Alqenaei

الرئيسية » المكتبة » توحيد الكلمة على كلمة التوحيد في رحاب القرآن الكريم » توحيد الكلمة على كلمة التوحيد في رحاب القرآن الكريم – الجزء السادس

توحيد الكلمة على كلمة التوحيد في رحاب القرآن الكريم – الجزء السادس

هل كان هرقل أريسياً ؟

     ولعل الأريسيين قد وجدوا في الإسلام ضالتهم المنشودة، فاعتنقوه ودخلوا فيه. ومما يدل على بقاء الاريسيين حتى مطلع القرن السابع الميلادي والأول الهجري – كتاب محمد رسول الله وخاتم النبيين r إلى هرقل الذي يدعوه فيه إلي الإسلام. ولقد جاء في الكتاب: ( من محمد رسول الله إلى هرقل عظيم الروم، وبعد فأني أدعوك بدعاية الإسلام، أسلم تسلم . أسلم يؤتيك الله أجرك مرتين فان أبيت فعليك وزر الأريسيين ).

 

وان كتاب رسول الله r يدل على أن هرقل كان أريسياً. وقد روى عنه أنه سأل عن وجود أحد في سوريا من أقرباء هذا الرسول الجديد ليسأله.. وتصادف وجود أبي سفيان، وان قاله أبو سفيان في وصف الرسول r جعل هرقل يتأثر بهذا الرسول لأن تعاليم الإسلام في سيد المسيح ووالدته العذراء كانت مقبولة لدى الاريسيين لما يجدونه من البشارة بهذه الرسالة الجديدة في الأناجيل المفقودة وغير المعترف بها. وعلي أن الأناجيل المعترف بها لا تخلو من إشارات تبشر بالرسالة.. تناولها الكثير من الكتاب، أخص منهم بالذكر الشيخ محمد أبو زهرة رحمه الله أحد علماء الشريعة في مصر.

 

ومما يروى عن هرقل أيضا أنه قال ما معناه: أن أتباع هذا الرسول الجديد سيملكون ما تحت قدمي هاتين. ومما يروى عنه أيضا أنه لمح عن رغبته في الإيمان بهذا الرسول الجديد إلا أن تلميحه صادف إعراضاً من الأكثرية مما جعله يقول: إني لم أقل ذلك إلا لاختباركم.

 

وان مما يقرب من هذا المعني أيضا – طلب رجال كنيسة القيامة في القدس حضور أمير المؤمنين شخصيا – بعد أن تعذر على المسلمين فتحها لقوة حصونها – قائلين بأنهم إذا رأوا أمير المؤمنين مطابقا لما هو موصوف به لديهم فسيفتحون له الأبواب صلحا.

 

وقد استجاب أمير المؤمنين عمر بن الخطاب للدعوة.. وكان يتناوب مع خادمه ركوب الناقة وكانت النوبة في الركوب عند دخول المدينة المقدسة للخادم. ولم يقبل عمر رضي الله عنه تنازل الخادم عن نوبته في ركوب الناقة ، وصمم أن يقودها بنفسه وأن يدخل المدينة ماشيا والخادم راكبا (ويظهر من ذلك أن من صفات عمر رضي الله عنه وعدالته الموجودة في كتبهم، ألا يقبل تنازل خادمه عن حقه في نوبته في الركوب.. ويدخل عمر المدينة ماشياً وهو يقود الناقة وخادمه راكباً) فلما رأوه عرفوه وفتحوا له أبواب المدينة المقدسة ورحبوا به في كنيسة القيامة، وتمت آن ذاك المعاهدة المعروفة بينهم في هذه الكنيسة صلحاً. فكانت اتفاقية مرعية من باقي الخلفاء الراشدين بعد عمر، ومن جميع المسلمين. وقد كانت هذه المعاهدة محل رعاية في جميع العهود الإسلامية حيث أن رعايتها واجبة على كل مسلم إلى أن يقضي الله على هذه الأرض ومن عليها. وقد كان من ضمن بنودها عدم السماح لليهود بدخول المدينة المقدسة كشرط اشترطه رجال الكنيسة على عمر، وقبله عمر، وكان قبوله ملزماً لمن يأتي من بعده، واستمر ذلك فترة طويلة أثناء عزة الإسلام والمسلمين.

 

على أن المسلمين اليوم ضحوا ويضحون الكثير في إخراج اليهود من المدينة المقدسة، ولا بد وأنهم راحلون بإذن الله مصداقاً لقوله سبحانه: } وكان حقاً علينا نصر المؤمنين {  47/ الروم.. وقوله سبحانه: } وإن عدتم عدنا { 8/ الإسراء

 

رسالة السيد المسيح عليه السلام:

إن الذي يظهر من قوله سبحانه في الآية 14 من سورة الصف: } يا أيها الذين آمنوا كونوا أنصار الله كما قال عيسى ابن مريم للحواريين من أنصاري إلى الله قال الحواريون نحن أنصار الله فآمنت طائفة من بني إسرائيل وكفرت طائفة فأيدنا الذين آمنوا على عدوهم فأصبحوا ظاهرين ~ {   14/ الصف.

 

إن دعوة السيد المسيح كانت في البداية تدعو إلى مكارم الأخلاق وتؤيد ما جاء بالتوراة مع تخفيف بعض ما على اليهود من تكاليف، حتى اشتد الجدال بين أنصار المسيح واليهودية التي لم تعترف برسالته (ولم يكن للسيد المسيح وحوارييه ومتبعيه دور عبادة خاصة بهم، بل كانوا يصلون في معابد اليهود ولعل أول من قام بعزل دور العبادة وبنائها في مناطق متعددة من العالم هو بولس بعد السيد المسيح).   وكان الوضع خليطاً وفوضى وعدوى فكرية لا ينفع معها التسامح ولا يمكن عليها الصبر. فكانت الطريقة الوحيدة المجدية في مثل هذه الحالة هي العزل بين المؤمن والكافر. وعند ذلك قال المسيح قولته الصريحة فيما يتبين من المتقدم من ختام سورة الصف.. هلم إلي يا أحباب الله وأحباء نصره فقال الحواريون نحن أنصار الله فآمنت طائفة من بني إسرائيل وكفرت طائفة، فأيد الله سبحانه المؤمنين بالسيد المسيح بنصره وإياهم على الكافرين برسالته وأظهرهم عليهم مما جعل اليهود في خوف ووجل من هذه القوة الجديدة، فأخذوا يعملون في الخفاء – كعادتهم في حالة الضعف – ناعتين السيد المسيح بأنه قيصر جديد، وسعوا إلى الفتك به عند الرومان، وتعاونوا معهم على ذلك، فأنقذه الله سبحانه من مكرهم ورفعه إليه – كسنة ربانية – وبما أن السيد المسيح قد رفعه الله إليه قبل أن يتم رسالته، فلا بد وأن يعود إلى الأرض التي خلق منها لإتمام رسالته شأن رسل الله، إذ لابد لكل رسول أن يتم رسالته وينقذ قومه أو يقيم الحجة عليهم، مصداقاً لقوله سبحانه في الآية 15 من سورة الإسراء: } من اهتدي فإنما يهتدي لنفسه ومن ضل فإنما يضل عليها ولا تزر وازرة وزر أخرى وما كنا معذبين حتى نبعث رسولاً ~ { وقوله سبحانه: } إنا لننصر رسلنا الذين آمنوا في الحياة الدنيا ويوم يقوم الأشهاد { 51/ غافر

التكامل بين رسالات رسل الله:

إن من التكامل بين رسالة موسى ورسالتي المسيح ومحمد –عليهم جميعاً صلاة الله وسلامه– أن يأتي المسيح برسالة موسى قبله، ومبشراً بمحمد من بعده. وقد صدقت البشارة وجاء محمد رسولاً من الله مكملاً لرسالة المسيح والرسالات الأخرى مهيمناً عليها بالقرآن الكريم. ثم يأتي السيد المسيح في آخر الزمان منقذاً لرسالة محمد من الفتن والفساد، وحاكما عدلا بين المؤمنين، يكسر الصليب ويقتل الخنزير، ويقتل المسيح الكذاب الدجال الأعور، ويقضي على أتباعه من اليهود كما يقضي على يأجوج ومأجوج، ويكثر الخير في عهده ويكون الجميع عباد الله إخواناً متحابين لا يخافون في الله لومة لائم ولا يشركون به سبحانه شيئاً. وقد جاءت هذه المعاني في بعض أحاديث رسول الله r .

رسالة المسيحية
وقد عرف عن المسيحية أنها دين حبة وتسامح وتواضع وسلام وقد لا يمكن تطبيق مثل ذلك إلا بين مؤمنين متحابين ومتسامحين، مخالفين لطبيعة غالبية البشر في الطموح والتنافس، أو بين رهبان متقشفين زهاد، يعبدون الله في صوامع وأديرة بعيدة عن أصحاب المطامح والمطامع الذين تغلب عليهم النوازع والغرائز البشرية.

 

وإذا كانت التعاليم المسيحية في التسامح مثل قول: من ضربك على خدك الأيمن فأدرله خدك الأيسر ومن أخذ منك الإزار فأعطه الرداء، ومن سخرك ميلاً فامش له ميلين، أفليس في هذا التسامح ما يخالف ما جاء في التوراة وهو: العين بالعين والسن بالسن؟

على أنه إذ كان مثل هذا التسامح المطلق صادراً عن تعاليم السيد المسيح فلا بد وأن يكون اختياراً أو إرهاصاً ومقدمة لمجيء خاتم النبيين وقرآنه الكريم ليحل الخلاف حلاً وسطاً بين الرسالتين . أي أنه إذا كانت اليهودية تفرض الجزاء العين بالعين والسن بالسن، وكانت المسيحية على عكس ذلك تفرض التسامح فقد جاء الإسلام وسطاً ليقر الحقوق والقصاص، ولم يحرم صاحب الحق من التنازل عن حقه والتسامح فيه كما جاء بالآية 40 من سورة الشورى: } وجزاء السيئة سيئة مثلها فمن عفا وأصلح فأجره على الله إنه لا يحب الظالمين {

 

ولا يخفى ما في ذلك من إعطاء المعتدي عليه الحق في رد الإساءة بمثلها بطرق السلطتين التشريعية والتنفيذية في الأمة، أو أن يتسامح هو في حقه محتسباً أجره عند الله. علماً بأن البشرية لا تخلو من أقليات صابرة محتسبة أجرها عند الله تفضل التسامح على القضاء العادل، ولكن ليست البشرية كلها كما تقدم مصداقاً لقوله سبحانه: } ولا تستوي الحسنة ولا السيئة ادفع بالتي هي أحسن فإذا الذي بينك وبينه عداوة كأنه ولي حميم ~ وما يلاقيها إلا الذين صبروا وما يلاقيها إلا ّ ذو حظ عظيم {    34-35 / فصلت

 

ونعود فنقول أنه لو طبق جميع المسيحيين مثل هذا التسامح لألغيت المحاكم وألغيت جميع أشكال القضاء ولألغي الدفاع عن النفس والدولة ولعاشوا رهباناً في أعالي الجبال.

 

كما قد تكون هذه التعاليم قد جاءت من رجال بعد السيد المسيح يعتمدون في تعاليمهم على وحي الخاطر والرؤيا المنامية وما يعتبرونه من إلهامات وإيحاءات وغير ذلك، وإن أبرزهم هو من نودي بالقديس بولس أو بولس الرسول، الذي ترعرع بين الوثنية الرومانية والتوحيد اليهودي وبرع في الديانتين معاً، ثم قفز فجأة إلى القمة المسيحية بعد أن كان من ألد أعدائها.

وعليه فهل إن قاعدة التسامح هذه تتطلب من المسيحيين – تقديم مسيح آخر لصالبي المسيح فيما لو كان في مقدورهم مثل ذلك ؟ وإذا كان ليس في مقدورهم ذلك فإن التسامح يكفي بالإضافة إلى الاعتقاد بأن السيد المسيح لا بد من وقوع الصلب عليه تكفيراً للخطيئة وفداء لها، وإنه لو لم يقم الصالبون الفعليون لقام بالصلب غيرهم. وعليه فقد أحسن الفاعلون فعلاً بذلك لأنهم أنفذوا البشرية فيما بين آدم والمسيح من الخلود في الجحيم ولولا ذلك الاعتقاد لانتقم متبعوا المسيح من الصالبين لا سيما وأنهم أصبحوا دولة عظمى باندماجهم مع الرومان. ولا يخفى ما في ذلك أيضاً من فصل الدين الإلهامات والإيحاءات عن اليهودية والتوراة التي تقول: العين بالعين والسن بالسن، لا سيما وأن في ذلك علاوة على فصل دين الرؤيا والإلهامات عن التوراة.. فإن فيه عزلاً عن الإنجيل الصحيح أيضاَ وذلك بحكم الاتصال المباشر بالسيد المسيح ولا سيما من بولس، وله عن طريق هذا الاتصال المباشر أن يقول ما يشاء، وينفي ويثبت ما يريد بدعوى أن ذلك تعاليم جديدة من السيد المسيح. وللمثال لا للحصر: فقد كانت العطلة الأسبوعية عند اليهود والمسيحيين يوم السبت وكان الختان معمولاً به في الديانتين كذلك، ويؤيد ذلك اعتبار بولس نفسه رسولاً للجنتيل ومعنى كلمة ( جنتيل )   ( GENTILE) الشخص من غير اليهود وبخاصة المسيحي أو الوثني. ويكون المقصود من ذلك توحيد المسيحية مع الرومان باستثناء اليهود.

 

وطالما أن المسيحية قد انفصلت بتعاليم بولس عن تعاليم العهدين القديم والجديد وكونت دين تسامح يعطل القضاء العادل فيما لو طبق، ويلغي القوى الدفاعية التي لا يستغني عنها كل كائن، وللمثال فكما أن في السماء نيازك ومصابيح تدفع عنها شياطين الجن والإنس.. فإن في جسم الإنسان كريات بيضاء تدافع عن وجوده من شياطين الميكروبات ولولا ذلك لانقرض الإنسان. وإن المماثلة تامة فيما بين المصابيح في السماء والكريات البيضاء في جسم الإنسان شكلاً وعملاً. } ما ترى في خلق الرحمن من تفاوت {   3/ الملك

 

نعم.. طالما كان الأمر كذلك، فإن الاندماج بين المسيحية وبين الرومانية أولى، وذلك لحمايتها من تسامح مغر للأعداء يؤدي إلى الانهيار لا سيما وأن مقدمة الاندماج بين الديانة المسيحية والقومية الرومانية جاءت من عهد بولس في القرن الأول الميلادي، ثم أتمها الإمبراطور قسطنطين الأكبر واثناسيوس في القرن الرابع الميلادي، فكانت المسيحية والرومانية كشيء واحد واسم واحد يدل أحدهما على الآخر –على عكس ذلك– اليهودية فقد كان مصيرها معلقاً بمصير الفرس المناوئين للرومانية.. وذلك من عهد قورش إلى ما شاء الله. وعليه ألا يكون لهذا الترتيب في التباعد بين المسيحية والرومانية من جهة، واليهود والفرس من جهة أخرى مخططاً له من البدء ؟ ونعود فنقول إن الحديث عن قسطنطين الأكبر واثناسيوس قد سبق الكلام عنه في مؤتمري “نيقيا” و “صور” ولا بد لنا من مزيد من التحدث عن بولس بعد لمحة عابرة عن الرهبان.

الرهبان في الصوامع والأديرة

   لقد بقي من الرهبان في الصوامع والأديرة في الجبال والمرتفعات من يعبد الله متجرداً من الشؤون الدنيوية، وتشهد بذلك الوصايا من خاتم النبيين r والخلفاء الراشدين من بعده – للجيوش المجاهدة بعدم التعرض لهؤلاء الرهبان بسوء وتركهم وما تفرغوا له من العبادة.

بولس

    ولد بولس في طرسوس ( آسيا الصغرى ) من أبوين يهوديين يحملان الجنسية الرومانية، وكان بولس يتمتع بشخصيتين: شخصية يهودية باسم شاؤول (وهو اسمه الأصلي)، وشخصية وثنية رومانية باسم بولس. وقد ترعرع في هاتين الشخصيتين في مدينة دار السلام ( بيت المقدس )، وحفظ الكثير من التعاليم الدينية والفلسفية عن اليهود والرومان، وبرز في الدوائر الدينية وهو ما زال شاباً. وقد كان فخوراً بجنسيته الرومانية التي تعطيه مكانة في الدولة الرومانية المهيمنة.. وحماية من التعدي عليه، وكان معتزاً باسمه الروماني الذي اختاره وتسمى به حتى اليوم. وقد كان في تخليه عن اسم شاؤول اليهودي إبعاد للمسيحية من أن تكون رسالة لبني إسرائيل أيضا ( كما كان الأمر قبل رفع السيد المسيح إلى ربه ).

 

وكان بولس مع تبحره في الوثنية واليهودية عدواً لدوداً للمسيحيين والكنيسة، يواصل إيذاء المسيحيين والسعي بهم نحو السلطات الرومانية ما استطاع إلى ذك سبيلا. إلا أنه فجأة أضاف إلى شخصيته الوثنية والرومانية شخصية ثالثة مسيحية.. وذلك نتيجة رؤيا منامية وهو في طريقه إلى دمشق زعم أنه رأى فيها السيد المسيح وأنه كما يقول قد اقتنع من خلالها بأن ا لمسيح المصلوب كان يعيش ثانية بدليل أنه رئي بعد عملية الصلب. على أن الصلب وشقاءه كان حقيقة واقعة إلا أنها وجدت لتحمل خطيئة آدم الخالدة نيابة عن البشرية. ولم يكن لهذه الرؤيا أي إرهاصات أو مقدمات بل كان هذا التحول مفاجئاً، أي أنه نام كافراً برسالة واستيقظ رسولاً لها. وهذا مخالف للسنن الكونية الربانية، إذ أن المعروف في الرسل أن يكونوا ذوي سيرة عطرة وإرهاصات طيبة منذ ولادتهم حتى القيام بدعوتهم كما حصل لموسى وعيسى من قبله، ومحمد من بعدهما عليهم جميعاً صلاة الله وسلامه، كما جاءت الرؤيا مخالفة لسنن الأرض في دورتها اليومية إذ يأتي نور النهار تدريجيا ً من الفجر حتى استواء الشمس ثم العكس حتى غروبها، ليأتي الظلام بعد غياب الشفق الأحمر كذلك، وكذا الأمر في الفصول الأربعة في الدورة السنوية، وهذا للمثال لا للحصر.

 

ثم أن هناك تساؤلات تفرض نفسها وهي:

 

1-     إذا كان السيد المسيح قد خلص البشرية من خطيئة آدم الخالدة، فماذا يكون الأمر بالنسبة لخطايا البشرية الخاصة؟

  • 2- وهل أن الصلب للسيد المسيح ينقذ البشرية من الحساب أمام الحكم العدل سبحانه ويعفيها من حقوق الآخرين وما ارتكبوه من خطايا بالغة ما بلغت من سيئات دون أسف أو ندم أو استغفار؟
  • 3- وماذا يكون حكم المؤمنين العاملين برسالات الرسل المتقدمة على السيد المسيح كنوح وإبراهيم وموسى وإذا كان الخلاص من الخطيئة مربوطاً بالصلب الذي جاء بعد ذلك؟
  • 4- وألا يعتبر تحريم شجرة معينة على آدم.. مع إباحة ما عداها من الشجر، أول قانون وضع لآدم وذريته، أو القاعدة الأساسية للقانون كله، لأن القوانين كلها ليست سوى مباحات ومحظورات.
  • 5- ثم أليس في اقتصار رسالة السيد المسيح على التكفير عن خطيئة آدم والاكتفاء بنعته بالمخلص للبشرية من عذاب ناتج عنها – ما يجعل من المسيح مجرد كبش فداء.. أو وليس في ذلك ظلم لرسالته؟
  • 6- وهل أن الإيمان بالسيد المسيح ضروري لتكفير الخطيئة الخالدة فقط؟

 

وقد رأيت أن لدى الأستاذ وجيه الشريف تساؤلاً حول الموضوع، فرأيت أن يكون تساؤله منسوباً إليه فوافق على ذلك وكان ما يأتي: “إن الخطيئة الخالدة لدى المسيحيين – حسب مفهومي– ناتجة عن معصية آدم عليه السلام لربه عندما حرم عليه الأكل من شجرة معينة في الجنة، وكانت نتيجة معصيته أن أنزل الله سبحانه وزوجه إلى الأرض.

 

إذاً فالخطيئة أو المعصية ارتكبت في حق الله سبحانه، وطالما أن السيد المسيح يعتبر– في قرارات ” نيقيا ” – هو الله وقد تجسد ونزل إلى الأرض لتكفير الخطيئة.. فإن الذي يستعصي على فهمه وأستغربه هو: لماذا يكفر الله بنفسه عن خطيئة ارتكبت في حقه؟ وإذا كان الأمر كذلك.. فمن الذي قام بتنظيم الكون في الأيام الثلاثة التي دفن فيها المسيح تحت الأرض؟”

 

وهناك تساؤل يتردد في خاطري وأتردد في عرضه، ولكن لا بد مما ليس منه بد، وليسمح لي القارئ اللبيب إذ لا حرج في التساؤل ولا إحراج.. وهو:

ألا يوجد بعض الشبه بين غلاة التشيع ومتطرفي التصوف من ناحية، وبين الرهبانية المسيحية المبتدعة والمدعية بالاتصال بالسيد المسيح ومن ضمنها بولس من ناحية أخرى؟

 

وهل هناك مماثلة فيما بين صلب السيد المسيح واستشهاد الحسين وأن في كل من الحادثين تضحية؟ وانه قد لا يستطيع رجل الدين من هاتين الفئتين أن يتحدث عن الدين دون أن يتعرض لتضحية الحسين أو تضحية المسيح – إلا أن استشهاد الحسين كان واقعاً وأن الصلب – كما تقدم في البحث – كان واقعا أيضاً إلا أن وقوعه كان على شبيه للمسيح وليس على ذاته الشريفة؟

 

وهل أن هناك مماثلة فيما بين الاعتقاد بخلود خطيئة آدم وخلود الخطيئة في مقتل الحسين على بني أمية ومن يعتبرونهم منهم هم غالبية أهل السنة والجماعة اليوم؟ وهل أن غلاة التشيع يأملون تحقيق الأخذ بثأر السيد الحسين من يعتقدون أنهم من أتباع الأمويين، وشعارهم في كل فرصة تسنح: أن ثورتنا بدأت على الدم وستستمر عليه. والعكس عند المسيحيين لأنهم اعتبروا أن في التضحية خلاصاً للعالم من خطيئة آدم، وأن الصلب لا بد من وقوعه لسلامة العالم الأبدية، لذا فإنهم لم يتعرضوا بسوء للذين قاموا بعملية الصلب ؟ ثم هل في ضرب غلاة التشيع لأنفسهم بأيديهم وبالسلاسل والحديد في ذكرى استشهاد الحسين عليه السلام – انتقاما ًمن أنفسهم لعدم استطاعتهم الأخذ بالثأر؟

 

ثم ألا يوجد شبه بين إدعاء بولس في اتصاله بالسيد المسيح وبين ادعاء غلاة التشيع والتصوف باتصالهم بمهدي منتظر أو بالله سبحانه وتعالى عن كل ما لا يليق بجلا ل قدسه. وهل إن انطباق التطرف اليميني على هذه الفئات، وكذا كل تطرف يميني أو يساري في أي فئة من الفئات أو مذهب من المذاهب أو دين من الأديان – مخالف لرسالة خاتم النبيين ألا وهي الرسالة الوسط – مصداقاً لقوله سبحانه في الآية 143 من سورة البقرة.

 

وأن التساؤل الآخر هو: لماذا يكون مفروضاً على المسيحية التسامح مع الصالبين والاعتقاد بأن الصلب لا بد من وقوعه تكفيراً للخطيئة الخالدة.. على أن الخطيئة الخالدة الأخرى توجب الانتقام العنيف من أحفاد من يظن بأن آبائهم تسببوا في استشهاد سيد شباب أهل الجنة الحسين بن علي رضي الله عنهما؟ ومن الذي له مصلحة في ذلك؟

 

هذه التساؤلات تمر في الخاطر.. ولعل من الصعب الإجابة عليها. علماً بأن المقصود من متطرفي التصوف وغلاة التشيع – ذوي الشطحات البعيدة عما جاء في كتاب الله وسنة رسوله، والذين يرفعون درجة خاتم رسل الله والإمام علي وذريتهما ومن يدعونهم بالأولياء – لدرجة التأليه بما يحاكي اعتقاد الرهبنة بالسيد المسيح والقديسين.

 

على أن حب آل محمد r التابعين لهديه في توحيد الله سبحانه –   واجب على كل مؤمن بالله تبارك وتعالى. ونذكر بهذه المناسبة بيتا للإمام الشافعي رحمه الله:

إن كان رفضاً حب آل محمد      فليشهد الثقلان أني رافضي

 

(والرفض كلمة أطلقها زيد بن علي بن زين العابدين إمام أول دولة شيعية معتدلة في اليمن على الذين رفضوا قوله بأن اً بكر وعمر هما على الكتاب والسنة).