نبوة خاتم النبيين r في التناصر بين المسلمين والمسيحيين
وكم كنت فرحاً وأنا أطلع على حديث لرسول الله وخاتم النبيين r يتنبأ بتناصر في الدين بين متبعي محمد والمسيح ويبشر بوحدة المسلمين، فينصرون الروم على عدو مشترك، ونكون حصيلة التناصر ولا شك نصراً عظيماً على الظلم والإلحاد والكفر والفساد. والحديث الشريف هو:
( ستصالحكم الروم صلحاً آمناً ثم تغزون وهم عدوا فتنصرون وتسلمون وتغنمون ثم تنصرون الروم حتى تنزلوا بمرج ذي تلول فيرفع رجل من النصرانية صليباً فيقول غلب الصليب، فيغضب رجل من المسلمين فيقوم إليه فيدفعه، فعند ذلك يغدر الروم ويجمعون للملحمة )
عن ذي مخمر من أصحاب النبي r في مستند ابن حنبل صفحة 91 من المجلد الرابع.
ومن يدري غير الله سبحانه ما إذا كان الموقف في أفغانستان هو بداية للبشارة المرجوة بإذن الله، وكذلك الأمر بالنسبة للمؤتمر الإسلامي الأخير في مكة المكرمة، لا سيما وإننا نرى الغرب الذي كان بالأمس القريب يرسل الموجات التبشيرية لمختلف البلاد الإسلامية يستقبل اليوم الموجات الإسلامية التبشيرية كلما وجدت، ويرحب ببناء المساجد في بلاده بارتياح وتعاون مجد، وأن المبادرة في التناصر بين العالمين الإسلامي والمسيحي ولا سيما على المستوى الدولي – واردة، وأن وحدة المصير تؤيد ذلك. نسأله سبحانه أن يجعلنا جديرين بوعد الله الحق سبحانه بنصر المؤمنين وذلك لقوله سبحانه: } وكان حقاً علينا نصر المؤمنين { 47/ الروم
ومع هذه البشارة العظيمة من خاتم أنبياء الله r. فقد جاء فيها تنبيه وتحذير لما يحصل عادة بعد النصر بين المتلاقين في حرب عدو مشترك،وذلك بقيام غراب بين ناعق غير مقدر عن جهل وتعصب، أو عن غرض ومرض فيقول غلب الصليب.. فيقابله أحد أفراد المسلمين فيدفعه فتنتزع العقول من ذوي العقول، وتتغلب الدهماء والغوغاء على الموقف، وعندئذ يبلغ السيل الزبى ويسبق السيف العذل. ولا بد وأن تعود العقول إلى أصحابها بعد الواقعة، ولكن لا ينفع الندم بعد الملحمة لا سمح الله أو أن الله يسلم وتعود العقول قبل ذلك.
البناء الهرمي أقوى أشكال البناء
وإذا كان مثل هذا الخلاف معروفاً بين المتلاقين بعد النصر على عدو مشترك.. أفلا يظهر من ذلك أن مجرد الالتقاء على وحدة المصالح والمخاطر ووحدة المصير لا يكفي ؟ بل يجب أن يتعدى ذلك الى تحاب صادق وتعاون شامل كما لو كانوا قوة واحدة وأمة واحدة لها ضوابط متينة لحماية الأقلية من ذوي العقول والحجا، من طغيان غوغائية الأكثرية – وللمحافظة على بقاء البناء هرمياً لتحمل قاعدة الأمة قمتها كي تستظل بها وتستنير بنورها من سراج معلق بالوسط الأعلى تدعمه ثريات متعددة من حوله أو فتحة في القمة يدخل منها نور النهار، فينعكس على القاعدة كلها من مرايا نظيفة حول القمة. وما تزال الأمم بخير ما دامت القلة الطيبة في قمتها مصداقاً لقوله سبحانه:} قل لا يستوي الخبيث والطيب ولو أعجبك كثرة الخبيث فاتقوا الله يا أولي الألباب لعلكم تفلحون { 100/ المائدة
وكذلك الأمر في إمامة رسول الله وخاتم النبيين للمؤمنين في الصلوات الخمس وقوله r: ( ليلني أولو الأحلام والنهي )، أي بدءاً من الوسط في الصف الأول من صفوف المصلين خلفه r ويكون في ذلك أسوة طيبة وقدوة حسنة ومثال طيب لمن يتولون الأمر من بعده.
اليهود عزلوا أنفسهم فأبعدهم الله
يظهر من الحديث المتقدم استبعاد اليهود الذين عزلوا أنفسهم عن الإيمان بالمسيح والإيمان بمحمد مع أن النبيين الكريمين مذكوران عندهم في التوراة ويؤمنون بهما إلا أنهم يدعون أنهما لم يأتيا بعد فأبعدهم الله من هذا التناصر الذي سيتم بين أصحاب هاتين الديانتين السماويتين بإذن الله.
فعلى أصحاب هاتين الديانتين أن يستفيدوا من هذا الإنذار وأن يحاذروا من الوقوع فيما حذرنا منه الرسول الكريم r، وأن يتلافوا كل خلاف قد يؤدي إلى فتنة بين الأخوة. وإذا كان التناصر لا بد منه تجاه الأكثريات اللادينية المفسدة.. أفلا يجب أن يكونوا أكثر اتحاداً وأصدق إيماناً وأكبر تعاوناً، وأن يتدارسوا أمرهم فيحلوا جميع المشاكل المختلف عليها – محكمين العقل والنقل والضمير والمنطق في ذلك بدون تعصب مغرض أو جدل فارغ. وأن يتم هذا البناء السليم والتعاون القويم بين الأمتين معاً عن طريق أقليات مؤمنة منتخبة لا يأخذها في الله لومة لائم من الأكثرية الغوغائية والإمعات لا سيما وقد تم قبل ذلك.
لقاء واندماج بين المسيحيين والرومان
وأن الشيء بالشيء يذكر، فقد تم فعلاً في الربع الأول من القرن الرابع الميلادي اندماج بين الرومان والمسيحيين في تثليث موحد قام به اثنان: أحدهما هو القيصر قسطنطين الأكبر، والثاني شماس في الكنيسة هو أثناسيوس، وكان هذا الاندماج في مؤتمر ” نيقيا ” حيث التفت الدهماء حولهما، والتقت الأمتان على تثليث موحد بإيحاء من القيصر، وبلاغة أثناسيوس، ومناصرة الدهماء. وكان التثليث الروماني يتكون من: الله، والعقل، والروح، وقد أضفى هذا المؤتمر علي السيد المسيح صفات متعددة لا تجوز إلا لله وحده ليحل المسيح محل العقل عند الرومان، كما أكد المؤتمر الإيمان بالروح القدس – لتحل محل الروح عند الرومان كذلك، فكان التثليث المسيحي متكوناً من الأب والابن والروح القدس.وعليه فقد أعلن الإمبراطور الروماني أن دين الدولة هو المسيحية كما سيأتي ذلك مفصلاً عندما نتطرق إلى الحديث عن مؤتمر ” نيقيا ” بإذن الله،وذلك بعد الحديث عن الصلب والصليب وخلود الخطيئة.. تلك الأمور التي بقدر ما هي مألوفة لدى المسيحيين اليوم، بقدر ما ينفر منها المسلمون.
الصلب والصليب
لقد كان الصلب من الوسائل الشائعة في عصور ما قبل المسيحية – كعقوبة توقع على الأفراد ، واستمر كذلك حتى بعد ظهور المسيحية. وبعد الصلب الذي وقع على شبيه السيد المسيح – اعتبروه رمزاً للانتصار على الموت.. أو بتعبير آخر – الانتصار على الماديات الدنيوية.
وقد انتهت عمليات الصلب نهائياً بين الرومانيين في عهد الإمبراطور قسطنطين الأكبر الذي جعل المسيحية الدين الرسمي للإمبراطورية الرومانية.
والصليب هو تقاطع بين خطين مستقيمين مكونين زاوية قائمة. وقد استعمل الصليب كشعار ديني منذ الأيام الغابرة في العصور الأولى، ولكنه أصبح أكثر شيوعاً في المسيحية الحديثة التي يعتبر شعارها الأساسي. كما أنه من اسهل الأشياء التي يستعملها الأطفال في عمل الدمى التي يلعبون بها، وكذلك الحال بالنسبة للبدائيين في عباداتهم وتقديسهم، إذ لا يكلف عمل الصليب أكثر من عودين يربطان ببعضهما.
وكلمة الصليب مشتقة من الصلب أو العكس ،وقد كان الصليب رمزاً مقدساً في الأزمنة القديمة بمعان متعددة. فإنه عند أهالي قرطاجة وعند الفينيقيين كان يستعمل كأداة للتضحية للمؤله ” بال ” كما اعتبره الفرس تعويذة ضد الشر والموت. أما في أميركا الوسطى وأميركا الجنوبية فكان الأهالي يعبدونه كرمز للمطر، كما كان الغاليون ( سكان فرنسا القدماء ) يعتبرونه منحة من الشمس لأجل تقوية الإخصاب.
وإذا جاز للوثنيات المختلفة لجهلها تقديس رمز الصليب وعبادته كوثن والأوثان كلها رموز مقدسة، فإن مثل ذلك لا يصح من أتباع المسيح لا سيما وأن المسيح صاحب رسالة توحيد ربانية شأنه شأن إبراهيم وموسى من قبله ومحمد من بعدهم، عليهم جميعاً صلاة الله وسلامه، علماً بأن في تقديس الصليب تقديساً لصانعيه ومنفذي الصلب – أعداء السيد المسيح – كما أنه لا يخلو من نوع من أنواع الردة نحو الوثنيات المقدسة للصليب من أقدم العصور، وانحراف عن دين إبراهيم وآل إبراهيم، ولا سيما توراة موسى التي يؤمن بها المسيحيون إيمانهم بالإنجيل.
الصلب والمسيح
إن الصلب قد وقع فعلاً من أعداء السيد المسيح،وقد كان المنفذون للصلب يعتقدون أنهم قد انتصروا وأوقعوا الصلب على المسيح نفسه. كما كان أكثرية المشاهدين لعملية الصلب يؤمنون بذلك، ومن حقهم هذا حتى يتبين لهم العكس كأن يكون في الأمر معجزة ربانية خفيت على منفذي الصلب ومشاهديه معاً. وان أجدر وأولى من يظهر الحقيقة دون أدنى شك أو ريبة رسول من الله يأتي بعد الحادث يبين للمؤمنين حقيقة الأمر، خاصة إذا كان هذا الرسول أخاً للمسيح.. يؤيد دعوته، ويقدره حق التقدير، ويدافع عنه وعن السيدة والدته.. ويكون هذا الدافع من صميم دعوته التي جاء بها ألا وهو خاتم النبيين محمد رسول الله r وقد عرف الحقيقة من آمن به من بقايا الأريسيين الشرقيين من متبعي آريوس، وربما غالبية المسيحيين ما عدا أغنياء منهم رضوا
بالحماية مقابل دفع جزية رمزية يسيرة بالنسبة لما يتحمله المؤمن من فريضة الزكاة والجهاد بالأنفس والأموال التي لا حدود لها وقت الشدائد. (علماً بأن كل ما استلمه أبو عبيدة بن الجراح قائد الجيوش على سوريا كجزية ممن أحب البقاء على دينه كان أربعة آلاف دينار وعندما أقبل معتد على سوريا أعاد إليهم المبلغ، فاستغربوا ذلك منه فكان جوابه فيما معناه : لقد أخذت هذا المبلغ منكم لقاء دفاعي عنكم وأخشى ألا ّ أنتصر على المعتدين، وعليه أعيد لكم المبلغ اليوم، وإذا وفقت ونصرت فسأستعيده منكم بإذن الله. وقد نصره الله واسترد الجزية) وقد أشار إلى مثل ذلك الأستاذ فارس الخوري الزعيم المسيحي السوري في بعض خطبه، محملا ً المسلمين مسئولية بقاء المسيحيين بينهم.