Alqenaei

الرئيسية » المكتبة » خواطر باحث في رحاب القرآن الكريم – قصة موسى عليه السلام وذي القرنين

خواطر باحث في رحاب القرآن الكريم

قصة موسى عليه السلام وذي القرنين

عبدالعزيز العلي المطوع

بسم الله الرحمن الرحيم

 

بحث علمي جديد من عجائب القرآن العظيم العلمية المتجددة حول نبي الله موسى والعبد الصالح ورحلات ذي القرنين العلمية التاريخية الثلاث عليهم جميعاً صلاة الله وسلامه – وهو ما أرجو – بعيد عن تكلف في معنى أو استعجال في تأويل . 

 [ الآيات من 60 إلى 100 من سورة الكهف ] 

موسى وذو القرنين عليهما السلام في سورة الكهف:

مما يروى أن موسى عليه السلام قام خطيباً في بني إسرائيل فسئل : أي الناس أعلم ؟ ولعل جوابه كان : إن الذي أختاره الله نبياً ورسولاً لبني إسرائيل هو أنا ، وإن الذي كلمه الله سبحانه هو أنا ، وعليه أرجو أن أكون أنا أعلم الناس . ولعل موسى علم من مولاه سبحانه أن العبادة والإيمان الخالص لله وحده . وإن كان ذلك واجباً على كل إنسان ، إلا أنه ليس مجرد غاية .. إنما هو وسيلة لصلاح الفرد واستقامته أيضاً . وعليه فلا بد من إقران الإيمان الخالص بالعمل الصالح ليكون سبيل المؤمن العامل للصالحات أقوم سبيل مصداقاً لقوله سبحانه :

] إن هذا القرآن يهدي للتي هي أقوم ويبشر المؤمنين الذين يعملون الصالحات أن لهم أجراً كبيراً [ ، ولدعاء خاتم النبيين وإمام المرسلين r  ” اللهم اغفر وارحم واهد إلى السبيل الأقوم “ .

وإن مجرد الإيمان  وحده لا يكفي إذا لم يكن المؤمن متصفاً بكل الصفات الطيبة والنتائج الصالحة المفيدة لمجتمعه وأمته ، وكل عمل صالح يشده إلى الطريق القويم والصراط المستقيم ، كالتعاون على البر والتقوى وقضاء حوائج المحتاجين في حدود الاستطاعة . وإن الصبر والمحافظة على الصلاة هما الوسيلة الكبرى لهداية مصداقاً لقوله سبحانه : ­] يا أيها الذين آمنوا استعينوا بالصبر والصلاة إن الله مع الصابرين [ ، وقوله جلّ شانه: ] واستعينوا بالصبر والصلاة وإنها لكبيرة إلا على الخاشعين [ .

وإن رسل الله أخوة لا نفرق بين أحد منهم ، ودين الله واحد مواز في سباقه مع العلم والزمن . على أن الزمن هو الدهر ، والدهر هو الله كما جاء في الحديث الشريف عن أبي هريرة قال : قال رسول الله r : ” قال الله يؤذيني ابن آدم يسب الدهر وأنا الدهر بيدي الأمر أقلب الليل والنهار “ . يؤيد ذلك قوله سبحانه : ] أم حسب الذين يعملون السيئات أن يسبقونا ساء ما يحكمون [ .

ولا يفوتني أن أقول بهذه المناسبة أن ” أينشتاين ” – صاحب نظرية النسبية والذي لا يعرف نظريته إلا القليل من الناس – قد عجز عن تعريف الزمن . كما لا يفوتني أن أذكر أن طالبة مسيحية سألت طالباً مسلماً كان يذاكر لها دروسها .. عن الأنبياء الثلاثة : موسى وعيسى ومحمد عليهم جميعاً صلاة الله وسلامه ، فكان جوابه أن موسى يعتبر مدرسة ابتدائية ، وعيسى مدرسة ثانوية ،  ومحمد يعتبر جامعة شاملة مهيمنة .

على أن الهداية إلى الطريق الأقوم هي الغاية الكبرى لقوله سبحانه : ] وإني لغفار لمن تاب وآمن وعمل صالحا  ثم اهتدي [ ، وقوله سبحانه : ] إنما يعمر مساجد الله من آمن بالله واليوم الآخر وأقام الصلاة وآتى الزكاة ولم يخش إلا الله فعسى أولئك أن يكونوا من المهتدين [ .

ولعل وعسى أن يكون الإنسان مع هذه الصفات الخيرة من المهتدين . وإن الهداية وضوح الرؤية والمفاهيم السليمة القيمة ] من كان في هذه أعمى فهو في الآخرة أعمى وأضل سبيلا [ ، ] أفلا يتدبرون القرآن أم على قلوب أقفالها [  نسأله سبحانه الوقاية والهداية .

وقد كان في قصة موسى والعالم الصالح في ( سورة الكهف ) قضاء ثلاث حاجات تفيد أفراداً ، وكان في قصة ذي القرنين بعدها ثلاث فوائد لمصلحة كبرى تفيد الأرض وتنقذ العالم من ويلات كبيرة .. والى القارئ اللبيب أقدم ذلك في القصتين المتتاليتين بالآيات ( 60 إلى 100 من سورة الكهف ) . ويتبين من القصة الأولى  أن المولى سبحانه قد أخبر نبيه موسى عليه السلام بأن له عبداً من عباده المؤمنين هو أعلم منه يجده في مجمع البحرين . وبما أن موسى من أنبياء الله ، والأنبياء يؤمنون بأن طلب العلم واجب مقدس ، فكان عليه أن يتعلم ممن هو أعلم منه أينما كان العلم ومهما كلفه ذلك ، وقد ورد عن أخيه المصطفى r : ” من سلك طريقاً يلتمس فيه علماً سهل الله له طريقاً إلى الجنة وإن الملائكة لتضع أجنحتها لطالب العلم رضى بما يصنع ، وإن طالب العلم يستغفر له من في السماوات والأرض حتى الحيتان في الماء ، وإن فضل العالم على العابد كفضل القمر على سائر الكواكب . أن العلماء ورثة الأنبياء . أن الأنبياء لم يورثوا ديناراً ولا درهماً إنما ورثوا العلم فمن أخذه أخذ بحظ وافر “ . و ” طلب  العلم فريضة على كل مسلم ومسلمة “ .

ومعلوم أن العلم يزداد – كلما ازداد العطاء من طالب العلم فيه ، وأنه نور تشع به المشاكي الصالحة المتصلة شأن القمر في استمداده نوره من الشمس التي هي سراج يمد الأجرام الأخرى مصداقاً لقوله سبحانه : ] تبارك الذي جعل في السماء بروجاً وجعل فيها سراجاً وقمراً منيراً [ ، وقوله سبحانه : ] وبنينا فوقكم سبعاً شداداً ~ وجعلنا سراجاً وهاجاً [ ، وقوله سبحانه : ] هوا لذي جعل لكم الشمس ضياء ً والقمر نوراً .. [ أي أن القرآن الكريم وصف الشمس بسراج وهاج – أي فيها الضوء والحرارة ، والقمر نور .

وإن ضوء الشمس تلقائي مستمر ، والقمر مظلم يستمد نوره من الشمس . وكما الإنسان يستمد العلم مما هو مسطر في الكتب المقدسة المختومة بالرسالة الخالدة .. ألا وهو القرآن العظيم ، وانتقاء الكلمات واختيار الكتب العلمية للاستفادة منها بالدراسة والالتقاط ، مع استعمال طالب العلم مواهبه في المذاكرة والتجارب مع الزمن ، لأنه ولد لا يعلم شيئاً شأن القمر مع الشمس مصداقاً لقوله سبحانه : ] والله أخرجكم من بطون أمهاتكم لا تعلمون شيئاً وجعل لكم السمع والأبصار والأفئدة لعلكم تشكرون [ . وإن استعمال المواهب في الخير من شكر الله عليها .

وكان في نبي الله موسى قدوة صالحة لطلب العلم ومهما صعب الوصول أليه وطال الزمن في الحصول عليه . وتبين لنا الآيات ( 60 إلى 77 من سورة الكهف ) أن نبي الله موسى وإن كان سعيه لهذا العالم الصالح ليكون تلميذاً له  إلا أنه كنبي مرسل لا يستطيع السكوت على ما يراه من حق مهما وعد العالم بالسكوت ، كما أن العالم لا يستطيع أن يتأخر عن أمر ربه الذي لا يعلم عنه موسى ، وكان العالم يعلم أن موسى لا يستطيع الصبر . وقد تكرر قوله لنبي الله موسى في كل مرة  ] ألم أقل لك إنك لن تستطيع معي صبراً [ . وكان قد اشترط على موسى عدم الاعتراض حتى نهاية الرحلة . وإن العالم ذو علم لدني .. أي من لدن العليم الخبير سبحانه . وكان ختام هذه الآيات – بيان العالم لموسى أنه لم يفعل ما فعله عن أمره هو ، بل عن أمر الله سبحانه له ، وإن من حق العالم بعد الإنذار الثالث أن يفارقه ويخبره بالسر كما وعده ، وذلك في الآيات ( 78 إلى 82 ) بقوله سبحانه حكاية عن العالم : ] قال هذا فراق بيني وبينك سأنبئك بتأويل ما لم تستطع عليه صبرا ~ أما السفينة فكانت لمساكين يعلمون في البحر فأردت أن أعيبها وكان وراءهم ملك يأخذ كل سفينة غصباً ~ وأما الغلام فكان أبواه مؤمنين فخشينا أن يرهقهما طغياناً وكفراً ~ فأردنا أن يبدلهما ربهما خيرا  منه زكاة وأقرب رحماً ~ وأما الجدار فكان لغلامين يتيمين في المدينة وكان تحته كنز لهما وكان أبوهما صالحاً فأراد ربك أن يبلغا أشدهما ويستخرجا كنزهما رحمة من ربك وما فعلته عن أمري ذلك تأويل ما لم تستطع عليه صبراً [ . وإن نبي الله موسى قد اعترف للعالم بحقه في المفارقة كما جاء في قوله سبحانه حكاية عنه : ] إن سألتك عن شيء بعدها فلا تصاحبني قد بلغت من لدني عذراً [ .

وكما كان قول الرجل الصالح في ختام الآيات ما يبين أن علمه لدني .. فقد قال موسى في أول الآيات بوجوب بذل الهمة في طلب العلم مهما بعدت عليه الشقة وذلك بقوله سبحانه حكاية عنه : ] وإذ قال موسى لفتاه لا أبرح حتى أبلغ مجمع البحرين أو أمضي حقباً [ . على أن المعجزة العلمية تتبين في قوله سبحانه في الآيات ( 61الى 65 ) حكاية عن موسى وفتاه قبل لقاء العالم : ] فلما بلغ مجمع بينهما نسيا حوتهما فاتخذ سبيله في البحر سربا ~ فلما جاوزا قال فتاه آتتا غدائنا لقد لقينا من سفرنا هذا نصبا ~ قال أرأيت إذ أوينا إلى الصخرة فإني نسيت الحوت وما أنسانيه إلا الشيطان أن أذكره واتخذ سبيله في البحر عجباً ~ قال ذلك ما كنا نبغ فارتدا على آثارهما قصصاً ~ فوجدا عبداً من عبادنا آتيناه رحمة من عندنا وعلمناه من لدنا ّ علماً [ .

على أن الذي تبادر إلى الذهن من المفاجأة التي فاجأ بها الفتى نبي الله موسى عليه السلام عن عجبه من تسرب الحوت – أي تسلله – نحو البحر من فوق الصخرة ، إن مجمع البحرين هو مزيج من البحر الهوائي الذي يعيش فيه الإنسان والحوت معاً ، حيث نام موسى وصاحبه على الصخرة . وتسلل منه الحوت بأعجوبة نحو البحر . والأعجوبة هي في التسلل إذ لو كان بإلقاء أو طفرة لما كان في ذلك أعجوبة . واذكر أنني كنت أمشي وأنا طفل على ساحل البحر فوجدت سمكة ميتة أمسكتها بيدي وغطستها في البحر فانطلقت من يدي بقوة نحو الماء ، ولا شك أنه كان ما يزال بها رمق من حياة .

وقد عرف موسى من هذه الأعجوبة مكان ضالته التي جاء يسعى إليها ، ونسي الجوع والتعب قائلاً :

] هذا ما كنا نبغ [ ، ورجع هو وفتاه يقصان أثرهما كي لا يخفي معالمه ماء أو هواء ، فوصلا المجمع ووجدا العبد الذي آتاه الله رحمة من عنده وعلمه من لدنه علماً . ويكاد أن يجمع المفسرون على أن العالم صاحب موسى والشخص الذي كان عنده علم من الكتاب وأحضر لسليمان عرش بلقيس من سبأ إلى القدس .. وذا القرنين الذي جاء بعد قصة موسى والعبد الصالح مباشرة في سورة الكهف ، هو شخص واحد معمر اسمه ” إيليا ابن ملكان الخضر عليه السلام ، واختلف العلماء في هل أنه لا يزال حياً على وجه الأرض حتى الآن أم لا .

وقد جاءت الأعجوبة في آيتين : مرة سرباً ومرة عجباً .. أي أن التسرب كان بأعجوبة ، وأن الجمع بين بحرين كان بادرة علمية من علم هذا العالم .. الذي استطاع تخفيف الماء وتكثيف الهواء لدرجة واحدة تعيش فيها الأحياء الهوائية والأحياء المائية . وأن الشيء بالشيء يذكر .. فقد رأى جماعة أثق بهم في أحد برامج التلفزيون البريطاني في لندن منذ فترة ليست بالقليلة – وعاءً زجاجياً فيه ماء ، وكان في الوعاء سمك يسبح ، وأرنب يأكل في قاعه . ومن المعلوم أن بين كل متضادين جانباً ثالثاً وسطاً . ومجمع البحرين هو عبارة عن مزيج من البحر الهوائي الذي يعيش فيه الإنسان .. والبحر المائي الذي تعيش فيه الأحياء البحرية – يمكن أن يعيش فيه الإنسان والحوت معاً بحيث بات فيه موسى وفتاه على الصخرة مع الحوت الذي تسلل إلى البحر بأعجوبة . ولعله من الممكن استعمال مثل هذا المزيج في أجرام الفضاء في مغارات في القمر مثلا ُ أو شأن السمك في أحواض أو برك على سطح الأرض ، وشأن الهواء المحفوظ في وسائل الوصول إلى أعراف الفضاء أو الغواصات في أعماق البحار .. ومثل أنابيب الأكسجين التي يحملها رواد الفضاء خارج منطقة الأكسجين ، والغواصون في أعماق المياه .

على أن فائدة علمية أخرى تتبين من قوله سبحانه : ] فانطلقا [ بالمثني ، أي أن اللذين انطلقا هما اثنان ولم ينطلق الثالث – الذي هو فتى موسى – معهما . ولو كان الثالث معهما ربما لانضم إلى موسى أو بقي محايداً كحكم بين الاثنين .. كما هو معروف عادة أن الجانب الثالث يكون حكماً على الأغلب ، وهذا لا يجوز في مثل هذا الموقف . ولو انضم إلى موسى لقوي مركز موسى وربما لحصل خلاف وجدل وهذا ما لا يجوز في هذه الحال أيضاً .

وقد كتب  “غوستاف ليبون” العالم الفرنسي كتابين في هذا المعنى ترجمهما إلى العربية الأستاذ زعيتر باسم  “روح السياسة” و “روح الاجتماع” . ويتلخص هذان الكتابان في أن الإنسان المفكر وحده لا يخدع نفسه .. وأن الاثنين لا يختلفان لمجرد الجدل والغلبة إلا إذا كان كل واحد منهما من حزب ولا يتكلم بعقله وفهمه وضميره  ولكنه يتكلم بلسان ذلك الحزب أو الجماعة التي تكون كلماته محسوبة عليهم . ويعيب غوستاف ليبون المجالس النيابية وكل مجتمع ، لأن المجتمع غالباً ما يقوده كل سلبي ذو حنجرة قوية ولسان فصيح . وغالباً ما تكون الاجتماعات سلبية غوغائية . وإن خمسة لديهم رسالة يمكن أن يقودوا مليوناً ليس لديهم رسالة لأن الخمسة جماعة .. وإن باقي المليون عبارة عن أفراد . وقول الله أبلغ .. إذ يقول سبحانه مخاطباً خاتم النبيين وإمام المرسلين عليهم جميعاً صلاة الله وسلامه بأن يخاطب المكابرين الغوغائيين بقوله سبحانه : ] قل إنما أعظكم بواحدة أن تقوموا لله مثنى وفرادى ثم تتفكروا ما بصاحبكم من جنة إن هو إلا نذير لكم بين يدي عذاب شديد [

وقوله سبحانه في مستهل ( سورة الصف ) : ] سبح لله ما في السماوات وما في الأرض وهو العزيز الحكيم [ 

ويتبين من هذه الآية الكريمة أنها تشمل الخلق كلهم وأن أداء المخلوق لما خلق من أجله تسبيح كما ورد عن المصطفى r : ” كل ميسر لما خلق له “ . على أن الآيات الباقية من السورة تخص الإنسان جندية وقيادة .

ومن المعلوم أن المخلوقات بفطرتها التي فطرها الله عليها – فيما عدا الإنسان – تشكل قطعاناً وأسراباً . أما الإنسان فلا يشكل جماعة صالحة متعاونة إلا بالإيمان الصادق المشفوع بالعمل الصالح . وعليه أن يتمسك بذلك وأن يتجنب كل ما يفرق بين الأخوة الأحبة  جندية وقيادة . وإن الآيات الثانية والثالثة والرابعة تخص الجندية الصالحة المطيعة وذلك بقوله سبحانه : ­ ] يا أيها الذين آمنوا لم تقولون ما لا تفعلون ~ كبر مقتاً عند الله أن تقولوا ما لا تفعلون ~ إن الله يحب الذين يقاتلون في سبيله صفاً كأنهم بنيان مرصوص [ . ويتبين من الآية الثانية – النهي عن الأقوال الرنانة البراقة التي لا يمكن تطبيقها والتي كثيراً ما تحدث خلالاً في الصف الواحد . ويتبين من الآية الثالثة أن الائتلاف والتجاذب لا يتحققان إلا بالإيمان الصادق والعمل الصالح ، وأن الإيمان هو الحب لقوله r : ” والذي نفس محمد بيده لن تدخلوا الجنة حتى تؤمنوا ولن تؤمنوا حتى تحابوا “ . وإن هذا الإيمان وهذا الحب يتلاشيان عند الذي يفتش عن الأقوال الخلابة الخيالية البعيدة عن إمكانية التطبيق ، لأن مثل هذا يصدع  الصفوف ويؤذي القيادات ، وإنه ضد الإيمان وضد الحب ، يؤيد ذلك قوله جل شأنه في الآية الثالثة :

] كبر مقتاً عند الله أن تقولوا ما لا تفعلون [ . ومعروف أن البغض هو ضد الحب ، وأن المقت هو أشد أنواع البغض . وإذا كان المقت كبيراً فيكون كل ما فيه تفرقة للصفوف على طرفي نقيض مع الإيمان والعمل الصالح  وإن تسمية السورة بسورة الصف يؤيد ما ذهبت إليه . وعليه فإن المؤمن الصادق في إيمانه يجب أن يعرف الشيء الذي يحبه المولى سبحانه ليتمسك به ، فتأتي الآية الرابعة بقوله جل شأنه : ] إن الله يحب الذين يقاتلون في سبيله صفاً كأنهم بنيان مرصوص [ . وإنه موقف عظيم لا سيما إذا كان في سبيل الله كالدفاع عن المثل والمقدسات والأهداف النبيلة . وعليه فإن هذه الآيات الكريمة ترحب بالعارضة البناءة القائمة على ما يمكن تطبيقه كذكرى تنفع المؤمنين ، كما تشجب المعارضة القائمة على الخيالات البراقة البعيدة عن التطبيق ، والمؤذية للقيادات ، والمخلة بالصف والجماعات لتكون الجندية جندية تامة .

وتأتي الآيات بعد ذلك تبين القيادات الثلاث : قيادة أنبياء الله موسى وعيسى ومحمد عليهم صلاة الله وسلامه . وكان البدء بالقيادة الأولى .. قيادة نبي الله موسى عليه السلام . وأنه نبي موحى إليه – وكان إنقاذ بني إسرائيل على يديه . وأنهم عندما لحقهم فرعون وجنوده انفلق البحر بعصاه فعبروا .. وهلك عدوهم وقومه . ولما عطشوا فجر الله لهم بعصا موسى اثنا عشر عيناً .. بعدد نقباء بني إسرائيل . وعندما جاعوا أنزل عليهم سبحانه المن والسلوى ، وعندما آذتهم سيناء بحرارة شمسها ظللهم المولى سبحانه بالغمام . وإن نعم المولى سبحانه غير ذلك كثيرة ، ومع ذلك كله فقد آذوه كما جاء في الآية الخامسة : ] وإذ قال موسى لقومه يا قوم لم تؤذونني وقد تعلمون أني رسول الله إليكم فلما زاغوا أزاغ الله قلوبهم والله لا يهدي القوم الفاسقين [ .

ويتبين من ذلك أن القيادة تؤذى ولو كان القائد رسولاً من عند الله وكانت أعماله الطيبة واضحة وضوح الشمس أو أكثر وضوحاً منها .. وأن بني إسرائيل قد زاغوا – أي انحرفوا عن الجادة القوية ، وعندما زاغوا أزاغ الله قلوبهم ( والله لا يهدي القوم الفاسقين ) كسنة كونية .

والانحراف عن النور كانحراف المشكاة الكهربائية عن الاتصال بالكهرباء مصداقاً لقوله سبحانه : ] الله نور السماوات والأرض مثل نوره كمشكاة فيها مصباح [ كما جاء بالآية 35 من سورة النور . وأن الله سبحانه لا يهدي القوم الفاسقين أي المنحرفين الزائغين عن النور كمشاك لا تستمد النور لتشعه للآخرين إلا إذا كانت صالحة ومتصلة ، ولا ينفعها الاتصال إذا كانت غير صالحة ، وإن المولى سبحانه جعل ذلك للصالح المتصل بدليل قوله في ختام الآية المتقدمة : ] ويضرب الله الأمثال للناس والله بكل شيء عليم [ . وللإمام الشافعي رحمه الله أبيات بهذا المعنى ، وذلك عندما كان طالباً للعلم عند أستاذه وكيع رحمهما الله  يقول فيها :

                   شكوت إلى وكيـع سوء حفظي             فأرشدنـي إلى  ترك المعاصي

                   وأرشدني بأن العلـــم نـــــــور             ونــــــور الله لا يهدي لعــاص

ويتبين مما تقدم أن القيادات غالباً ما تكون في أذى وسهر ونكد لأنها تحاول إرضاء الملايين ، ورضى الناس غاية لا تدرك . وإن القائد كفرد من الناس ليس له إلا ما أكل فأفنى ، ولبس فأبلى ، وتصدق فأبقى . وإن اليوم الذي لا يموت فيه الإنسان فإن ذلك اليوم يموت هو فيه ويحتسب جزءاً من عمره ، ويكون شاهداً له أو عليه . ومع ذلك فإن القيادات محسودة على تعبها وشقائها ، وسهرها وصبرها ، وكان الله في عون كل مؤمن صابر عامل للصالحات ، وإن الله مع الصابرين . وفي الأثر : ( إن أحب الناس إلى الله يوم القيامة وأقربهم منه مجلساً إمام عادل ، وإن الإمام العادل لا ترد دعوته ) .

ثم تجيء الآيات التالية في سورة الصف 6 و 7 و 8 عن زعامة نبي الله عيسى عليه السلام ، وقيادته لبني إسرائيل ، ثم الآية التاسعة عن البشارة برسالة خاتم النبيين وإمام المرسلين r ، وأن دينه سوف يظهره الله سبحانه على الدين كله ولو كره المشركون . وتتوالى باقي آيات السورة الكريمة لتطمئن متبعي محمد رسول الله وخاتم النبيين وترشدهم إلى التجارة الرابحة والحلول الصالحة .

على أنه لا بد من تساؤل حول مصير الفتى أثناء رحلة موسى والعالم عنه . وقد يأتي الجواب أنه إذا كان العبد الصالح هو الشخص الذي أحضر عرش بلقيس من سبأ إلى القدس قبل أن يرتد طرف سليمان إليه .. فلا بد وأن تكون انطلاقة موسى والعالم علمية سريعة قضياها في فترة وجيزة .. وكان الفتى بانتظارهما لا سيما وأنه لم يكن مع موسى وسيلة نقل ، وأن القرآن الكريم لم يذكر أن العالم كان معه مثل ذلك مما يرجح أن التنقل من السفينة في البحر إلى الغلام على اليابسة إلى القرية – كان بطاقة علمية.

كما يظهر أن موسى وفتاه قضيا سفرهما على الأقدام بدليل قوله سبحانه : ] فارتدا على آثارهما قصصاً [ ، وأن غذائهما كان مما يصطادانه من السمك في طريقهما على الساحل .

وطالما أنني قد استشهدت بالمشاك الكهربائية .. فلا بد من أن أشير إلى نبوءة القرآن بها وذلك مما يتبين لي من قوله سبحانه في الآية 35 من سورة النور : ] يوقد من شجرة مباركة زيتونة لا شرقية ولا غربية [ . ومن المعلوم أن كل حركة تحدث طاقة .. وأن الطاقة توقد من شجرة مجال مغناطيسي : لا شرقي ولا غربي .. أي شمالي جنوبي ، وهذا لضرب المثل لا للماثلة ، يؤيد ذلك قوله سبحانه في ختام الآية : ­] ويضرب الله الأمثال للناس والله بكل شيء عليم [ . وأن الكهرباء من الأشياء الكثيرة التي هي في علم الله سبحانه قبل اكتشافها ولا شك . ] ليس كمثله شيء وهو السميع البصير [ انظر الرسم.

 
 


أن الله سبحانه يضرب المثل لنوره بالكهرباء ، ويتبين من ذلك أن المصباح الكهربائي لا يستمد النور ولا يشعه إلا إذا كان صالحاً ومتصلاً . وأن على المؤمن أن يكون صالحاً ومتصلاً ليكون جديراً باستمداد نور الله سبحانه وإشعاعه للآخرين .

] توقد من شجرة مباركة زيتونة لا شرقية ولا غربية[

رسم يبين المجال المغناطيسي : ( شمالي جنوبي ) وهو على شكل شجرة

ويتبين مما تقدم أن ما وصل إليه نبي الله موسى والرجل العالم كان معالجة ثلاث حالات :

الأولى : إنقاذ سفينة مساكين يعملون في البحر من طغيان ملك ظالم مغتصب ..

والثانية : إنقاذ الأبوين المؤمنين من ولد مخالف لنهجهما وربما يؤثر على إخوانه وأقرانه فيرهق والديه طغياناً

           وكفراً ، عسى أن يبدلهما ربهما خيراً منه زكاة وأقرب رحماً .

والثالثة : المحافظة على الجدار لمصلحة يتيمين في المدينة كان أبوهما صالحاً .. وذلك إلى أن يبلغا أشدهما

ويستخرجا كنزهما .

على أن في قصة ذي القرنين بعد موسى وصاحبه ثلاث حالات أخرى كبيرة لمصلحة العالم بأسره ومد عمر الأرض وصلاحها وإنقاذ البشرية من هلاك محقق : الأولى في المحيط الأطلسي مع قارة ( أطلنتس ) ، والثانية في المحيط الهادي مع قارة ( مو ) ، والثالثة في المحيط المتجمد الشمالي مع يأجوج ومأجوج .. كما سيأتي في رحلات ذي القرنين الثلاث ، والله سبحانه هو الموفق والهادي إلى سواء السبيل ، وهو العلام الحكيم ، جلّ ثناؤه وتباركت آلاؤه وتقدست أسماؤه .

رحلات ذي القرنين العلميو التاريخية الثلاث:

مقدمة : كروية الأرض

يتبين من ذكر ذي القرنين بعد قصة موسى عليه السلام والعالم الصالح في سورة الكهف ، أن في القرآن العظيم من الإعجاز والعجائب العلمية ما لا تنتهي ولا تنقضي ما دامت السماوات والأرض .

ويتبين من لقب ” ذي القرنين ” لعدة فاتحين آخرهم الإسكندر المقدوني – أن الأرض مجال الفتوحات ، كروية الشكل أشبه ما تكون بقرني ثور . وإن هذا اللقب يطلق على كل غاز يتم له الفتح في غرب الأرض وشرقها . على أن ذا القرنين الذي نحن بصده هو فاتح عظيم مؤمن مؤيد بعلم لدني من لدن العزيز العليم سبحانه ، وهو غير الإسكندر المقدوني الذي لا تنطبق عليه صفات ذي القرنين موضوع القصة . فالمقدوني وارث ملك عن أبيه الملك ، إلا أنه لم يرث اللقب عنه ، بل كان ذلك بعد الفتوحات الكبيرة التي تحققت على يده بجيوش وعدد متفوقة  وهو لم يصل إلى الشرق الأقصى .. بل انتهت فتوحاته عند الشرق الأوسط ومات شاباً في إيران . وكانت عقيدته أقرب إلى الوثنية ، أما ” ذو القرنين ” موضوع القصة فهو رجل مؤمن موحد وعالم ملهم . ثم بما أن القصة علمية من كتاب أنزله سبحانه بعلمه .. فيستطيع القارئ الفهم السليم كلما كان لديه جانب من علوم الآلة كالنحو مثلاً ، وجانب من علم الجغرافيا على الأقل ، وأن تكون قراءته بنية فهم شيء جديد لا بنية مجرد رد غير بناء . على أن المغلوب في العلم هو الغالب لأنه هو المستفيد . ولكي لا نكون مجرد تابعين وإمعات معطلين مواهبنا وتفكيرنا .. جعلت السنة المباركة للمجتهد المصيب أجران ولم تحرم المجتهد المخطئ أجر اجتهاده ، وفوق كل ذي علم عليم .

ومن المعلوم أن كل نصف كرة يشكل قرناً .. بدليل أن أول ما يطلع من قرص الشمس عند الشروق يسمى قرناً ومثل ذلك آخر ما يبدو منها عند الغروب . ولعل رمز تاج ملكة مصر الفرعونية كليوباترا – الذي يمثل كرة بين قرنين – يعطي هذا المعنى . وقد ورد في الحديث الشريف ما يؤيد ذك إذ يقول المصطفى r في حديث طويل :

” إنها تغرب بين قرني الشيطان وتطلع بين قرني الشيطان “ . ولعل مما يتبين من الحديث الشريف أن ذكر قرني الشمس علمي .. ويعني الكرة . وقد تقدم لي بيان قوله سبحانه في سورة الرحمن : ] رب المشرقين والمغربين [ أن ذلك يعني كروية الأرض ، وأن كل كرة تدور حول نور يكون لها مشرقان ومغربان ، وأن المحيط الهادي مشرق بالنسبة لنا ومغرب بالنسبة لأمريكا ، والعكس صحيح أيضاً بالنسبة للمحيط الأطلسي حيث أنه مغرب بالنسبة لنا ومشرق بالنسبة لأمريكا . علماً بأن كروية الأرض معروفة قبل اكتشاف كولومبس ، بل منذ آلاف السنين ، وكانت معروفة لدى الفراعنة . وإني أضع للقارئ الكريم خريطة من رسم رجل تركي مسلم اسمه حاجي أحمد منذ سنة 1559 ميلادية .. عليها كتابة باللغة التركية وبالخط العربي .. ولكأن الخريطة مأخوذة من الجو . وقد أخذت هذه الخريطة من كتاب ” أطلس العالم للغوامض ” من وضع البريطاني  ” فرانسيس هيتشنج – FRANCIS HITCHING ” ، أضعها لمن لم يسبق له الاطلاع عليها . انظر الصفحة التالية.

 
 


خريطة تركية سنة 1559 رسمها حاجي أحمد تبين الدقة التي يصعب تصديقها للساحل الغربي لأمريكا ، في نفس الوقت التي ندرت فيه زيارته .   وأدناه ترجمة لما هو مكتوب أسفل الصورة .

A Turkish map of 1559,  drawn by Hadij Ahmed, shows incredible accuracy For America’s west coast at  that time scarcely visited ,ler let alone surveyed  .

على أن هناك أسطورة قديمة تقول أن الأرض على قرن ثور ولعل لهذه الأسطورة أصلاً علمياً إلا أنه كما قيل:

آفة الأخبار إلا رواتها . ولعل الراوي كان من ذوي الهيولات والمكانة الكبيرة بين قوم يغلب عليهم الجهل ، فصدقوه عندما قال : نعم ، إن الأرض على قرن ثور ، وأن الزلازل تحدث كلما تحرك الثور أو نقل الأرض من قرن إلى القرن الآخر . وعندما سأل : وماذا تحت الثور ؟ قال إن الثور على صخرة .. والصخرة على حوت .. والحوت في بحر ثم على ظلمات بعضها فوق بعض وهكذا ، إلا أنه اضطر أن يقول في آخر المر بعد الظلمات أنها بأمر الله ، وذلك لأن السائل لا يسكت عن الاستمرار بالسؤال إلا إذا قيل له مثل ذلك .على أن الواقع يؤيد أن أصل هذه الأسطورة علمي وذلك أن الأرض كروية الشكل على هيئة قرني ثور .

القصة في القرآن الكريم:

يقول المولى سبحانه في الآيات ( 83 إلى 85 ) من سورة الكهف : ] ويسألونك عن ذي القرنين قل سأتلو عليكم منه ذكراً ~ إنا مكنا له في الأرض وآتيناه من كل شيء سبباً ~ فأتبع سبباً [ . ويتبين من هذه الآيات الثلاث أن الله تبارك وتعالى آتى ذا القرنين مفاتيح علمية لكل شيء وأنه أتبع هذه الأسباب الربانية بجده ودأبه ، فاستطاع الوصول إلى معرفة هذه الأسباب باستعمال مفاتيحها العلمية . وإذا كانت الأسباب من كل شيء فإن الذرة والطاقة وغيرها من العلوم المعروفة والعلوم غير المعروفة حتى الآن – أشياء تندرج تحت قوله سبحانه : ] وآتيناه من كل شيء سبباً ~ فأتبع سبباً [ .

وقد تقدم عما قاله المفسرون من أن الذي عنده علم من الكتاب الذي أحضر عرش بلقيس ملكة سبأ من اليمن إلى القدس لنبي الله سليمان قبل أن يرتد إليه طرفه ، وصاحب موسى في مجمع البحرين ، وذا القرنين صاحب هذه الرحلات هو رجل واحد معمر مؤيد بعلم لدني من عند الله سبحانه – هو إيليا بن ملكان الخضر عليه السلام ، ولعل رحلاته الثلاث كانت لسلامة الأرض من الفناء كما سيأتي بعون الله وحسن توفيقه .

الرحلة الأولى:

فقد كانت أولى رحلاته الثلاث من مصر نحو الغرب وقت غروب الشمس في مصر مستعملاً الطاقة العلمية التي تسابق الفكر ، فوجد الشمس – بينما هي غاربة في مصر – فإنها مستمرة في الغروب على أمكنة أخرى من محيط الكرة ، كما يقول المولى سبحانه : ] فوجدها تغرب في عين حمأة ووجد عندها قوماً [  وقد قال بعض المفسرون عن كلمة ( حمأة ) تعني أنها ( من طين وماء ) وقال آخرون تعني أنها ( في حموتها ) . وعليه فإننا نستطيع أن نستفيد من هذين المعنيين – أولهما : أنها من طين وماء ، ومعلوم أن القوم الذين وجدهم وهو في المحيط الأطلسي لا يمكن أن يكونوا إلا على يابسة . والثاني : في حموتها .. أي في حدود الساعة الأولى بعده . وبما أن معدل الغروب في مصر هو الساعة السادسة ، التي هي الرابعة بتوقيت جرينتش .. بالتوقيت المحلي لتلك المنطقة . وتكون أول نقطة نزل بها ” ذو القرنين ” في رحلته الأولى نحو الغرب واقعة بين خطي عرض 20 و 40 شمال خط الاستواء بالقرب من مدار السرطان  إن لم تكن عليه، وبين خطي طول 40 و60 غرب جرينتش كما تقدم .

وتكون المنطقة التي وجد فيها القوم الذين نزل عندهم هي قارة أو جزيرة كبيرة في المحيط الأطلسي ، وأن الساعة الواحدة ظهراً هو وقت تكون فيه الشمس باقية في حموتها مصداقاً لقوله سبحانه : ] حتى إذا بلغ مغرب الشمس وجدها تغرب في عين حمأة ووجد عندها قوماً [ .

وأذكر أنني قرأت بجريدة ” بيروت المساء ” بعد منتصف الأربعينات ما جاء فيها نقلاً عن أحد الكتاب الأمريكيين غاب اسمه عن ذاكرتي .. تتلخص في أنه كانت جزيرة في المحيط الأطلسي عرفت باسم ( أطلنتس ) وأن أهلها بلغوا من العلم شأناً واسعاً في مختلف العلوم ، ثم دب فيهم الفساد أخيراً فخسف الله بهم الأرض بطاقة ذرية على يد عالم مصري ، وأنه لم ينج منهم إلا القليل . فقلت في نفسي : لا بد وأن يكون ذلك العالم المصري هو ” ذو القرنين ” لانطباق هذه القصة القرآنية عليه وعلى جزيرة ( أطلنتس ) ، وكنت متوخياً مثل هذه المعلومات المؤيدة من القرآن العظيم .

وقد كتبت وتحدثت عن هذه القارة في أوقات متقطعة .. ثم كتبت هذه القصة كاملة في أربعة أعداد متتالية من مجلة ” روز اليوسف ” في عام 1959 فيما لا يقل عن أربع عشرة صفحة من صفحات المجلة . وفي سنة 1976استطعت معرفة المكان مستعملاً خطوط الطول وخطوط العرض .. فاتصلت بوزارة الإعلام الكويتية وطلبت تصوير خريطة للعالم مركزاً على المحيط الأطلسي ، وقد حددت على هذه الخريطة مكان نزول ” ذو القرنين ” ووضعت عليه دائرة بالحبر ، وقلت يومها أن هذا المكان هو مكان قارة ( أطلنتس ) ، ومكان أول موطئ قدم للعالم اللدني ذي القرنين عليه السلام . وقد كان ذلك قبل أن أرى أي خريطة عن قارة ( أطلنتس ) . وقد بينت ذلك في كتابي الأول باسم ” العلم بين القديم والجديد في رحاب القرآن الكريم ” ، وقد قرظ الكتاب بعض الأخوة كان في مقدمتهم الأخ الفاضل الدكتور يعقوب الغنيم وزير التربية والتعليم الكويتية آنئذ ، كما وصلني كتاب من الأستاذ العلامة الشيخ أبو الأعلى المودودي رحمه الله ، من مدينة لاهور بباكستان ، أضع صورة منه فيما يلي – وقد شكرت الجميع في كتابي الثاني الذي صدر في سنة 1979تحت نفس الاسم . جزاهم الله خير الجزاء .

بسم الله الرحمن الرحيم

الأخ العزيز الأستاذ الفاضل عبد العزيز العلي المطوع حفظه الله .

السلام عليكم ورحمة الله وبركاته .. وبعد :

      فادعوا الله تعالى أن تكونوا وجميع العائلة في صحة كاملة وعافية شاملة وتوفيق مطرد ورحمة من الله  واسعة . كما أدعوه أن يكتب لنا جميعاً ما فيه صلاحنا وسعادتنا في الدنيا والآخرة .

حاولت أكثر من مرة أن أكتب إليكم ولكنه من الأسف الشديد أني لم أتمكن من ذلك لأجل ما عانيت في الثمانية الأشهر الماضية – ولا أزال أعاني – وطأة شديدة مستمرة من الأوجاع ( أوجاع المفاصل ) لم تتركني استريح لا في النوم ولا في اليقظة . وتصوروا لو كانت الأوجاع غير منقطعة ليلاً ونهاراً ويدوم هذا الوضع إلى ثمانية أشهر فماذا يكون من أمر المريض الذي يعانيه ويبلغ من عمره خمسة وسبعون عاماً ؟ ! وللسبب نفسه لم أتمكن من الكتابة إليكم على رغم شوقي إليكم وتذكري لكم في جميع الأوقات .

أخي الكريم : سبق أن زاركم في لندن أخي السيد / خليل أحمد الحامدي سكرتيري الخاص . وجلس عندكم ثلاثة أيام ورجع إلى باكستان وهو على قدر عظيم من الإعجاب بكم وبعلمكم ودراستكم القرآنية . وهو قرأ عليكم تأليفكم الوقيع ( في رحاب القرآن الكريم ) الذي يتضمن آراء جديدة حول شخصية ( ذو القرنين ) ورحلاته شرقاً وغرباً ، وموقع ” عين حمأة ” وشخصية الخضر عليه السلام الذي تبعه سيدنا موسى عليه السلام في رحلته العلمية ، وحقيقة مجمع البحرين ، أي البحر الهوائي والبحر المائي . ونظراً لأهمية النقاط التي أثرتموها في هذا الباب تصفحت الكتاب ، واطلعت على آرائكم الجديدة . ومما لا يرقى إليه شك أن نظرتكم في القرآن تتسم بالعمق والوجاهة . وكل سطر في الكتاب يدلل على مدى حبكم للكتاب الإلهي ومدى سباحتكم في بحره الذي لا نهاية له . أما الآراء التي سردتموها في كتابكم سوف ادرسها دراسة جدية عند تحسن الصحة وعودة بعض النشاط إذا شاء الله ولكن انطباعاتي الدائمة عن آرائكم هي أنها تقوم على نظرة عميقة ودراسة موضوعية . ولها قيمة علمية عظيمة تستحق العناية والاهتمام من قبل أهل العلم والرأي في الإسلام . وقد كلفت الأخ خليل أحمد الحامدي أن يقوم بترجمة هذا الكتاب إلى الأردية لكي يعم نفعه ويستفيد منه أهل العلم في باكستان والهند ، ويجد مكانته اللائقة به في الأوساط العلمية . ولا يسعني إلا الدعاء لكم أن يجزيكم الله تعالى خير الجزاء وأحسنه ، ويجعل أعمالكم وأعمالنا جميعاً خالصة لوجهه الكريم .

وقد نقل إلي الأخ خليل أحمد الحامدي تاريخ علاقتكم بما كنت أكتب في مجلتي ( ترجمان القرآن ) الشهرية وبما كنت أدعو إليه المسلمين في شبه القارة الهندية في الأربعينات . ومما يدعو إلى السرور والارتياح أنكم كنتم تقومون في تلك الأيام بترجمة مقالاتي وكلماتي إلى العربية وتنشرونها في مجلة الشرق المصرية والمجلات العربية الأخرى . وهكذا صرتم أول حلقة اتصال بين دعوة الجماعة الإسلامية في شبه القارة الهندية وبين دعوة الأخوان المسلمين في البلاد العربية . هذا أمر يستحق من قبل الرعيل الأول من كلتا الجماعتين كل التقدير والامتنان والشكر والله  يتولاكم .

وأخيراً ، لقد علمت من السيد / خورشيد أحمد المدير العام للمؤسسة الإسلامية في لأستر ( إنجلترا ) ما قد تفضلتم من دعم تلك المؤسسة والجمعيات الإسلامية الأخرى في إنجلترا . وهذه مواقف جليلة ولا يستطيع أحد أن يقفها إلا إذا من الله سبحانه وتعالى عليه بالتوفيق والعناية . وإني أرجو الاستمرار في دعم تلك المؤسسات حتى تواصل نشاطها وتكمل مشاريعها وتستطيع نشر الإسلام في ديار الكفر والآثام .

وعلى هذا ، أرجو منكم والأخ خليل أحمد الحامدي بحضركم أن تجددوا هذا الدعم لأن اخوتكم في باكستان يبذلون قصارى جهدهم بتوفيق من الله في نشر الدعوة الإسلامية وإعداد مجتمع إسلامي لا يسوده إلا الإسلام . كما هم يتولون تسيير عدة مشاريع إسلامية كالمعاهد الإسلامية التي تدرس العلوم الإسلامية ، ومعاهد تحفيظ القرآن الكريم ، ومعاهد الرعاية الاجتماعية ، والمستوصفات لتوزيع العلاج على الفقراء مجاناً ، وإصدار الكتب الإسلامية وتوزيعها بين الشباب وغيرهم ، وإعانة المنكوبين بالفيضانات والكوارث الأخرى . وكل تلك المشاريع الجبارة تحتاج إلى دعم واسع ومعونة كبيرة . ولا نستطيع تدبير هذا الدعم من باكستان . إذ أن باكستان تعاني أزمة اقتصادية وانهياراً مادياً وهنا ندعو الله تعالى أن ينقذها منه في المستقبل القريب . ولنا في أمثالكم ثقة عظيمة وآمال كبيرة في مواصلة دعم النشاطات الإسلامية .

وأخيراً ، يا أخي الحبيب إليكم من هذا العاجز أعطر عبارات الشكر والامتنان وأزكى التحيات والاحترام ، وأرجو منكم الدعاء لما فيه مرضاة الله إذ أن دعاء الأخ لأخيه بظهر الغيب مستجاب .

 

والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته أولاً وأخيراً …

 
أخوكم في الله
أبو الأعلى المودودي

وحدث في سنة 1980 أن اشتريت بعض الكتب من مكتبات لندن – وجدت فيها أن مكان قارة ( أطلنتس ) المبين في خرائطها هو نفس المكان الذي سبق أن حددته والحمد لله رب العالمين .

وللقارئ الكريم أضع صورة للخريطة التي بينت فيها موطئ قدم ذي القرنين في قارة ( أطلنتس ) محدداً المكان في المحيط الأطلسي بدائرة صغيرة . وقد ساعدني أيضاً على اختيار هذا المكان كونه أقل عمقاً من باقي أجزاء المحيط ، ولعل ذلك ناتج من تراكم طين وصخور هذه القارة بعد غرقها .

 
 

 

صورة للخريطة التي سجلتها

في وزارة الإعلام الكويتية

وتبين موضع نزول ذي القرنين

في المحيط الأطلسي .. أي

مكان القارة الغارقة .

 (أطلانتس) وما كتبه أفلاطون عنها:

لقد كانت هذه الجزيرة هدفاً تتسابق نحوه أقلام الكتاب . وكل ما كتب عنها من الكتب والمؤلفات مأخوذ مما كتبه عنها الفيلسوف اليوناني أفلاطون – نقلاً عن مصدر مصري – وأن هذه الجزيرة كانت تحكم قارة أفريقيا في الغرب حتى مصر ، وأوروبا حتى وسط إيطاليا . وبعد ازدهار مدنيتها مع فساد دب فيها .. أصابها من الدمار بين يوم وليلة ما قضى عليها وعفا على كل أثر لها . وإن رواية أفلاطون هي أن صولون سمع من راهب مصري أن البحر الأطلسي كان صالحاً للملاحة لوقوع هذه الجزيرة أمام أعمدة هاركوليس ( هرقل ) ، وأن هذه الجزيرة أكبر مساحة من ليبيا وآسيا الصفري معاً .. وأن صولون أبلغ قصة غرقها إلى كريتاس الأكبر ، ، وأن كريتاس الأصفر الحفيد سمع قصتها وهو في سن العاشرة من جده كريتاس الأكبر . وإن القرآن يؤيد هذه القصة في سورة الكهف ، وقوله سبحانه أصدق وأبلغ من كل قول . ( ومن أصدق من الله حديثا)

مصير سكان جزيرة (أطلنتس):

إن ” ذو القرنين ” الرحالة المؤيد بعلم من لدن العزيز العليم سبحانه عندما خوله المولى جلّ شأنه أمر تعذيب أهل قارة ( أطلنتس ) أو الإحسان إليهم بقوله تبارك وتعالى :  ] إما أن تعذب وإما أن تتخذ فيهم حسناً [ – كان جوابه كما حكى عنه كتاب الله : ] قال أما من ظلم فسوف نعذبه ثم يرد إلى ربه فيعذبه عذاباً نكراً ~ وأما من آمن وعمل صالحاً فله جزاء الحسنى وسنقول له من أمرنا يسراً [ .

وقد انتهى الأمر بالقضاء على هذه الجزيرة وما عليها فيما عدا الذين آمنوا وعملوا الصالحات فكان لهم النجاة والأمن .. ولعل ” ذو القرنين ” أخذ عليهم عهداً أن يكون استعمالهم لعلومهم المتفوقة في الإيجابيات دون استعمالها في السلبيات التي قد تقضي على الأرض وما عليها . ولعل هذه إحدى الأخطار الثلاثة التي كانت تهدد العالم . ولعل المأثور عنهم ما كانوا يرددونه لمن حولهم : ( لو علمتم ما علمنا لعايشكم الرعب وأحاط بكم الفزع . ولولا عهد قطعناه على أنفسنا لا نستطيع منه فكاكاً لبحنا بأسرار تورثكم هزات عصبية وتصيبكم برهبة لا تستطيعون احتمالها ) . ولم يمنعهم ذلك من ترك رموز وأحاجي بين ألواح الأهرامات بمصر وفي بيرو والمكسيك وبوليفيا وكريت ولبنان ، وفي معابد البوذية والكونفوشيوسية ما يحذر من أحداث ظهرت أو ستظهر لا سيما تحت الجليد بالقطب الشمالي وتحت جبال همالايا وغيرها .

وبهذه المناسبة أذكر أن الفراعنة قد توصلوا إلى علم الذرة . وقد قرأت أن لعنة الفراعنة التي يتعرض لها القائمون بالحفر والتنقيب عن الآثار الفرعونية ما هي إلا إشعاعات ذرية قد تصيب من يدخل مقابرهم أو يلمس شيئاً من مخلفاتهم الموجودة في هذه المقابر . وبلغني  أيضاً أنه قد وجد على جدران معابد المكسيك وبيرو وكولومبيا صور طائرات محفورة مما يدل على معرفتهم للطيران . كما أني رأيت في بعض الكتب التي تبحث في غوامض العالم القديم صورة لطائرة نفاثة وجدت في مقابر كولومبيا ويرجع تاريخها إلى ألف سنة تقريباً ، وكان من المعتقد أنها طائر أو فراشة أو سمكة .. إلا أنه لوحظ مؤخراً أن لها مواصفات الطائرة النفاثة . وأضع للقارئ الكريم صورة هذه الطائرة ، وصورة أخرى عثرت عليها تبين الملابس الحديثة لوارد الفضاء الحاليين ، وما يعتقد إنه من ملابس رواد الفضاء قديماً .

دورهم في حضارة مصر الخالدة:

بما أننا نؤمن بأن ما جاء في كتاب الله حق ، فعلينا أن نبحث عن المكان الذي انتقلت إليه هذه الأقلية الناجية من سكان هذه الجزيرة الذين عاهدوا ” ذو القرنين ” ألا يعملوا بالعلوم التي قد تسبب فناء العالم ، وأن يمنعوا أسرارها عن غيرهم لقوله سبحانه حكاية عن ذي القرنين : ] فأما من آمن وعمل صالحاً فله جزاء الحسنى وسنقوله له من أمرنا يسرا [ .

ومن الملاحظ أننا نجد أن قدماء المصريين قد نبغوا في مجالات العلوم وبرزوا سواهم في مختلف الفنون . وعليه فلا يستبعد أن يكون ملوك الفراعنة من سلالة ملوك هذه الجزيرة ، وأن يكون الكهنة من سلالة علمائها وذروة أهلها . وأننا نستطيع أن نتعرف على مدنية هذه الجزيرة وتقدمها العلمي والفني من خلال آثارهم في مصر ، رائدة المدنية وطليعة الحضارة القديمة متمثلة في الآثار الباقية على مر الزمن ، والخالدة على مر العصور ينطق بما خلفته من معالم عريقة كإصلاح الأرض وضبط مناسيب الري وعظمة التحنيط وشموخ المعابد ، وهندسة الأهرامات ، وروعة الألوان ودقة التماثيل وغير ذلك ، وإن ” ذو القرنين ” قد أخذ قمة الملوك وذروة العلماء إلى موطنه مصر ليواصلوا علومهم في الإيجابيات ، لا سيما وأنهم لم يستعلموا في حروبهم إلا الأسلحة التقليدية ، ولم يستعملوا أسلحة الدمار . ويكفي مصر شرفاً وعزة أن يكون ” ذو القرنين ” من أبنائها .. وإن شرف مصر شرف للعرب والمسلمين وموضع اهتمام العالم اجمع . وقد يعيد التاريخ نفسه نظراً للتفوق العلمي الحاضر أو يكون الفناء الكلي ، على أن القرآن العظيم يضمن للعالم أن الدمار الكلي سوف لا يحدث نتيجة لتفوق العلم عند البشر لقوله سبحانه :  ] حتى إذا أخذت الأرض زخرفها وازينت وظن أهلها أنهم قادرون عليها أتاها أمرنا ليلاً أو نهاراً فجعلناها حصيداً كأن لم تغن بالأمس كذلك نفصل الآيات لقوم يتفكرون [ ، وقول رسول الله r : ” لا تقوم الساعة حتى يكون الرجل قيماً على أربعين امرأة “ . ومن المعلوم أن القنبلة الذرية مثلاً لا تختار الرجال دون النساء .

ثم لا بد من وقفة عند قوله سبحانه : ] ليلاً أو نهاراً [ ، إذ من المعلوم أن الكرة الأرضية يسود نصفها الليل والنصف الآخر النهار ، وعليه فعندما يأتيها أمر الله يكون ذلك على قسم منها أثناء الليل وقسم آخر أثناء النهار .

وإذا كانت هذه الحضارة الفرعونية المتفوقة التي وجدت في شرق القارة  الغارقة من صنع نخبة من  العلماء ممن نجا من القارة قبل غرقها وفاقوا سواهم ، وكانت وجهتهم شرقاً.. فقد وجدت كذلك حضارات مماثلة في نفس زمن حضارة المصريين القدامى ، ولكنها في غرب القارة الغارقة كالمكسيك وبيرو وبوليفيا .. ولا بد وأن تكون من صنع العلماء الناجيين  الأقل تفوقاً الذين كانت وجهتهم غرباً وتسمى حضاراتهم بحضارة ( الإنكا ) و( المايا ) و ( الأزتك ) . وإن كل هذه الحضارات جاءت من جانبي ( الأطلنتس ) لا سيما وأن مدنيتهم شرقاً وغرباً متقاربة ، وأن تاريخ الحضارتين واحد ، وكانت أطلنتس في الوسط  بين هاتين الحضارتين .

لقد صور أفلاطون قوة هذه الجزيرة وجمالها البديع ، ومعابدها وقصورها المحاطة بأسوار الذهب ، المسقوفة بأعواد العاج . ووصف جدرانها المرصعة بالنحاس الأصفر الكورنتي ، والمزينة بتماثيل ذهبية ، ووصف قوتها العسكرية والبحرية وجيل الملوك الذين كانوا يحكمونها . ومما قاله أفلاطون في وصف هذه الجزيرة وملوكها وسكانها .. أنها كانت جزيرة خصبة وجميلة مما يذكر بوصف التوراة لأرض كنعان في سفر التثنية ، حيث وصف تلك الأرض بأنها أرض أنهار وعيون ، وغمار تنبع في البقاع والجبال ، أرض حنطة وشعير ، وكروم وزيت وزيتون ، أرض حجارتها حديد ومن جبالها تحفر نحاساً . وعن غرق جزيرة أطلنتس قال أفلاطون : لقد قام سكان الأطلنتس بحروب ضد جيرانهم ووسعوا فتوحاتهم ، وأخيراً عندما دب الفساد بينهم حاولوا أن يمدوا نفوذهم إلى اليونان .. ولكن الأثينيين نجحوا في ردهم إلى جزيرتهم الأطلنتس ، ولم يمض زمن طويل حتى حل بالجزيرة يوم وليلة رهيبان ، وحدث دمار غار فيه الغالب والمغلوب ، واستقرت هذه الجزيرة في قاع البحر . وعلى هذا الوضع غرقت جزيرة  أطلنتس في البحر وغابت عن الوجود ، ولهذا أصبح البحر في تلك البقعة غير قابل للعبور أو الارتياد لأنه قد أصبح مردودماً بطبقات الطين التي أحدثتها الجزيرة عندما استقرت بقاع البحر .

وأضع للقارئ الكريم خريطة تبين موقع جزيرة الأطلنتس في المحيط الأطلسي بين قارتي أوروبا وأفريقيا من جهة ، وبين الأمريكيتين من جهة أخرى – أخذتها من كتاب ” أطلس العالم للغوامض ” وذلك بعد إضافة الأسماء باللغة العربية.

الرحلة الثانية:

يقول المولى سبحانه في الآيات ( 89 إلى 91 ) من سورة الكهف ] ثم أتيع سبباً ~ حتى إذا بلغ مطلع الشمس وجدها تطلع على قوم لم نجعل لهم من دونها ستراً ~ كذلك وقد أحطنا بما لديه خبراً [ .

يتبين من ذلك عودة ذي القرنين من المغرب إلى المشرق عابراً إفريقيا وآسيا بدلاً من ملاحقة الشمس في غروبها في المحيط الهادي بعبوره بنما أو المكسيك مثلا ُ في أمريكا الوسطى ، وربما إلا بقدر ما يوصل علماء الأطلسي من مختلف الدرجات العلمية إلى أمريكا الوسطى وأمريكا الجنوبية . ثم أتبع الأسباب مرة ثانية من جهده ودأبه في مواصلة مسيرته نحوالشرق بالطاقات العلمية . ولعله كان ماراً ببلده مصر ليوصل إليها الذين نجوا من ملوك الجزيرة الغارقة وعلمائها ، ثم أكمل مسيرته متحهاً إلى الجانب الشرقي من الكرة الأرضية ليستقبل الشمس في شروقها على المحيط الهادي ، فوجدها تطلع على قوم لم يجعل الله لهم من دونها ستراً .. حيث القارة المماثلة لقارة ( الأطلنتسس ) في موقعها من خطوط العرض المماثل لموقع ( أطلنتس ) ، وهو بين خطي عرض 20 و 40 ، وفي علومها وعبادتها ، وملوكها وعلمائها ، ومعادنها وذهبها ونحاسها ، ومدنيتها وحضارتها ، والمماثلة أيضاً في خيراتها وجمالها ، ومعاملة ” ذو القرنين ” لسكانها ، ونجاة علمائها المؤمنين الإيجابيين في الخير بعد غرقها .

وأخيراً المماثلة في قضاء ” ذو القرنين ” عليها وعلى من فيها من الذين يقول عنهم القرآن الكريم حكاية عن ذي القرنين: ] قال أما من ظلم فسوف تعذبه ثم يرد إلى ربه فيعذبه عذاباً نكراً [ .

ويتبين كذلك من قوله سبحانه : ] كذلك وقد أحطنا بما لديه خبراً [ . كما يتبين من كلمة ( كذلك ) أن ذا القرنين قد ترك بلده مصر وقت الغروب أيضاً متجهاً نحو الشرق ، فوجد الشمس تطلع على قوم آخرين في المحيط الهادي شرقاً في قارة أخرى تسمى ( مو ) .

وقد كتبت في ذلك بكتابي ” العلم بين القديم والجديد في رحاب القرآن الكريم ” الذي صدر في سنة 1977 ، مع أني لم أكن أعلم عن هذه القارة شيئاً ، ولكني عرفتها من كلمة ( كذلك ) في الرحلة الثانية . وقد كتبت عنها تحت عنوان : قارة أخرى رابضة في أحضان المحيط الهادي . ولم أخطئ يومها في الوصف أو في الموقع ، إلا في أمر واحد وذلك في قوله سبحانه : ] لم نجعل لهم من دونها ستراً [ .. إذ كتبت يظهر لي أن أهل هذه القارة أو الجزيرة الكبيرة قد توصلوا إلى قاعدة التعادل بين الرفع والوضع .. أي انعدام الوزن ، وعليه تكون دورهم مفتوحة من أعلى لا سقوف لها ، وليس لبيوتهم أبواباً للدخول والخروج .. يساعدهم انعدام الوزن على الخروج من هذه السقوف .

وقد اطلعت فيما بعد في عام 1980 على كتاب باسم ” قارة مو المفقودة ” للكاتب الأمريكي ” جيمس تشيرشوارد     JAMES HURCHWARD”  ، الذي قضى حوالي ستين عاماً في التعامل مع البوذيين والكونفوشيوسيين وغيرهم من الهنود ، واكتشف في مغارتين في معابدهم ألواحاً كثيرة قام بحل روموزها .. وكتب عن هذه الألواح الشيء الكثير حول هذه القارة الغارقة . ولعل حكمه في الكتابة عن قارة ( مو ) يقرب من أفلاطون في الكتابة عن قارة ( أطلنتس ) .

وقد قرأت أخيراً عن قارة ( مو ) في كتاب ” قصص الأنبياء ” للمرحوم الأستاذ عبد الوهاب النجار – وصفاً مقتضباً قريباً من وصف تشيرشوارد فيما عدا الموقع . فقد ذكر الأستاذ النجار أنها في المحيط الهندي ، وكان الذي أعتقده منذ الأربعينات من سياق الآيات القرآنية الكريمة أنها تقع في المحيط الهادي . وكان هذا في كتابتي سنة 1976 في مجلة ( البعث الإسلامي ) التي تصدر في بلدة لكنو بالهند ، ثم في كتابي ” العلم بين القديم والجديد في رحاب القرآن الكريم ) في صيف 1977 ، قبل اطلاعي على كتب تشيرشوارد .

وكل ما كتبه الأستاذ النجار عن هذه القارة هو : ” يقول الباحثون في شأن البحار وأعماقها وما فيها من وهاد ونجاد وسلاسل جبال أن الجنة التي وجد فيها آدم كانت في قارة غير هذه القارات المعروفة الآن ، بل في قارة في جوف المحيط الأن ويسمونها قارة ( مو ) .

ويقولون أنها غرقت بحوادث زلزالية واستقرت بسهولها وجبالها وما كان عليها من حيوان وشجر وزرع في أعماق المحيط الهندي . وقد مات بسبب غرقها 60 مليوناً من الناس ” .

ويرجع الاستاذ النجار قوله في روايته أن قارة ( مو ) هي القارة التي وجد بها آدم – إلى قول الباحثين في شأن البحار وأعماقها ، وينفي عن نفسه المسئولية بقوله في ختام ما كتبه : ” وكل هذه الأمور لا نقطع فيها بشئ ” .

ويتفق ما قرأه تشيرشوراد في الألواح التي اكتشفها ، مع ما كتبه الأستاذ النجار بأن عدد من هلك عند غرق        ( مو ) كان حوالي 60 مليون نسمة .

وقد صحح تشيرشوارد مفهومي لموضوع السقوف المفتوحة .. وأوضح ذلك بقوله أن المنازل كان لها سقوف شفافة كي لا تحول دون دخول أشعة الشمس عليهم وعلى معابدهم لأنهم كانوا يعبدون المؤله ” راع ” شأن سكان الأطنتس وقدماء المصريين .

ونعود فنقول أن كل ما جاء في وصف أفلاطون للأطلنتس .. ينصب على ( مو ) بحيث تشتمل عليه كلمة ( كذلك ) أيضاً . وإن الواقع يقر ذلك ، ومن أصدق من الله حديثاً . وإن الخطر الذي كان يهدد العالم من تقدم العلوم في قارة ( أطلنتس ) هو نفسه الخطر الذي كان يهدد العالم من قارة ( مو ) .

والى القارئ اللبيب أضع خريطة تبين قارة ( مو ) من حيث الموقع في المحيط الهادي ، أخذتها من كتاب  ” القارة المفقودة مو ” – تشيرشوارد ، بعد وضع الأسماء باللغة العربية أيضا َ .

كما تبين الخريطة موقع بحر الشيطان جنوب شرق اليابان المماثل لمثلث برمودا / فلوريدا في المحيط الطلسي . كما يظهر في الخريطة طرف من قارة ( أطلنتس ) . ولعل الجزر الصغيرة المتبقية في مكان قارة ( مو ) قد انفصلت عنها عند غرقها بدليل وجود جزيرة ليس عليها إلا معبد بحجمها ، ولا بد وأن يكون هذا المعبد قد انفصل عن جزيرة كانت تقيم شعائر دينها في هذا المعبد .

 
 

 

الرحلة الثالثة:

وجاء في الآيات ( 92 إلى 94 ) من سورة الكهف قوله سبحانه : ] ثم أتبع سبباً ~ حتى إذا بلغ بين السدين وجد من دونهما قوماً لا يكادون يفقهون قولاً ~ قالوا يا ذا القرنين إن يأجوج ومأجوج مفسدون في الأرض فهل نجعل لك خرجاً على أن تجعل بيننا وبينهم سداً [ .

بعد هاتين الرحلتين .. قام ” ذو القرنين ” برحلة ثالثة نحو الشمال اتماماً لرسالته في القضاء على خطر ثالث يهدد بقاء الأرض .. مواصلاً مهامه في مختلف جهاتها إزالة لما حل بها من فساد ومن أخطار محدقة بوجودها ، وكان أمر الله وتوجيهاته سبحانه فوق ذلك كله .

وقد قرآت منذ زمن طويل في مجلة المستمع العربي التي كان يصدرها القسم العربي في إذاعة لندن – رداً على استفسار عن يأجوج ومأجوج – أنهم في الشمال .. وذلك نقلاً عن الكتب المفدسة . وإذا كان منطوق الكتب المتقدمة قد أثبتت وجود يأجوج ومأجوج في الشمال .. فإن القرآن العظيم قد أقر ذلك بالمفهوم العلمي .

وعليه فلعل المراد بالسدين : السد الذي يحجب الشمس عنا قبل الشروق ، والسد الذي يحجبها عنا بعد الغروب ، وهو ما يحدد منطقة الوصول في الشمال دون القطب الشمالي بين السدين تماماً ، أي في منتصف الدائرة القطبية حيث أن محبس يأجوج ومأجوج هو في ردم مغلق وليس سداً مفتوحاً مصداقاً لقوله سبحانه : ] فأعينوني بقوة أجعل بينكم وبينهم ردماً [ . وبما أن القطب وسط الأرض ، وأن خطوط الطول 360 درجة ، فلا بد وأن يكون ردم يأجوج ومأجوج في منتصف هذه الدائرة القطبية على خط 180 درجة دون القطب الشمالي .و عليه فلم أجد في المنطقة على الخط 180 إلا جزيرة واحدة تسمى ( رانجل أو رانجلي ) شمال شرق الاتحاد السوفيتي .. لعل بها ردم يأجوج ومأجوج . وإن لم يكن الردم في هذه الجزيرة ، لعله يكون في سلسلة جبال أنادير الواقعة في نفس المنطقة وعلى نفس خط الطول 180 درجة .

ولقد قرأت في جريدة الشرق الأوسط الدولية في لندن ، ولعله في صيف 1984 – أن هناك جزيرة في نفس الموقع – لم تذكر الجريدة اسمها – تتصاعد منها أدخنة بعلو ستة آلاف مثر .. عجزت الطائرات المروحية عن معرفة كنهها وأسبابها ، ولا أعلم هل أن هذه الأدخنة لا زالت موجودة أم لا . وأكتب هنا ما جاء في تفسير الشوكاني حرفياً : ” ثم حكى سبحانه سفر ذي القرنين إلى ناحية أخرى وهي ناحية القطر الشمالي بعد تهيئة أسبابه ، فقال : ] ثم أتبع سبباً [ ، أي طريقاً ثالثا ُ بين المشرق والمغرب ]  حتى إذا بلغ بين السدين [ . انتهى قول الشوكاني .

ولعل في قوله سبحانه : ] قوماً لا يكادون يفقهون قولاً [ ما ينطبق على سكان المناطق الباردة ( بلاد الإسكيمو) حيث أنهم في حالة اشتداد البرد يتخاطبون بلغة الإشارة لنهم يغطون رؤوسهم لئلا تتساقط قسماتهم بتجمد آذانهم وأنوفهم ، وربما  لتجمد لعابهم ودموعهم على خدودهم فيما لو فتحوا أفواههم أو كشفوا عن وجناتهم ، فخاطبوه باللغة التي تعودوها ولعلها لغةالإشارات .

التعاون العلمي الصادق فيما بين القمة والقاعدة بمختلف قدراتها – قاعدة هامة في درء الأخطار:

ويتبين ذلك من قوله سبحانه حكاية عن هؤلاء القوم : ] قالوا يا ذا القرنين إن يأجوج ومأجوج مفسدون في الأرض فهل نجعل لك خرجاً على أن تجعل بيننا وبينهم سداً [ . وقد أدرك ” و القرنين ” أنهم يعرضون عليه أموالاً كي يقوم ببناء سد يحول بينهم وبين هذا الخلق المفسد . ويقرر هذا العالم الملهم قاعدة مهمة أراد تطبيقها في دفع ضرر يأجوج ومأجوج .. ألا وهي التعاون الصادق مع العلم النافع .

وجاء ذلك في الأيات ( 95 إلى 99 ) من سورة الكهف في قوله سبحانه : ] قال ما مكني فيه ربي خير فأعينوني بقوة أجعل بينكم وبينهم ردماً ~ آتوني زبر الحديد حتى إذا ساوى بين الصدفين قال انفخوا حتى إذا جعله ناراً قال آتوني أفرغ عليه قطراً ~ فما استطاعوا أن يظهروه وما استطاعوا له نقباً ~ قال هذا رحمة من ربي فإذا جاء وعد ربي جعله دكاً وكان وعد ربي حقاً ~ وتركنا بعضهم يومئذ يموج في بعض ونفخ في الصور فجمعناهم جمعاً [ .

وكان رد ” ذو القرنين ” الذي آتاه الله العلم والحكمة والتمكين ما معناه : إن ما أعطانيه الله من علم وطاقة وعزمة ، خير لي ولكم مما تعرضونه من أموال تجمع من أغنيائكم لتدفع للعاملين من فقرائكم ، وقد تنتهي الأموال قبل اتمام المقصود . ولكن الأولى أن تعينوني بكل فئاتكم وكل امكاناتكم وبما تستطيعونه من قوة .. زيادة على ما عندي من العلم والتمكين .. لنعمل ردماً محكماً يحول بينكم وبينهم ، وإن التعاون الصادق والعلم النافع كافيان لهزيمة مثل هذا العدو المفسد إلى ما شاء الله .. فهيا آتوني بقطع كبيرة من الحديد أجعل بينكم وبينهم ردماً محكما محفوظاً لحبس هذا الخلق المتمرد .. لا مجرد سد مفتوح لا يكفي لإخمادهم وإيقاف شرورهم .

طبيعة يأجوج ومأجوج:

يظهر أن يأجوج ومأجوج مخلوقات عجيبة تلتقي فيه النار والمغناطيس ، إذ لو لم تكن نارية لما عاشت بين طبقات الجحيم ، ولما كتب لها البقاء في السجن الحديدي المغلق عليها من آلاف السنينن . وإن كلمة ( أج ) تعني في اللغة : اشتعل . ولو لم تكن هذ المخلوقات ممغنطة لما انجذبت محبوسة في كتل الحديد الكبيرة ، ولما بقيت في حالة شلل بين الأبعاد المتساوية في تعادل أعجزها عن الوصول إلى الردم من فوق أو نقبه من الجوانب . ولعلها من بقايا ما كان يعيش حول الأرض قبل تغليفها بالقشرة الترابية .. كالجن مثلاً في عنصره الناري وأسبقيته في الخلق والتكوين على مخلوقات الأرض الطينية بقوله سبحانه :

 ] ولقد خلقنا الإنسان من صلصال من حمأ مسنون ~ والجان خلقناه من قيل من نار السموم [ . وإن هذه المخلوقات مطلقة السلبية لا خير فيها ولا سيما بالنسبة للإنسان .

وقد كان خطر هذه المخلوقات على الأرض وسكانها كبيراً . وكان لذي القرنين ما أراد .. فقد جيء له بكتل الحديد الكبيرة في مكان الردم حيث لا يمكن السيطرة على خلق ممغنط إلا بربطه بكتل حديدية تزيد عن قوة احتماله لها في جذبها إليه ، فينجذب هو إليها . فلما أتم العالم التساوي في الأبعاد بين كل صدفين من أصداف الردم : العليا والسفلي

والجوانب – أمرهم بالنفخ كما رواه كتاب الله : ] فلما ساوى بين الصدفين قال انفخوا حتى إذا جعله ناراً قال آتوني أفرغ  عليه قطراً [ .

ولعل للنفخ في الحديد المشتعل فائدتين .. الأولى : زيادة اشتعاله وإذابته ، والثانية : لجعل الحديد يغطي بالنفخ جميع طبقات الردم ويتسع لهذه المخلوقات الشريرة ويصبح محبساً لها إلى ما شاء الله . ولعل النفخ كان علمياً ، ولكي يحمي ” ذو القرنين ” منطقة الردم الممغنطة من أي عامل خارجي قد يؤثر على التساوي الذي يشل حركة هذا الخلق الناري فتنطلق هذه المخلوقات من سجنها الحديدي المتساوي الأصداف .. وتعود من جديد إلى استعمال قوتها وطاقاتها في التدمير والإفساد لعله لذلك أمرهم بإحضار القطر لأزالته فوق الردم حتى تتكون عليه طبقة عازلة .والقطر لغة : هو كل ما تتابعت قطراته من كل سائل . ومن معاني القطر : النحاس المذاب كما اتفق عليه أكثر المفسرين .

وعلى هذا المفهوم لا يستعبد أن تكون إسالة عين القطر لنبي الله سليمان عاملاً من عوامل سيطرته على الجن كما جاء في قوله سبحانه : ] وأسلنا عين القطر ومن الجن من يعمل بين يديه بإذن ربه ومن يزغ منهم عن أمرنا نذقه من عذاب السعير [ .

والنحاس عازل للمغناطيس وغير قابل للمغنطة. ويظهر أن هذه المخلوقات المتمردة قد بقيت داخل الردم المحكم فاقدة للوزن والقددرة على الاتجاه والحركة .. نحو أي جهة من جهات الردم ، بل مشلولة يموج بعضها في البعض الآخر تماوجاً مغناطيسياً لا حيلة لها فيه ، فعجزت عن استظهار الردم من فوق .. أو نقبه من الجوانب فأمست وقد شدتها جاذبية الحديد من كل جانب من جوانب الردم . وهذا ما يتبين من قوله جل شأنه : ­] فما استطاعوا أن يظهروه وما استطاعوا له نقباً [ .

ولا بد من وقفة عند قوله سبحانه : ] قال انفخوا [ وهو ما يؤيد ما ذهبت إليه من أنه إذا كان هذا الخلق ناري ممغنط وانجذب لقطع الحيديد الكبيرة ، فلم يبق إلا النفخ لينصهر الحديد بالنار ويغطي الردم من كل جوانبه شأن مصانع الزجاج في تشكيل الزجاج بالنفخ . ومن البديهي أنهم بعد فقدهم الوزن وعدم قدرتهم على الحركة داخل الردم ، ظلوا يتماوجون استجابة لتعادل المغناطيس في الجهات الست المتساوية الأبعاد . وإن كل حيز مكعب يتكون من ست جهات أصلية ، أما الجهات الجبلية فيحكمها وضع الجبال وقد تكون أقل من ستة جهات حيث تفقد صفة التكعيب .

ويؤيد ما تقدم قوله سبحانه : ­] وتركنا بعضهم يومئذ يموج في بعض [ .

وسيظل يأجوج ومأجوج في هذا الوضع حتى يأتي أمر الله يقررنهاية الكون وفنائه مصداقاً لقوله جل شأنه :

] فإذا جاء وعد ربي جعله دكاً وكان وعد ربي حقاً [ .

أحديداب جانبي الأرض وإنطلاقة يأجوج ومأجوج:

يقول المولى سبحانه في الآية 96 من سورة الأنبياء :] حتى إذا فتحت يأجوج ومأجوج وهم من كل حدب ينسلون [  ولعل في التعبير القرآني بلفظ حدب ما يشير إلى انظلاق يأجوج ومأجوج من جهات حدباء . والحدب تقوس وارتفاع وسط يابسة أو ماء .

واحديداب الأرض معروف جغرافياً ، فمن المحتمل إذن أن تكون إنطلاقة يأجوج ومأجوج قرب نهاية الكون من جميع جهات الاحديداب على جانبي الكرة الأرضية . وإن جهات الاحديداب تبدأ شمالا من القطب الشمالي حتى مدار السرطان ، وجنوباً من القطب الجنوبي حتى مدار الجدي . وإن النقط الاثنا عشر التي حددها إيفان سندرسون وأسماها ” مقابر الشياطين ” ، وبين مواقعها على خريطة العالم ، وتقع خمس منها على مدار السرطان ، وخمس منها على مدار الجدي ، وواحدة في المتجمد الشمالي وأخرى في المتجمد الجنوبي .. لعل هذه النقط جميعاً بؤر ينطلق منها هذا الخلق المتمرد متسلالاً قبل دك الردم ثم بعده . ولعل بوادر الانطلاق قد ظهرت من هذه النقط الاثنى عشر وكلها في مواقع حدباء مصداقاً لقوله سبحانه : ] حتى إذا فتحت يأجوج ومأجوج وهم من كل حدب ينسلون ~[ r استيقظ من نومه وهو يقول : لا إله إلا الله . لا إله إلا الله . لا إله إلا الله ، ويل للعرب من شر قد اقترب ، فتح اليوم

من ردم يأجوج ومأجوج مثل هذه . وحلق بسبابته والتي تليها  ” قلت يا رسول الله أنهلك وفينا الصالحون ؟ قال : ” نعم إذا كثر الخبث ” .

وفيما يلي أضع للقارئ الكريم صورة خريطة العالم مبيناً عليها جهات الاحديداب في المواقع الاثنى عشر التي حددها إيفان سندرسون ، ومن أكثرها أخطاراً – مثلث يرمودا قرب فلوريدا في أمريكا الشمالية . وإذا كانت حوادتمثلث برمودا أكثر من حوادث باقي النقط الأخرى .. فذلك لأن هذه المنطقة تعتبر طريقاً رئيسياً للطائرات والسفن ، والمرور عليها أكثر من باقي النقط . ويليها بحر الشيطان باليابان ، فالنقط الأخرى التي أينما تكون .. تكون البراكين والزلازل .

 
 

 

 

هذا وقد تكررت العربدة وساد التمرد في مثلث برمودا / فلوريدا ، وهو إحدى هذه النقط التي تقع جنوب شرق الولايات المتحدة ، كما تكرر مثل ذلك في بحر الشيطان جنوب شرق اليابان ، وهي نقطة أخرى من النقط المتقدمة .

ومما تجدر الإشارة إليه أن النقطة التي تقع عند مثلث برمودا / فلوريدا قريبة جداً للمكان الذي حددت فيه قارة ( الأطلنتس ) ، كما أن النقطة التي تقع في بحر الشيطان قرب اليابان قريبة جداً من المكان الذي حددت فيه موقع قارة ( مو ) . وإذا كانت الحوادث في بعض النقط الأخرى قليلة ، فلعل ذلك يرجع لكونها غير مطروقة نسبياً كما تقدم .

ومما بجدر الإشارة إليه أن كلمة ( كذلك ) في القرآن الكريم تعني أن المماثلة بين القارتين تامة ، وأن هذه الكلمة قد أغنت عن التفصيلات عن قارة ( مو ) ، كما فصلت حوادث الأطلنتس . وقد سمعت وقرأت عن طائرة اختفت بالقرب من استراليا بعد أن أرسلت اشارة استغاثة بقليل ، ولم يظهر أي أثر لحطامها أو جثث لضحاياها ، فراجعت خريطة سندرسون .. فوجدت أن أستراليا تقع بين نقطتين من هذه النقط على مدار الجدي ، كما أنني راجعت هذه الخريطة بعد زلزال أغادير بالمغرب .. فوجدت أن إحدى هذه النقط الاثنى عشر قريبة جداً من موقع الزلازل . ومعلو أن في المحيط الهادي الكثير من الزلازل والبراكين في وسطه وعلى سواحله من جمبع الجهات ، ولعل ذلك راجع لوجود معظم النقط المسماة بمقابر الشياطين فيه .

وكذلك الأمر في أمريكا الوسطى لأنها تقع فيما بين المحيط الهادي ومثلث يرمودا / فلوريدا . على أن الزلازل والبراكين في تزايد مستمر منذ أكثر من خمسة عشر عاماً ، ولعل عام 1985 كان أكثرها نشاطاً . وتوجد في إيران شرق الخليج نقطة من هذه النقط.

أما أفريقيا فهي خالية منها فيما عدا نقطة واحدة في الشمال الغربي قرب أغادير كما تقدم . علماً بأن الأمريكيتين مهددتان بأربع نقط إحداها في شمال كندا جهة القطب ، والثانية في مثلث برمودا / فلوريدا جنوب شرق أمريكا الشمالية ، وثالثة في جنوب شرق أمريكا الجنوبية ، والرابعة في جنوبها جهة القطب . وليس من المستبعد أن تكون هناك علاقة بين ما حدث من انفجار مركبة الفضاء الأمريكية ( شالنجر ) في سماء فلوريدا والنقطة الموجودة في هذه المنطقة .

وكلما زاد العالم في الذنوب والمعاصي والبعد عن الاعتدال والتمسك بالقيم ومكارم الأخلاق التي جاءت بها رسالات الله .. فلا يلومن إلا أنفسهم . ولعل قوله سبحانه : ] سنفرغ لكم أيها الثقلان [ يشتمل على هذا المعنى ، وكذلك قوله سبحانه في الآية 65 من سورة الأنعام : ] قل هو القادر على أن يبعث عليكم عذاباً من فوقكم أو من تحت أرجلكم أو يلبسكم شيعاً ويذيق بعضكم بأس بعض انظر كيف نصرف الآيات لعلهم يفقهون [ .

وعندما نزلت هذه الأية قال المصطفى r : ” إنها آتية ولم يأت تأويلها بعد “ . هذا ما نراه بما هو أكثر من الزلازل والبراكين .. وقد أعذر من أنذر . وجاءت الآيتان بعدها بقوله جل شأنه : ] وكذب به قومك وهو الحق قل لست عليكم بوكيل ~ لكل نبأ مستقر وسوف تعلمون [ .

نعم .. لقد استقر النبأ ووقع المحذور ونسأله الله العافية . ربنا آتنا في الدنيا حسنة وفي الآخرة حسنة وقنا عذاب النار . ولعل مما يشتمل عليه أيضاً قوله سبحانه : ] سنفرغ لكم أيها الثقلان [ – الأمراض الجديدة المعدية والمميتة ، والمخدرات وغير ذلك من وسائل الموت والهلاك الكثيرة ولا سيما ما يسمى بالإرهاب الذي يضر الجنس البشري كله .

وإزاء ما تقدم من أحداث العربدة والتمرد .. فهل ظهرت بوادر خروج يأجوج ومأجوج – الخطر الثالث الذي بنبئ بنهاية العالم ؟ نسأله سبحانه الحماية والوقاية . وإن الذي علينا هو بيان ما نستطيع الوصول إليه من كتاب الله ، ونترك الجواب على مثل هذا التساؤل للقارئ اللبيب ، والواقع المرتقب ، ونفوض الأمر للمولى سبحانه .

على أن الساعة علمها عند الله سبحانه ، وقد بين القرآن والسنة علاماتها . ومن علاماتها خروج يأجوج ومأجوج ، ويفول المولى جل شأنه : ] إن الساعة آتية أكاد أخفيها لتجزي كل نفس بما تسعى [ .

وإلى القارئ الكريم أضع خريطتين حديثتين للعالم تظهر فيهما جزيرة ( رانجلي ) الواقعة على خط طول 180 شمال شرق الاتحاد السوفييتي والتي سبق أن حددت عندها مكان ردم يأجوج ومأجوج بالقطب الشمالي ، وللقارئ  أن يتبين تماثل الموقع في كل من الخريطتين . كما أضع خريطة صغيرة تبين الطرف الشمالي الشرقي للاتحاد السوفييتي مبيناً بها سلسلة جبال أنادير على خط الطول 180 درجة . وعليه إذا لم يكن ردم يأجوج ومأجوج في جزيرة رانجلي فلعله يكون في شمال شرق روسيا على خط طول 180 درحة في جبال أنادير .

 
 

 

خريطة  حديثة تبين الشمال الشرقي للاتحاد السوفيتي عند

 خط الطول 180 درجة – يشير السهم إلى جزيرة رانجلي

    
  
 
 

 

خريطة أخرى حديثة مرسومة من أعلى القطب الشمالي –الدائرة

 الصغيرة في أعلى الخريطة تبين خط الطول 180درجة ،

 والسهم يشير إلى جزيرة رانجلي في الشمال الشرقي للإتحاد السوفيتي

خريطة قديمة من وضع الإدريسي .. أقدم الجغرافين العرب

( 1099 – 1166 ) تبين مكان يأجوج وماجوج في أقصى

 الشمال الشرقي ، ويلاحظ أن الكتابة على الخريطة مقلوبة

كعادة واضعي الخرائط العربية قديماً يجعل الجنوب إلى أعلى

 والشمال  إلى أسفل

وأصل الخريطة محفوظ في مكتبة بودليان في أكسفورد بإنجلترا

وعلى ضوء ما تقدم أقول : بما أن موقع مثلث برمودا / فلوريدا بالنسبة للأطلنتس مماثل لموقع بحر الشيطان من قارة ( مو ) ، وبما أن مباني قارتي (أطلنتس) و (مو) كان بغلب عليها طلاء النحاس والذهب ، وبما أن النحاس والذهب مادتان عازلتان للمغنطيس ، فإني أنصح بطلاء المنازل والسفن والطائرات بطبقة من النحاس تجنباً لأخطار هذا الخلق الممغنط المتمرد ، الذي بانت شروره وقرب حضوره .

ومن الناحية التعاونية .. فإنني أنصح بأن يسود العمل جميع طبقات الأمة على مختلف قدراتهم وبما أوتوا من حول وقوة ولا سيما عند الأمور الجسام . وإن خطر البطالة والفراغ لا يقل عن الأخطار الأخرى ، وإن في تضافر القوى مع العلوم النافعة ما يساعد في التغلب على جميع الأخطار المحدقة لا سيما في عصرنا الحاضر . وإن إعطاء ماكينة اخياطة لأسرة فقيرة خير من إعطائها مبلغاً من النقود ، لأن ماكينة الخياطة تقوم بحل مشاكلها الاقتصادية على المدى الطويل وتبعد عنها الفراغ ، أما النقود فإنها تنفد ويبقى الفقر الذي يتطلب المعونة المستمرة .

كذلك إعطاء مقصد سمك لفقير .. خير من إعطائه أضعاف قيمتها نقوداً لأنه بصيد السمك سوف يدبر شؤون حياته ويستطيع بجده في عمله أن يتجنب ذل السؤال . يؤيد ذلك قوله r : ” لأان يأخذ أحدكم حبله فيحتطب خير من أن يسأل الناس أعطوه أو منعوه ” . وعليه فإن البطالة تزول باستعمال مختلف المواهب عند الأكثرية . وحبذا لو شكلت مجموعات مثقفة مخلصة لها فروع متعددة يأتيها كل عاطل عن العمل أو تأتي هي إليه .. لإيجاد عمل لكل عامل بحسب قدرته ومواهبه – تقوم دور المال والمصارف المختلفة بمساعدة هذه المجموعات المثقفة وتمويلها لزيادة الإنتاج الذي يستفيد منه العامل المنتج والمصرف الممول معاً . وإن التسابق في العمل يعود بالنفع على الجميع . وحبذا لو وجدت أيضاً مؤسسات لتنظيم أعمال الأفراد بالأساليب العلمية والأخلاق الفاضلة .. إذن لاستراح الفرد ، وإن في استراحة الأفراد راحة للدولة .

كذلك لو تكونت شركات من الطلبة – كل في مجال تخصصه – يتقدمون لدور المال والمصارف بمشاريعهم فتوافق عليها دور المال أو تعدل فيها فتوججهم إلى الطريق الأسلم ، وهكذا يكون الطالب منتجاً مفيداً لوطنه وأمته بدلاً من أن يكون عبئاً على وطنه وعالة على أمته .

ولا بد لي من الإشادة باهتمام الحكومة المصرية المكلل بموافقة رئيس الجمهورية ، وذلك بتيسير فرص العمل الإنتاجي بالنسبة للطلبة وغيرهم من الشباب – بتوزيع الأراضي عليهم لاستصلاحها وزراعتها ، مع منحهم قروض ميسرة وتسهيلات أخرى للحصول على مستلزمات الانتاج .. تسدد بجزء محدد من الإيراد ، مع توفير مسكن مناسب لكل شاب بجوار موقع العمل فور البدء في عملية الاستصلاح والإنتاج .

وحبذا لو كانت البيوت المالية شريكة بمالها ، وذوي النشطة من الشباب شركاء بجهودهم لكي لا تكون أموال دور المال مجرد دولة بين الأغنياء ، ولتكون قروضها هادفة في العمل الانتاجي بدلاً من أن تكون قروضها مجرد نقدية غير موجهة .

هذا بالنسبة للأفراد ، أما بالنسبة للدول .. فإن الدولة ذات الوفرة السكانية والإمكانات البشرية ، والتي تكثر فيها الأراضي الزراعية – تتجه للانتاج الزراعي كلما توفرت المياه ، كما تتجه للصناعة كلما توفرت فيها المواد الخام . ولا بد وأن تكون الأولويات في التصنيع للمنتجات التي تتوافر موادها الخام في البلد المنتج . ومن المعلوم أنه أينما وجد الإنتاج – وجدت التجارة بيعاً وتصديراً .

ولا يفوتني أن أشير إلى أن الحياة دورات .. ففي جسم الانسان والحيوان توجد الدورة الدموية والدورة التنفسية والدورة الهضمية ، كما أن للنبات دورة تنفسية ودورة غذائية ، وهناك الدورة المائية والدورة المالية وغيرها ، وجميع هذه الدورات لخدمةالإنسان .

فعلى سبيل المثال إننا نعطي الغذاء والماء للأنعام والأغنام ، فتعطينا بدورها اللحوم والألبان والأصواف والجلود . ويحصل النحل على الرحيق من الزهور والورود فيعطينا العسل . كذلك الأشجار والنباتات الأخرى .. فإنها تأخذ منا ثاني أكسيد الكربون اللازم لدورتها التنفسية ، وتعطينا الأكسجين الضروري لتنفس الإنسان والحيوان .

ويعطي الإنسان فضلاته وفضلات البهائم للنبات كأسمدة تساعده على النمو والتكاثر .. فيعطينا النبات فضلاته المثقلة عليه كالحبوب والثمار والفاكهة ، علاوة على ما نحصل عليه من أخشاب الأشجار .

والدورة المائية معروفة كذلك .. فالماء يبقى على سطح الأرض بطبيعته لثقل وزنه بالنسبة للهواء ، ثم يتبخر فيصبح أخف وزناً من الهواء فيرتفع إلى أعلى ، ويستمر في الإرتفاع حتى يصطدم بجو أخف منه يضغط عليه ويمنعه من الاستمرار في الارتفاع ، فيعود إلى الأرض ماء ًعذباً طهوراًعلى شكل مطر أو طل أو جليد ، مصداقا لقوله سبحانه : ­] وأنزلنا من المعصرات ماء ً ثجاجاً [ وقوله سبحانه :  ] وأنزلنا من السماء ماء ً طهورا [ . وقوله سبحانه ]  والسماء ذات الرجع ~ والأرض ذات الصدع [ . ولو أن بخار الماء استمر في الارتفاع ولم يعد إلى الأرض لنفد الماء وانتهت الحياة على الأرض لقوله سبحانه : ] وجعلنا من الماء كل شيء حي [ .

كذلك فإن للبضاعة وللعملة دورة مع النقد .. حيث أن البضاعة بالبضاعة توقف الدورة وتتسبب في تخزين البضاعة مما يعرضها للتلف والحرمان منها . فلا بد إذن للمقايضة في الدروة من وسيلة أخرى .. فكان النقد هو الوسيلة سواء أكان من المعادن الثمينة أو الأوراق المضمونة أو غيرها . والعامل يؤدي ما يطلب منه من أعمال في مقابل أجر نقدي يحصل عليه بصفة دورية ليعينه على المعيشة ، وهذه وسيلة ما زالت قائمة حتى الآن .

إلا أن ذا القرنين أثبت أن في التعاون الجاد مع العلم النافع أكبر ثروة .. وإن في ذلك ما يغني عن استعمال النقد ، وذلك عندما عرضت عليه الأموال لبناء سد يمنع شرور يأجوج ومأجوج كما جاء في كتاب الله حكاية عن القوم :    ] قالوا يا ذا القرنين إن يأجوج ومأجوج مفسدون في الأرض فهل نجعل لك خرجاً على أن تجعل بيننا وبيتهم سداً ~ قال ما مكني فيه ربي خير فأعينوني بقوة أجعل بينكم وبينهم ردماً ~ آتوني زبر الحديد … [ .

وأن التعاون الذي نجح به ذو القرنين في القضاء على أخطار يأجوج ومأجوج .. يحتم على دولنا العربية مثلاً – التمسك بالتعاون . وذلك بتوحيد الموقف والكلمة ، والاستفادة من أسباب النصر الذي أتمه الله سبحانه على سلفنا الصالح . وإن في توحيد موقف الخليج وكلمته عامل هام ونواة طيبة للموقف العام – كما أن وحدة الصف وتوحيد الكلمة بين جمهورية مصر العربية والمملكة العربية السعودية والمملكة الأردنية الهاشمية – أحسن ثمرة جنيناها في هذا الموقف العالمي المضطرب . ونرجو أن يتسع المجال والتحابب التام – ربط البلاد العربية بشبكة خطوط حديدية ولا سيما الجزيرة العربية .. للمواصلات والنقل بما في ذلك تنقل الجيوش والعتاد للدفاع عن الوطن والمقدسات .

وعليه .. إذا كان في الأمة الواحدة جانب لديه ثروة سكانية وجانب آخر لديه وفرة اقتصادية ، فإن التعاون الذي حقق به ذو القرنين أفضل النتائج يقتضي تعاون الجانبين باتحاد فدرالي كاتحاد غربي ألمانيا مثلاً أوالولايات المتحدة الأمريكية .

***************

وأرجو ألا يفوتني قبل الختام أن أذكر أن ذا القرنين بعد هذه الرحلات الثلاث التي قضى بها على أخطار عالمية – أو أنه أخر حدوث هذه الأخطار آلافاً من السنين – فإنه إذا كان لم يرحل إلى الجنوب .. فلعل ذلك يرجع إلى عدة أمور : أولها أنه لا يوجد خطر رابع في الجنوب .. والثاني أن الرحلة إلى المتجمد الجنوبي – علاوة على صعوبيتها لكثرة الثلوج – فإن هذه المنطقة ليس بها سكان ولا تشكل خطراً على الأرض . وإن العلم لم يتوصل بعد إلى اكتشاف ما وراء اليابسة في المتجمد الجنوبي – على ما أعتقد – حيث لم تستطع الطائرات والأقمار الصناعية الدوران حول هذه المنطقة كما قامت في المتجمد الشمالي .

وأرجو أن أوفق في الكتابة بعد هذا حول بحث جديد خاص بما وراء اليابسة في المتجمد الجنوبي بإذن الله سبحانه .

مما لا شك فيه أن القضاء على قارتي ( أطلنتس ) و ( مو )  في الغرب والشرق وغرق سكانها قد خفف من كثافة سكان الكرة الأرضية ، كما كان سبباً في اتساع المحيطين الهادي والأطلسي مما يجعل جميع القارات الموجودة على هذين المحيطين تستفيد من عائد أبخرتهما على شكل أمطار .. تحيي أراضيها وتحسن أجوائها وتكثر خيراتها .

ولا يخفى ما استفادته أمريكا مثلاً من خيرات هذين المحيطين الكبيرين هذا ما يتبين من هذه القصة في سورة الكهف الكريمة .. علماً بأن الفتن اليوم متزايدة ، وأسلحة الخطر متقدمة ، وتعداد السكان في زيادة مستمرة ، وبوادر يأجوج ومأجوج قائمة . وإن ما علينا ألا إصلاح حالنا بالتمسك بالإيمان الخالص والعمل الصالح ، وأن نقوم بواجباتنا فيما بيننا كقمة وقاعدة بالتعاون الصادق التام ، عباداً لله اخواناً ، موحدين كلمتنا على كلمة التوحيد ليصدق علينا قوله سبحانه : ] إنا لننصر رسلنا والذين آمنوا في الحياة الدنيا ويوم يقوم الأشهاد [ ، وتكرار قوله سبحانه : ] وكان حقاً علينا نصر المؤمنين [ ، والباقي على الله جل شأنه إنه سبحانه لا يخلف الميعاد .

والسلام على من رأى قبساً من نوره فهداه ، وعرف واجبه فأداه ورحمة الله وبركاته .

عبد العزيز العلي المطوع القناعي