Alqenaei

الرئيسية » المكتبة » حَوَلِّي – قرية الأنس والتسلي
https://theklozet.com/alqenaei/wp-content/uploads/2022/11/

بسم الله الرحمن الرحيم

 

حَوَلِّي

قرية الأنس والتسلي

(من حصيلة الذكريات قبل الخمسينات)

 

كلمة شكر وتقدير

يطيب لي أن أرفع جزيل شكري وعظيم ثنائي إلى معالي وزير الإعلام الشيخ ناصر محمد الأحمد الجابر الصباح على ما شملني وأولاني من رعاية وتشجيع في شتى الأنشطة المتواضعة التي أراجعه بها.

إذا لا يتوانى أبداً في الموافقة على كل ما من شأنه خدمة الكويت وإعلاء شأنها.

كما وأخص بوافر الشكر جميع الأخوة في وزارة الإعلام من مسئولين، وخاصة الأخ حمد يوسف الرومي وكيل الوزارة المساعد لشئون الثقافة والصحافة والرقابة، الذي مهد الطريق لطبعه.

وكذلك أشكر مسئولي المطبعة وموظفيها على اهتمامهم في إخراج هذا الكتاب وطبعه ليظهر بالمظهر اللائق به.

كما ولا يفوتني أن أشكر جميع من ساهم معي في إدلاء المعلومات أو جمعها.

وفقنا الله جميعاً لما يحبه ويرضاه وعاشت الكويت حرة أبية تحت ظل حامي نهضتها وقائدها الأمير المفدى وولي عهده الأمين.

مؤلف الكتاب أيوب حسين الأيوب

اعتذار

إن ما شمله هذا الكتاب هو عبارة عن مجهود فردي متواضع حاولت فيه بكل قواي أن أقدم للقارئ الكريم صورة صادقة عما كانت عليه قرية (حولي) فيما مضى وحتى الخمسينات.. قرية كانت بالأمس لها طعمها الخاص وقيمتها الثمينة ومكانتها العظيمة في نفوس أهلها ومحبيها.

تلك الصورة التي استخلصتها من ذاكرتي وقد عدت بها قرابة أكثر من أربعين عاماً للوراء، وإنني أعلم تمام العلم بأنني لم أوف الموضوع حقه، ولو فعلت ذلك لكلفني من الجهد والعناء فوق ما أطيق. ولكنني اكتفيت بما سجلته هنا سواء مما اختزن في ذاكرتي وهو الأعم أو مما أخذته من أقوال الآخرين.

كما وأبدي أسفي الشديد لعدم حصولي على صور فوتوغرافية توضح ما تكلمت عنه ولكن استعضت عن ذلك ببعض رسوماتي التي قد تعطي القارئ فكرة عن الموضوع.

فمعذرة على ما فيه من قصور أو نقص أو نسيان والكمال لله وحده.

المؤلف

المقدمة

بسم الله الرحمن الرحيم

الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين.

وبعد فإنني لم أصل إلى المكانة التي تؤهلني للكتابة أو الخوض في تاريخ أي مكان كبلد أو قرية أو ما شابه ذلك. ومع صعوبة الحصول على مصادر كافية تتناول الحديث عما وددت الخوض فيه، فإن ذاكرتي أبت إلا أن تقودني إلى تحرير ما علق بها من معلومات خاصة عن قرية كان ظلها خفيفاً على نفسي، ولو بقدر يسير جداً، المهم فيه تسجيل شيء من تراث مضى وعفّى عليه الزمان فصار في طي الكتمان، أسجله هنا لكي تطلع عليه الأجيال الذين لم يعاصروا (حولي) عندما كانت قرية.

نعم أسجل بعضاً من ذكرياتي ومعلوماتي الخاصة عن قرية (حولي) منذ أن عرفتها في أواخر الثلاثينات وحتى أوائل الخمسينات يوم أن كانت تنطبق عليها صفات القرى بحق، إذ لا قصور شاهقة ولا عمارات، إذ لا طرقات معبدة ولا سيارات، إذ لا أسواق منمقة ولا حشودات، إذ لا تمدن بين الناس ولا أبهات.

بل هي قرية تتمثل بها البساطة بكل مفاهيمها وتتجلى فيها القناعة بجميع معانيها.

بيوت (حولي) يومها كانت تشعرك بالرخاء والطمأنينة والأمن لضعف أبوابها وانخفاض علو أسوارها وبساطة مبانيها.

– فما أحلى (حولي) حين تبدو معالمها صغيرة لقصادها وهم قادمون إليها من الكويت مشاة أو ركباناً يقتربون منها شيئاً فشيئاً فتستقبلهم مبانيها وأشجارها.

– وما أحلى (حولي) حينما تتمشى في طرقاتها المتربة وأزقتها الضيقة وبين بيوتها التي تشتم منها روائح الأطعمة المنبعثة من كل بيت قبيل الغذاء مما يفتح الشهية.

– ما أحلى (حولي) عندما تهب عليها الرياح والعواصف فتمحو آثار أقدام من مشى عليها من أناس وبهائم أو سيارات إن كانت هناك سيارات فتظهر أرضها نظيفة ناعمة كأن لم يطف عليها طائف ولم يمر عليها مار، وبعد هدوء الرياح تدب عليها الحياة متوانية بطيئة فتبدأ تلك الآثار بالظهور على تراب سككها شيئاً فشيئاً إلى أن تعود الأرض كما كانت عليه.

– ما أحلى (حولي) حينما تسمع صدى صيحات أطفالها وصرخات صبيانها بألعابهم المختلفة بثغاء الأغنام العائدة من مراعيها عند المساء.

– ما أحلى (حولي) لما يصل إليك من نباح كلابها كلما انتبهت من رقادك وأنت في الهجيع الأخير من الليل داخل (الكبر) -وهو الكوخ-.

– ما أحلى (حولي) عند صياح الديكة معلنة بزوغ الفجر وانفلات العصافير من أعشاشها.

– ما أحلى (حولي) إذا ما خرجت من مهجعك الدافئ صباحاً لترى الأعشاب النضرة والورود الطبيعية وقد علتها قطرات الندى ففاح شذاها في أرجاء الفضاء الرحب فتكسبه جمالاً فوق جمال.

أجواء جميلة حلوة تطفح بالسعادة والمحبة والسرور تسبح لخالقها وتحمده على حسن صنعه.

كل ذلك دعاني بل وشدني إلى تأليف هذا الكتيب المتواضع، عله ينال إعجاب قارئيه ويذكرهم بأكثر من هذا فأكون قد حققت شيئاً مما كنت أصبو إليه.

والله ولي التوفيق

     المؤلف

أيوب حسين الأيوب

مخطط تقريبي لقرية حولي قديماً

هذا مخطط تقريبي لقرية حولي قديماً وقد أشرت بالخطوط المائلة على الأجزاء المسكونة فيها أو المحاطة بجدران أو أسيجة كالمزارع (وحوط) السدر. كما وبينت بها بالأرقام بعض المعالم والأمكنة المشهورة فيها قديماً حسب توقعاتي. مثل:

1- مزرعة بن عويد، 2- مزرعة الشيخ عبد الله الخليفة، 3- مسجد المسلم، 4- مسجد بن عويد،   5- الجادة الرئيسية، 6- المقبرة القبلية، 7- اليديده، 8- صيهد ضلع وضحة، 9- المطينة، 10- أثلة مسلم، 11- قصر الشعب، 12- أثل الخالد، 13- قصر بيان، 14- حوطة الشيخ عبدالله الجابر،   15- المقبرة الشرقية.

أما ما بين الخطين المتعرجين فهي: البحرة.

قرية حولي وموقعها

قبل الخوض في الحديث عن قرية حولي لا بد من الكلام عن تحديد موقعها فأذكر أنها قرية صغيرة تقع في جنوب مدينة الكويت ولا تبعد عنها إلا بما يقارب ستة (كيلو مترات).

وهي كسائر قرى الكويت المتناثرة على سواحل البحر إلا أنها أقرب القرى قاطبة إلى المدينة ولكنها قرية غير ساحلية، إذ يفصل بينها وبين بحر الشعب -الذي يحدها شرقاً- أرض خالية تقدر بمسافة (كيلو مترين) تقريباً تنمو بها الأعشاب أيام الربيع. وبعد بناء هذه الأرض وتعميرها مع بداية الستينات صار يطلق عليها الناس اسم (ميدان حولي) وذلك لأن أهالي (فريج الميدان) أي (حي الميدان) الواقع في الناحية الشرقية من مدينة الكويت قديماً، وبعدما استكملت الحكومة منازلهم في أوائل الستينات، سكن معظمهم في هذا البر الواقع بين منازل قرية (حولي) وبحر الشعب فأطلقوا عليه اسم حيهم القديم وظل هذا الاسم ملازماً لمنطقة ما بعد شرق (حولي) ومعروفاً لدى الناس جميعاً إلى يومنا هذا.

وأما (فريج الميدان) الأصلي الواقع بمدينة الكويت شرقاً فكان أصله من قبل أن يسكن ساحةً أو أرض فضاء تستغل في سباق الخيل والمبارزة وإقامة العرضات وما إليها من رقصات الحرب لذا سمي بالميدان.

وفي الجنوب الشرقي من قرية (حولي) تأتي قرية (الدمنه) التي قلب اسمها إلى السالمية عام 1953م إبان حكم المغفور له الشيخ عبد الله السالم الصباح.

ولكن تسميتها الأصلية (الدمنه) قد عادت إلى القسم القديم منها في وقتنا الحاضر حسب يافطات إدارة المرور المنصوبة على مفترق الطرق وفي الميادين العامة هناك، وذلك بعد اتساع رقعتها.

وكانت (الدمنه) قرية ساحلية تبعد عن (حولي) بما يقارب ستة (كيلو مترات). ثم تليها شرقاً قرية (الراس) الواقعة على رأس الجون الذي يسمى (برأس الأرض).

وعن جنوب قرية (حولي) فتقع منطقتي (الرميثية) و(الرميث). وهما مكانان خاليان من السكن آنذاك ولا يوجد بهما شيء سوى بعض أشجار السدر التي تبدو للناظر إليها من فوق (صيهد حولي) وهي كالنقط السوداء نظراً لبعد المسافة بينهما. وفي الجنوب أيضاً تقع أرض السرة وهي مساحات شاسعة خالية من العمران إلا من بعض القصور.

وأما من الناحية الغربية فهناك قرية (النقرة) التي ترتبط (بحولي) وتعتبر امتداداً لها.

وعند الرجوع إلى قرية (حولي) القديمة فأقول إنها قرية صغيرة قد لا يزيد مساحة الجزء المبني منها عن (كيلو متر مربع) واحد تقريباً. ولهذا فقد حباها الله موقعاً مناسباً قريباً، وهواء طيباً عليلاً، وتربة زراعية، وآباراً مياهها صالحة للزراعة، وأشجاراً خضراء زاهية.

وسأبين فيما يلي ما حصلت عليه من معلومات أو أقوال أو ما علق بذاكرتي عن هذه القرية الصغيرة.

وخير من ساهم في الكتابة عن قرية حولي هو الأستاذ المؤرخ سيف مرزوق الشملان عند استعراضه لجميع قرى الكويت وجزرها في كتابه النفيس (من تاريخ الكويت) حيث قال:

(حولي): أقرب القرى إلى الكويت وتقع في الجهة الجنوبية منها. بعيدة عن البحر وفيها بعض المزارع والسدر. وعلى مرتفع منها يقع قصر بيان بناه الشيخ أحمد الجابر الصباح (الحاكم السابق) وهو الآن أطلال “أقول وقد هدم نهائياً وأقيم مكانه حالياً مستشفى مبارك”.

وفي سنة (1349هجري – 1931م) بنى الشيخ أحمد الجابر في (حولي) مسجداً. وهواء (حولي) جميل لطيف. (انتهى).

ويقول أحد المسنين وقد عاصر (حولي) منذ صغره وسكن بها منذ نشأتها إلى يومنا هذا أن الجهة الشرقية من (حولي) كان اسمها فيما مضى (حويل) (بتسكين الحاء) ومع مرور الزمن شملها الاسم الكامل فصار يطلق عليها الاسم المشهور (حولي).

وأقول إن تسمية (حويل) ليست بغريبة على من يستغربها أو ينفيها لأن تصغير الأشياء هو من عادة أهل الكويت بل ومن عادة سكان الجزيرة العربية والخليج عموماً، وهو مما تؤكده اللغة العربية.

وعلى نمط (حولي وحويل) هناك (كوت وكويت) و (فنطاس وفنيطيس) و (سره وسريرات) وهناك (فحيحيل) وهي تصغير لكلمة (فحيل) المصغرة أيضاً من كلمة (فحل) وما إلى ذلك من الأسماء المصغرة لبعض الأماكن مثل (صليبيخات) و (نويصيب) و (شعيبة) و (بنيد القار) و (عشيرج) و (العديلية) و (الرميثية) إلى غير ذلك من الأسماء المصغرة.

وبعد إطلاعي على كتاب الفنون الشعبية لمؤلفه السيد الشاعر عبد الله عبد العزيز الدويش يقول في صفحة (32) ما يلي:

ويذكر أن اسم (حولي) أطلق عليها لأن أول من سكن تلك المنطقة وأقام فيها وزرع الخضار شخص من قبيلة العوازم اسمه (حولي) وقد أطلق اسم حولي على المغاص المذكور (هير حولي) تيمنـاً باسم المنطقة في الكويت لتشابهها في غزارة مائها.. الخ. (انتهى).

مياه حولي وسدها

ومما يذكره الأقدمون الذين قطنوا (حولي) عند تأسيسها أن مياه آبارها كانت عذبة وصالحة جداً للشرب مما ساعد على شهرتها وجعلها منتزهاً فاخراً ومحط أنظار عشاق النزهات، لدرجة أنه كثيراً ما يوصى العليل بالسكنى في ربوعها للاستشفاء.

ولكن ومع مرور الزمن لم تدم عذوبة مياهها طويلاً فخفت تدريجياً إلى أن طغت المرارة فصارت لا تصلح إلا للزراعة وسقي المواشي والبهائم فقط وهذه حال الآبار.

وقد قيل في ماء (حولي) نقلاً من كتيب (صفحات من تاريخ الكويت) للمرحوم الشيخ يوسف بن عيسى القناعي:

ماء الحولي مثله ما دارا               لا في افنيطيس ولا في وارا

هذا وللمرحوم علي بن عبد الوهاب المطوع قليب أي بئر حفره وبنى حوله الأحواض والجدران ليكون وقفاً (سبيل) يستفيد منه الناس والرعاة وأصحاب البهائم إذ كانت مياهه حينذاك عذبة وصالحة للشرب وكان موقعه في الزاوية الشمالية لمدرسة (أم البنين للبنات) المطلة على شارع المثنى حالياً.

وهناك قليب آخر حفر على نفقة أحد المحسنين من سكان القرية ليكون وقفاً للمحتاجين وأصحاب الرعي أيضاً كان موقعه قبلي (حولي).

ولهذا صارت قرية (حولي) منتجعاً جميلاً ومربعاً لعشاق البر والخلاء يخرجون إليها سنوياً مع بداية كل فصل ربيع حيث اللهو البريء والترويح عن النفس بعد انقضاء عام كامل قضوه في غمرة من الأعمال الجادة داخل سور المدينة أو في البحار بحثاً عن الرزق.

وعن موضوع الماء فقد كتب الأستاذ سيف مرزوق الشملان في كتابه (من تاريخ الكويت) قائلاً:

بدأ تأسيس (حولي) في سنة (1324هـ – 1906م) حيث عثر فيها على ماء حلو عذب فلذلك سميت (حولي) نسبة لحلاوة الماء، ومنذ ذلك الوقت أخذ الناس في البناء، وقد حصل لاكتشاف الماء الحلو رنة عظيمة في الكويت حتى قال قائلهم:

ماء الحولي مثله ما دارا            من حسنه قد تيه الأفكارا

وقد عارضه أحدهم قائلاً:

يا مادحاً ماء الحولي مسرفاً         هلا مدحت الشط والأنهارا

ثم يضيف الأستاذ سيف: وفي الأخير تغير طعم الماء وصار غير عذب كما هي العادة في الآبار حيث يتغير ماؤها نتيجة لقلة الأمطار وكثرة الوارد عليها.

ويقول أيضاً:

في السنة التي عثر فيها على ماء (حولي) عثر الغواصون على (تبرأة) وهي أن يجدوا محاراً كثيراً فيه لآلئ في أحد الأماكن التي يغوصون فيها ويسمونها (اهييرات) جمع (هير) وتكون بعيدة عن ساحل البحر وقد أطلقوا على ذلك (الهير) اسم (حولي) تيمناً باسم الماء الحلو الذي عثروا عليه قبله.

و (هير حولي) عميق الغور موحش يتعب الغاصة ويقول أحد البدو :

في حولي غبةٍ مالها والي          غبةٍ سودا وحنا نغوص ابها

(انتهى)

هذا وقد جاء في كتاب الفنون الشعبية للسيد الشاعر عبد الله عبد العزيز الدويش تكملة للبيت السابق في حولي غبةٍ… الخ.

والردي يقول يا عمري الغالي          والحجر إلي أقبل على إلقاء هربها

والبيتين هما لمحمد بن جريبه العجمي كما جاء في نفس الكتاب. (انتهى).

وبعد الرجوع إلى كتاب (تاريخ الكويت) لمؤلفه المرحوم الشيخ عبد العزيز الرشيد والذي وضع حواشيه وأشرف على تنسيقه ابنه الأستاذ الفاضل يعقوب عبد العزيز الرشيد، وفي الباب الرابع من هذا الكتاب القيم تحت عنوان (قرى الكويت) وفي الباب الخامس تحت عنوان (بعض أماكن الكويت المشهورة) فإنه رحمه الله قد تكلم عن جميع القرى والمواقع سواء الآهلة منها بالسكان أو كالتي لم تسكن قط وذكر أيضاً جميع الجزر واحدة واحدة ما عدا قرية (حولي) التي لم يتطرق إليها في هذين البابين على الرغم من أهميتها وقربها وكثرة سكانها.

ولكنه رحمه الله أتى بشيء عنها كمورد ماء فقط في الباب السابع تحت عنوان (موارد الكويت المائية) حيث قال:

“كان الكويتيون أول ما نزلوا الكويت يشربون من آبار هي وسط المدينة وقد تحولوا عنها عندما أحاطت بها البيوت إلى آبار أخرى تسمى بالشامية في جنوب البلد الغربي، ثم هجروها بعد أن تغير ماؤها لقلة الأمطار وكثرة الوارد إلى (العديلية) و (النقرة) وهما موضعان متقاربان في الجهة الجنوبية وقد تركوها أيضاً لاستحالة مائهما وحفروا آباراً في أعلى الوادي الذي في أسفله الشعب فكان ماؤها عذباً زلالاً وقد حصلت لاكتشافه رنة في الكويت حتى سموه لحلاوته (حولياً) وأطلقوا هذا الاسم أيضاً على كل ما أعجبهم وكل شيء يستحسنونه وأفرط بعضهم ففضله على جميع المياه بقوله:

ماء الحولي مثله ما دارا         من حسنه قد تيه الأفكارا

ولكن بعضهم عارضه فقال:

يا مادحاً ماء الحولي مسرفاً        هلا مدحت الشط والأنهارا

ويختتم المؤرخ قوله عن مورد (حولي) قائلاً:

غير أن هذا الماء قد نكب أيضاً بتغيره وباستحالته إلى ماء أجاج أفقده الأهمية الأولى فأخذوا يجلبون الماء من شط العرب في السفن الشراعية…. الخ.

وقال الشيخ عبد العزيز الرشيد رحمه الله عن (الشعب) ما يلي:

الشعب (بكسر الشين: وهو سيل الماء بين الجبلين) هو اسم لوادي يفضي إلى البحر فيه أثل ونخل وسدر قليل. يبعد عن المدينة نحو ثلاثة أميال جنوباً وكان من المتنزهات أيضاً سيما لآل خالد، وقد رأى الشيخ سالم أخيراً أن يتخذه متنزهاً خاصاً له فبنى فيه قصراً على شاطئ البحر أقام فيه إحدى نسائه وكان يمضي فيه جل أوقاته لطلاقة هوائه وعذوبة مائه وجمال منظره، فقد أحاطت به كثبان الرمال التي يحاكي لمعانها ذهب الأصيل ويشرف المرء من أعلاها على منبسط فسيح من الأرض واسع الأطراف لا ترى فيه عوجاً ولا أمتاً، وقد أقام سالم فيه سداً من الرمل ليحفظ ماء السيل الغزير الذي ينحدر من أعلى الوادي فيبتلعه البحر وبذلك حفظ الماء وعاد السد بفائدة كبيرة ولو أقامه من الحجارة لكانت فائدته أعظم.

توفي سالم فحل محله فيه نجله الأكبر سمو الأمير الجليل الشيخ عبد الله السالم الصباح وقد بذل همه في إصلاحه حتى فاق ما كان عليه أيام أبيه وحتى امتزج جماله الصناعي بجماله الطبيعي.

ويتطرق المؤرخ نفسه عن شعب آل خالد قائلاً:

“وهناك شعب آخر أسسه آل خالد الكرام حديثاً سنة 1334هـ (بما يعادل 1916م) جنوب الشعب المتقدم، يأوون إليه للنزهة أيام الصيف والربيع وقد بنوا فيه قصراً وغرسوا أثلاً كثيراً، ويبعد عن المدينة نحو ثلاثة أميال ونصف”. (انتهى).

ويقول الأستاذ حمد السعيدان في مؤلفه القيم (الموسوعة الكويتية) لم تكن (حولي) معروفة قبل 1906م عندما اكتشف فيها أول بئر للمياه العذبة، وتحول الناس عن مياه (أبو دواره) إلى مياه (حولي)، وتحولهم هو سبب التسمية.

ويقول: وليس كما فسر البعض من أن (حولي) نسبة للماء الحلو، إذن لماذا لم يقولوا (حلوي؟) نسبة إلى حلو!.

وعندما ظهر الماء العذب في (حولي) استبشر الناس وقالوا القصائد ومنها هذه الأبيات :

ماء الحولي مثله ما دارا        لا في افنيطيس ولا في وارا

من حسنه قد تيه الأفكارا

فكان في هذا الشعر مبالغة واضحة، ورد عليه شاعر آخر قائلاً:

يا مادحاً ماء الحولي مسرفاً    هلا مدحت الشط والأنهارا

ثم يتابع الأستاذ حمد السعيدان يقول:

ولم يلبث ذلك الماء المتجمع من الأمطار حتى انتهى وتغير طعمه وصار مالحاً. (انتهى).

وهناك بيتان من الشعر قيلا في ماء (حولي) بعد أن تغير طعمه وأصبح كماء بئر (أبو دواره) الواقع شرق مدينة الكويت -شرقي قصر دسمان- البيت الأول جاء على لسان الشيخ عبد الله الجابر الصباح ويذكر أنه من شعر (سيد عبدالوهاب حنيان) وهو صاحب مدرسة بالمناخ قرب جامع العدساني.

وأما البيت الثاني فقد زودني به السيد محمد سعود صالح المسلم وأظنه لنفس الشاعر. وهما :

يا أهل (الحولي) عظم الله أجركم         إن (الحولي) عندكم قد بارا

جرتم علينا بالغلاء لمائكم                 واليوم أمسى (كأبي دوارا)

وقد جاء هذان البيتان بنفس قافية البيتين السابقين.

وقد يظن البعض أن الشاعر ما قالهما إلا متهكماً في أهل حولي فرحاً بما نالهم من سوء فجاء يعظم لهم الأجر أي يعزيهم بمياه آبارهم التي تغير طعمها من بعد أن كانت مصدراً من المصادر التي يتباهون بها، ولكن في الحقيقة أنه ما قالهما إلا مازحاً ومداعباً، يتبارى وإياهم ويتساجل في نظم الأبيات المرحة التي تدخل الفرح على النفس وهذه من عادات الشعراء قديماً في الكويت حيث تجري بينهم مساجلات شعرية يكتبونها على هيئة رسائل متبادلة، وتعتبر هذه من النوادر والملح في ذلك الزمان.

وأعود ثانية إلى قليب (أبو دواره) الواقع شرق قصر دسمان لأذكر ما قاله عنه الشيخ عبد الله الجابر الصباح بأنه مطوي بالصخر ومدور الشكل ويقع بقربه قليب آخر لعبد العزيز بن حسن بو سلطان وماؤه كماء (أبي دواره) (مروق) أي لا يصلح إلا للطبخ والبهائم والغسيل وهو سبيل لوجه الله الكريم.

وجاء في كتاب (محافظة حولي) ص 34 تحت عنوان (حولي) ما يلي:

ولقد كان لمياه آبار (حولي) امتياز آخر غير عذوبتها ميزها عن مصادر المياه الأخرى. ذلك أن مياه (النقرة) أو (الشامية) مثلاً آنذاك كان يصيب مذاقها تغير واضح نحو الملوحة أو المرارة بعد مضي فترة من الزمن وتصبح بالتالي غير صالحة للشرب.

إلا أن مياه آبار (حولي) استمرت عذبة لفترة طويلة من الزمن. ولما كان لميلاد مصدر جديد للمياه العذبة صدى في نفوس الناس وفرحة لا تعدلها فرحة فقد استبشر الناس بظهور المياه الحلوة المذاق في منطقة (حولي) على نحو لم يخبروه من قبل حتى أن بعض شعرائهم نظم فيها قصيدة جاء فيها : ماء الحولي.. الخ. (انتهى).

وفي منتصف الستينات تقريباً قدمت إذاعة الكويت قصيدة ملحنة عن ماء حولي غنتها مطربة تدعى حسب معرفتي إن لم أكن ناسياً (سليمة إسماعيل) حيث لم يذكر اسم مؤلفها الذي حاولت جاهداً الاستفسار عنه ولكن دون جدوى. فمنهم من قال أنها للشاعر العدساني، ومنهم من نسبها إلى الشاعر المرحوم فهد بورسلي ولكنني أستبعد ذلك لأنها قصيدة تتخللها بعض الركة في التعبير وعدم التناسق في الأبيات وأظن أن ذلك ناتج من سوء النقل مع كثرة التداول.

ماء الحولي مثله ما دارا                 من شربه قد ضاعت الأبصارا

ماي عجيب ليس يوجد مثله         قد جاءنا من ربنا الغفارا

إن جئت عطشاناً فتلكي واردٌ            تلكي حباً وعليه مطارا

يا مادح الشط أنت جز من مدحه   ماءٌ نشاه الله من الأبيارا

وعليه درب الحرس من حوله          اللي (يحرسو) ساعة الأخطارا

ماء الحولي مثله ما دارا                 من شربه قد ضاعت الأبصارا

تعليق:

(ومن تفسيري وفهمي حول هذه القصيدة أن ناظمها يدل على أنه عاش وشاهد هذا الماء وقت استكشافه فوصف الإقبال عليه. كما ولاحظ وقوف بعض حراس الأمراء عند تجواله حول هذا الماء. وقد يجوز أنه مع الفرحة وضع بجانب الماء (حب) لتشرب منه الناس ماء بارداً. ولكن الأمر المستجد أنه كيف يوضع فوق ذلك الحب (مطارة). أما (الحب) فهو زير من الفخار (والمطارة) قديماً هي كيس من القماش السميك بقياس 35 سم × 30 سم يبرد فيه الماء ليكون مستساغاً للشرب.

و (المطارة) أيضاً هي إناء اسطواني الشكل عرفه الناس في الثلاثينات محاط من الخارج بغلاف معدني ومن الداخل بغلاف زجاجي ذو مقاسات مختلفة أوسطها ارتفاعه 30 سم وقطر فوهته 12 سم توضح بداخله كتل الثلج بعد تكسيرها ويحكم عليها الغطاء فتحفظه عن الذوبان مدة من الزمن قد تستغرق يوماً أو أكثر.

ولتلك (المطاطير) ألوان متعددة وأحجام متنوعة وأشكال متميزة، أشهرها (ماركة النسر) وتسمى أم نسر.

وسواء كانت (المطارة) من هذا النوع أو ذلك فإنه لا مكانة لها فوق (الحب). لأن (الحب) وحده فهو جدير بتبريد المياه وهو (كالغرشة والبرمة) تلك الآنيتين المصنوعتين من الفخار والتي لا يخلو بيت من البيوت القديمة منهما لأنه وجد فيهما الحل الأفضل إلى تبريد المياه.

وعموماً فالقصيدة جاءت معبرة بعض الشيء عن المياه العذبة التي امتازت بها قرية (حولي) فترة من الزمن.

وما دمنا بصدد الحديث عن مياه قرية (حولي) فلا بد من ذكر شيء عن السدود المجاورة لها.

فمن ناحية سد النقرة فهو سد يقع بين أرض النقرة الشمالية وبين أرض الدعية وهو كائن على طريق (حولي) ويبعد عنها قرابة (ثلاثة كيلو مترات) ويسميه البعض (سد النقرة) مثلما جاء في كتاب (الموسوعة الكويتية) لمؤلفها الأستاذ حمد السعيدان حيث قال:-

سد النقرة:

سد لتجميع مياه الأمطار أمر بحفره الشيخ سالم الصباح سنة 1917م ويعرف بسد النقرة، عندما تنزل الأمطار تنحدر المياه لذلك السد ويأتي السقاءون لنقل الماء من السد وبيعه للأهالي وينادي بائع مياه السد بقوله (ماء السد.. ماء السد). (انتهى).

ثم يأتي بحكايته عن اتفاق والده مع بعض أصدقائه لجلب الماء من هذا السد إلى بيتهم بواسطة التنكات وتكلم عن محاولته العوم بمياهه وكاد يغرق ويقول إن هذه الحادثة تذكره بأن السد كان موجوداً حتى عام 1953م.

وبالفعل فإن هذا السد هو عبارة عن أرض منخفضة، وقد حفرت علاوة على انخفاضها، ثم حفر فيها مجموعة من الآبار حيث استغلت الأطيان والأتربة الناتجة من تلك الحفريات في وضعها خلف الحفرة على استطالتها لتكون حاجزاً يمنع المياه من التسرب إلى بحر الدعية وحينما تنحدر السيول من البراري المرتفعة المحيطة بهذا المنخفض تتجمع به بعد أن تمتلئ الآبار ثم تفيض المياه لتصل في بعض الأحيان إلى عمق غير قليل بسبب هذا الحاجز الطيني المرتفع الذي يرتقيه الصبية (والكشاتة) ويمشون عليه للاستكشاف والتمتع بمشاهدة مياه السد وما يحيط بها من أعشاب وزهور. (انظر لوحة السد) وأذكر أنه في عام 1946م تقريباً ذهبنا خلف (حاجز السد) هذا للبحث عن (الفقع) وبالفعل حصلنا على أعداد قليلة منها وصغيرة جداً حملناها معنا إلى أهلينا وكأننا فزنا بفوز عظيم ومكسب ثمين.

ومياه السد تظل لمدة طويلة ليستقي منها الأهالي في (حولي) تحمل إليهم بواسطة القرب على ظهور الجمال وعند كثرتها قد تصل إلى أهالي المدينة يشترونها من السقاة وأغلبهم من الحمارة أي أصحاب الحمير.

أما عن (سد الشعب) فإنني لم أسمع عنه ولم أعرف مكانه وعندما سألت عنه لم أحصل على فائدة تامة بأن هناك سد يسمى بهذا الاسم بخلاف ما هو معروف (بسد النقرة) أو (سد الدعية) كما يسميه البعض ولكن يقتضي التكرار هنا لذكر ما جاء في كتاب (تاريخ الكويت) لمؤلفه المرحوم الشيخ عبد العزيز الرشيد حيث تحدث في معرض كلامه عن (الشعب) وما يحيط به من كثبان الرمال، أن الشيخ سالم المبارك الصباح قد أقام فيه سداً من الرمل ليحفظ ماء السيل الغزير الذي ينحدر من أعلى الوادي فيبتلعه البحر وبذلك حفظ الماء وعاد السد بفائدة كبيرة، ولو أقامه من الحجارة لكانت فائدته أعظم.

توفي سالم فحل محله فيه نجله الأكبر سمو الأمير الجليل الشيخ عبد الله السالم الصباح وقد بذل همه في إصلاحه يعني (سد الشعب) حتى فاق ما كان عليه أيام أبيه وحتى امتزج جماله الصناعي بجماله الطبيعي. (انتهى) قول المؤرخ.

أقول إن بقراءة ما كتبه المؤرخ المرحوم الشيخ عبد العزيز الرشيد عن (سد الشعب) نعلم أن المؤرخ لا يقصد (سد النقرة أو الدعية) المعروف والذي تكلمنا عنه في بداية الحديث إذا يبعد عن (الشعب) بمسافة (كيلومترين) تقريباً. أما السد الذي قصده لا شك أنه قريب من قصر الشعب وأظنه كائن قبيل نهاية (بحرة حولي) التي جاء ذكرها في هذا الكتاب وهي كما قلنا مجرى ماء مطر يصب في البحر عند نهاية الشعب وعليه فإن هذا السد (سد الشعب) قد اندثر رسمه وانمحى ذكره منذ زمن طويل على الرغم من اعتناء وإصلاح الشيخ عبد الله السالم له بعد وفاة والده كما جاء على لسان المؤرخ.

وللاستزادة من المعلومات عن هذا السد فقد قمت صباح يوم السبت 23/3/1985م بإجراء مقابلة مع الشيخ عبد الله الجابر الصباح فاستقبلني مشكوراً في مكتبه بقصر السيف العامر وتكرم بالإجابة على أسئلتي عن قرية حولي ومن ضمنها قال:-

إن هذا السد بناه الشيخ سالم المبارك الصباح جنوب قصر الشعب من صخر البحر، ليستقبل السيول الزاحفة عليه من الأراضي المرتفعة والتلال المحيطة بالمنطقة حينما تنهمر الأمطار متخذة (بحرة حولي) طريقاً لها لتؤدي إليه. فيحول هذا السد دون تسربها إلى البحر، فتتجمع عنده لتكون مورداً جيداً للناس الذين هم في وقتها بأمس الحاجة إلى مثل هذه المياه. (انتهى).

وأما سكان قرية حولي سواء الدائمون فيها أو النازحون إليها للاستجمام فإنني كما عرفتهم في أواخر الثلاثينات والأربعينات يجلبون مياه شربهم من (سد النقرة) تنقله إليهم الجمالة المتخصصون ببيع الماء، فيحمل الجمل قربتين كبيرتين تتدليان على جانبيه وتسمى القربة من هذا النوع (راوية).

هذا بالإضافة إلى استعمالهم لمياه الأمطار عندما تنهمر في مواسمها المعروفة وتكون مستنقعات وخباري يستقي منها الناس فينقل إليهم بواسطة الحمير من الأماكن المجاورة ليبيعونه عليهم بأثمان زهيدة نظراً لتوفره وسهولة نقله. حيث ترى الحمارة يعملون طوال نهارهم لا يفترون، واضعين نوعاً من الطاسات الملونة (الملبس) على رؤوسهم كأنها الخوذ أو القبعات لكي يستعملونها في عملية غرف الماء من مستنقعه ليصبوه في قربهم التي يحمل كل حمار منها ثلاث قرب فقط.

ومما يذكر أن عند بداية (بحرة حولي) بئر أو أكثر تكون مياهه عذبة عند توفر الأمطار، وفي غير ذلك فيتغير طعمه ولا يكون صالحاً إلا للبهائم.

كما أنه يوجد بالقرب من قصر الشعب بعض الآبار ذات المياه العذبة يرتوي منها سكان القصر ويستغلونها لأغراض الزراعة وغيرها. ولا عجب في ذلك لكونها محفورة في أسفل مصب السيل وهي أرض منخفضة.

هذا ولكل منزل من منازل القرية عمليه الخاص الذي يزوده بالمياه كلما دعت الحاجة إلى ذلك. أما في أوقات الشدائد وقلة المياه فإن العميل لا يستطيع القيام بواجبه نحو زبائنه فحينها تتأزم الحال ويكون الناس في مأزق فيضطر الكثير منهم إلى جلب مياهه من برك المدينة على ظهور الحمير مما يكلفه الكثير.

ولا ننسى أن عدداً من البيوت يملكون حماراً أو أكثر لاستغلالها في جلب المياه خاصة في وقت الأزمات التي يكون فيها الماء شحيحاً.

ولكي يوفر الناس مياه شربهم ويحافظون عليها من التبذير فلا يستعملونها إلا للشرب والطبخ فقط، فقد صار كل بيت من بيوت القرية لا يخلو من قليب يحفر في أحد أركانه -كما هو الحال في مساكن المدينة- تستغل مياهه في أعمال الغسل والوضوء والتنظيف وما إلى ذلك. ولكن آبار قرية حولي يكون مياهها أصلح للزراعة من مياه آبار المدينة المرة، وقد يختلف ذلك من مكان لآخر.

بيوت حولي وسكانها

إن الناس قديماً قد تعارفوا على أن قريتهم تنقسم إلى قسمين رئيسيين :

(1) حولي شرق.

(2) حولي جبلة (يعني قبله) (والقبله في الكويت هي جهة الغرب تقريباً).

ويفصل بينهما شعيب يسمى (البحره) وهي أرض منخفضة نوعاً على شكل حرف (ر) تجري بها سيول الأمطار، وتمتد من جنوب (حولي) حيث (صيهد بيان) منحدرة إلى الشمال. ثم تنعطف شرقاً نحو البحر المسمى (ببحر الشعب) ويخترق هذه (البحرة) من ناحيتها الشمالية بعض الطرق الترابية الفسيحة والتي تسمى (يواد) والمفرد (يادة) أي جادة. وجميعها تؤدي من المدينة إلى قرية حولي ثم تتعداها إلى الأراضي والقرى الجنوبية التي تسمى (القصور).

وأهم هذه الطرق، الطريق المؤدي إلى القرى الساحلية (كالدمنه والراس) وغيرها، والطريق الذي يخترق بيوت (حولي) ليوصل إلى قصر بيان ثم إلى قرى (القصور) أيضاً. وهذا الطريق في وقتنا الحاضر هو (القسم الجنوبي من شارع المثنى) ولنا معه بحث قادم تحت عنوان (جادة حولي وذكرياتي حولها).

أما جهة (شرق حولي) فإن معظم البيوت فيها قد استملكتها أو استأجرتها عائلة القناعات إذ هم من أوائل المؤسسن والساكنين فيها من الحضر وأخص بالذكر عائلة المسلم وقد سمعت ذلك على لسان المرحوم خليفة عبد الله المسلم المتوفي في نهاية الخمسينات عن عمر يناهز التسعين عاماً.

حيث أن الأرض التي أقاموا عليها مساكنهم كانت مزرعة للمرحوم باتل المرشاد وأنه هو الذي غرس أثلتهم المشهورة ولا يزال (شرق حولي) إلى يومنا هذا وبعد أن هجره ساكنوه وتغيرت معالمه لا يعرف إلا (بحي القناعات) وقد شاركهم السكنى في (شرق حولي) الكثير من العائلات الكويتية سواء بالتملك أو الإيجار ومنهم على سبيل المثال لا الحصر : بيت المنير، بيت الباتل، (وهم من أوائل المؤسسين)، بيت الجويدان، وبيت علي بن عيسى، بيت المجاوب، بيت الحساوي، بيت المزيد، بيت الشايجي، بيت الرشود، بيت الرخيص، بيت عواد، بيت هزاع، بيت العصفور، بيت بن جيران، بيت القطان، بيت الهاشم، بيت باقر، بيت جمال، كما وفي (شرق حولي) منازل وأرضين ومزارع للشيخ عبد الله الجابر الصباح والشيخ عبد الله الخليفة الصباح والشيخة موضي المبارك الصباح ومزرعة لابن عويد وغيرهم.

وعلى الجادة الرئيسية دكانين أو أكثر لعائلة المسلم أحدهما خباز والآخر بقال وهذان لم يدوما طويلاً لقلة زبائنهما وصعوبة العمل في القرية.

وأما جهة (جبلي حولي) فإنها آهلة بالسكان أيضاً شأنهم كشأن سكان الجهة الشرقية يخرجون إلى بيوتهم في فترة الربيع ومنهم من يقيم إقامة دائمة حسب اختياره وعلى ما رأيت فإن هذه الجهة لا تتوفر بها الأشجار كما هي متوفرة بكثرة في الجهة الأولى، وعلى ما يذكر فإن فيها بعض الأثل (كأثل بن بحر) الذي يرتاده هواة صيد الطيور (أهل الحبال) ليصطادوا عنده، ومن هذه البيوت: بيت أحمد مدوه، وبيت إبراهيم المضف، وبيت حمد الرشيدي، وبيت أولاد علي العبدان، وبيت سليمان العتيبي، وبيت سعود بن صعيليك، وبيت موسى المزيدي، وبيت بودي، وبيت محمد بن سليمان، وبيت بن عقاب، وبيت حماده، وبيت أبل، وبيت رجيب، وبيت المباركي، وبيت العميم، وبيت الرويح، وبيت الشرهان، وبيت بو ربيعان، وبيت الخبيزي، وبيت الحاج علي، وبيت الخشرم، وبيت الشويش، وبيت المساعيد، وبيت عبد الرحمن البحر، وبيت مساعد البدر، وبيت الرشيدان، وبيت محمد بداح، وبيت عبد العزيز اعويد، وبيت الفصام، وبيت الرشود، وبيت الساير، وبيت الصانع، وبيت الثويني، وبيت حجي علي، وبيت السداني وغيرهم كثير.

وتمتاز بيوت قرية حولي عن بيوت المدينة برحابتها وتباعد أبوابها وانخفاض أسوارها وسعة طرقها ورخاوة أرضها مع صلاحيتها للزراعة كما وأن نمط بنائها يختلف اختلافاً كلياً عن نمط بيوت المدينة. إذ أن البيت يبنى من الطين فقط ويسمى هذا النوع من البناء (العروق) والطين يجبله الحمارة من الأماكن القريبة الخالية المسماة باسم (المطينة). فيحوط أولاً بسور قليل الارتفاع لا يتعدى ارتفاعه عن (مترين) ثم تبنى بحذاء أسواره بعض الأكواخ المبسطة التي تسمى (كباره) والمفرد (كبر).

وكان (الكبر) بمثابة الحجرة في بيوت المدينة إلا أنه أصغر منها مساحة، وسقفه هرمي الشكل يتكون من الأخشاب (الجندل وجريد السعف والبواري) تطوقه حبال فتتدلى منه ليربط في أطرافها بعض الأثقال التي تثبته وتحميه من الرياح. كما وله باب بسيط ونوافذ صغيرة بدائية. ولكن السكنى به فلا يعادلها شيء وذلك لضعف أحوال الناس من جهة ولقناعتهم بما هو متيسر.

وهناك بعض من الناس المقتدرين من يبنى غرفاً كاملة تناسب وضعه المالي فيحمي جدرانها الخارجية والداخلية بالجص الأبيض ويضع لها الأبواب والشبابيك المناسبة ويبنى على أرضه بعض المرافق الضرورية كالمطبخ وبيت الخلاء ثم يقوم بالزراعة وغرس الأشجار كالسدر والأثل ليضفي على منتجعه الكثير من البهجة والسعادة.

ومما أحب تبيانه أن الكثير من الأرضين في قرية (حولي) كانت منذ بدايتها مستملكة بوضع اليد لبعض البدو وأخص منهم قبائل (الرشايدة) فأخذوا يبيعونها على من يود السكنى من أهالي المدينة. وكثير منهم كانوا يبنون البيت على مراحل زمنية وعلى طريقتهم البدائية المبسطة كالتي ذكرتها في الصفحات السابقة بتعاون تام فيما بينهم، ثم يعرضونها للبيع فإن لم تجد رواجاً فتؤجر على من لا يستطيعون التملك أو لا يرغبون فيه بل يفضلون الاستئجار.

فمن البيوت ما يحتوي على ثلاثة (كباره) أو أقل أو أكثر فتستأجر ليمكث بها مستأجروها فترة الربيع فقط ثم يتركونها لأصحابها الذين غالباً ما يسكنون فيها طوال باقي أشهر السنة أو قل أشهر الصيف. وأما شتاؤهم وربيعهم فيقضونه مع مواشيهم في البراري البعيدة عن (حولي) حيث وفرة العشب والمياه إن شاؤوا ذلك وإلا قضوه في (حولي) للاختلاط بأهل المدينة من الحضر والاستئناس بهم.

ومما يستوقفني أنه في عام 1941م تقريباً عرض علينا بيت للبيع محاط بسور ويحتوي على ثلاثة كبارة بمبلغ خمسين (روبية) أي بما يعادل أربعة دنانير في وقتنا الحاضر فأبينا شراءه متحججين بأن فيه حفرة (مع أنها قليلة العمق) وأن سيله لا يخرج منه إلى الطريق. وقد نكون على حق إذا علمنا أن عملية دفن هذه الحفرة الصغيرة يكلفنا مبلغاً قد لا تتحمله ميزانيتنا المنعدمة آنذاك.

أشجار السدر

بما أن أشجار السدر تتواجد بكثرة في حولي فإن بعض أهل البيوت التي تتواجد فيها مثل هذه الأشجار درجوا على بيع ثمار أشجارهم وهو النبق -المسمى لدينا (كنار)- على الأهالي الذين حرموا من زراعة هذا النوع وخاصة على الصغار وهم يحبون أكله ويقبلون عليه. كما ويجمعون أوراق السدر المتساقطة من تلك الأشجار للاستفادة منها ببيعها أو حفظها بعد تجفيفها وطحنها ونخلها. وعند الاستعمال تعجن بماء ولو كان غير صالح للشرب كمياه البحر أو مياه الآبار فتتكون منها عجينة يدعك بها الناس رجالاً ونساءاً وأطفالاً شعورهم وأجسادهم عندما يهمون (بغسل رؤوسهم) أي الاغتسال، فيعمل هذا السدر على تنظيف البدن وإزالة ما علق به من روائح وإكسابه حيوية ورائحة زكية يحبها الأقدمون فضلاً عن أنه يعوض معاض الصابون، إلا أن الصابون لا يستعمل إلا مع المياه العذبة وهي عزيزة في تلك الأيام ولا أحد يقدم على الاستحمام بها لصعوبة الحصول عليها. أما السدر فيستعمل مع أي نوع من المياه سواء المالحة منها كمياه البحر أو المياه المرة أو قليلة العذوبة كمياه الآبار المتواجدة في كل بيت من بيوت الكويت.

ومن ضمن استعمال السدر فإن الناس في الكويت لا يغسلون موتاهم إلا بالسدر وهو أمر متعارف عليه بين سكان الجزيرة العربية والخليج ومتوارث بينهم من قديم الزمان وأن النبي صلى الله عليه وسلم قد نوه عن استعمال السدر في غسل الميت كما جاء في كتاب الجنائز. كما وأن للشاعر العربي مالك ابن الريب قصيدة يرثي بها نفسه وجاء ذكر السدر في أحد أبياتها فقال:-

وقوما إذا ما استل روحي وهيئا     لي السدر والأكفان ثم ابكيا ليا

هذا ولأشجار السدر فوائد أخرى كالاستظلال بظله خاصة في أيام الحر، واستغلاله في صيد الطيور بشتى وسائل الصيد، ومنها تلطيف الجو وإكساب القرية بالخضرة الدائمة. كما وتستعمل أغصانه ومخلفاته للوقود، علاوة على أنه مرعى طيب للأغنام يحبونه ويقدمون على أكله.

الأماكن المشهورة في حولي

لقد اشتهر في قرية حولي بعض من الأماكن والبقع عرفها الناس وصاروا يحددون بواسطتها بيوتهم وأراضيهم كأن يقولوا: إن بيت فلان قرب أثلة فلان أو بحذاء المسجد الفلاني أو مقابلاً للمطينة وما إلى ذلك من تلك الأماكن المعروفة مع قلتها. ومن هذه الأماكن:-

مساجد حولي:

(1) مسجد بيان

إنه باعتقادي ومن خلال تساؤلاتي لم تشتهر قرية حولي ولم يكثر سكانها إلا بعد عام 1931م أي حينما أنشأ بها المرحوم الشيخ أحمد الجابر الصباح حاكم الكويت العاشر قصره المسمى (بيان) والذي لا يبعد عن بيوت القرية سوى (كيلومتر واحد) تقريباً حيث ألحق به مسجداً يهرع إليه المصلون من جميع أنحاء (حولي والنقرة) لأداء صلوات الجمع فقط وخاصة عند تواجدهم بكثرة خلال فترة الربيع مشياً على الأقدام.

فالمصلون من الناس يومها مضطرون لقطع مثل هذه المسافة الطويلة لأداء صلوات الجمع. لأنه هو المسجد الوحيد في القرية الذي يعنى بمثل هذه الصلوات. وكان خطيبه يومئذ إبراهيم بن عبد الله بن خالد العدساني ابن قاضي الكويت.

وأما في باقي الأيام والفروض فيظل المسجد مفتوحاً لمن يريد الصلاة فيه من الأمير وحاشيته وزائريه ومن إليهم في أوقات تواجدهم هناك ويؤمهم صاحب القصر الأمير.

وقد جاء بناء هذا المسجد على نمط بناء ما يسمى بالقصر وكلاهما مبنيان بالطين بناءً بدائياً يدل على أن البساطة والقناعة والرضا.

وليس لهذا المسجد أبواب على فتحات مداخله المصممة عفوياً على شكل (T) وهي مظلمة كما تتراءى لناظرها وهو متوجه للمسجد من بعيد. ومما أذكره فإن أرضه غير مفروشة سوى بشيء من الرمل والحصى والنظيف، وهذا شأن المساجد البدائية خاصة كالتي تقام في الجزيرة العربية وكما قرأت أن مسجد النبي صلى الله عليه وسلم بالمدينة كانت أرضه مفروشة بالحصباء أي الحصى أو صغار الحجارة وكذلك الحال في الحرم المكي حتى قبل بضع سنوات خلت فإن أرضه قد فرشت بالحصى إلى أن أزيل وحل محله الرخام.

(2) مسجد مسلم:

ويقع في حي القناعات (شرق حولي) وقد أسسه (أبناء صالح المسلم) عام 1350هـ – 1932م وجددته الأوقاف عام 1949م وكان أول إمام ومؤذن به (المرحوم عبد الله بن علي الياسين) ثم خلفه (المرحوم ملا زيد) إماماً (والمرحوم حمد الدبيبي) مؤذناً. هذا وقد انتظمت به صلوات الجمع بعد تجديده.

(3) مسجد بن عويد:

الواقع على طرف (البحره) من الناحية القبلية فهو يعتبر أقدم مسجد في حولي حيث يقول عنه الأستاذ حمد السعيدان في كتابه (الموسوعة الكويتية): إنه مسجد في حولي أسسه (الحاج عبد العزيز السليمان العويد) سنة 1339هـ 1920م جددته وزارة الأوقاف سنة 1374هـ – 1955م.

(4) وهناك مسجد صغير يقع على الجادة الرئيسية في شرق (حولي) أسسه المرحوم (علي عبدالوهاب المطوع) بعد تأسيس مسجد المسلم بسنتين أو ثلاث سنوات تقريباً.. ويذكر بأن الناس قد صلوا به فترة قصيرة ثم هجر لعدم اتساعه ولا زالت أرضه محاطة بسور إلى يومنا هذا.

(5) مسجد القطان:

ويقول عنه الأستاذ (حمد السعيدان في الموسوعة الكويتية) بأن شارك في تأسيسه (المرحوم مشاري العبد العزيز) حوالي سنة 1946م بينما كانت الأرض (للحاج محمد القطان).

(6) عدا عن تلك المساجد القديمة فإن المرحوم (عبد الحميد الصانع) قد أسس في جهة قبلي حولي مسجداً عام 1950م سمي (مسجد الصانع).

مقابر حولي:

في (حولي) مقبرتان صغيرتان مناسبتان لصغر القرية، الأولى تابعة (لشرق حولي) وتقع بين (حولي وأثل الخالد) ولا زال موقعها حالياً في وسط (ميدان حولي) وكان لا يدفن بها إلا من يقطن القرية بصفة مستديمة كما مر بنا وأحياناً يستعملها الوافدون على (حولي) في فصول الربيع نظراً لقلة المواصلات وصعوبة الظروف.

والمقبرة الثانية وهي صغيرة أيضا ومستديرة الشكل تقع عند الطرف الشرقي لجهة قبلي حولي، قريباً من (البحرة) وهي مخصصة لأهالي (قبلي حولي) والمقبرتان قد دفن فيهما من دفن وامتلأتا في وقت مبكر حتى صارتا لا تستقبلان أحداً وبقيتا على حالهما مهجورتان إلى هذا اليوم.

مدارس حولي:

ما دمت بصدد الحديث عن أماكن (حولي) فلا بد من ذكر شيء عن مدارس القرية التي تعتبر منعدمة في أزمنتها القديمة.

ولكنه في عام 1940م ومما لا أنساه أنني وجدت بالصدفة بيتاً صغيراً مفتوح الباب يقع على الجادة الرئيسية مقابلاً (لمدرسة أم البنين الواقعة على شارع المثنى حالياً) فدعاني فضولي كطفل أن أستكشف ما بهذا البيت، فطللت برأسي وإلا بصبيان صغار جالسين على الحصران وأمامهم معلم يعلمهم شيئاً من الحروف فعرفت أنها مدرسة، فحمدت الله الذي جعلني حراً طليقاً ولم أكن من ضمن طلابها، إذ كنت مجازاً في ذلك اليوم من قبل مدرستي الأهلية داخل مدينة الكويت، ألهو وألعب حيثما أشاء مستأنساً ومتمتعاً بجو الربيع، وهم في نظري كالمحبوسين بين جدران مدرستهم وعصا معلمهم التي لا ترحم، خاصة وأنهم في (حولي) قرية الأنس.

وبعد سنوات طوال وحينما اشتهر الأستاذ الشاعر المرحوم عبد الله سنان عرفت بل وتيقنت وعادت بي الذاكرة إلى أنه هو الذي كان يقوم بتدريس الصغار في تلكم المدرسة البدائية المتواضعة.

ولما عزمت على تأليف هذا الكتاب توجهت إليه قبل وفاته رحمه الله لسؤاله فاستضافني مشكوراً وأكرمني خير إكرام وأفادني عن مساءلتي له عن مدرسته تلك فقال: إنه في أوائل عام 1939م تم انتدابه من قبل دائرة المعارف ليكون مدرساً في قرية حولي التي تفتقر آنذاك إلى المدارس نظراً لما بها من أهالي مداومين على السكنى في ربوعها طوال أشهر السنة أو معظمها.

وأخبرني بأن المعارف يومها قد اتخذت أحد المنازل الواقعة على الجادة الرئيسية وهو ملك (للمرحوم عبد الرزاق يوسف المطوع) ليكون مقراً لهذه المدرسة، فتوافد عليه عدد لا بأس به من الطلاب، فقام يدرسهم القرآن الكريم ومبادئ القراءة والكتابة وشيئاً من الحساب على الطريقة القديمة، وكان يجلسهم على الأرض فوق الحصران كسائر نظام المدارس الأهلية القديمة المنتشرة في مناطق المدينة آنذاك.

واستمر على هذه الحال سنتان، ثم انتقل مع طلابه إلى مقر آخر وهو بيت (المرحوم عيسى الصالح المطوع) الواقع في أقصى شرق حولي. فاستقام به مدة عام واحد وأخيراً انتقل بطلابه إلى مقر ثالث إلى ديوان (السيد محمد سليمان العتيبي)، فظل به قرابة عام أيضاً.

وفي طوال تلك السنوات الأربع كان يقوم بالتدريس لوحده دون مساعد، وقد اتخذ من مدرسته مقراً لسكناه، ولذا فإنه كان يتعهدها بالكنس والفرش وما إلى ذلك من أعمال التنظيف.

وأما طعامه فكانت الشيخة موضي المبارك الصباح القاطنة قصر الشعب قد تكفلت بنقل وجبة الغداء إليه يومياً بواسطة سائق سيارتها نظراً لأن بعض طلابه كانوا من سكان هذا القصر. وعلى رأسهم المرحوم الشيخ خالد الحمد.

وأما وجبة العشاء فكانت تأتيه من قصر بيان التابع للمرحوم الشيخ أحمد الجابر الصباح حاكم الكويت آنذاك لأن ابنيه خالد ونواف كانا من ضمن طلبته عندما يتواجدا مع أهليهم في القصر.

وفيما يرويه الأستاذ عبد الله سنان أنه كانت في ساحة مدرسته حفرة عميقة نوعاً يلقي بها الفضلات والنفايات، وبينما كان منشغلاً في أداء صلاة العصر، وطلابه يلعبون ويمرحون أثناء الفرصة، إذ وصل إليه من يخبره بسقوط الشيخ نواف في تلك الحفرة ففزع أشد الفزع وهرول إليها، ولما اطمأن إلى سلامته قام بإخراجه منها سليماً.

ومما يرويه الأستاذ عبد الله أنه في عام 1942م ارتأت دائرة المعارف إجراء بعض التطوير في المناهج التعليمية وطرق التدريس لهذه المدرسة فأتت بمدرس آخر هو المرحوم ملا علي الدعيج ليحل محل الأستاذ عبد الله سنان الذي كانت طريقة تدريسه قديمة كسائر المدارس الأهلية، فترك المعارف وانصرف ليلتحق في وظيفة أخرى بدائرة التموين الكويتية.

ومما أذكره أن هذه المدرسة قد اتسعت قليلاً بعد الأستاذ عبد الله وجاء بها بعض المدرسين ومنهم (ملا زيد) الذي كان مدرساً وإماماً وخطيباً في مسجد المسلم.

هذا وللشاعر الأستاذ عبد الله سنان عدد من القصائد عن (حولي) (وبحر الشعب) (وأثل الخالد) خاصة قصيدته عن (قصر بيان) بعدما هجر. وسأقتطع من هذه القصائد ما يتناسب وموضوعي على صفحات هذا الكتاب.

وبالنسبة لمدارس البنات فإنه لما اطلعت على الكتاب القيم (صفحات من التطور التاريخي لتعليم الفتاة في الكويت) لمؤلفته المربية الفاضلة السيدة مريم عبد الملك الصالح جزاها الله خيراً، فإنها قد ذكرت عدداً كبيراً من المعلمات القديمات أي (الملايات والمطوعات) في الكويت ومن بينهن جاء اسم (أم إبراهيم الزبيرية) التي قالت عنها أنها قامت بالتدريس في قرية (حولي) ولكن دون ذكر التفاصيل عن مكان وزمان مدرستها.

ولزيادة المعلومات عن مدارس حولي قبل الخمسينات فقد التقيت صدفة بالسيد إبراهيم محمد إبداح وهم من الذين فضلوا السكنى الدائمة في حولي. وقد أخبرني جزاه الله خيراً عن المدرسة التي تعلم بها في نهاية الأربعينات فقال:

إن مدرسته كان موقعها مكان (مدرسة سعد بن أبي وقاص حالياً وقد هدمت أيضاً) وهي محاذية لمسجد الصانع الواقع على (شارع تونس الحالي) وكانت عبارة عن ساحة ترابية محاطة بسور من الطين وفي وسطها بنيت غرفتان يفصل بينهما ممر، وقد سقف هذا الممر فصار عريشاً. وفي هاتين الغرفتين والعريش كان يدرس الطلاب وعددهم كما يذكر لا يتعدى العشرين طالباً وكان بها مدرسين اثنين فقط هما ملا زيد وقد سبق الكلام عنه وملا علي الدعيج.

ثم تطور الحال قليلاً وأتي لهم بمدرس يلبس الجبة والعمامة فكان إلى جانب مسئوليته عن المدرسة والتدريس فهو إمام للمسجد المجاور.

ويقول الأخ إبراهيم أن هذا المدرس قد تعرض إلى كثير من الإهانات الموجهة له من طلاب حولي بسبب معاملته السيئة لهم ومنها أنه كان يجمع منهم البلي (يعني التيل) ويرمي بها في قليب المدرسة القابع أمام باب المدرسة من الخارج.

وفيما ذكره أن من أعز أصدقائه في المدرسة هو الشيخ جابر الحمد المبارك الصباح وزير الشئون الاجتماعية الحالي الذي كان وقتها يسكن بين قصر الشعب ومنازل أخواله من عائلة المنير قريباً من هذه المدرسة، وكذلك العقيد أحمد عبد اللطيف الرجيب.

ويضيف قائلاً أنه مع بداية الخمسينات حدث في المدرسة بعض التطور فجلبت لهم دائرة المعارف الملابس وشوربة العدس أسوة بطلبة مدارس (الديرة) وربط ذلك التطور مع تسلم الأستاذ عبد العزيز حسين إدارة المعارف وقد زار المدرسة حينها مع بعض المسئولين.

وحسب مذكراتي فإن الأستاذ عبد العزيز حسين قدم من القاهرة إلى الكويت ليكون مديراً للمعارف يوم الأربعاء 11/6/1952م الموافق 18 رمضان عام 1371هـ، أي قبيل موعد انتهاء العام الدراسي 51/52 بيوم واحد. حيث تسلم منصبه اعتباراً من العام الدراسي 1952-1953م.

– المطينة: وهي حفر واسعة بعمق ذراع أو أكثر استخدم طينها في البناء وصارت مكاناً تلقائياً لتجمع مياه الأمطار. ومن حولها يطيب لكثير من الناس التمشي للتنزه وتقع عند نهاية البيوت شرق حولي.

– البحره: وهي مجرى سيول الأمطار، منحدرة بشكل طولي من الجنوب إلى الشمال حيث تنحرف شرقاً إلى بحر الشعب فتشطر قرية (حولي) إلى شطرين تقريباً. وفيما يقال أن آباراً قد حفرت في أكثر من مكان فيها لاستخدامها في شرب البهائم والأغنام.

– ضلع وضحة: ويسميه البعض (الصيهد) وهو مرتفع أو تل صغير يقع في الجنوب الشرقي من (حولي) يعلب فوقه الصبيان، كما ويقصده الأهالي فيتنزهون من حوله ويأكلون ويشربون الشاي. ومن على قمته يستكشفون البراري المحيطة بهم والقرى البعيدة فيتراءى لهم بحر الشعب وسدر الرميثية وقرية الدمنة. ويقول الشيخ عبد الله الجابر الصباح عنه أنه يسمى (ضلع أوضح) لأنه يتضح للقادمين من مسافة بعيدة وقيل فيه قصيدة مطلعها :

يا ضليع وضحه غشاك النور        كل المزايين دلنه

كما وينبت عند منحدره بعض الأعشاب والفقع.

– سدرة الشعب: وهي شجرة سدر ضخمة تقع على بعد يسير من قرية (حولي) تابعة لقصر الشعب ويقصدها الناس للتنزه والاستئناس.

– قصر الشعب: بناه الشيخ سالم مبارك الصباح ليكون متنزهاً له على ساحل الشعب ومن بعده سكنت به المرحومة موضي المبارك ثم المرحوم الشيخ عبد الله السالم ولا زال عامراً بأهله ونفس موقعه.

– أثل الخالد: وهي مجموعة من أشجار الأثل تولى زرعها عائلة آل خالد جنوبي قصرهم في الشعب الواقع على ساحل البحر فسمي المكان (بشعب الخالد) والأثل (بأثل الخالد) وعندما تهدم القصر وهجره أهله نهائياً صار هذا الأثل مقصداً لعشاق الراحة والاستجمام يأوون إليه من أمكنة بعيدة لينعموا بالهدوء والهواء الطلق.

حتى إنه في عام 1956م أقيم حوله مقهى يستقبل الزبائن يومياً ليحتسوا عنده الشاي والقهوة ويقضوا به أمتع الأوقات، وأخص من زبائنه ثلة من المدرسين من أعضاء نادي المعلمين صاروا يرتادونه كل مساء للاستئناس مع بعضهم بعضاً.

ومع العمران الجديد والنهضة الحديثة أزيل هذا المكان نهائياً ليحل محله أحد النوادي البحرية والشوارع المعروفة ولم يبق من الأثل حتى كتابة هذه السطور إلا أثلة واحدة عجوزة أحبت الحكومة أن تحافظ عليها فبنت حولها حاجزاً لتكون واحدة من أشجار ذلك النادي مع فارق السن.

وفيها نظم الشاعر المرحوم عبد الله سنان قصيدة مكونة من سبعة عشر بيتاً في كتابه (الإنسان) بعنوان (أثلة الشعب) أقتطف منها ما يلي :

ومفردة عند رفيقاتها                 مكبلة لم تزل في اكتئاب

سجينة طوق يحيط بها               كطير حبس الشقا والعذاب

مقوقسة الظهر قبل المشيب             كمنفرط عقدها في التراب

تسائل عن مفردات له            تناثر منظومها في الضباب

فما أرقصتها الرياح ولا             دوي الرعود وسح السحاب

لقد شهدت مصرع الأخريات        وضرب الفؤوس وحز الرقاب

فباتت تقدم جيداً لها              لتلحق بالركب ركب الصحاب

فهل للييلاتها عودة           وهل لبعيد الديار اقتراب

فيا ويح نفسي على ما مضى         ويا طول شوقي لعهد الشباب

وتحت عنوان (الشعب الخالدي) نظم يقول:

قفوا برهة واقرأوا الفاتحة          على منزل أرضه كالحه

لقد محيت ثم آثاره                           كما محي الخط من لائحه

ترى البحر يبكي وأمواجه                    تزمجر غادية رائحة

على أثلات تململ من               تأوهه حرة نائحه

على ساحل ردمت رمله            مكائن آلاتها كاسحه

ثم يختتمها بقوله:

فيا قوم أما مررتم هناك             وشاهدتم أثلة سارحه

سجينة طوق كطوق الحديد         قفوا برهة واقرأوا الفاتحة

وأما مؤرخنا الأستاذ سيف مرزوق الشملان فقد أورد لنا في آخر صفحة من كتابه (أعلام الكويت) المتضمن حياة المرحوم فرحان بن فهد الخالد، أورد لنا نبذة شيقة بعنوان (شعب الخالد) وقد تضمنت معلومات عن شعب الخالد وأثل الخالد وقصر الشعب والبحر والسد وبحر الشعب ودروازة البريعصي ومزرعة آل فوزان فقال:

على ساحل البحر من الجهة الشمالية من السالمية شعب بكسر الشين وإسكان العين. ولفظة شعب بتشديد الشين مع كسرها معروفة عندنا في الكويت وتطلق على الوادي أو مجرى السيل الذي يفضي إلى البحر، والشعب أيضاً سيل الماء بين مرتفعين. وهناك شعب ينسب إلى آل الخالد.

في سنة 1334هـ – 1915م بنى حمد الخالد الخضير بيتاً له على ساحل البحر في الشعب الصغير. ويقع شعب الخالد في الجهة الجنوبية من قصر الشعب وعلى مسافة قريبة منه وحوله منخفض من الأرض تصب به مياه الأمطار ومنه تندفع إلى البحر. وموقع بيت حمد الخالد على المرتفع ومحله الآن (نادي الشعب البحري) وباق من أشجاره أثلة واحدة فقط حافظت عليها البلدية لجمال الموقع، وحسناً فعلت، وتقع الشجرة بجوار سياج (نادي الشعب) على مقربة من الشارع العام وهي بارزة يراها كل من يطوف بسيارته فتلفت نظره.

ويقول: إن بعض الإخوان يتصلون بي هاتفياً عن هذه الشجرة ولماذا حافظت عليها البلدية، هل لأنها شجرة يعتقد البعض بها ويزورونها للتبرك بها ونحو ذلك. فكنت أجيبهم بأنها شجرة عادية من أشجار بيت الخالد الذي هدم وظلت الشجرة على حالها. فحافظت عليها البلدية لجمال الموقع.

ويستطرد قائلاً:

بعدما بنى حمد الخالد بيته هذا، بنى بعض أفراد أسرته منازل لهم بجواره. فلهذا سمي هذا المكان شعب الخالد نسبة لأسرة الخالد. وكان هذا الموقع بعيداً عن الكويت في ذلك الحين ويجمع بين الصحراء أيام فصل الربيع، والبحر أيام الصيف. فكان منتزها طيبا وهادئا. وبعد ذلك أصبحت هذه البيوت ملكا لأصحابها من أسرة الخالد وحدودها من ساحل البحر إلى جادة طريق (الدمنة) بتشديد الدال مع كسرها وإسكان الميم (الاسم القديم للسالمية)، وبعض البيوت تتصل حدودها بجادة حولي. وقد ثمنت الحكومة أجزاء منها لمشاريعها، والباقي عليه عمارات الخالد وبعض بيوت السكن الخاصة بهم.

تقع بجوار بيت الخالد بعض أشجار الأثل غرسها المرحوم أحمد الفهد الخالد وتسمى أثل الخالد. يقصدها بعض الكويتيين للنزهة وبخاصة أيام الصيف ليستظلوا بظلها. فالبحر قريب منهم للسباحة وصيد الأسماك. هذا كان حتى الستينات تقريبا أي قبل أن يمتد إليها العمران. وباق من الأثل حاليا أثلة واحدة حافظت عليها العمارة التي تقع الأثلة داخل سورها.

ثم يقول الأستاذ سيف:

الشيخ سالم المبارك الصباح حاكم الكويت التاسع من سنة 1917م – 1921م كان صديقا لحمد الخالد، وبعد أن بنى حمد الخالد بيته بالشعب سكنه الشيخ سالم مع زوجته حوالي سنة حتى انتهى من بناء قصره بالشعب أي في سنة 1917م في أول حكمه، وبعد وفاة الشيخ سالم آل القصر لابنه الشيخ عبدالله السالم أمير دولة الكويت الأسبق فزاد في بنائه وأصبح بعد ذلك قصرا فخما وسكنه مدة طويلة حتى وفاته سنة 1965م.

ويقول عن بوابة البريعصي:

سميت بوابة السور التي منها توصل الطريق إلى الشعب وإلى غيره باسم (دروازة الشعب) نسبة إلى قصر الشعب، وكانت تسمى قبل ذلك باسم (دروازة البريعصي) نسبة إلى رجل من جماعة البراعصة كان مسئولا عن(الدروازة).

ويحدثنا عن البحرة والسد فيقول:

تقع بجوار قصر الشعب وفي الجهة الجنوبية منه (أبحره) كبيرة مجرى السيل إلى البحر. وقد بنى الشيخ سالم المبارك سداً لحفظ مياه الأمطار للاستفادة منها للشرب بدلا من أن تصب في البحر، كما بنى الشيخ سالم سدين آخرين لهذه الغاية النبيلة لخدمة المواطنين.

ثم يختتم كلامه بالتالي:

أسرة آل فوزان من الأسر الكويتية المعروفة، وكانت لديهم مزرعة كبيرة عند (أبحرة الشعب) قرب قصر الشعب بها الكثير من أشجار السدر والأثل وغيرها. حتى أن حمد الخالد كان سقف بيته بالشعب من أغصان أشجار أثل الفوزان.

(هذا وقد أنهى الأستاذ سيف حديثه هذا بخمسة سطور من كتاب تاريخ الكويت وقد جاء ذكرها في موضوع “مياه حولي”). (انتهى).

– المزارع: وأعرف منها ما هو مشهور ويتردد على ألسنة الناس مثل مزرعة (ابن عويد) ومزرعة الشيخ عبدالله الخليفة ويعمل بها مزارع مشهور اسمه شافي وهاتان المزرعتان متجاورتان وتقعان في جنوب منطقة شرق حولي. بالإضافة إلى مزرعة جاسم السمحان وكان موقعها خلف (محافظة حولي) حالياً وقريباً من مسجد القطان الحالي. ومزرعة سليمان الفوزان التي جاء ذكرها في الحديث السابق للأستاذ سيف:

– ومما قاله الشيخ عبدالله الجابر الصباح في كتاب (محافظة حولي) (إن حولي كانت منطقة زراعية وأن أول من زرع بها كان إبراهيم المضف ثم توالى على الزراعة فيها المرحوم أحمد مدوه وموسى المزيدي وجمال (أبو صلاح) والحاج علي). (انتهى).

وتلك المزارع تزخر بما تحتويه من أشجار السدر والأثل وبعض النخيل وزراعة الخضروات. يؤمها الناس ليستمتعوا بأجوائها الجميلة وأطيارها المغردة يشترون منها الخضروات كالفجل والبقل والطماطم ونحو ذلك.

– الجديده: وتقلب الجيم إلى ياء فتلفظ (اليديده) بكسر اللام وتسكين الياء وفتح الدال. وهي عبارة عن شجرتين من السدر واحدة أكبر من الأخرى تقعان في قبلي (حولي) يقصدهما أهل النزهات (فيكشتون) عندهما يأكلون ويمرحون ويطربون.

وأما أصل التسمية فيقال أنها مصغرة من (جده) ويقصد بها السدرة الكبيرة وبالفعل فهي قديمة وطاعنة في السن. كما وسمعت أن التسمية جاءت لهذه المنطقة بعد أن استحدثت واستجدت فسميت (الجديده) تصغير جديدة.

– أثلة المسلم: وهي تعد أكبر شجر أثل في القرية تتراءى للقادمين إلى (حولي) من مسافات بعيدة حيث لا يرى شيء غيرها.

ويعود ذلك إلى سبب ضخامتها وارتفاعها من جهة ولانخفاض المباني حولها من جهة أخرى.

وقد شاهدت هذه الأثلة وتعرفت عليها عام 1937م وكان الناس من رجال ونساء يأوون إليها للاستئناس ببساقتها وظلها الظليل ويستمتعون بحفيفها الشجي ناهيك عما يشدو بها من أطيار وعصافير وخاصة قبيل الغروب إذ يغشاها ما يغشى من جميع أنواع الطيور الصغيرة والكبيرة مثل (الترم والشرياص وأبو حكب) لتجد فيها المكان الهادئ الأمين للمبيت على أغصانها العالية مما يشوق الصبيان على اقتناصها ويجعلهم يتابعونها بخطواتهم ونظراتهم الخارقة وهي تنتقل من غصن إلى غصن تداري نفسها عن تلك المضايقات وذلك قبل إحاطتها بالجدران الطينية.

– الدوغة: وهي محرقة تقع في (أرض النقرة) قريباً من (مسجد الطواري) وعلى مقربة من مساكن (قرية حولي).

قيل عنها أنها كانت فيما مضى تنتج الجص، وأن أول من أسسها هو المرحوم (سلطان الكليب) ثم صارت تنتج الطابوق الرملي بإشراف المرحوم (الشيخ فهد السالم الصباح).

وقال عنها أحدهم بأنها محرقة لعمل الجص تابعة (للملا صالح).

ويقال أنها كانت تسمى (دوغة هزاع والخضاري) وأن (سعد الحوطي) يعمل معهما.

وعند سؤال (الشيخ عبد الله الجابر الصباح) عنها فقد أفادني بأن هذه (الدوغة) بناها (الشيخ خزعل بن مرداو) حاكم المحمرة، حينما قدم للكويت لدى صديقه الشيخ مبارك الصباح ليحرق فيها الطين ليكون طابوقاً يبني به قصره المسمى (بقصر خزعل) والذي استملكه فيما بعد الشيخ عبد الله الجابر الصباح.

ويضيف قائلاً:

بأن هناك ثلاث (دوغات) في الكويت:

الأولى: في أبرق خيطان.

والثانية: في الرميثية.

والثالثة: في النقرة ومجاورة لحدود (حولي).

وأعتقد بأن تلك (الدوغة) لم تدم طويلاً إذ كنت أشاهدها حين مرورنا بمحاذاتها في بداية الأربعينات ونحن متوجهون في سيارات (العبرية) إلى مساكن القرية، حيث كانت مهجورة وبناؤها الطيني قد تهدم مما يدل على قدمها وكفها عن العمل في وقت مبكر.

– قصر بيان : وهو عدة وحدات من المباني الطينية أقامها المرحوم الشيخ أحمد الجابر الصباح حاكم الكويت العاشر عام 1931م جنوب قرية حولي ليكون منتجعاً له يخرج إليه إبان فصول الربيع وغيرها.

وقد اشتمل على مسجد تؤدى فيه صلوات الجمع وغيرها من الفرائض. ويعتبر من أشهر المواقع في قرية (حولي)، لحسن اختيار موقعه على ذلك المرتفع الرحب الذي يشرف على جميع منازل القرية وساكنيها وما يحيط بهم من البراري والفلوات.

إذ لا يبعد عن سكان القرية أكثر من (كيلو متر واحد) أو ما يقاربه. فهو كالحارس الأمين لهم يشعرهم بالمهابة، فيتوخون منه الأمن والطمأنينة والاستقرار.

وما ذكره الشيخ عبد الله الجابر الصباح عن قصر بيان أنه قبل أن يبنيه الشيخ أحمد الجابر ويسكنه كانت تضرب عليه خيام للمرحوم مساعد البدر.

كما وسمي بيان لأن الذي يرتقي هذا المرتفع تتضح له الرؤية فيستكشف ما حوله وتستبين له جميع البراري المحيطة.

وفي اللغة: (بان بياناً) بمعنى اتضح وظهر. وبين الشيء أوضحه. والبيان ما يتبين به الشيء من الدلالة والفصاحة وغيرها.

وأورد هنا قصيدة للمرحوم الشاعر الأستاذ عبد الله سنان نظمها في قصر بيان بعدما هجر وتهدم وبقي أطلالاً دارسة (لا بل وأزيل من موقعه نهائياً عام 1960م) وحل محله (مستشفى مبارك الذي افتتح عام 1982م).

والقصيدة مكونة من ثلاثة وثلاثين بيتاً جاءت في كتابه البديع (البواكير) وهو الجزء الأول من (نفحات الخليج).

أقتطف منها ما يلي:

يا سائق السيارة السوداء بيضاء الملازم

تجري كما تجري على الغبراء رقطاء الأراقم

هذا بيان قد بدا يبكي (ابن جابر) وهو واجم

ثم يقول :

وهناك دار السينما        أكرم بهاتيك المعالم

وعلى يمينك مسجد      لا زال رغم البين قائم

ويقول أيضاً :

قد كان مأوى القاصدين إذا أتى تاج المواسم

فصل يتوج كل خضراء بتيجان الكمائم

وترى خيام الشعر تضرب حوله سود العمائم

وترى القبائل من (رشائدة) هناك ومن (عوازم)

ما مر يوم فيه إلا              وهو محضور الولائم

كانت تصافحه الصبا          رغم الهواجر والسمائم

واليوم تلفحه السمائم                 رغم أنفاس النسائم

هذا وأنه بعد وفاة حاكم الكويت الشيخ أحمد الجابر الصباح في يوم الأحد المصادف 29/1/1950م ظل هذا القصر مهجوراً من قبل أهله حيث سكنته عائلة (الجعيلان) كما أخبرني عن هذا السيد إبراهيم محمد البداح.

جادة حولي وذكرياتي حولها

بما أن الجادة التي تكلمنا عنها في موضوع سابق تؤدي إلى (قصر بيان) وهو قصر المغفور له الشيخ أحمد الجابر الصباح حاكم الكويت آنذاك فإن دائرة البلدية توليها بشيء من العناية والتسوية سنوياً خاصة عندما يعزم سموه رحمه الله على الخروج إلى البر للسكن في قصره أثناء الربيع.

فحينها تقوم إدارة البلدية بارسال ما نسميه سابقاً (كلكتر) لتسوية ذلك الطريق وإزالة ما تراكم عليه من أتربة بفعل العواصف ولا شك أنها تعيق مرور السيارات عليه وخاصة سيارته رحمه الله.

ويالها من لحظات سعيدة لدى صبيان القرية حينما تمر عليهم هذه (الكلكتر) تلك الآلة العجيبة بشكلها واسمها الغريبين بين رائحة وآتية.

والسعادة كل السعادة حينما يغض سائقها طرفه عنهم ويسكت عن تصرفاتهم لأن سكوته دليل على رضاه، فيتعلقون بها بل ويمتطون عليها وهي تجري بهم بطيئة لا يثنيها شيء عن أداء مهامها والانهماك في مزاولة أعمالها، جارفة معها الأتربة الزائدة عن حاجة الطريق مخلفة وراءها غباراً يسد عنان السماء، والصبيان مسرورون على ظهرها، وفي ذلك تعويض لهم عن ركوب السيارات التي يتشوقون لركوبها وهي شحيحة عليهم في ذلك الزمان.

وما هي إلا دقائق معدودات حتى تكاد تبتعد بهم عن بيوت القرية شيئاً فشيئاً حينها يشعر الصبية أنهم ابتعدوا كثيراً عن أحيائهم وأهليهم فيقذفون بأنفسهم منها عائدين وهم في أوج فرحهم ونهاية سعادتهم.

ولكم انتظروها وترصدوا لها في اليوم التالي والذي يليه والأيام القادمة فإن مرت بهم فهذا مرادهم وما يبغون وإلا فقد خاب أملهم بها وباءت محاولاتهم بالفشل.

وعدا عن ذلك فإن هذه الجادة تعتبر متنفساً لجميع أهالي القرية يخرجون إليها مساء فيلتقون بمعارفهم ويجلسون سوياً على جوانبها الرملية المخضرة للتعارف وتجاذب أطراف الحديث حتى المغيب.

كما وللصغار مرحهم ولهوهم على هذه الجادة فيمارسون ألعابهم المختلفة. وعند هبوب الرياح يلعبون بما يسمونه (جليب الدَّوْ) الذي نوهت عنه في كتابي (مع الأطفال في الماضي). وهو عبارة عن ريشة من جناح حمامة يربط معها عودان بطولها فيتكون لهذا الشكل ثلاث قوائم يوضع على الأرض فتدفعه الرياح فينقاد لها وتراه يقفز ويهرول وكأنه مخلوق حي ولذا أطلق عليه هذا الاسم.

ومما قيل عن جليب الدَّوْ:

جلاب الدَّوْ            راحوا ما ردوا

الطريق إلى حولي

تبعد قرية (حولي) عن (بوابة البريعصي) (بوابة الشعب حالياً) بمسافة خمسة (كيلو مترات)، كما تبعد البوابة عن ساحل الجون بمسافة اثنان وربع كيلو مترات.

وبما أن الناس قديماً لا يمتلكون سيارات توصلهم إلى أماكن سكناهم أو نزهاتهم في القرى فقد تواجد عدد قليل من أصحاب سيارات النقل والأجرة (العبرية) مثل (اللوري والبكس الخشبي) أخذوا على عاتقهم العمل على إيصال الناس بالأجرة إلى قراهم القريبة منها والبعيدة.

وأما قرية (حولي) فقد كان لها سيارات نقل وأصحابها مشهورون بسياراتهم وهم من سكان القرية مثل (موتر يمعه، وموتر شهاب، وموتر محمد بداح) وغيرهم أمثال (عواد وعوض المنير وسعد الباتل ومحمد المسبحي وسند الجويدان).

كان هؤلاء الرواد يقفون بجانب سياراتهم في صفاة الكويت.

ويصيحون بأعلى أصواتهم (حولي حولي.. يا الله حولي) فيتوافد عليهم أصحاب السكن هناك وضيوفهم وزائروهم وخاصة في أشهر الربيع.

وحالما تمتلئ السيارة بهؤلاء الركاب الذين يطلق عليهم يومها (عبريه والمفرد عبري) وقد علوا سقفها تنطلق بهم تختال في طريقها الترابي ويسمى (ياده) أي جاده (وهي كلمة عربية بمعنى طريق) مخترقة بيوت المدينة. فإذا ما قاربت إحدى بوابات سور الكويت المؤدية إلى قرية (حولي) إما “دروازة نايف” أو “دروازة البريعصي” -وهي الأنسب إلى طريق حولي- عملت على التخفيف من سرعتها استعداداً لولوجها من البوابة وفي بعض الأحيان تقف ليتقدم منها مسئول (الدروازة) فيتعرف على من بها من ركاب ثم يأذن لها بالانصراف فتنصرف مخلفة وراءها الأتربة والغبار المتطاير الممتزج بالدخان فتأخذ جادتها في البر محاذية لأراضي الدسمة ثم الدعية والسد مخترقة أرض النقرة ثم تشرع في الدخول بطريق (حولي) ترمي بركابها قريباً من منازلهم وهي مثقلة بهم وبما حملته معها من حوائج وأمتعة تخص الركاب. وحينما يهم الراكب بالنزول يصيح قائلاً (بس عندك) أو (نازل نازل) أو (طك عليه).

وقد لا تسلم هذه السيارات من (تغريزة أو بنشر) إذا لم يظهر سائقها مهارته ودرايته بالطرق وتجنب الحفر والرمال.

وقديماً يسمى الخروج من المدينة إلى القرى (طلعه) والعودة من القرى إلى المدينة (حدره) ولذا فإن سكان القرى يمضون أيامهم كلها بين (طالع وحادر) كما ويطلق على من يسكن في القرى أنه (سكن الخارج) أو (طلع الخارج) وأحياناً يوصف بأنه راح (ياكل هوا).

وبما أن معظم ساكني قرية حولي في فترة الربيع من ذوي الأعمال الحرة والدكاكين فإنهم لا ينزلون إلى المدينة إلا مرة واحدة في اليوم، حينها يبقون في منازلهم الأصلية خلال فترة الظهيرة استعداداً لممارسة أعمالهم في دكاكينهم بعد صلاة العصر على أن يعودوا مشتاقين إلى أهليهم قبيل أذان المغرب وهم محملون بالمواد الغذائية واللوازم المنزلية بعد أن كان أهلوهم قد استعدوا لهم بغسل الثياب وتبخيرها وترتيب (الكبارة) من فرش وتنظيف ومسح للسُّرج ثم طبخ وجبة عشاء شهية من الرز على نار الأخشاب وغيره من الوقود المستعمل في ذلك الزمان بواسطة التنور مثل (السعف والكرب والقرم واليلة والعرفج.. الخ).

وغالباً ما تكون الوجبة سمينة لأنها هي الوجبة الرئيسية في اليوم فيلتمون عليها -بعد أداء صلاة المغرب- في ذلك (الكبر) المخصص ثم يشربون عليها الشاي ويتسامرون على ضوء السراج الخافت، ورائحة (الكاز) تملأ جو (الكبر) ممتزجة مع روائح الفحم والأكل فتضفي على الجلسة جواً ريفياً صادقاً بعيداً عن مظاهر المدينة المصطنعة والمعيشة المفتعلة. وكثير من الناس من يقنع بالعشاء الجاهز (كالحلوى والرهش أو الجراد المجفف والتمر مع الخبز) والشاي والحليب الطازج المستخرج مما يقتنونه من بقر وأغنام.

وعند الصباح يخرج الرجال من منازلهم متأهبين (للحدرة) كما (طلعوا) بالأمس فينطلقون إلى أماكن مرور السيارات فيترصدون لها لأخذ مواضعهم بها لتنطلق بهم (حادرة) إلى مواقفها الأصلية في الصفاة، ليتفرقوا من هناك، كل يغدو إلى عمله على أن يلتقوا بها مرة ثانية عند المساء. وهكذا دواليك.

وأما قبل توفر السيارات فكان للناس دواب يركبون عليها في المجيء والذهاب وأغلبها من الحمير أو الجمال مخصصة للتنقل عليها فقط دون تحميلها بأحمال مرهقة.

وكثير من الناس ممن لا يملكون حماراً أو أجوراً للسيارات (يطلعون ويحدرون) مشياً على الأقدام فيستغرق معهم الطريق إلى (حولي) ثلاث ساعات تقريباً. وكثير من محبي النزهات (الكشاتة) يفضلون المشي على الأقدام في رواحهم ومجيئهم. حيث قال شاعرهم في قصيدة غزلية له مطلعها:

يوم الخميس الذي فات             رحنا انتمشى حولي

ولقرب قرية (حولي) النسبي من المدينة صارت محط أنظار الصبية أيام الأعياد حيث يشحنون إليها بالجملة في سيارات النقل مثل (اللوري) مقابل أجور زهيدة تحددها صيحات تلك السيارات في الصفاة مثل (حولي أربع آنات) (والآنة = 5 فلوس تقريباً في وقتنا الحاضر).

وعند عودتهم يغنون الأهزوجة المعروفة لديهم (حوللي خله برالي).

ولكن إذا حدث وتوجهت وتوجهت سيارة إلى (حولي) ليلاً فإن باب السور سيكون موصداً أمامها حفاظاً على الأمن من ناحية ولعدم توقع خروج أحد من المدينة في ساعات متأخرة من الليل من ناحية أخرى.

وما على سائق السيارة إلا أن يزمر ببوق سيارته لحارس الباب الذي سيستجيب له فيخرج إليه متلثماً وقد غالبه النعاس فيتفقد السيارة وما بها من ركاب ويستمع إلى الأسباب التي دعتهم للقدوم في مثل هذا الوقت المتأخر. ولا يفتح لهم البوابة إلا إذا عرفهم أو اقتنع بما لديهم من أسباب.

ولما كانت بوابة سور (البريعصي) هي أقرب البوابات إلى قرية (حولي) من غيرها، لذا فقد أطلق عليها فيما بعد اسم (بوابة الشعب) لأن قصر الشعب يقع في (حولي) أو قريباً منها.

وللعلم فإن بوابة سور (البريعصي) كانت فيما مضى لا تحتوي إلا على باب واحد فقط يستعمل للدخول والخروج معاً وكانت ترفع عليه إشارة لمعرفة الرياح كالتي تستعملها المطارات لأنه يوجد قريباً من هذه البوابة خارج السور مطار صغير جداً لطائرات الشركات كالتي تنقل النفط من عبادان إلى الكويت وما إلى ذلك من المهام السياسية وغيرها.

والمطار هو عبارة عن أرض ترابية تقبع بها (شبرة) حديدية حمراء اللون تقع شرق (باب البريعصي) من جهة خارج السور.

وكان المسئول يومها عن باب (البريعصي) شخص يدعي (بن حجي) وله سكن قريب من باب السور وهو عبارة عن أرض فسيحة محاطة بسور قليل الارتفاع من الطين وفيها عدد من الأكواخ (الكبارة) ويسكن معه رجاله الذين يساعدونه على الحراسة وضبط الأمن وهم جميعاً مسلحون.

وكأني بهم حينما يؤذن مؤذنهم للصلاة حتى يلتقوا جميعاً فيؤدوا الصلاة جماعة في الخلاء على التراب قريباً من باب السور وهم يرتدون (الزبنة) المزركشة والمفرد زبون وهو نوع من الألبسة القديمة يشبه الجبة أو القفطان.

وما أقيمت البوابة الثانية إلا بعد عام 1945م على وجه التقريب.

برور حولي ونباتاتها

يحيط بقرية (حولي) بر جميل يزخر بالنباتات والأعشاب الرعوية عند حلول فصل الربيع ولا يزدان إلا بعد هطول الأمطار في مواسمها المحددة.

فمن الأعشاب يظهر (الحنبزان) وهو نبات له رؤوس بيضاء كرؤوس الفجل أو الجزر حلوة المذاق يقبل عليها الناس يتذوقون شيئاً منها بشهية، وتوجد هذه الرؤوس مدفونة تحت الأرض ولا يظهر من هذه النبتة إلا أوراقها الخضراء المغرية.

وهناك نبات له رؤوس صغيرة كرؤوس البصل بيضاء اللون صافية مدفونة تحت الأرض يقتلعها الأطفال ويقبلون على أكلها لطيب مذاقها وتسمى (مصيلمو) وأعتقد أنها محرفة من كلمة (بصيلمو) أي بمعنى بصل الماء.

ومن النباتات العشبية التي لا يمتنع الإنسان عن تذوقها إن وجدها ملائمة نديه (الحوه) و(أصابيع العروس) و (البسباس) و (التولة أو الخبيز) وتسمى بذورها (كريص البابا) و (بذور السعيدان).

وجميع تلك النباتات صالحة لرعي الأغنام إذا أضفنا إليها: (الربلة) و (الحوذان) و (شوارب التيس) و (خواتم العروس) وغيرها من أنواع الأعشاب التي لا تعد ولا تحصى مثل (حوة جلاب) و (الصميخ) و (الصمعة).. الخ.

وأما الزهور فمعظم النباتات البرية تزهر ولكن أشهرها (النوير) ذو اللون البنفسجي والرائحة الشذية وما إلى ذلك من أنواع الزهور والورود البيضاء والصفراء.

– البر الشمالي:

فالبر الشمالي لقرية (حولي) تكثر فيه (اليواد) جمع جاده أي الطرق الترابية المؤدية إلى مدينة الكويت نتيجة مرور السيارات.

كما ويلاحظ فيه أرض رملية منخفضة المستوى قليلاً تسمى (بحره) وهي مجرى واسع لسيول الأمطار التي تنحدر إليها من الجنوب، حيث ارتفاع الأرض، مخترقة (الشعب) لتصب في البحر بين أثل الخالد وقصر الشعب. (ويقع نادي القادسية الرياضي الحالي على الضفة الشمالية من هذه البحره).

– وعن الجنوب الشرقي من القرية يتواجد تل صغير يسمى (بالصيهد) ويطلق عليه البعض (ضلع وضحه) وهو من أحد منتزهات القرية يأتيه الأهالي والصبيان أفواجاً وفرادى يستريحون عليه ويستأنسون بتسلقه واستكشافه البراري المحيطة به.

– وعن شمال هذا التل تقع (المطينة) وهي عبارة عن أرض طينها صالح للبناء يقوم أصحاب المهنة بحفرها ونقل الطين منها على ظهور حميرهم إلى أصحاب الأراضي المراد بنائها. ولهذا فقد نتجت عن ذلك حفراً قليله العمق منتشرة على أرض واسعة نسبياً صارت بهذا الحكم مجمعاً صالحاً لمياه الأمطار عند انهمارها فتتكون من جراء ذلك مستنقعات تساعد أهل القرية على الارتواء منها والتنزه حول ضفافها.

وبما أن هذه (المطاين) تتواجد فيها طيور الربيع بكثرة فقد صارت مأوى طيباً ومقصداً صالحاً لعشاق الصيد (الحبال) يرتادها أصحاب الهواية يومياً مع فخاخهم ليصطادوا ما تيسر لهم منها.

– البر الشرقي وبحر الشعب:

وأما البر الشرقي وموقعه (ميدان حولي) في وقتنا الحاضر وهو بر واسع ينتهي ببعض الكثبان الرملية المترامية قبيل ساحل البحر ومن ورائها يأتي البحر مباشرة ويسمى (بحر شعب الخالد).

وفي منحدر هذه الكثبان نحو البحر هناك يوجد عدد من أشجار الأثل اشتهرت باسم (أثل الخالد).

وإلى ساحل هذا البحر الجميل تخرج نسوة القرية مع أطفالهن حاملات صرات الملابس لغسلها في مياهه الزرقاء الصافية التي لم يلوثها أدنى شيء.

فيقطعن المسافات الطويلة مشياً على الأقدام بين الخضرة النضرة والزهور العطرة فيهوى الصبية بين حين وآخر إلى الأرض لاقتلاع نبات (المصيلمو) الذي تكلمنا عنه آنفاً مع جمع باقات جميلة من الزهور والنوير، وهم يحثون الخطى للوصول إلى ما يتوقون إليه -إلى البحر- تلك الفرصة التي طالما تمنوها وجعلوها نصب أعينهم وفي مقدمة آمالهم.

وما أن يقترب موكب النسوة وأبنائهن من ساحل البحر حتى يسمع حفيف أشجار الأثل الباسقات -أثل الخالد- بظلها الظليل وهو موقعها العليل، فترى ما على أغصانها من طيور الربيع المشهورة بتغاريدها الصداحة مما يغري الأطفال إلى استعمال ما معهم من أدوات الصيد التي جلبوها معهم لمثل هذه المناسبة (كالنباطة والفخ) فيستبقون إليها، كلٌ يمارس هوايته، فمنهم من يبادر بتسلق الأثل ويعلو عن زملائه بضع أمتار يخلو بها مع نفسه فترة من الزمن. ومنهم من يتوجه لجمع ما يقذف به الموج من قواقع ومخلفات بحرية ومنهم من يصطاد الطيور.

وعندما تحط النسوه عن كواهلهن ما حملنه من صرات الملابس وعدة الشاي، يجرين مهرولات مع أبنائهن وبناتهن إلى المياه الصافية فيغسلن وقد يغتسلن حسب ملاءمة الطقس، ثم ينشرن ثيابهن على الرمال النظيفة والصخور الساحلية كي تجففها الشمس الساطعة. بعدها يتجهن ثانية تحت ظلال الأثل ليسترحن ويوقدن النار ويأكلن ويشربن ما جلبنه وإياهن من شاي ومأكولات.

وأخيراً يتأهبن للعودة إلى منازلهن من حيث آتين بعدما استمتعن بهذه الأجواء الشاعرية الساحرة، وقد درج البعض على اقتلاع ما تيسر لهن في الطريق من الحشائش كهدية منهن لأغنامهن.

وعن شمال (أثل الخالد) فيقع (بيت الخالد) المهجور وتليه بعض التلال الرملية ثم يقبع بعدها (قصر الشعب) الذي اشتهر أيضاً (بقصر موضي المبارك) وهو قصر جميل مبني على الطراز الشرقي يقع على أرض منخفضه ويطل على ساحل البحر مباشرة تحف به الأشجار والنخيل من كل جانب.

ولحسن موقعه فقد اتخذه المرحوم الشيخ عبد الله السالم الصباح حاكم الكويت الكويت الحادي عشر مقراً لسكناه إلى أن توفاه الله عام 1965م ومن قبله والده الشيخ سالم مبارك الصباح. وحتى وقتنا الحاضر فإن للشيخ سعد العبد الله السالم الصباح قصراً بناه بجانب القصر القديم.

وعن غربي القصر فتوجد شجرة سدر ضخمة وهي قريبة نسبياً من (حولي) يأوي إليها عشاق الراحة والنزهات من أهالي القرية وغيرهم للاستمتاع عندها والتسلق على أغصانها لقطف ثمرها من (الكنار) والاستراحة في ظلها الظليل.

– البر الجنوبي:

وفي البر الجنوبي للقرية هناك مرتفع رحب أسس عليه (قصر بيان) وله منحدر فسيح تكثر فيه الأعشاب. ومن بعده جنوباً تأتي أرض (السرة) و (السريرات) وبها بعض التلال التي شيدت فوقها بعض القصور مثل (قصر مشرف) للشيخ عبد الله المبارك الصباح وقصر الشيخ عبد الله الجابر الصباح. وكثيراً ما كان الناس يومها يحصلون على الفقع في تلك البراري وعلى هاتيك التلال.

وعند منحدر السرة شرقاً فهناك أرض الرميثية وتحتوي على كثير من أشجار السدر والأثل وبعض المزارع ولكنها تخلو من المساكن.

كما ويؤدي البر الجنوبي الشرقي لقرية (حولي) إلى منعطف قريتي (الدمنه والرأس) الساحليتين.

العواصف وأكوام الرمال

عندما تهب العواصف الشديدة والرياح العاتية على الكويت خاصة في أيام البوارح صيفاً يكون تأثيرها أشد على المناطق الصحراوية أو المكشوفة ومن بينها قرية (حولي) التي ينالها ما ينالها من ضرر وخراب، فتندفع إليها الأتربة والرمال بما يسمى (الذاري) ولا يوقفها إلا تلك الجدران الطينية المتواضعة فتتراكم حولها مكونة كثباناً من الرمل الناعم الأبيض الذي يمتاز بنظافته ونقاوته. وتارة تعلو الأتربة على الجدران لتنساب داخل البيوت فتخلق معها منظراً جميلاً لا يستقبحه ويتضرر منه إلا صاحب ذلك البيت المنكوب الذي قد يصاب بخسارة مالية فادحة إذا ما فكر بالتخلص من هذه الأتربة التي غزته في عقر داره دونما إذن مسبق، فيتكلف بنقلها على ظهور الحمير التي يستأجرها لهذا الغرض وإلا سيصبح منزله عرضة للكشف من قبل الأطفال والمتطفلين الذين يفرحون جداً بتلك الأكوام من الرمال لنظافتها ونعومتها فيقصدونها ليقضوا عندها أحلى ساعات عمرهم بالتسلق عليها للعب والاستكشاف.

ناهيك عن أن الصبيان في الكويت يحبون اللعب فوق أكوام الطين والأتربة التي يقذف بها الأهالي إلى خارج منازلهم من جراء حفر بركة أو قليب أو (بالوعة) ويفضلون قضاء وقتهم عليها.

فما أحسنها من لحظات تلك التي نقضيها ونحن صغار فوق أكوام الرمال العالية التي نحاكي بها الجبال الشاهقة.

ففي ذلك تعويض لنا عن الجبال والتلال والهضاب التي لم تتوفر في طبيعة بلدنا ولا نراها حقيقة أو نسمع عنها إلا من خلال الأناشيد المدرسية أو القصص والحكايات المصورة.

هذا ولا يستغني الرجال أيضاً ومن بينهم كبار السن عن الجلوس عند سفوح هذه الكثبان أثناء الأمسيات الجميلة في (حولي) يروون القصص والأحاديث الشيقة ويتجاذبون فيما بينهم تاريخ القرية وما لهم فيها من ذكريات ويخوضون في شتى المواضيع.

وحتى النساء في (حولي) فإنهن يتجمعن ويجلسن على (هاتيك الربى) فيقضين حولها أحلى الأوقات وأمتعها. ولا تحلو جلساتهن إلا بعد صلاة المغرب.

مشاهدة خاصة: ومما كان يشدني ويلفت انتباهي في (حولي) أنه متى ما قامت زوبعة رملية أو عصفت رياح أو هب هواء شديد، انمحت معه جميع الآثار والمعالم التي خلفها الناس والدواب والأغنام من جراء مشيهم على سطح الأرض وحتى آثار عجلات السيارات إن وجدت، فتصبح الأرض بعد ذلك قاعاً صفصفاً وكأنها مهجورة لم يمر عليها مار ولم تشهد أن مشى عليها أحد منذ زمن طويل.

وما أن تهدأ العواصف وتتوقف الرياح فحينئذ يخرج الناس ويدب عليها من يدب من المخلوقات فتبدأ آثار مشيهم ترتسم على التراب شيئاً فشيئاً حتى تعمها جميعاً وكأن شيئاً لم يكن.

ولطالما استيقظت صباحاً ولاحظت آثار أقدام إنسان واحد أو آثار مشي حيوان مر من هنا أو هناك فيرشدني هذا إلى أن رياحاً قد هبت أثناء لليل لم أفطن بها. ففي ذلك مشاهدة جميلة بالنسبة لي قد لا يهتم بها أحد ولكنها راسخة في نفسي تهف ذكراها على مخيلتي من حين إلى آخر كلما شاهدت تراب الأرض بعد هدوء زوبعة، فيذكرني ذلك في (حولي) قبل أربعين عاماً أو أكثر.

حولي والأمطار

ففي كل عام من الأعوام، تنزل على الكويت أمطار موسمية، تتراوح بين القلة والكثرة، ينحصر وقتها خلال فصول الخريف والشتاء والربيع. وأحياناً ينزل المطر على الكويت بغزارة لم يعرف لها مثيل كالأمطار العظيمة التي داهمت الكويت عام 1873م في شهر رجب 1289هـ وأضرت بمنازل الأهالي وقد ذكرها المؤرخ المرحوم الشيخ يوسف بن عيسى القناعي في كتابه (صفحات من تاريخ الكويت) وسميت بالرجيبة.

وهناك الهدامة التي جاء ذكرها في كتاب (الموسوعة الكويتية) لمؤلفه الأخ حمد سعيدان إذ يقول: هي سنة نزلت فيها الأمطار غزيرة في 7/12/1934م وهدمت منازل كثيرة وشردت سكانها. (انتهى).

ومما وقفت عليه بنفسي تلك الأمطار الغزيرة التي هطلت على الكويت في نوفمبر عام 1954م حيث أضرت بالمنازل وشردت بعض الأهالي ففتحت لهم الحكومة آنذاك المدارس التي سكن بها كثير من العائلات المتضررة حيث قامت الحكومة مشكورة بإطعامهم والإشراف الكامل على إيوائهم إلى أن توقفت الأمطار وانجلت الغيوم وغادر الناس إلى منازلهم.

وبما أن محور حديثنا هو (قرية حولي) فإن هذه القرية ينالها نصيبها الوافر من تلك الأمطار فتتساقط جدران بيوتها الطينية وتخر أسقف دورها وأكواخها على ساكنيها، بل وتنقطع عنهم المواصلات التي تربطهم بالمدينة في كثير من الأحيان فتشل الحركة ويتوقف الناس عن العمل ويصبحون في مأزق.

ومما أذكره أن أمطاراً داهمت حولي عام 1942م تقريباً وهطلت عليها بغزارة لا مثيل لها، فقد جرت سيولها كما يجري النهر خاصة في (البحرة) التي مر ذكرها آنفاً، فصار الماء فيها عميقاً جارفاً، فنزل فيه من نزل من الشباب للعب ومعاكسة انجرافه. وتوافد إليه المتفرجون والمتفرجات من كل ناحية وصوب، فظل على هذه الحال فترة أضفت على ساكني القرية فرحاً وسروراً.

وأما في الأماكن المنخفضة (كالمطاين والحفرات) فقد تكونت بها المستنقعات النظيفة الطاهرة والخباري الصافية العذبة فصار (الحمَّاره) وهم أصحاب الحمير يتهافتون عليها ينقلون منها ماء الغدير على ظهور حميرهم بواسطة القرب ويجلبونه للأهالي، يبيعونه عليهم بأسعار زهيدة لقرب مصدره من مساكنهم.

هذا وأن كثيراً من ربات البيوت أخذن يقصدن تلك المستنقعات والخباري مع ملابسهن (وطشوتهن) فيغرفن منها دون رحمة أو اقتصاد ويغسلن ما معهن من ملابس لهن ولذويهن بهذا الماء العذب والصابون. وتلك من الفرص النادرة التي قد لا يجود الزمان بمثلها إلا ما ندر.

وحينما فاجأت هذه الأمطار قرية (حولي) كان الرجال في أعمالهم ومحلاتهم التجارية في مدينة الكويت (الديره) التي نالها أقل مما نال جهة (حولي) من هذه الأمطار.

ولذا فلقد امتنع الكثيرون منهم عن التوجه إلى بيوتهم في (حولي) واضطروا للبقاء في منازلهم الأصلية بعيدين عن عائلاتهم قلقين على أبنائهم وأهليهم في تلك الليلة المطرة. إذ سيارات الأجرة أمست غير قادرة على الخروج خوفاً من تعطلها في الطريق.

ولما أصبح الصباح وقد توقفت الأمطار عادوا إلى أعمالهم في السوق كالمعتاد، وبعد انقضاء نهارهم توجهوا كعادتهم إلى (حولي) متلهفين لسماع القصص والأحاديث عما سببته العواصف والأمطار من خراب ودمار، وما تركت في النفوس من فرح وابتهاج.

وبقدر ما استأنس الناس من هذا الخير الذي أزال ما علق بالجو من غبار وغسل الأرض وأغدق على الناس المياه وزاد من نضرة العشب وزهو الأزهار وأضفى على (حولي) جواً ربيعياً جميلاً، فإنه بالمقابل قد خرب الكثير من منازلهم وهدم جدرانهم ونالت الزوابع المصاحبة من أسقف أكواخهم ودورهم وخيامهم وكسرت أغصان أشجارهم خاصة وأن (أثل الخالد) قد خف كثيراً عما كان عليه قبل العاصفة فتهشمت أغصانه واقتلعت جذوعه وأصبح كل شيء في حالة يرثى لها.

ومع هذا كله فإن الناس لا يزالون فرحين بما آتاهم فقاموا بإصلاح ما قد فسد واستمرت حياتهم عادية مستقرة. بل وازداد الإقبال على (حولي) وكثر عشاقها وصار بعض الناس يقيمون في منازلهم الدعوات والولائم والأفراح والتجمعات ليحضر إليها من يحضر فيتداولون فيما بينهم الأشعار والقصائد الملحنة عن الأمطار وبهجة الربيع على أنغام (الطيران) مثل السامرية التالية:

يوم طك المطر          يوم طك المطر

صار في البر زينة    يوم طك المطر

خير ربي كثر           خير ربي كثر

في البرور الحسينه         خير ربي كثر

يوم السيل عبر           يوم السيل عبر

صار يصب في المطينه         يوم السيل عبر

.. إلى آخر الأبيات.

– عرس شافي:

ويذكر فيما يذكر أن هناك شخصاً مشهوراً في (حولي) اسمه (شافي) يقال أنه قد تزوج في ليلة نزل بها المطر غزيراً مما خرب عليه وعلى المدعوين احتفالهم فاضطروا للعودة إلى (الديره) ويقصد بها مدينة الكويت.

فقيل في هذا المعنى:

عرس شافي غدا غربال      حدروا ربعه للديره

– صاحب اللبن:

وفيما يروى أن أحدهم لما شاهد مياه الأمطار متوفرة في (المطينة) استغل الفرصة وأخذ (الملبن) وصار يعجن الطين بالماء (ويغيل) ليعمل لبناً للبناء، وعندما فرغ من عمله هطلت أمطار غزيرة تقدر بأنها أشد من سابقتها فذاب اللبن وساح واختلط بطين الأرض فراح تعبه هباءً، وصار يقلب يديه على ما بذل فيها من جهد.

كشتات حولي

ويجرني الحديث إلى نقل إلى نقل ما ذكرته المربية الفاضلة السيدة مريم عبد الملك الصالح في كتابها (صفحات من التطور التاريخي لتعليم الفتاة في الكويت) حول موضوع (الكشتة) الذي أجعله كمقدمة لسرد قصة (كشتة المطوعة) والكشتات عامة.

تقول:

(الكشتة) هي حفلة آخر العام وتهدف إلى الاحتفال باختتام الدراسة من ناحية وإلى تجميع الدارسات الأوائل بالدارسات الجدد لتوطيد الروابط بين الدارسات في (المطوعة الواحدة) ولإقامة الفرص للتعارف بين أهاليهن.

ثم تقول:

تأتي الدارسات القدامى والدارسات الجدد مع أهاليهم إلى بيت المطوعة الذي قد فرش بالسجاد وحلي بالزينة التي شارك في وضعها جميع نساء الحي. وعقب ذلك يبدأ الغناء والرقص والطرب فتتبارى الفتيات بالرقص.

وفي اليوم السابع من أيام الكشتة تنحر الذبائح في بيت (المطوعة) وتقام وليمة كبرى يدعى لها جميع نساء الحي، وعند نهاية ذلك اليوم، فإما أن تؤكل الوليمة في البيت أو يذهب بها إلى تحت شجرات (السدر الأربع) وكان مقرهن شرق قرب قصر دسمان، ويكون الاحتفال قد انتهى بعد أن أدى الغرض من إقامته.

هذا ولعله من المفيد أن ننوه إلى منافسة حامية تجري بين (المطوعات) موضوعها (كشتة) آخر العام فتتبارين في إقامتها وحسن تنظيمها. (انتهى).

ومصداقاً لقول المؤلفة أوضح هنا أن الكثير من (الكشتات) التي يقمن بها مدارس البنات (المطوعات) ومدارس البنين (المطاوعة) وغيرهم من تجمعات نسائية ورجالية كباراً أم صغاراً غالباً ما تكون في قرية (حولي) سواء (الكشتات) العائلية أو الجماعية أو الفردية وذلك بسبب قربها من البلد ولخضرة أراضيها وطيب هوائها.

وسأروي فيما يلي من مصادر وثيقة قصة (كشتة المطوعة) وما لاحقها من عراقيل سببتها لها الأمطار.

كشتة المطوعة:

في يوم من أيام ربيع قرية (حولي) عام 1942م تقريباً قامت امرأة فاضلة وهي صاحبة مدرسة أهلية للبنات (يعني مطوعة) قامت مع طالباتها وأهليهن برحلة (كشتة) إلى قرية (حولي) والتحق معها من التحق من الأهل والمعارف والصديقات سواء بدعوة أم بدون دعوة.

ولما وصلن إلى (القرية) فسرعان ما انتشر خبر رحلتها هذه بين النسوة القاطنين هناك فهرعن إليها للاستمتاع بما يعرض من غناء وضرب على الدفوف (طك طيران).

وما أن صار وقت العصر حتى فاجأت (حولي) زوبعة رعدية وغيوم سوداء مندفعة بسرعة الرياح فانهمرت معها الأمطار الغزيرة ونزل البرد وسالت السيول وجرفت معها ما وجدته في طريقها، وحتى قدر العشاء في أحد البيوت لم يسلم من ذلك فجرفته السيول لولا أن تداركه أهله وسلموا على ما فيه.

وأما (كشتة المطوعة) فحدث عنها ولا حرج فقد تبعثر أفرادها وتشتت شملها وصار الجميع لا مأوى لهم ففر من فر من المتفرجات إلى منازلهن وبقي الكثير منهن لا يستطعن العودة إلى المدينة، إذ السيارات التي أوصلتهن أمست غير قادرة على إعادتهن لكثرة السيول والأوحال فخرت عليهن أسقف الأكواخ وصرن في مأزق لا مفر لهن منه وفي وضع حرج وحالة (زبينة) يرثى لها، فبتن ليلتهن مرغمات بلا فرش ولا زاد يكفيان لمثل هذا العدد.

والأدهى من ذلك أن بعض النسوة المشاركات بهذه الرحلة المشئومة تبعن (المطوعة) دون علم أزواجهن على أمل العودة إلى منازلهن في وقت مبكر من نفس ذلك النهار، ولم يدر في بالهن أنهن سيفاجأن بما حصل وأنهن سيقضين ليلتهن بعيداً عن بيوتهن وأزواجهن.

فافتقدهن الأزواج عندما انتهى ذلك النهار وصاروا يبحثون عنهن حيث لا يعلمون من أمرهن شيئاً وأن ظروف الأمطار قد حالت دون عودتهن.

وفي الصباح الباكر وبعد أن جفت الأرض نوعاً عادت (المطوعة) مع طالباتها وضيوفها إلى أهليهن الذين يعلمون سبب تأخيرهن مقدرين ظروفهن.

أما الأزواج الذين لا يعلمون ذلك وخرجت زوجاتهم دون علمهم فإن بعضهم والعهدة على الراوي قد أقدموا على تطليقهن بسبب تصرفهن الذي لم يحسبن له أي حساب.

وكما للمدارس الأهلية من (كشتات) فإن للمدارس الحكومية أيضاً دور كبير مع (الكشتات) إلى القرى الكويتية ومنها (حولي)، فتقوم كل مدرسة بتجميع طلابها الراغبين وبصحبة معلميهم لممارسة نشاط الرحلات الخلوية فيجمع من الطلاب الراغبين مبلغاً مناسباً من المال يعطى لسائق سيارة (اللوري) الذي سيتعهد نقلهم رواحاً وإياباً، وأما أكلهم فكل طالب يحمل معه ما يشاء من أكل حسب ظروفه وما يتيسر لأهله فبعضهم من يأتي (بالبلاليط) ومنهم من يحمل معه (الحلوى والرهش مع الخبز) وآخرون يكون طعامهم (الطبيخ) أو (البثيث) فتوضع تلك المأكولات على مائدة واحدة ويأكلون مع مدرسيهم ويلعبون ويمرحون ثم يعودون إلى منازلهم فرحين مستأنسين.

ومن كتاب (محافظة حولي) أنقل هذه الكلمة التي جاءت تحت عنوان (حولي بعد اكتشاف الآبار) صفحة 34 والخاصة بموضوع (الكشتات):

أصبحت منطقة (حولي) بعد اكتشاف آبارها متنـزها مفضلاً للأهالي يضربون فيه خيامهم لقضاء أيام الربيع وقد ابتنى أثرياؤهم فيها أماكن خاصة بهم تعرف بالكشتات (النزهات) للراحة والاستجمام وكانوا يقيمون فيها شهراً أو أكثر. وقد كان للكشتات في الماضي أهمية أخذت طابع العرف عند الكويتيين حتى أصبح بعض الناس يؤرخون الحوادث بالنسبة إلى السنة التي كشتوا فيها (أي تنزهوا فيها) وبذلك أخذت أهمية المنطقة تتعاظم. (انتهى).

وهكذا كانت قرية (حولي) منذ نشأتها وحتى منتصف الخمسينات مربعاً جميلاً لقصادها ومحبيها وعشاق الرحلات والنزهات إليها.

وفيما عدا عن سكانها من الأهالي القاطنين فيها فإن هناك ضيوفاً وزواراً ممن لم تساعدهم ظروفهم وأحوالهم على التملك أو الاستئجار يأوون إلى ذويهم في القرية كلما أرادوا التنزه أو الابتعاد عن جو المدينة فيستضيفوهم يوماً أو أكثر من ذلك، وما على هؤلاء الضيوف إلا أن يغادروا منازلهم في المدينة رجالاً كانوا أم نساء مصطحبين معهم أطفالهم وحاملين معهم بعض أمتعتهم التي يحتاجون إليها خلال تلك الزيارة ومن ضمنها بعض المأكولات الخفيفة كالمكسرات والحلويات مثل (الحلوى والرهش و البرميت الحار واليقط والخريط وكرص العكيلي وغير ذلك) يأخذونها معهم كهدية لأصحاب المنزل الذي سيقيمون فيه مدة استضافتهم.

نعم يغادرون منازلهم إلى (صفاة) الكويت حيث مكان التجمع فيركبون (سيارات العبرية) لتنطلق بهم إلى (حولي) حتى توزعهم على منازل ذويهم أو قريباً منها بنفس الطريقة التي سبق أن تكلمت عنها في موضوع (الطريق إلى حولي).

وما أن يحل هؤلاء الضيوف على مستضيفيهم حتى يفرحوا بهم ويرحبوا بمقدمهم فيسألونهم عن أحوالهم وما لاقوه من عناء ومشقة في الطريق.

وبعد الاستقرار في المضيف وتوزيع الهدايا يشارك الضيوف أهل المنزل أفراحهم باجتماعاتهم وزياراتهم وجلساتهم قريباً من منازلهم أو حول كثبان الرمال..

ويبقون على مثل هذه الحال حتى تنتهي مدة ضيافتهم. بعدها يعودون أدراجهم إلى منازلهم داخل المدينة فيعيشون على ذكرى تلك الرحلة التي تبقى في مخيلتهم مدة من الزمن.

وهكذا دأب أهل الكويت في كل عام وقد عرف عنهم أنهم من محبي الرحلات والنزهات الخلوية في براري الكويت الرحبة وقراها الجميلة.

وبالمقابل فإن سكان القرية يقومون أيضاً بزيارات إلى ذويهم من سكان الكويت فيأتون إليهم عن طريق (مواتر العبرية) أي سيارات الأجرة فيبقون في ضيافتهم فترة قد تطول وقد تقصر وقد حملوا مهم هدايا من البر وهي عبارة عن بعض الأعشاب والحشائش الربيعية مثل (الحوة والحنبزان وأصابيع العروس وغيرها) يوزعونها على الكبار والصغار ليتذوقوها ويطعموا منها الجيران والمعارف ويقذفوا بالباقي إلى أغنامهم ومواشيهم.

وبعد انقضاء فترة زيارتهم يعودون إلى قراهم ومنتجعاتهم محملين بالسلع والحوائج الضرورية ومكلفين بنقل السلام والتحيات إلى سكان البر من الأهل والأصدقاء.

شاوي حولي

بما أن الأعشاب تظهر بكثرة في (حولي) وما يحيط بها من براري طوال فترة فصل الربيع فقد صار الناس يقتنون الأغنام ويحبون تربيتها لما يجنونه من فوائد تخفف عنهم بعضاً من تكاليف الحياة.

ولذا فقد تواجد من يقوم بجمع أغنام الأهالي بعد حلبها صباحاً والتوجه بمعيتها إلى الأماكن التي يكثر فيها العشب والكلأ فيمكث وإياها طوال النهار ثم يعود بها مساءً وهي شبعى رياً فيستقبله الأهالي مساءً وقبل أذان المغرب، كي يتسلم كلٌ ماله من أغنام، بعدها يذهب هذا الراعي بما تبقى لديه من الغنم إلى مكان معروف لدى الجميع لكي يسلم الأغنام الذي تأخر عنها أهلوها إلى أصحابها وذويها.

والراعي في لهجة أهل الكويت يسمى (الشاوي) وهو قائد الشياه. وهي كلمة عربية ذكرت نسبة إلى الشاء. كما وتطلق كلمة (شاوي) على مجموعة الأغنام وقائدهم معاً.

(والشاوي) يتقاضى من الأهالي أجرة شهرية عن كل رأس يسرح به.

ما أجمل منظر (الشاوي) وهو قادم من مرعاه يتقفى أغنامه الذين علا ثقاؤهم المتقطع فيسمع صداه من مكان بعيد. وقد حمل عصاه وأحكم ربط (غترته) على رأسه وغطى بها وجهه فلا يظهر منه إلا عينيه ليحمي نفسه ويقيه مما يخلفه القطيع وراءه من غبار وأتربة تحجب الرؤية وتسد الفضاء.

هذا وأن في القرية أكثر من شاوي، وقد يكون اثنان، أحدهما يعمل لخدمة أهالي قبلي (حولي) والآخر يعمل في شرقيها.

حولي وطيور الربيع

في فصل الربيع من كل عام تمر في سماء الكويت أثناء عودتها من هجرتها طيور مختلفة الأشكال والأحجام والألوان فتبقى فترة من الزمن في ربوع الكويت لكي تتابع طريقها إلى مواطنها الأصلية وقد سبق أن تكلمت عن مثل هذا الموضوع في كتابين سابقين عددت فيهما أسماء الطيور وأصنافها وطرق صيدها وكل شيء عنها.

ومن جهة الحديث عن قرية (حولي) فإنها كانت ملاذاً طيباً خصباً ومأوى مناسباً لتلك الطيور والعصافير لما تمتاز به من وفرة أشجارها، وخضرة ربيعها، ورحابة برها، وانخفاض مبانيها، وانعدام الصخب والضجيج فيها.

كل ذلك ساعد الطيور على ارتيادها والبقاء فيها وشجع الصبية أيضاً ومحبي الصيد على الإحتيال عليها بشتى الطرق واختراع الأدوات لاصطيادها.

ففي الصباح الباكر ينهض الصبيان من نومهم ويخرجون من منازلهم في (حولي) وبصحبتهم فخاخهم وديدان الطعم اللازمة لهم مثل (الغبابي) التي قد أجهدوا أنفسهم بنبش التراب للبحث عنها تحت الجدران (السيسان) وفي الخرائب ومرابض الأغنام، في اليوم السابق.

يخرجون جماعات ووحداناً إلى الأماكن الفسيحة حول أكوام الطين (العدايم) أو إلى الأراضي (والحوط) التي تكثر فيها الأشجار من سدر وأثل ونخيل حيث تواجد الطيور (فيحبلون) فخاخهم ثم يجلسون بعيداً عنها يراقبونها ويرصدون حركات الطيور وسكناتها على تلك الأشجار والجدران أو على هاتيك الربى والمرتفعات.

وما أن يدنو الطائر الضعيف من الفخ المدفون في التراب حتى يقطع الصبية أنفاسهم والويل كل الويل لمن يبدي أدنى حركة أو إشارة حتى يقع المسكين في الفخ تلك المصيدة التي لا ترحمه. وحينها يعض صاحبها على جلبابه ويركض فرحاً مسروراً لانتشال طيره من بين فكي الفخ كيلا تهلكه. وقلما يحصل عليه سليماً غير ميت أو مكسور الجناح أو الرجل.

أما إذا تواجد طير آخر حول فخ أخرى فليس لصاحب الفخ الصائدة الحق بالتوجه إلى فخه لفك الطير منها، فلو فعل ذلك لطار الطائر الثاني المتوقع صيده وفاتت الفرصة على صاحب الفخ وعمل اللوم بينهما وغالباً ما تنتهي بالشجار.

وبما أن أشجار السدر تتواجد بكثرة في (الحوط) والبيوت فإن كثيراً من محبي الطيور يغطون أشجارهم بشبك من الخيوط الرفيعة. تسمى (ساليه) فيصطادون بواسطتها الطيور بالجملة ثم يتصرفون بها إما بالبيع على الأطفال أو بالإهداء على المعارف والأصدقاء أو بالأكل. وما أطيب طعمها وهي مشوية أو مقلية.

ومن أشد ما يغضب هواة صيد الطيور ريح الشمال الذي متى ما هب على الكويت انعدم معه تواجد الطيور، على العكس من الهواء الجنوبي المسمى (كوس) أو فترة توقف الهواء الذي يسمى (خواهر) فإن الطيور تكثر معهما وتأتي من مناطق بعيدة فيفرح الهواة ويقضون طوال أيامهم في ممارسة الصيد (والحبال).

ليالي حولي وأمسياتها

ما أحلى ليالي (حولي) خاصة لياليها المقمرة في فترة الربيع إذ ترى الأهالي من ربات البيوت وصغارهن يتجمعن حول بيوتهن للسمر والاستئناس بالحديث مع بعضهن بعضاً تاركين العنان لأطفالهن باللهو واللعب فوق كثبان الرمال النظيفة أو التسلق والمشي على الجدران قليلة الإرتفاع وهي متوفرة في (حولي). كل ذلك يتم في جو يسوده الأمان والطمأنينة. ومنهن من تشعل النار من حولها لينعم الحاضرون بجو شاعري دافئ.

وحتى الرجال والصبية فإنهم يتجمعون في الدواوين أو على كثبان الرمال وفي المنعطفات والأماكن الفسيحة فيقضون مع بعضهم أحلى اللحظات في جو لا يعكر صفوه شيء.

ولا يزداد الأنس إلا عند مناسبات الأعراس لدى القبائل الساكنين هناك، حيث يتجمهر المدعوون والمتفرجون حول الساحات القريبة من منازلهم للمشاهدة أو المشاركة في الرقصات الجميلة التي يؤديها الرجال، مثل (الكلطه والفريسني والمجيلسي) وغيره.

وفي بعض البيوت من يستجلب فرق (السامري) أو (المالد) لأداء نذر من النذور أو لفرح من الأفراح كزواج أو ختان أو قدوم من سفر.

وكثير منهم من يعنون بالتجمعات العائلية ليغنين ويرقصن على قرع الدفوف (طك طيران) وما إلى ذلك من أنواع الطرب المحتشم.

البشتخته:

ومن الناس في (حولي) من يقتني أو يستأجر (بشتخته) وهي الحاكي (غرامافون) مع اسطاوناتها (غوانات) فيعملون على تشغيلها في أوقات الفراغ، فيلتم عليها النسوة من الجيران والمعارف للتمتع بما يسمعونه من مختلف الأغاني المشهورة في ذلك العصر.

الأفلام السينمائية:

ومع نهاية الأربعينات فقد تطورت الأحوال وتغيرت الأوضاع فبرزت الأفلام السينمائية المصرية في بعض بيوت الموسرين، وأخصها في قصر بيان. فتنتشر أخبار وقت عرضها بين الناس بسرعة البرق الخاطف فيتهافتون عليها شباباً ونساءً وأطفالاً، ويتراكضون إلى أمكنة عرضها ليلاً يقطعون المسافات الطويلة ليستمتعوا بمشاهدتها في الهواء الطلق ثم يعودون في جنح الظلام إلى منازلهم وقد انطبع في مخيلاتهم الكثير من المشاهد والمواقف المؤثرة فيقصونها على من لم تسنح له الفرص بمشاهدتها.

وفيما أذكر أن السيد عبد العزيز المساعيد قد وجه الدعوة إلى أعضاء نادي المعلمين عام 1952م تقريباً إلى منزله في (حولي) لمشاهدة أحد الأفلام ليلاً. وكان ذلك شيئاً غريباً على الناس يومها. فأقيم في وسط ساحة المنزل حاجز قسمها إلى قسمين، قسم للرجال وآخر للنساء وأما الشاشة فهي من ضمن الحاجز أقيمت بالوسط ليشاهدها كل من الطرفين. إلا أن النساء يرون الصورة عليها معكوسة.

وفيما ترويه إحدى السيدات الفاضلات عن ذكرياتها في (حولي) تقول:-

إنه في عام 1937م تقريباً نما إلى أسماع الناس أن (فيلماً سينمائياً) سيعرض في بيت أحد القاطنين في حولي ليلاً. وتعتقد أنه بيت المرحوم محمد العتيبي.

وعندما عم الظلام أخذت النسوة يتراكضن مع أطفالهن إلى ذلك البيت ليأخذن مقاعدهن هناك لمشاهدة (السينما) لأول مرة في حياتهن. وهذا شيء عجيب وغريب لم يطرأ على بالهن قط.

وما أن وصلت أعدادهن حتى حشرن في غرفة ضيقة مبنية من الطين فجلسن بها على الأرض وكان التزاحم بينهن شديداً (والروح على الروح) حسبما تقول محدثتنا، وهن خليط من البدو والحضر.

ولما اشتد الزحام وضاقت الأنفاس بدأ عرض (الفيلم) على شاشة صغيرة لا يتعدى طولها متر واحد تقريباً. وأما الفيلم فتقول السيدة أنهن لم يرين منه إلا خيولاً تتراكض ودوياً مختلطاً مع ضجيج النسوة المشاهدات اللواتي بهرتهن تلك المشاهد فصرن يعلقن على كل مشهد من مشاهد الفيلم ويطلقن عبارات التعجب مثل: (هبك) و (يا ويلي ويلاه) مع كل حركة يرونها وحتى نهايته.

وعندها خرجن وهن لا يعرفن ماذا عرض عليهن أهو حقيقة أم حلم منام.

حولي وسنين البطاقة

ما أن بدأت الحرب العالمية الثانية عام 1939م، حتى انقطعت معها بعض المواد الغذائية وغلا البعض الآخر وصار معظم الناس في ضائقة من أمرهم واضطر الكثير منهم إلى أكل خبز الشعير بدلاً من الدقيق، وطبخ الجريش بدلاً من الرز، واستعمل سكر (الكر) بدلاً من السكر المعروف.

مما حدا بالحكومة إلى وضع حد لذلك، فعملت مشكورة على حل هذه الأزمة التي لم تدم طويلاً، وقامت بفتح دكاكين في جميع أحياء الكويت، وزودتها بجميع المواد الغذائية المطلوبة، كالرز والسكر والشاي والطحين، وعينت لكل دكان كاتباً ووزاناً.

وقامت أيضاً بتزويد كل عائلة ببطاقة تموينية تحمل بعض المعلومات عن اسم رب الأسرة وعدد النفوس التي يعيلها ليتسلم مستحقاته الغذائية بناء على ما تحتويه من بيانات في الأيام الأولى من كل شهر بدون انقطاع، وبأسعار مناسبة.

واستمرت الحكومة في مشروعها الكريم هذا منذ عام 1941م وزادت عليه بتقديم الأقمشة أيضاً.

وحينما وضعت الحرب أوزارها وهدأت الحالة واطمأنت الحكومة على توفر جميع المواد الغذائية في الأسواق المحلية بأسعارها العادية، أوقفت بيع المواد الغذائية وأغلقت دكاكينها عام 1947م.

علماً بأن الحرب العالمية الثانية استمرت من عام 1939-1945م.

وأما أهالي (قرية حولي) فكان لهم نصيبهم الأوفى أيضاً من هذه اللفتة الكريمة، حيث حددت لهم الحكومة مكاناً معيناً يتسلمون فيه تموينهم الشهري كما هو الحال لدى سكان المدينة.

فعينت لهم موظفاً يرعى شئونهم التموينية ويوفي لهم الكيل والميزان ألا وهو (المرحوم سند الجويدان) الذي جعل من بيته الواقع (شرقي حولي) مقراً لخزن السلع التموينية وتوزيعها على الأهالي القاطنين فيها، يأتون إليه عند بداية كل شهر عربي لتسلم مستحقاتهم من تلك المواد. واستمر على ذلك منذ عام 1942م إلى أن فرجت الأزمة وأغلق المقر عام 1947م.

حولي والجراد

فيما مضى وخلال أعوام متفرقة تهوي على الكويت أسراب عظيمة من الجراد تغطي عنان السماء بل وتحجب أشعة الشمس أحياناً فيستبشر الناس بهذه الخيرات التي أحاطت بهم من كل جانب فيتهيأ له الجميع من رجال ونساء وصبيان ويعدوا له العدة لاصطياده وجمعه ليكون لهم طعاماً طازجاً شهياً بعد طبخه، ومنهم من يجففه ليقتات عليه طوال العام.

كما وتحصل قرية (حولي) على نصيبها الوافر منه إذ يغزوها الجراد فينزل ضيفاً عليها قبل المغيب للمبيت فيها وفيما يحيط بها من بر، فتراه يتلف العشب ويعري الأشجار ويقضي على الأخضر واليابس. ولكن الأهالي يكونون له بالمرصاد. فترى الناس يتراكضون خلف أسرابه للإمساك به وجمعه، فالنساء والرجال يحتالون على اصطياده داخل البيوت، والصبية يلحقون به في الأزقة والطرق ليحصل كل منهم على نصيبه فيتباهى به بين أقرانه الذي تجري بينهم المنافسة على كثرة جمعه.

وحين توفر الكميات الكافية منه يأتي دور ربة البيت بجمعه من الأفراد لتطبخه في أكبر قدر لديها وسط حوش المنزل وأمام مشهد من الكبار والصغار الذين يلتمون عليه متشوقين لساعة الصفر ساعة نضوجه.

فمن بين فترة وفترة تمتد الأصابع إلى القدر الحار لتلتقط منه عينة لتؤكل بحجة الفحص وإعطاء التقرير عن استوائه ونضوجه أم لا.

وعندما يقرر الفاحصون والمتذوقون أن جرادهم قد استوى ونضج يغرف لهم منهم الغرفة تلو الغرفة فيلتفون حوله يأكلونه بإقبال شديد وشهية مفتوحة خاصة إذا كان جرادهم يغلب عليه (المكن) وهي إناث الجراد المليئة بطونها بالبيض.

ففي بداية الأكل يلتقط الآكلون (المكن) فقط ويتجاهلون (العصافير) -أي ذكور الجراد ذات اللون الأصفر- وبعدما ينتهي (المكن) يعودون إلى أكل (العصافير) وما أن يفرغ الماعون حتى يشرعوا بعلك ومصمصة رؤوس الجراد وسيقانه بحيث لا يبقى منه شيء سوى الأجنحة ومؤخرات الأذناب وبعض أرجله القصيرة. فجزا الله أهل (حولي) خاصة وأهالي الكويت بقراها وجزرها عامة ألف خير على مكافحتهم الفعلية الجادة للجراد بدون خسارة أو صرف أو توعية، وأي مكافحة أشد وأقوى من تلك:

“مطاردة فاصطياد، ثم حبس في الخياش، ثم طبخ في القدور، ثم تمثيل بالجثث، ثم أكل تعقبه مصمصة للرؤوس والعصاكيل”.

الدَّبَى:

أما الدَّبى وهو صغار الجراد فكما يغزو المدينة أحياناً فإن حشوداته لا تمانع من الإنقضاض على القرى ومنها قريتنا (حولي) لاخضرار ربيعها وكثرة أشجارها.

ويظهر الدبى بأن تضع الإناث (المكن) بيضها تدسه في التراب فيمكث مدة الشتاء ثم يفقس البيض وتبرز صغاره على وجه الأرض تتقافز مسرعة ليلاً ونهاراً لتستدل على طعامها مما تنبت الأرض فتهجم على المزارع وتتسلق جذوع الأشجار حتى ولا تتورع من الزحف على البيوت وتسلق جدران (الكبارة) أي الأكواخ لقرض أسقفها الخشبية وهنا وعندما يمس الإنسان منها مثل هذه الأضرار يعمل جاهداً على مكافحتها أو الحيلولة دون توصلها إليه. فكثير من أهل المزارع صاروا يطاردونه ويقضون عليه. وصار الناس يغلفون جذوع أشجارهم وجدران منازلهم بصفائح من التنك والورق إن وجد لكي يحولوا دون تسلقه وغزوه.

ومما أذكره أنه في عام 1937م أو ما يقاربه هاجمت الكويت أفواج لا تقدر بعدد من الدبى فأخذ يتسلق جدران المنازل ويغلق راحة السكان ويدخل غرفهم بل ويتقافز على فرشهم ويزعجهم أثناء رقادهم. فصار الناس يعملون على تغليف أعالي جدرانهم من جهة السطوح بالتنك والأوراق ومع هذا لم يسلموا من أذاه.

ويذكر الأستاذ حمد سعيدان في كتابه (الموسوعة الكويتية) أنه في الفترة ما بين 1-24 مايو عام 1890م حدث أكبر غزو (للدبى) على أرض الكويت حيث أتلف المزارع وأنتن الآبار وعليه أطلق على هذه السنة (سنة الدبى) ثم يأتي الأستاذ حمد بقصيدة معبرة للأديب خالد العدساني عن (الدبى) يقول فيها:

قد جاء كالسيل يعدو ليس يمنعه       شيء فلا مل من شيء ولا وقفا

فلم نر طرقاً لا وقد ملئت             ولا جدران ولا سقفا ولا غرفاً

وأصبحت جملة الآبار منتنة           كأن في جوفها من ريحه جيفاً

وكل طفل له من أهله حرسٌ         يحمونه يقظة من وحين غفا

(انتهى).

وهناك تكملة لهذه القصيدة أوردها أستاذنا الكبير أحمد محمد السيد عنبر في كتابه القيم (ثلاثية الزمن) وهي لنفس الشاعر المتقدم اسمه مع ذكر نبذة قصيرة عن الدبى وتاريخه حيث قال فيها:

الدبى الذي أكل الزرع وأهلك الحرث والنسل وامتلأت منه الآبار حتى أنتنت واستمرت شدته من 12 رمضان سنة 1307هـ إلى 24 منه قال فيه المرحوم خالد العدساني (الكبير):-

أتى لعشر من الشهر الفضيل خلت   مع ليلتين وبعد الضعف قد ضعفا

وكان في سنة السبع التي وقعت         بعد الثلاث التي جاوزت ألفاً

فالحمد لله والشكر الجميل له               في كل حال فمولانا بنا لطفاً

ويقول الأستاذ أحمد أن يوم 12 رمضان سنة 1307هـ يوافق يوم الخميس 1/5/1890م. (انتهى).

وهكذا كان الجراد وصغاره من (الدبى) يهاجم الكويت، وإن آخر هجوم للجراد هو في عام 1957م تقريباً فهاجم البيوت والأسواق ودخل على الطلاب في مدارسهم بل وفي فصولهم أيضاً، ولا أنس يوم أن غزا (مدرسة الصديق) عصراً وحضر معنا غرفة الدرس فأخذ يلقي ببيضه أمام مشهد من الطلاب وكنت في ذلك الوقت مدرساً فيها.

أما آخر غزو (للدبى) فكان كما أذكر في عام 1948م تقريباً ولكن لم يأت بالكثرة التي سبق الحديث عنها.

حولي وشقيقتها النقرة

ويدور بنا الحديث عن قرية (حولي) إلى ذكر شيء ولو يسير عن شقيقتها (النقرة) التي كانت متاخمة لها من الناحية القبلية، بل ومرتبطة معها ارتباطاً وثيقاً بحيث لا يذكر اسم (حولي) إلا وذكر معه (النقرة)، (وشارع تونس) حالياً والمسمى (بشارع التيل) عند أول شهرته في منتصف الخمسينات، يعتبر هو الحد الذي تلتقي به حولي (ونقرة الطواري) إلا أن حدود حولي قد تتعدى الشارع حتى تصل إلى الشارع الثاني الموازي لشارع تونس.

وكانت النقرة القديمة مجزأة إلى جزأين (نقرة الطواري) وهي الملاصقة (لحولي). (ونقرة الحداد) وهي شمال (نقرة الطواري) وكلا (النقرتين) يتخذهما الأهالي كمربع لهم يشدون إليهما الرحال أيام الربيع فقط، والقليل من يسكنهما طوال أيام العام.

وقديماً كانت (النقرة) (كحولي) تنعم بآبار مياه عذبة لدرجة أن الحمَّارة يجلبون منها المياه لبيعها على أهالي المدينة، فيصيح البائع بأعلى صوته (شراي النكرة) إلى أن ظهر ماء حولي الذي سبق لنا الكلام عنه نقلاً من كتاب (صفحات من تاريخ الكويت) للشيخ يوسف بن عيسى القناعي.

وبيوت النقرة قليلة ومتباعدة وهي مبنية بالطين، ولا توجد بها مزارع وأشجار كقرية (حولي) إلا ما ندر من بعض الأثيلات المتفرقة بل وليست لها شهرة كشهرة (حولي).

النقرة الحديثة:

ومن الناحية الشمالية من (حولي) تتواجد أرض فسيحة جداً ومخصبة نوعاً تسمى (النقرة) تقبع بها شجرة سدر واحدة تدعى (سدرة النقرة) كان رعاة الأغنام في المدينة (الشواوي) يقصدونها بأغنامهم للرعي هناك يومياً من الصباح وحتى المساء. وكان الراعي يومها يسرح بالأغنام التابعة للأهالي في المدينة مقابل أجرة شهرية يأخذها عن كل رأس.

وفي عام 1946م تقريباً قامت إدارة البلدية بتخصيص قسائم سكنية على هذه الأرض الفسيحة الواسعة والواقعة كما أسلفت شمالي مساكن (حولي) وقد سميتها (النقرة الحديثة) إن جاز لي التعبير بهذا الاسم لأنها لم تبرز إلا مؤخراً في عام 1946م.

ومن هذه القسائم ما مساحتها 70 × 70 ذراعاً أو 100 × 100 ذراعاً باعتها البلدية على من يرغب بها من المواطنين دون شرط أو قيد بسعر القسيمة (عشرون روبية) أي بما يعادل (دينار ونصف حالياً)، فهب الكثير من الناس بدفع أثمانها للبلدية وحتى المعسرين قاموا ببيع بعض حاجياتهم وأدواتهم المنزلية ليوفروا مثل هذا المبلغ لشراء أرض (بالنقرة) مقابل إيصال يأخذه المشتري معه ليسلمه إلى مسئول البلدية المعين، وكان يومها هو شخص مسن يدعى (عبد الله بن عقاب) رحمه الله الذي يقوم عند تسلمه الإيصال بتحديد الأرض التي يقع اختياره عليها وتسليمها إلى صاحبها. وذلك بدون مقياس معروف سوى عن خطوات يخطوها من زاوية إلى أخرى من تلك القسائم المختلطة مع بعضها حيث يعلم على زواياها ببعض الأحجار أو النياشين البسيطة ولا يهم بعد ذلك إن طالت خطواته أو قصرت فالمهم هو تسليم الأرض لصاحبها.

وما أن يتسلم صاحب الأرض أرضه حتى يأتي بعلب الصفيح ليغرسها في كل زاوية من زواياها الأربع ثم يبدأ بجلب الطين إليها فيشتريه من أصحاب الحمير ليباشر بناء بيته المتواضع عليها.

وكان العمران يومها لا يتعدى أن يبني سوراً قليل الارتفاع حول أرضه ثم ينشئ على طرف أو أكثر بعض الغرف المسقوفة بأخشاب (الجندل والباسجيل والبواري) مع استعمال الأبواب الخشبية المبسطة ومنهم من يعتني العناية الفائقة بمنزله فبنى (اللواوين) ووضع الشبابيك وما إليها من مقومات المنزل الكامل المريح.

هذا وكثير من الناس باعوا أراضيهم عندما عرضت عليهم أسعار مغربة نسبياً.

وأخيراً سكنت هذه البيوت في (النقرة الحديثة) فترة من الزمن ثم تطور العمران في الخمسينات وأعيد معظم بنائها بالطابوق الإسمنتي والتحمت بيوتها مع بيوت حولي والنقرة القديمة المسماة (نقرة الحداد) إلى أن قامت البلدية بتثمين معظمها.

وللإفادة فإن حدود ما سميته (بالنقرة الحديثة) تنحصر ما بين شارع بيروت جنوباً والشارع الدائري الثالث شمالاً وشارع القاهرة وشارع عبد اللطيف العثمان غرباً.

ملحوظة:

إن كلمة (النُّقْرة) لفظ عربي له عدة معان في قاموس المنجد. ومنها: (الوهدة المستديرة في الأرض غير كبيرة).

ومن معانيها أيضاً (مراجعة الكلام والمخاصمة) أي (نجره) حسب لفظ أهل الكويت.

ولقد جاء ذكر عن منطقة النقرة في كتاب (محافظة حولي) أقتطف منه ما يلي:

عرفت (النقرة) قبل أن تعرف منطقة (حولي) وقد أطلق عليها اسم (النقرة) نسبة للمنخفض الكبير (النقرة) الذي كانت تتجمع فيه مياه الأمطار والتي شكلت بالتالي مصدراً من مصادر المياه العذبة وقد أتاح توفر المياه لفترة محدودة في هذا المنخفض إمكانية لزراعة بعض الخضروات حوله وقد أطلق عليه وقتذاك (سد النقرة).

لقد كانت منطقة (النقرة) قديماً تقع في (أعالي الوادي) أو بر الكويت وكان الكويتيون يخرجون إليها أيام الربيع وفي ليالي الصيف الحارة للتنزه فلا يحملون مشقة حمل المياه أو السعي لجلبها.

وقد انتشرت في البداية بعض المساكن البسيطة البناء إلى أن بدأت تتناثر حول السد مساكن أخرى فيها بعض الوافدين إلى الكويت وكانت تحوطها خيام الرعاة من البدو. (انتهى).

تعليق:

مع احترامي لما ذكر من معلومات في كتاب محافظة حولي أقول إنني لا أذكر وما سمعت قط أن النقرة كان يخرج إليها الكويتيون في ليالي الصيف الحارة للتنزه وأنهم لا يحملون مشقة حمل المياه أو السعي لجلبها.

وأن (سد النقرة) لم تتواجد من حوله زراعة كما جاء في الكتاب. وحتى إن وجدت بعض المزارع المتفرقة البعيدة فإن لكل مزرعة آبارها الخاصة بها للري. وهي غير مرتبطة بمياه (سد النقرة).

كما أنني لا أعرف أن الوافدين إلى الكويت اتخذوا لهم مساكن أخرى متناثرة حول السد تحوطها خيام الرعاة من البدو. وإن وجد ذلك فإن نسبتهم في ذلك الزمان قليلة جداً لا تلفت النظر. وحتى خيام الرعاة فإنها غير متواجدة على النحو الموضح. (هذا ما لزم توضيحه مع اعتذاري واحترامي للكاتب).

قالوا في حولي

ولشاعرنا الأستاذ المرحوم عبد الله سنان محمد قصائد وأبيات من الشعر يمتدح فيها (حولي) وساحل بحر الشعب وأثل الخالد وهو من عشاق هذه القرية التي سكنها أيام شبابه عندما عين مدرساً بمدرستها الوحيدة عام 1939م حيث قال في مطلع قصيدة له نظمها عام 1933م ولا يذكر بقيتها:

إذا شئت التفرج والتسلي         فبادر بالخروج إلى حولي

وله قصيدة غزلية رباعية عن أثل الخالد الواقع على بحر الشعب وما يحيط به من كثبان رملية عنوانها (أمسيات على الشاطئ) يقول في مطلعها:

يا أثيل الشعب هل مر الحبيب         وتمشي فوق ذياك الكثيب

وقد اخترت منها هذه الأبيات:

وعلى الشاطئ والشمس قد        انحدرت في أفقها عند الأصيل

كان جواً ممتعاً والزهر قد           أغمضت أجفانه ريح القبول

أمسيات يالها من أمسيات          تركت في القلب أحلى الذكريات

وينهيها بهذا البيت:

فإذا ما مرت الذكرى على         خاطري عادت إلى قلبي الحياة

وله قصيدة بعنوان (ذكرى حولي) جاءت في كتابه (الإنسان) وهو الجزء الثالث من نفحات الخليج ومطلعها:

(أبا فهد) إن هذا الزمان نأى بي       وأبعدني عن إخوتي وصحابي

ويقول فيها:

أتذكر كوخاً و (ابن هدهود) حوله      و (يوسف التناك) يشدو بإسهاب

وجاء فيها ذكر (حولي) وأحد ساكنيها القدامى المدعو (صالح بن عقاب) حيث قال:

رعى الله داراً في (حولي) سكنتها  وجارك يدعى (صالح بن عقاب)

ويقطن كوخاً وحده وهو أعزب          وفي وحدة الإنسان شر عذاب

أصم له عين عليها غشاوة                   ورأس غزاه الشيب دون خضاب

وقال آخر في حولي هذا البيت:

والله إني لكص         الدلو وانحر حولي

واترك عبيد ورع      ضيع الله دليله

ومن كتاب (الفنون الشعبية) لمؤلفه السيد الشاعر عبد الله عبد العزيز الدويش هذا البيت:

أهل حولي فدوة لشنيف           واللي سكن بأرض العيدلية

وأما الشاعر عمر فهد العمر فقد وردت في ديوانه الأنيق (ترانيم) قصيدة سماها (أغنية لأحمد الجابر) وهي قصيدة من أربعة عشر بيتاً، وقصتها إنه لما كان طفلاً صغيراً كان يدرس في مدرسة صغيرة في (حولي) وأنه حدثت مشادة وشجار بين المدرس والمدير (وأظن أنهما نفس المدرسين الوحيدين في المدرسة إذ لا أعتقد أن مدرستهم في ذلك الزمان تستوعب أكثر من هذا العدد) فهم المدرس بأن يرفع شكوى على زميله المدير إلى أقرب نقطة في القرية، فلم يجد له أحسن وأسهل من حاكم الكويت القاطن (قصر بيان).

فاختار المدرس عدداً من طلبته الصغار كشهود يشهدون لجانبه، وكان شاعرنا هذا من ضمنهم. فتوجه بهم المعلم من مقر مدرسته إلى ذلك القصر مشياً على الأقدام ليرفع شكواه على زميله أمام صاحب القصر الشيخ أحمد الجابر الصباح.

ويذكر الأستاذ عمر بأن الأمير قد استقبلهم أحسن استقبال وسر من قدومهم إليه وأجلسهم بجانبه واستمع إلى شكوى معلمهم وشهادة شهوده الأطفال.

أما القصيدة فأقتطف منها ما يلي:

ودخلنا باقة يوماً إلى قصر الأمير

رفقة الأستاذ من مدرسة الروض الصغير

قد أتينا رفقة الأستاذ للشيخ الأثير

حيث لاقاه المدير ذات يوم بكلام مستطير

إيه ما أحلى صغار الطير في القصر الكبير

وجلسنا حوله في قصره الطيني يجلونا السرور

.. إلى آخر الأبيات.

وتحت عنوان (حولي) فقد كتبت الفاضلة نورية السداني مقالتها في جريدة السياسة الكويتية تقول:

(حولي) اسم منطقة قديمة من مناطق الكويت زمان حينما كان أهل الكويت داخل السور.. كانت حولي بمثابة البر للكثيرين من أبناء الكويت، فبالأمس كثيراً ما كنا نقضي أيام الربيع في بيتنا في (حولي).. كان ربيعاً حلواً بزهور النوير المنتشرة بين أعشابه البرية.. وكثيراً ما كنا نتمشى وقت العصر وأقدامنا تقفز بين أعشابه البرية.. وكثيراً ما كنا نتمشى وقت العصر وأقدامنا تقفز بين شجر (العرفي) والحميض والنوير المنتشر أرضاً.

وكثيراً ما كنا في الضحى نتلاقى مع عيال الفريج الذين جمعهم بر الكويت بربيعه الحلو. كثيراً ما كنا نتلاقى حول سدرة الكنار. وما أحلى الأيام التي قضيناها في هذا المكان ونحن نشهد السد الذي تتجمع به مياه الأمطار.

(السد الذي ذكرته الأخت وعاصرته يبعد عن حولي (كيلو مترين) تقريباً ويقع على طريق حولي).

ما أحلى أيام (حولي) حينما لم تكن هناك أي عمارات أو سيارات أو كثافة بشرية.

كانت (حولي) عبارة عن بيوت منتشرة.

وتقول:

كانت أحلى أيامنا هي الأيام التي عشنا بها طفولتنا الحلوة في (حولي) بين شجر الكنار والأثل وبين العشب البري وزهور النوير ذات الألوان الحلوة.

ثم تتساءل قائلة:

فيا ترى ماذا تعني كلمة (حولي)؟

ثم تقتطف بعض الإجابة من (تاريخ الكويت) للشيخ عبد العزيز الرشيد الذي أوردنا أقواله بهذا الخصوص طي هذا الكتاب. (انتهى).

ومن ذكريات الشيخ عبد الله الجابر الصباح عن حولي التي جاءت في كتاب (محافظة حولي) الذي أصدرته وزارة الداخلية عام 1980م يقول:

في البدء كانت حولي منطقة زراعية. وأذكر أن أول من زرع بها كان إبراهيم المضف رب عائلة المضف وتوالى على الزراعة فيها المرحوم أحمد مدوه وموسى المزيدي وجمال (أبو صلاح) والحاج علي. وقد لبث فيها هؤلاء أعواماً طويلة إلى أن سكنها سالم بن منير في زمن نزول القناعات للتعمير فيها. ثم توالى على السكن فيها مساعد البدر وعبد الرحمن البحر وبن عيسى ومحمد بن سليمان العتيبي وعبد الحميد الصانع.

وقد سكن حولي أيضاً المغفور له الشيخ أحمد الجابر وتزوج بها وعاش بها فترة طويلة وهو الذي عمر منطقة بيان والتي يحتلها الآن (مستشفى مبارك الكبير) وقد كانت بيان في الأصل عبارة عن تل مرتفع تتناثر فوقه الخيام ومن هنا جاءت التسمية.

ويسترسل الشيخ عبد الله الجابر في سرد شريط ذكرياته..

ولم يكن أحد يعاني من مشكلة الماء في (حولي) فقد كان الماء متوفراً بها في آبار مختلفة وقد كانت السفن الكويتية تأتي بالماء من شط العرب إلى الكويت حيث تباع للجميع. وأذكر أن الشاعر سيد عبدالوهاب قال في أهل (حولي):

يا أهل (حولي) عظم الله أجركم      إن الحولي عندكم قد بارا

(انتهى).

وقال السيد سالم المنير عن (حولي) في كتاب (محافظة حولي) صفحة 9 إن أول من سكن (حولي) من عائلات الكويت هم عائلة المنير وأحمد المدوه وأولاد علي العبدان وإبراهيم المضف وعلي بن عيسى وحمد الرشيدي وعبد العزيز العويد وسعود بن صعيليك عازمي وبن سرحان ويوسف المسلم وعبد الله المطوع وآخرين.

ويسترسل ويقول.. أن حولي قديماً كانت تتميز بوجود مجرى للمياه.. وهذا المجرى كان يفصلها إلى قسمين الأول شرقي مجرى المياه وكان يسكنه معظم العائلات السابق ذكرها ما عدا عائلة العويد وبن عون حيث كانا يسكنان في الجزء الآخر وهو غرب مجرى المياه أما الآن فتغيرت الصورة وتبدل الحال.. فمجرى المياه هذا ردم واستغل ضمن مناطق تعمير المحافظة.

ويضيف.. قائلاً: إن (حولي) سميت بهذا الاسم نسبة إلى حلاوة ومياهها وعذوبتها وأول من أقاموا بها بيوتاً هم آل المنير وآل المدوه والمضف. (انتهى).

فإن كانت قرية (حولي) قديماً مقصداً ومزاراً لعشاقها من محبي النزهات أو السكنى بها في فصلي الشتاء والربيع، فإن الأبيات المتفرقة التالية لتوضح وتنبئ على أن (حولي) صالحة للإقامة حتى في أيام القيظ على الرغم من حرارة الجو ومن هذه الأبيات:

يا زين مكشاتنا لي هبت الريح     نسناس بحري من (حولي) يجينا

***

لصاحب اللي (حولي) مكيظه      إبغرس ظليلٍ وفيه من بعض الأثمار

***

لا وا هني منهو مكيظه (حولي)    ما هو حولي البحر هير واحبال

***

ومنهم من يأخذ به الوجد والحنين إلى رؤية حولي أو السكن بها، فينشد قائلاً:-

متى على الله تنتهي حسبة الغوص        وانشوف في نزلة (بياني) (حولي)

***

ما بي (حولي) هوىً لي            أبي هوا الغربي يجيني وأنا فيه

***

يا ما حلا وإن غرد الطير باطيار     مع شقيقةٍ للنور بواحة حولي

***

يا الله بمزنٍ ينتثر في حولي          يسقي من السدره إلى ساحل الراس

***

وقيل في الغزل:

علمي ابشوفة صاحبي عدة أيام           شرقي عن السره بوادي حولي

***

اللي طعم ريجه على فكه الريج           أحلا من السكر على ماي (حولي)

***

جميع الأبيات السابقة لشعراء متعددين مجهولين وافاني بها السيد المحترم حمد المهدي عن طريق الزميل علي صالح الرومي مشرف مركز رعاية الفنون الشعبية فشكراً لهما.

ذكريات خاصة لا تنسى

– إن أنسى لا أنسى منظر ذلك الرجل الهرم الذي جلس حول كثيب الرمل وقد تجمعنا حوله ونحن الصغار وهو يردد:

ألف صلى الله على خير الوجود      

من سكن طيبة وخيم في زرود

– وكذلك الخادم المهري (جمعة) الذي كثيراً ما يتغنى بأغنيته المحبوبة لديه:

هيهي سعيد الهندي شله عوده وكام شرد

فنردد معه ونحن سعداء من معرفتنا لأغنيته المهريه.

– ولا أنسى شوكة السعف التي انكسر نصفها في راحة يدي وبقيت فيها حوالي الشهر ثم خرجت لوحدها دون معالجة وذلك حينما كنت أتناول سعفة لأزيل عنها خوصها لألعب (بالكافود) مع الصغار في (حولي) عام 1941م تقريباً.

– ولا أنسى ذلك (المردم) وهو من طيور الربيع الذي (حبلت) له داخل الكبر في (حولي) واصطدته بدون (غُبِّيْ).

– ولا أنسى سعينا وهرولتنا جماعات ووحداناً إلى (حوطة القطان) حاملين معنا فخاخنا و (غبابينا) (فنحبلها) تحت أشجار السدر فنصطاد بها الطيور الكثيرة.

– ولا أنسى تلك (الكشتة) العجيبة التي توجهنا إليها مع أهلينا مشياً على الأقدام متيممين نحو بحر الشعب وأثل الخالد للتنزه والاغتسال.

– ولا أنسى هاتيك (المطاين) التي صبت بها سيول الأمطار فامتلأت بالغدير فأخذنا نحوم حول ضفافها ونخوض بمياهها.

– ولا أنسى (ضلع وضحه) ذلك الصيهد أو الربوة التي نرتقيها فنستكشف ونحن على قمتها البراري المحيطة من حولنا ونمضي عندها أحلى الأوقات وأطيبها.

– ولا أنسى مرور (الكلكتر) تلك الآلة التي تقوم بتسوية الطرق وقد انتظرنا وصولها نحونا بفارغ الصبر لنمتطيها فتمشي بنا مسافة وهي منهمكة بعملها، حتى إذا ما ابتعدنا عن حينا نزلنا منها ونحن سعداء.

– ولا أنسى هاتيك الجدران البطيئة التي بنيت حول أرض فنتسلقها ونمشي عليها ذهاباً ومجيئاً محاولين بقدر الإمكان حفظ توازننا عليها. وتنافسنا بإظهار رشاقتنا وخفتنا.

– ولا أنسى تلكم المبرقعات من نساء البدو وهن يخرجن من بيوتهن فرحات لزيارة القاطنين في حيهن من نساء الحضر مظهرات ملابسهن المزركشة وما على معاصمهن من (الخصور) “وهي أساور من حبات الخرز كبيرة الحجم ذات لون أصفر”.

– ولا أنسى نساء صالحات منهن يغزلن الصوف وينسجنه ليعملن منه بيوت الشعر لاستعمالها للسكنى في الخلاء، كما ويقمن ببيع البيوت والأراضي التي وضعن أيديهن عليها أو تأجيرها.

– ولا أنسى التي وكأني أنظر إلى بيتها الشعر وهو قابع على جانب من أحد الطرق العامة تسكنه مع أبنائها وزوجها المسن الطيب، وكأني أسمعها تقول وهي تحمل إناء متواضعاً من السمن (دهينة من فضل الله) وقد استخلصته من أغنامها فتحمد الله على هذا الفضل العظيم والعطاء الجميل.

– ولا أنسى يوم أن اصطحبني والدي رحمه الله وأحد أقربائي من بيتنا في (الديرة) إلى منطقة النقرة (الحديثة) مشياً على الأقدام وقد حمل كل منهما على رأسه عدداً لا يستهان به من علب الصفيح (كواطي الكاز) لوضعها كحدود للأرضين اللتين اشترياها من البلدية بمبلغ عشرين روبية (دينار ونصف) للأرض الواحدة عام 1946م.

– ولا أنسى أكوام الرمال التي ذرتها العواصف عند جدران بعض البيوت حتى علتها وصارت تصب في أحواشهم، ونحن كصغار سعداء بها نقضي أوقاتنا على قممها ومنحدراتها.

– ولا أنسى يوم أن خرجت ليلاً ورأيت الناس مجتمعين لمشاهدة (الكلطة) التي أقيمت في الخلاء بمناسبة حفلة زواج أحدهم يتساجل بها فريقان بأبيات من الشعر الفكاهي المرح كل فريق يرد على الآخر بمثل ما سمع منه.

وقد جرى بين الفريقين هجاءٌ وأوصافٌ لاذعة في أشعارهم على سبيل المزح والهزل دون أن يغضب أي منهما. وذلك في عام 1943م.

وقد علق بذاكرتي شطر أخير من أحد الأبيات القاسية كقولهم :

…. يا الجلب الأطوك يا جبير الشاذيا

حولي ونصائح الأطباء

كثيراً ما كان الأطباء والعارفون السابقون يقدمون نصائحهم لطالبي الراحة والمتعبين من العمل بأن يقيموا في الأماكن الخلوية وفي القرى، وخاصة (حولي) حيث يركزون عليها أكثر من غيرها لهوائها العليل الناشف وأرضها الخضراء في فصلي الشتاء والربيع وبعدها عن ضجة المدينة وضوضائها.

وإني لأعرف عدداً من الذين نفذوا تلك الوصايا الطيبة ونقلوا سكناهم إلى هذه القرية. وأن ديوان المرحوم علي بن عبدالوهاب في حولي لهو خير شاهد على ذلك وكأنه أوقفه رحمه الله على من يحتاج إلى الراحة والاستشفاء من رجال ونساء.

**************