Alqenaei

الرئيسية » المكتبة » توحيد الكلمة على كلمة التوحيد في رحاب القرآن الكريم » توحيد الكلمة على كلمة التوحيد في رحاب القرآن الكريم – الجزء الرابع

توحيد الكلمة على كلمة التوحيد في رحاب القرآن الكريم – الجزء الرابع

من دفاع القرآن العظيم عن السيد المسيح والسيدة العذراء والدته وتأييده لدعوته ومعجزاته

   لقد أنكر القرآن العظيم والرسول الكريم على اليهود بهتانهم على السيد المسيح وأمه العذراء البتول سيدة نساء العالمين، في آيات كثيرة من كتاب الله أذكر منها قوله سبحانه: } وبكفرهم وقولهم على مريم بهتاناًعظينا ~ وقولهم إناّ قتلنا المسيح عيسى ابن مريم رسول الله وما قتلوه وما صلبوه ولكن شبه لهم وإن الذين اختلفوا فيه لفي شك منه ما لهم به من علم إلا ّ اتباع الظن وما قتلوه يقيناً ~ بل رفعه الله إليه وكان الله عزيزاً حكيما ~ {     156- 158/ النساء

 

على أن الإسلام لا يختلف مع المسيحية في وقوع الصلب.. إلا أنه يختلف معهما في شخص المصلوب، وأن الصلب وقع على شبيه للسيد المسيح وإنقاذاً له من يد الإجرام أن تلوث جسده الطاهر. ولا يختلف معهما أيضا ُ في أن المسيح قد رفع إلى السماء لأن ذلك وارد في القرآن أيضا كما جاء في الآية 158/النساء.

 

كما لا يختلف الإسلام مع المسيحية في معجزة تكلم المسيح في المهد ولا في معجزته الكلامية الثانية بعودته إلى الأرض يكلم الناس كهلاً، علماً بأنه قد رفعه الله سبحانه إليه قبل بلوغ سن الكهولة. ولا يختلف معهما في تأييده بروح القدس، ولا في علاجه للمرضى وإحيائه الموتى. وكذلك في عمله شكل طير ثم ينفخ فيه فيكون طيراً بإذن الله، وكذا بانتصاره على بني إسرائيل وذلك لكفرهم به وادعائهم بأن ما جاءهم به من البينات والمعجزات سحر.

 

كما جاء في كثير من آيات كتاب الله أذكر منها آية واحدة تشمل فيما تشمله كل ذلك وهي الآية 110 من سورة المائدة: } إذ قال الله يا عيسى ابن مريم اذكر نعمتي عليك وعلى والدتك إذ أيدتك بروح القدس تكلم الناس في المهد وكهلاً وإذ علمتك الكتاب والحكمة والتوراة والإنجيل وإذ تخلق من الطين كهيئة الطير بإذني فتنفخ فيها فتكون طيراً بإذني وتبرئ الأكمه والأبرص بإذني وإذ تخرج الموتى بإذني وإذ كففت بني إسرائيل عنك إذ جئتهم بالبينات فقال الذين كفروا منهم إن هذا إلا سحر مبين ~ {   110/ المائدة

 

لا تخلو المسيحية من جماعات باقية على العهد، موحدة لله في مختلف عصورها

فلقد ظهر في القرن الثاني الميلادي جماعة أطلقت عليها الكنيسة اسم الهراطقة أو المنشقين من بينهم أتباع مذهب الغنوسطية. وكان مما نادوا به أن الله غير مشخص ولا مجسم، وأنه لا يمكن وصفه إلا بالنفي، وإن المسيح لم يصلب وإنما الذي كابد وعانى بدله في عملية الصلب هو سمعان القوريني، وأن السيد المسيح وقت الصلب كما يقول – بازيليدس وأتباعه – كان يقف جانبا وهو يضحك . ( مأخوذ من كتاب تاريخ الكنيسة المسيحية صفحة 106، الذي كتبه الأكليركي ” أ. ر. ويتهام ” الرئيس الأسبق لكلية كولهام البريطانية بجامعة أكسفورد، والكاهن بالكنيسة ) .

على أن الإسلام يعتبر مثل هؤلاء هم المسيحيين الحقيقيين، وذلك لوجود مماثلة بين إيمانهم وإيمان المسلمين. وفي قولهم أن الله لا يوصف إلا ّ بالنفي.. فهذا وراد في مفتاح العقيدة الإسلامية: لا إله إلا الله. وأنه لا معبود بحق سوى الله. وكما جاء في سورة الفاتحة: } إياك نعبد وإياك نستعين ~ {   4/ الفاتحة

 

أي لا نعبد إلا إياك ولا نستعين بسواك، وقوله سبحانه: } ليس كمثله شيء وهو السميع البصير~ {       11/ الشورى

وفي النفي ما يضمره الإنسان إذا أطلق على الله سبحانه صفة من صفات كمال الله كقوله إن الله كريم فعلبه أن يضمر أنه ليس ككل كريم أي أن الله سبحانه ينفرد بكل صفات الكمال الأزلية اللانهائية المطلقة ، وأن الصفات الطيبة للإنسان تكون كسبية نسبية واحدة.

 

لعل المصلوب هو يهوذا الاسقريوطي

كما أنهم يعتقدون مثلما يعتقد المسلمون أن المصلوب هو غير السيد المسيح، وقالوا إنه سمعان القوريني. على أني أميل إلى قول الشيخ محمد عبده وغيره ممن يقولون أن المصلوب كان يهوذا الاسقريوطي، وما جاء مثل ذلك في ( إنجيل برنابا ) غير المعترف به من الكنيسة، وذلك لأن يهوذا الاسقريوطي يستحق الصلب لخيانته السيد المسيح بإرشاد أعدائه عليه بقصد صلبه،

أولاً.. فكان جزاؤه وفاقا. والأمثال على ذلك كثيرة ومعروفة بين الناس. وقول سبحانه أبلغ من كل قول: } ولا يحيق المكر السيء إلا ّ بأهله {   43/ فاطر

وثانياً.. وجود دريهمات الفضة التي أخذها الاسقريوطي الخائن نظير خيانته مع المصلوب أو قريبة منه. وقد تم شراء أرض بها من بعده، سميت بأرض الدم، ولا تزال هذه الأرض موجودة وقد قدم منها عرق زيتون للبابا الراحل عندما زار القدس.

 

وثالثاً.. أنه لم يعثر على أثر للأسقريوطي حياً أو ميتاً حتى اليوم.

 

ثم إذا كان الأسقريوطي قد دخل على المسيح للدلالة عليه ثم صلب أحد الإثنين ونجا الثاني بمعجزة فمن يكون أولى بالمعجزة غير السيد المسيح عليه السلام لا سيما أنه كان موجوداً يضحك وقت الصلب وفقاً لرواية أتباع بازيليدس كما تقدم. وأنه قد رئي بالفعل بعد الصلب ولم ير الآخر حتى اليوم.. فمن يكون المصلوب يا ترى ؟ أهو الموجود أم المفقود ؟ لا سيما إذا كان تأييد رواية خروج المسيح من القبر بعد صلبه بثلاثة أيام تكفيراً لخطيئة أدم – ناتجاً عن رؤيا منامية من عدو سابق للسيد المسيح والكنيسة المسيحية   إلى ما قبل هذا القول مباشرة، مما جعل الكثير من المسيحيين يتشككون في أقواله خوفاً من أن تكون اتجاهاً جديداً لاستمرار عدواته للمسيح والمسيحيين، ألا وهو بولس الذي سيأتي الكلام عنه فيما بعد، وأن الإيمان بالصلب وبالخروج من القبر لم يتم رسوخه إلا بعد أن أخذ بولس مكانته بين المسيحيين.

 

من الجماعات المسيحية المعتدلة نسبيا:

كما ظهرت في القرن الثاني أيضاً جماعات كانت تعتبر السيد المسيح رجلاً مقدساً اختاره الله كابن ( متبنى من الله )، يمكن تقديسه وإعطاؤه ألقاباً إلهية، ولكنه مع ذلك مخلوق آدمي وليس بإله حقيقي خالد. وقد لاقت هذه الجماعة وآراؤها رواجاً كبيراً في القرن الثالث لأنها كما جاء في كتاب ( تاريخ الكنيسة المسيحية ) في صفحة 184 فيها منطق (وقد استعرنا كتاب ” تاريخ الكنيسة المسيحية ” من مكتبة الأخ حسن سعيد الكرمي في لندن وقد اطلع عليه الأستاذ عبد العزيز كامل وزير الأوقاف السابق بمصر والموجود الآن بالديوان الأميري بالكويت).

 

كما أن هناك جماعات كثيرة لها آراء مختلفة حول صلب السيد المسيح، مصداقاً لقوله سبحانه في الآية 158 المتقدمة من سورة النساء. وقد روى عن السيد المسيح نفسه عندما شوهد بعد وقوع الصلب   وقيل له: ( إنك صلبت ومت ‍‍‍‍‍‍‍‍‍‍‍‍‍‍‍‍‍‍‍!!! ) فكان جوابه: ( ها إنكم ترونني ). والمعنى أنه لو أنني صلبت ومت لما رأيتموني بينكم.

الخطيئة الخالدة:

إن المنطق والقضاء لا يقبلان خلود الخطيئة أو معاقبة أحفاد ولدوا عن جريمة أجداد ماتوا قبلهم وبهذه المناسبة.. فقد زارني في لندن عند بدء كتابتي حول هذا الموضوع أحد الإنجليز المسيحيين.. بيننا وبينه بعض العمل، هو مستر بازيل بويد، وفد وجهت إليه هذا السؤال: لماذا يكون المسيح ابن الله.. ولم يصلب ؟ فكان جوابه: لإنقاذ البشرية من خطيئة آدم: فقلت له بإنجليزيتي الضعيفة:”Too Late ” أي ( متأخر جداً ) فضحك كثيراً وقال : هكذا علمتني أمي وهكذا سمعت في الكنيسة ولا أعرف غير ذلك.

 

وعندئذ قلت له: إن معنى ذلك ( أغمض عينيك واتبعني ) فظهر عليه شيء من الحيرة وقال إنه لم يفكر يوماً في هذا الموضوع لأنه مسلم ٌ به عنده، أخذه عن آبائه وأوصله إلى أبنائه وهكذا.

 

وكان معنا في جلستنا السكرتير المرافق الأستاذ وجيه الشريف – الذي يجيد الإنجليزية، والذي كان يوضح لي كلام مستر بويد كما كان يوضح كلامي له. فقال لمستر بويد إن معظم معارفه من المسيحيين سواء في مصر أو في الخارج – على مختلف طوائفهم بكاد يكون جوابهم كجوابه تماماً عند الحديث معهم حول موضوع الدين. فأجاب مستر بويد بأنه شخصياً وكثيرين غيره لا يفكرون جديا ً في بحث هذا الموضوع وأنهم لا يجدون الوقت الكافي أو الاهتمام الزائد للتفكير في مثل ذلك فقال له السكرتير: بعد ذلك: إن عدم الاهتمام وعدم التفكير يجعل المرء معرضاً للتسليم والاقتناع لكل مناقش، كما يجعله سهل الانقياد لكل داع.

 

ولذا فإن الخوف على أمثال هؤلاء من الانقياد إلى دعاة المبادئ الهدامة والعقائد الشيطانية عقائد الإلحاد والفساد، وهذا أخوف ما نخاف عليكم منه وأنه لو كان للإسلام دعاة مخلصون يطرقون الأبواب كغيرهم من دعاة الفساد والإلحاد لدخل الناس في دين الله أفواجا، لأن العصر عصر تفكير وعلم. ومما قاله مستر بويد.. إن الخطيئة الخالدة هي قاعدة، وأن في هدمها هدماً للعقيدة المسيحية. فأجابه السكرتير: لا شك بأن الدعوى بأن المسيح ابن الله وأنه صلب – كانت على أساس هذه القاعدة   فإذا ما هدمت القاعدة انهار البناء.. ونرجو ألا ّ يكون هذا الانهيار إلا إلى خير.. وانتهى بذلك هذا الحوار وقد وجدت أن ما قاله السكرتير كان وكأنه يترجم ما قلته أو كنت أود أن أقوله.

 

وإن الشيء بالشيء يذكر ففي إحدى زياراتي لمدينة ميونيخ، طلبت من سائق تاكسي أن يمر بي على متاحف المدينة ، وتكاد تكون جميع المتاحف التي مررنا بها مكونة من تماثيل دينية. وعندما وصلت إلى تمثال منسوب إلى السيدة العذراء قال لي: هذه أم الله. فسألته: هل تعني الله خالق الكون ؟ فأجاب نعم. فسألته سؤالين أحدهما: كم تظن عمر الكون ؟ فقال: بلايين السنين.

 

وهنا سألته السؤال الثاني: كم تظن عمر السيدة العذراء أم المسيح عليهما السلام ؟ فامتعض من سؤالي الثاني ولم يجاوبني عليه.

 

وعندما مررنا بجوار تمثال آخر منسوب أيضاً للسيدة العذراء، وجه إليها يديه عاقفاً أصابعه العشرة نحوها، فشعرت من ذلك تأثره من سؤالي وداخلني بعض الأسف لذلك قائلاً في نفسي إن على الإنسان ألا يهدم بناء ً قائماً حتى يكون مستعداً للقيام ببناء أفضل منه كبديل عنه – كي لا يحتل الفراغ دعاة الإلحاد والفساد.

حول تبرئة الفاتيكان لليهود من خطيئة الصلب

وأعود فأقول، لقد برأ الفاتيكان يهود اليوم من خطيئة من اشترك في صلب المسيح من آبائهم. وإن هذه التبرئة سليمة بالنسبة للمنطق والدين والقضاء، وإن فيها تأييداً كبيراً لكل من ينفي البنوة والصلب عن السيد المسيح، وهدماً لكل من يخالفهم بما في ذلك دويلة الفاتيكان نفسها إذا كانت مع هذه التبرئة تؤمن بالبنوة والصلب القائمين على أساس خلود الخطيئة. وللتوضيح نقول إنه إذا كانت الخطيئة الخالدة قاعدة أساسية لبنوة المسيح وصلبه، ثم يأتي هدمها من مركز كبير للمسيحية أفليس في ذلك هدم للبنوة والصلب يا ترى ؟

الإسلام لا يقر خلود الخطيئة

    إن الإسلام على عكس ذلك، فإنه يعتبر الآباء والأجداد هم المسؤولون عن خطيئة الأبناء والأحفاد وذلك إذا لم يحسنوا تربيتهم وتعليمهم وتوجيههم الوجهة الصالحة السليمة باتباع الدين القويم، والصراط المستقيم ما استطاعوا إلى ذلك سبيلا، وليكونوا هم قدوة صالحة لهم لأن الأديان في العالم وراثية على الأغلب، وكذلك الأمر بالنسبة إلى التابعين والمريدين والمقلدين وتابعيهم مسئولية متوارثة إلى يوم الدين. وآيات كتاب الله في هذا المعنى كثيرة أقتطف منها قوله سبحانه في الآية 25 من سورة النحل:

} ليحملوا أوزارهم كاملة يوم القيامة ومن أوزار الذين يضلونهم بغير علم ألا ساء ما يزرون { 25/ النحل.

والظاهر من قوله سبحانه: } ومن أوزار الذين يضلونهم بغير علم ألا ساء ما يزرون { إنها بعض أوزار التابعين لا الأوزار كاملة.

 

والسؤال الذي يفرض نفسه هو: من الذي يحمل باقي الأوزار إذن ؟ ولعل الجواب فيما يظهر أن الجزء الباقي من الأوزار يحمله الأتباع أنفسهم لاستسلامهم لما ورثوه دون نظر أو تفكير، ويشترك معهم في حمل الوزر ورثة كتاب الله وسنة رسوله من أتباع خاتم النبيين r فيما إذا لم يواصلوا المسيرة في أداء الأمانة وتبليغ الرسالة، وبث الدعوة ونشر العلم، مصداقاً لقوله سبحانه في الآية 15 من سورة الإسراء: } ولا تزر وازرة وزر أخرى وما كنا معذبين حتى نبعث رسولاً ~ {

 

وأن ميراث الرسالة بعد خاتم النبيين هو لمتبعيه العاملين بهديه r مصداقاً لقوله جل ّ شأنه: } قل هذه سبيلي ادعوا إلى الله على بصيرة أنا ومن اتبعني وسبحان الله وما أنا من المشركين~ { 108/ يوسف

 

وفي مقابل ما جاء بالآية 25 من سورة النحل – قال سبحانه في الآية 21 من سورة الطور: } والذين آمنوا واتبعتهم ذريتهم بإيمان ألحقنا بهم ذريتهم وما ألتناهم من عملهم من شيء كل امرئ بما كسب رهين ~ {

 

إذ يظهر من قوله سبحانه: } وما ألتناهم من عملهم من شيء كل امرئ بما كسب رهين {

 

أي   ما أنقصنا من عملهم من شيء كما ننقص من عمل من لم يحسن تربية أولاده وتابعيه، وإن هؤلاء قد أحسنوا تربية أولادهم الذين كانوا معهم في حياتهم الأولى وسيكونون معهم في حياتهم الثانية في جنات النعيم. أما الأحفاد وأحفاد الأحفاد الذين جاءوا من بعدهم.. فإن الأجداد يؤجرون عن كل متبع لهم بإيمان واستقامة وإحسان، ولا يسألون عنهم فيما لو حادوا عن الطريق السوي فيما بعد، حيث لا يسأل المرء إلا عما كسب، يؤيد ذلك قوله سبحانه في ختام الآية:   } كل امرئ بما كسب رهين ~ {

 

وكما يشمل الاتباع في مواصلة الرسالة قوله سبحانه: } وما كنا معذبين حتى نبعث رسولاً {   15/ الإسراء

 

فإن الآيات المتكررة في قوله جل ّ شأنه: } وما على الرسول إلا البلاغ المبين ~ { 18/ العنكبوت

 

تشملهم أيضاً فيما إذا أدوا الأمانة وبلغوا الرسالة ونشروا الدعوة على النحو الذي يرضاه لهم ربهم وخالقهم سبحانه، وكذلك الأمر بالنسبة للرسول r فإنه لا يسأل عن أحفاد وأتباع الذين قامت عليهم الحجة ببلوغ الدعوة إليهم بعد انتقاله r إلى الرفيق الأعلى.

 

وقد أمرنا سبحانه أن نستعين بدعائه على إصلاح أزواجنا وذريتنا من جملة صفات متعددة يتحلى بها عباد الرحمن ومنها قوله سبحانه: } والذين يقولون ربنا هب لنا من أزواجنا وذرياتنا قرة أعين واجعلنا للمتقين إماما~ { 74/ الفرقان

 

علماً بأن محمداً رسول الله وخاتم النبيين r كان يهلك نفسه خوفاً من المسئولية أمام الله من جهة وشفقة وتحسراً على الذين لم يؤمنوا من عذاب يوم القيامة من جهة ثانية، ويظهر ذلك من قوله سبحانه: } أفمن زين له سوء عمله فرآه حسناً فإن الله يضل من يشاء ويهدي من يشاء فلا تذهب نفسك عليهم حسرات إن الله عليم بما يصنعون~ { 8/ فاطر

 

ومن قوله سبحانه في الآية الثالثة من سورة الشعراء: } لعلك باخع نفسك ألا ّ يكونوا مؤمنين ~ { 3/ الشعراء

 

ويظهر من الآيات بعدها أنها تشهد للرسول r بالقيام بأداء الأمانة وتبليغ الرسالة على الوجه الأتم وأنه r قد قام بما كلف به، وإن حسابهم على الله وحده سبحانه. كما أن الرسول كان يهلك نفسه أسفاً على أولاد من لم يؤمن برسالته وأحفادهم وأتباعهم وكل المتأثرين بهم من بعدهم مصداقاً لقوله سبحانه في الآية السادسة من سورة الكهف: } فلعلك باخع نفسك على آثارهم إن لم يؤمنوا بهذا الحديث أسفاً { 6/ الكهف

 

هذا وإن سورة ” الكافرون ” تكاد تنفرد بهذه المعاني وأرجو أن أستعرض ما يتبين منها في آخر البحث بإذن الله.

التثليث

إن التثليث محبب إلى النفوس في الأسماء كاعتبار الاسم الثلاثي كاملاً، والثنائي ناقصاً، والرباعي زائداً. وكذلك الأمر بالنسبة للشعارات الدينية والقومية والثورية والوطنية. وللمثال.. فقد كان شعار الثورة الفرنسية: الحرية والإخاء والمساواة. وكان شعار الثورة المصرية : الاتحاد والنظام والعمل. وشعار مصر قبل الثورة: الله، الوطن، الملك. وكان التثليث في الشعارات الدينية معمولاً به في الرومانية والمسيحية، وقبل ذلك وبعده . وكانت المسيحية تؤمن بالله والمسيح والروح القدس، إلا أنها لم تساو بينهم كأن يكون الله إلهاً كاملاً جل ّ جلاله وتجعل من المسيح إلهاً كاملاً أيضاً. ومن الروح القدس إلهاً كاملاً كذلك وإن هذه الآلهة الثلاثة تساوي إلها   واحداً.. إلا بعد مؤتمر ” نيقيا “.