدرسة المباركية للبنين سنة 1320هجرية بينما لم تفتح مدرسة للبنات إلا سنة 1357هجرية ولهذا تجد بوناً شاسعاً بين الرجل والمرأة في الكويت سيما في الكتاب والأدب والشعر وحسن التفكير فيما هو صالح للوطن وحتى الآن لم تظهر بالكويت امرأة عالمة ولا كاتبة ولا شاعرة ولا مفكرة ولا.. ولا.. بل هي باقية على الفطرة من حيث الخمول والأمية فلا تقرأ ولا تكتب، واللواتي يقرأن ويكتبن -إذا استثنينا بنات المدارس الجدد-  فهن نوادر جداً.

منزل المرأة عند الرجال وأعمالها ومعتقداتها

ليس للمرأة قيمة عند الرجال سيما المتقدمين منهم فهي عندهم من سقط المتاع، فإذا ذكرت في خطاب قال المتكلم لمخاطبه: أكرمك الله. عند ذكرها وترغم الفتاة على زواج من لا تريده سيما إذا كان الزوج ابن عم لها، وإن كان قبيح الوجه ساقط الأخلاق. والذي بلغ من العمر 80 سنة له أن يتزوج بنتاً لها من العمر 20 سنة ويرغمها الولي عليه إذا كان غنياً، وإن كرهت عشرته.

وتجد في وصايا الكويتيين حرمان الإناث، وقطع ما أمر الله به أن يوصل، فإذا أوقف ملكاً على ذريته خصصه بالذكور دون الإناث وإن كن أولى بالإحسان لفقرهن. وإذا أوصى بثلث في سبيل الخيرات جعله بيد الولد دون البنت، وإن كانت هي أتقى منه وأصلح.

وسعادة الزوجين بعد الدخول نادرة فهي من باب يا نصيب يكسب مرة ويخسر ألف مرة لأنه لا يراها ولا تراه، وكلا الزوجين لا يعرف من أخلاق زوجه شيئاً، وكم من رجل نفرت منه زوجته من أول ليلة، وكم من زوجة تركها زوجها من ليلة الزواج. وإليك واحدة من هذه الحوادث: تزوج رجل من أهل البحر بامرأة وزف إليها بثياب مبتذلة وهيئة كريهة، فلم يأخذ لها زينته ولم يعدل هندامه ولم يمشط شعر وجهه، وهو مع هذا الإهمال قبيح الوجه، فلما رأته الزوجة تحصنت على نفسها بسم الله كأنه شيطان، وفرت إلى باب الدار صارخة بقولها لأمها: افتحي الباب. فلما فتحت أمها الباب قالت لها: “أختار الموت ولا هذا الزوج، ردوا عليه صداقه، لا أريده” فرد عليه الصداق وطلقها.

وهذه المرأة كانت ثيباً، وعندها شجاعة وليس لديها ولي تخافه، فكيف حال الصغيرة التي يأخذها الحياء أن تبدي مصيبتها بزوج تكره عشرته ولا يلائمها، ويا ويلها إن أبدت ذلك.

وأين هؤلاء من حديث ثابت بن قيس لما كرهت امرأته عشرته ورفعت أمرها لرسول الله صلى الله عليه وسلم فقال له: [طلقها]. وأمرها أن ترد عليه الحديقة، وهي صداقها منه.

وتقوم المرأة الكويتية بجميع خدمة البيت من طبخ وخبز وطحن وكنس وغسل وعناية بالحيوان وتربية الأطفال وخياطة ثياب الزوج والأولاد. والمرأة الغنية ليس عليها شيء من هذه التكاليف سوى الإدارة البيتية.

وليس بيد المرأة صناعة تعيش منها إذا أحوجها الزمان بل تخدم في بيوت الأغنياء أو تسأل. واللواتي يحسن الخياطة والتطريز قليلات بالنسبة للاتي يجهلن ذلك.

وتخرج المرأة لقضاء حاجتها من السوق أو للزيارة متحجبة، والسفور لا يعرف بالكويت.

والخرافات شائعة بين أغلب نساء الكويت ويعتقدن بأن الساحرة تطير في الليل، وأن الزار الحبشي الزار النوبي مما لا شك فيه، وإذا أصيبت المرأة بأمراض عصبية نسبوها إلى الزار وشيخة الزار هي التي تقوم بخدمة المريضة في دهن جسدها وفي إقامة حفلة جامعة من النساء اللاتي يدخل فيهن الزار، يغنين ويرقصن ويضربن بالدفوف ومن هذه الزيران من هو سيد وشيخ كبير وطفل صغير وعجوز شوهاء. والذي جعلهن يعتقدن في هذه الخرافات هو شفاء بعض المريضات في هذه الحفلات وقد سألت المرحوم السيد رشيد رضا صاحب المنار عن هذا الشفاء فأجاب بأن بعض الأمراض العصبية قد يوافقها الطرب والرقص، وقد أصيبت امرأة أعرفها بمرض السل، وطال عليها المرض، فأشارت عليها شيخة الزار أن تعمل لها حفلة. وحينئذ يدخل فيها الزار وتلتمس منه الشيخة الشفاء وترضيه بما يريد حتى يشفي المرأة، فعمل لها حفلات عديدة ولم ينزل الزار، ولكنها في آخر حفلة أقيمت لها أخذها طرب من الغناء والتصفيق، فهزت رأسها ورقصت وهي جالسة ففرح نساء الحفلة بنزول الزار، وجاءت الشيخة تسترضيه ليبين مراده، فلما أجابت المرأة، ليس بي زار ولكن أخذتني خفة فرقصت، وأشاع نساء الحفلة أن الزار نزل بها وتكلم، وآخر الأمر أن المرأة لم تشف وماتت بدائها.

وإليك حادثة غريبة: أعتق المرحوم عبدالرزاق الدوسري عبدة له فأخذت بعد وفاته تخدم في البيوت لتعيش، فجلست عند شيخة الزار تخدمها، وبعد سنين ماتت الشيخة، فقالت لها بنات الحفلة: قومي مقامها فوافقت على ذلك، وهي تقول: “إنني لا أعرف شيئاً عن الزار سوى أني رأيت الشيخة تدهن المريض وتأخذ البخور وتحرك شفتيها عليه ولا أدري ماذا تقول ثم تدير البخور على المريضة” فهذا مبلغ علمها في الزار ولكنها صارت شيخة تدهن المريض وتحرك شفتيها على البخور وها هي ذي يشار إليها بالبنان.

وتذكرني هذه الحكاية بما يقال من أنه مر في العراق في الزمن الغابر رجل عابر سبيل على مقام يزار وتنذر له النذور فجلس عند القيم ليستريح من تعب السفر، ولما عزم على الرحيل أعطاه القيم حماراً هزيلاً ليركب عليه حتى يصل إلى داره. فبعد أن مشى عدة أميال انقطع الحمار من التعب ومات، فحفر له عابر السبيل قبراً دفنه فيه وأخذ يندبه وينعاه فجاء قوم من المعدان وسألوه عن صاحب القبر، فأجابهم أنه سيد خير، فبنوا له حالاً حائطاً وأخذوا يحترمونه ويزورونه، فبلغ الخبر صاحب المقام فجاء لتحقيق الخبر، فإذا صاحبه عابر السبيل هو القيم فسأله: أنى لك هذا السيد الخير، فأجابه أنه هو الحمار الذي أعطيتنيه، فهمس إليه وقال له اسكت فإن الذي عندي هو أبوه‌‍!..

خرافات وأوهام    تعيب العقل والعلما

السابلة في الكويت

يسابل الكويت أغلب الأعراب من نجد والعراق والجنوب ولو بعدت عليهم السبيل، ما لم يمنعهم مانع حكومي، والسبب في رغبة الأعراب في مسابلة الكويت هو استعداد الكويت لجميع حاجات البوادي بقيم مناسبة، ويشتري الكويتيون من الأعراب ما عندهم من صوف وسمن وأباعر وأغنام فإذا قدموا صفاة الكويت فإنه لا تمضي عليهم ساعة إلا وقد باعوا ما لديهم واشتروا ما أرادوا وخرجوا من فورهم.

وقد كانت لهذه المسابلة في الزمن السابق شأن يذكر في تقدم تجارة الكويت وأما الآن فقد ضعفت المسابلة لموانع حكومية ولم تبق إلا مسابلة عريب دار ورواد الربيع من الأعراب إذا ربعت الأرض، عريب دارهم بادية الكويت الذين تؤخذ منهم الزكاة ويجري عليهم حكم الكويت عند الإختلاف فيما بينهم، وسابلتهم مستمرة صيفاً وشتاءً، وهم لفيف من شتى العشائر من عوازم ورشايدة ودواسر وعجمان وبني هاجر وسهول وسبيع وعدوان، إلا أن الأكثرية للعوازم.

وأقول -والمستقبل كشاف- إن الكويت هي ميناء عرب الجزيرة، هذه الموانع لا بد أن تزول طال الزمان أو قصر والسبب في ذلك أنه لا توجد بلدة في هذه الجزيرة مثل الكويت، فطرقها سهلة ومرعاها طيب والحاجيات متوفرة فيها بقيم رخيصة وسلع الأعراب تباع بأحسن قيمة.

وكان لسان حال الأعراب يقول :

لا بد من صنعاً وإن طال السفر       وإن تحنى كل عود ودبر

القناعات

بمناسبة هذا التاريخ رأيت أن أذكر ما أعرفه عن منبت القناعات وتفرقهم في البلاد. ثم اجتماع الأغلبية منهم في الكويت، وما بلغوا من مكانة وثروة.

وسأذكر ما وقفت عليه عنهم من أثر باق أو كتابي أو نقلاً عن ثقة، ولا أريد أن أتكلم عما لهم من عمل صالح لأن في ذلك ثناء على نفسي، والمثل العامي صادق حيث يقول: “افعل والناس تكفيك” و “لا يذهب العرف بين الله والناس”.

القناعات في العراق

أولاً: في كتيبان شمال البصرة كوت يسمى كوت القناعات، تاريخ بنائه مجهول، وساكنوه الآن لا يعرفون شيئاً عن القناعات سوى الإسم والرسم، ومن المحتمل أنه لما وقع الطاعون في العراق سنة 1247هجرية أفناهم ولم يبق منهم أحداً وهذا الطاعون أخلى بيوتاً كثيرة من أهلها وصارت كأن لم تكن.

ثانياً: في المناوي وهو ناحية من نواحي البصرة بيت عبدالله السلمان وبيت حمدي وغيرهما من القناعات، ولم نعلم متى نزلوا هناك. أما بيت سالم البدر فهو من قناعات الكويت هاجر منها سنة 1277هجرية.

القناعات في الكويت

سكن القناعات الكويت منذ 200سنة وكسور من السنين تقريباً كما سترى بيان ذلك، وعندي كتاب عثرت عليه في البحرين اسمه (التيسير نظم العمريطي في فقه الشافعية) بقلم عثمان بن علي بن محمد بن سري القناعي. يقول مؤلفه أنه ولد بالقرين، والقرين يطلق على الكويت في الزمن السابق في وعلى محل فيلكة (وهي من جزر الكويت) وليس في الكتاب تاريخ ولادته ولا تاريخ الكتابة، ولكني عثرت على كتاب صغير في بيت الشيخ فرج فيه قصائد وقصة الحشر وحكايات خرافية بقلم عثمان المذكور، وفيه تاريخ الكتابة وهو سنة 1213هجرية. وعثمان هو شقيق جدنا الثالث وهو سلمان بن علي بن محمد بن سري وبيت عثمان هذا يسمى الآن ابن سري (وهو تحريف سري).

وفي الكويت بقرب مروي يسمى خر القناعي، وفي النصف من طريق الجهرة إلى الجهرة قليبيات ياسين القناعي وفي جنوب كاظمة للغرب محل يسمى قصير ياسين، وفي وصية عبدالرحمن بن زبن سنة 1237هجرية تخصيص صدقة للإمام والمؤذن في مسجد ياسين سرحان الآن، وياسين هذا لم نعرف تاريخ مولده ولا موته ولكننا نعرف بيته ونسله فإنه لم يبق من نسله سوى امرأة عجوز، وبيته هو اليوم بيت فاضل بن سليمان الدعيج.

القناعات في الزبارة

أخبرني صالح بن إبراهيم بن صالح السداني ينقل عن والده عن جده صالح، وهو من أصحاب الشيخ أحمد بن رزق وكان في معيته، يقول: نحن جيران القناعات في الزبارة وفي البحرين وفي الكويت. ويقول: لما خربت الزبارة، من القناعات من هاجر إلى البحرين ومنهم من هاجر إلى سري (وهي جزيرة في الخليج العربي) ثم لم تطب لهم السكنى فيها فهاجروا إلى فارس. وبيت ابن سياب من الذين هاجروا إلى فارس ثم جاءوا إلى الكويت منذ مائة سنة تقريباً.

القناعات في البحرين

لما توفي الوالد عيسى سنة 1311هجرية رأيت عند الوالدة لفة من الأوراق تدل على أملاك في البحرين باسم يوسف بن عمر وهو جد الوالد من قبل أمه، فقلت لها لماذا لا نطالب بها؟ فأخبرتني أن أحمد بن يوسف (خال والدي) طالب بها ولم يفلح، ودفعه آل خليفة بحجة أنهم أخذوا البحرين بالسيف وليس لأحد ملك. وفي سنة 1346هجرية سافرت إلى البحرين وأخبرني يوسف الشتر عن والده وهو من المعمرين، أن محلة القناعات هي بقرب بيت مقبل الذكير في شرقي المنامة.

القناعات في القصب من بلاد نجد

لهم بقية إلى حال التاريخ في القصب، ولا نعلم تاريخ هجرتهم إليها. وفي سنة 1323هجرية بلغهم أن بعضاً من أهل الكويت يشك في نسب القناعات إلى السهول. فكتب محمد بن بناق القناعي وثيقة ذكر فيها نسبهم إلى السهول ومصاهرتهم لحمائل أهل القصب. وشهد فيها غير واحد من أهل القصب كما شهد فيها وصحح عليه الشيخ عبدالله بن زاحم قاضي المدينة المنورة الآن، وصادق عليها وثبتها الشيخ علي بن عبدالله بن عيسى قاضي شقر وبلاد الوشم. وإليك نصها بالحرف عن قلم المرحوم الشيخ عبدالله بن خلف الحنبلي:

“بسم الله والحمد لله، ليعلم الواقف على ذلك والناظر إليه أن محمد بن بناق القناعي لما بلغه عن ابن عمه محمد بن أحمد أيوب القناعي ومن ينتسب إليه في أطراف الكويت أنه تكلم في نسبهم من لا معرفة له بذلك لبعد المسافة وخمولهم عند أهل زمانهم، فذكر محمد بن بناق أن نسبهم يتصل بالزقاعين السهول. وأما مصاهرتهم لأهل القصب فيشهد بذلك غير واحد بأنهم شملوا جميع حمائل أهل القصب يأخذون منهم ويزوجونهم وهم آل سويد وآل غدير وآل عوجان البقوم وآل شملان وآل غنام بني خالد وآل قاسم وآل مقحم المنتفق وآل جلعود من رايل. كل هؤلاء قد شملتهم المصاهرة شهد على ذلك محمد بن غدير وشملان بن إبراهيم وشهد به وكتبه الفقير إلى الله تعالى عبدالله بن محمد بن فنتوخ وحرره في 23ذي القعدة سنة 1323هجرية وصلى الله على سيدنا محمد وآله وسلم”. وختمه بختمه المعروف.

وشهد بذلك كما ذكر أعلاه عبدالله بن عبدالوهاب بن زاحم وختمه بختمه المعروف.

“بسم الله الرحمن الرحيم، ثبت لدي ما ذكر أعلى هذه الورقة، قاله كاتبه الفقير إلى الله تعالى علي بن عبدالله بن عيسى قاضي شقره وبلاد الوشم من بلاد نجد وصلى الله على سيدنا محمد وآله وصحبه وسلم. حرر في 2 ذي الحجة سنة 1323هجرية”. وختمه بختمه المعروف.

(نقل هذه الكتابة عن خطوط أصحابها المختومة بأختامهم العارف بها عبدالله بن خلف).

فتحصل مما مر أن سكنى القناعات في العراق تاريخه مجهول، وكذا سكناهم في القصب من بلاد نجد، وأما سكناهم الكويت والزبارة فهو حادث لأن الكويت منذ سكنها الصباح لا تتجاوز 250 سنة والزبارة سكنت سنة 1180هجرية وخرجت سنة 1212هجرية، والظاهر أن سكناهم البحرين بعد الزبارة، فعلى هذا هل منبت القناعات الأصلي هو العراق أو الشام أو القصب من بلاد نجد؟.. الغيب لا يعلمه إلا الله ولكني أرجح أن منبتهم الأصلي هو شمال العراق، وإليك الأدلة على ذلك:

أولاً: ذكر صاحب سبائك الذهب في أنساب العرب أن بني سهل بطن من جذيمة وسكناهم حوالي غزة من بلاد الشام.

ثانياً: أسماء الآباء تدل على أنها غير نجدية وإليك بيانها:

آل سري، آل حردان، آل مسلم، آل ناجي، آل هرموش، آل حمدي، آل سلمان، آل انويجي، آل سباب آبناق، آل حمدان، آل بدر. (وقد استغربت اسم هرموش ولكن مر علي في رجال البخاري من اسمه كذلك).

ثالثاً: بياض البشرة يدل على أن المنبت بارد فسكان الشام والعراق يغلب على بشرتهم البياض، والأسود قمحي اللون -مع ندرته- إذا حققت عنه تجده حديث العهد بالسكن فقبيلة سبيع منبتهم بالعراق ومنه تحولوا إلى نجد (فقد ذكر صاحب لسان العرب والقاموس أن منازلهم الكوفة وبها محلة تنسب إليهم يسمى السبعية) وعنزة منازلهم الحجاز ومنه تحولوا إلى الشام. وهذا شأن العشائر الرحل قبل أن تتحضر تتبع أماكن الأمن والمرعى ومحل العز فبنو كعب من سبيع تحولوا من العراق إلى الدورق سنة 1178هجرية وتشعبوا، ومنهم من تحول إلى نجد، ولهذا نجد بياض البشرة هو الغالب فيهم كالسهول. وقد سمعت من الثقة سليمان بن إبراهيم القاضي أن السهول وسبيع الآن في نجد كعشيرة واحدة وأن بياض البشرة هو الغالب فيهم.

القناعات ومكانتهم في الكويت

ومبلغ ثروتهم

مكانة القناعات في الزمن الماضي والحاضر بين أهل الكويت وسطى لا ميزة لأحد منهم على سواه إلا بالأعمال الطيبة كغيرهم، وأما مكانتهم عند الأمراء فلها ميزة، وكلمتهم مسموعة وأرى أن السبب في ذلك. أولاً: المجاورة والمخالطة مع الأمراء منذ الصغر، فالشخص الذي تعرفه، وتعرف دخائله منذ صغرك تطمئن إليه نفسك بما لا تطمئن للشخص الذي لا تعرف عنه شيئاً.

وثانياً: القناعات لم ينازعوا الصباح في سيطرة ولم يشاغبوهم في سياسة، بل أخلصوا النصح لهم في الزمن السابق واللاحق، ولم يطلبوا على ذلك جزاء ولا منصباً، فلهذا اطمأنت نفوس الأمراء إليهم وصارت لهم هذه المكانة.

وأما مبلغ ثروة القناعات ففي أول هذا القرن كان أغلبهم متوسط الحال وهو للفقر أقرب منه إلى الغنى، أما الذين ملكوا شيئاً من الثروة مثل سالم البدر وأخيه سليمان وعبدالعزيز المطوع فإن ثروتهم لا تنسب لغيرهم من أغنياء الكويت مثل بيت ابن إبراهيم وتجار اللؤلؤ. وأما ثروتهم في القرن الماضي فقد أخبرني المرحوم محمد بن يوسف المطوع أن محمد بن ناجي ملك ثروة طائلة حتى أنه جعل في دهليز بيته قوماً من الصابئة يعملون له ما يشاء من المصاغ، وأخذ أهل الكويت يسمونهم صبة القناعات (ولا أدري هل هذا المصاغ تجاري أو أهلي) وأيضاً عبدالعزيز الخليل تغرب سنين في جاوة ثم رجع منها بثروة عظيمة، وكان يسمى عبدالعزيز الهندي، ولكن ثروته لم تستقم لأنه كر راجعاً إلى جاوه في سفينة لتصفية حسابه هناك وقدر الله له على السفينة الغرق فمات، وممن ملك ثروة لا بأس بها محمد بن حمدان وتجارته في الأرز بالمناخ.

هذا نهاية ما أردت بيانه من تاريخ الكويت راجياً من كل خبير عنده علم بخلاف ما ذكرت أن يرشدني لأستدركه في الطبعة التالية، والله أسأل أن يوفقني للصواب في القول والعمل إنه على ما يشاء قدير.

 

***********