Alqenaei

الرئيسية » المكتبة » توحيد الكلمة على كلمة التوحيد في رحاب القرآن الكريم » توحيد الكلمة على كلمة التوحيد في رحاب القرآن الكريم – الجزء الثاني

توحيد الكلمة على كلمة التوحيد في رحاب القرآن الكريم – الجزء الثاني

 

العلم والديــن

   إن الله سبحانه قد أزل كتبه بعلمه، وبعلمه جل ّ جلاله خلق كل شيء بقدر. وإن الكون كله علوم ومقادير . وما التقدم العلمي إلا محاولة من الإنسان لفهم شيء يستطيع إدراكه من خضم هذه العلوم وأسرارها. ولو اختل هذه المقادير أو اختل شيء منها لاختل نظام الكون كله، فحكموا العقل وحكموا العلم وفكروا في أنفسكم وفكروا في نظام الذرة الذي ينصب عليه نظام الكون كله.

} ما ترى في خلق الرحمن من تفاوت { 3/ الملك

 

وما دام نظام الذرة ونظام الخلية هو نظام الكون كله فإن وحدة النظام للكون كله تدلنا على وحدانية الخلاق العظيم سبحانه. وقد أخبرنا الدين الواحد يما جاء في القرآن الخاتم لكتب الله في الآية 59 من سورة الأنعام: } وعنده مفاتيح الغيب لا يعلمها إلا هو ويعلم ما في البر والبحر وما تسقط من ورقة إلا يعلمها ولا حبة في ظلمات الأرض ولا رطب ولا يابس إلا في كتاب مبين {

59/ الأنعام

 

وقوله سبحانه: } وما تكون في شأن وما تتلوا منه من قرآن ولا تعملون من عمل إلا كنا عليكم شهوداً إذ تفيضون فيه وما يعزب عن ربك من مثقال ذرة في الأرض ولا في السماء ولا أصغر من ذلك ولا أكبر إلا في كتاب مبين ~ { 61/ يونس

 

وإذا كان اليابس يشمل الذرة، فإن الرطب يشمل الخلية (مصداقاً لقوله سبحانه وجعلنا من الماء كل شيء حي) وعليه فإن الرطب واليابس يشملان الخلق كله بما فيه من أحياء وغير أحياء. وأن الله سبحانه قد أنبأنا عن الذرة والخلية وما كان أصغر منهما أو أكبر منذ أربعة عشر قرناً في كتابه الكريم الذي هو بين أيدينا اليوم، نقرؤه ونسمع تلاوة ما تيسر منه مراراً كل يوم ، ومما يؤثر عن الإمام علي ابن أبي طالب كرّم الله وجهه قوله: ( انقطع الوحي ولم يبق إلا الفهم )، نسأل الله سبحانه التوفيق لفهم يزيدنا إيماناً بوحدانية الخلاق العظيم، ويكسبنا رضواناً من الله أكبر. وما أجمل الإيمان إذا كان عن طريق العقل والعلم والمعرفة. وإن القرآن العظيم الخاتم لكتب الله، هو كتاب الدين كله، والزمن كله، والعلم كله، والخير كله.

} الرحمن ~ علم القرآن ~ خلق الإنسان ~ علمه البيان ~ {   1-4/ الرحمن

 

الإيمان برسل الله وأن رسالتهم تتلخص بكلمة لا إله إلا الله

طالما أن الدين واحد، وأن رسل الله جميعاً تسير على نمط واحد ألا وهو قول ” لا إله إلا الله ” مصداقاً لحديث وارد عن خاتم النبيين r : (إن أفضل ما قلته أنا والنبيون من قبلي: لا إله إلا الله) – موطأ مالك- ” كتاب الحج 246 “، فإن الإيمان بجميع أنبياء الله ورسله دون تفريق بينهم، وبملائكته وكتبه ورسله واليوم الآخر واجب على كل مؤمن.

 

علماً بأن رسالة محمد رسول الله وخاتم النبيين لا يشك أحد مهما تمادى في الإلحاد والمكابرة في قيامها وما أحدثته من فتوحات وآثار خالدة وثمار طيبة، بينما يوجد من الملاحدة من يشك في رسالتي موسى وعيسى عليهما صلاة الله وسلامه، لأنهما عاشا في ظل دولتي الرومان والفرس وإنما الذي يضايق الملاحدة هو شهادة القرآن العظيم لهذين الرسولين وهاتين الرسالتين بما يزيد عما جاء في التوراة والإنجيل. فعلى اليهود والنصارى أن يؤمنوا بخاتم النبيين عليهم جميعاً صلاة الله وسلامه ولو لهذا الدعم الرباني العظيم لرسالتي موسى وعيسى عليهما صلاة الله وسلامه

 

نعم إن الإيمان بما جاء به هذا الرسول الكريم يقوي الإيمان بالنبيين قبله بل ويدعمه عالمياً، وإن الإيمان بالقرآن يقوي الإيمان بكتب الله المتقدمة كذلك، حيث إنه لا يستطيع أحد مهما بلغت عدواته للدين أن ينكر بزوغ فجر الإسلام، وأنه تغلب في فترة وجيزة على أكبر دولتين في العالم آنذاك ألا وهما الفرس والروم، أو أن يداخله شك في سلامة القرآن من التحريف أو التبديل من أول نسخة إلى آخر نسخة وحتى يقضي الله على هذه الأرض ومن عليها مصداقاً لقوله سبحانه: } إن علينا جمعه وقرآنه ~ فإذا قرأناه فاتبع قرآنه ~ ثم إن ّ علينا بيانه { 17-19/القيامة

 

علماً بأن أول نسخة من القرآن بخط يد الخليفة الثالث عثمان بن عفان موجودة بمصر اليوم، كما توجد نسخة مماثلة لها تماماً بخط الخليفة الرابع علي بن أبي طالب – كلتاهما محفوظتان بمسجد بالقاهرة يسمى باسم الحسين بن علي – شهيد كربلاء – رضي الله عنه وأرضاه.

 

وإذا كان بعض أعداء الدين يشكون في ظهور النبيين الكريمين موسى وعيسى عليهما صلاة الله وسلامه، فإن القرآن الكريم لهم بالمرصاد إذ أنه يبطل عليهم حججهم.

 

ثم إذا كان هناك جماعة تدعي أن الله مات وحجتهم في ذلك إدعاء أتباعه بألوهيته وموتته الأولى، أي أنه إذا كان المسيح إلهاً كاملاً وقد مات للمرة الأولى ثم عاد إلى الحياة، فما الذي يمنع من أن يموت للمرة الثانية ؟

 

عودة السيد المسيح إلى الأرض:

نعم.. إن المسيح رسول الله وكلمته لا بد وأنه سيعود إلى الأرض ويموت فيها مصداقاً لقوله سبحانه: } إذ قالت الملائكة يا مريم إن الله يبشرك بكلمة منه اسمه المسيح عيسى ابن مريم وجيهاً في الدنيا والآخرة ومن المقربين ~ ويكلم الناس في المهد وكهلاً ومن الصالحين ~ { 54-46/ آل عمران

 

إذ يتبين من الآية الثانية معجزة السيد المسيح في كلامه مع الناس أولاً وهو في المهد طفلاً، والعجزة الثانية في كلامه مع الناس وهو في سن الكهولة وذلك بعد عودته إلى الأرض ثانية.

 

ولولا ذلك لما كان الكلام في سن الكهولة معجزة مماثلة لمعجزة الكلام في طفولة المهد دفعاً لاتهام والدته العذراء البتول سيدة نساء العالمين. وإن الله سبحانه يدفع الاتهام عن هذه السيدة الكريمة في كثير من آيات كتابه الكريم أذكر منها الآية 59 من سورة آل عمران: } إن مثل عيسى عند الله كمثل آدم خلقه من تراب ثم قال له كن فيكون ~ {

 

وأذكر بهذه المناسبة بيتاً من الشعر للشاعر السوري الشيخ يوسف النبهاني رداً على من يستنكر ولادة السيد المسيح بدون أب:

 

فلولا برى الله المسيح فغيره                لتكملة الأجناس أربعة طرا

 

والظاهر من الشطر الأول: فولا برى الله المسيح فغيره.. لهذا النوع الرابع المتمم للثلاثة المتقدمين عليه وهم: آدم خلق من غير أم ولا أب، وحواء خلقت من أب دون أم.. وباقي الخلائق من أم وأب، فجاء السيد المسيح عليه السلام من أم دون أب تكلمة للجناس الأربعة كما جاء في الشطر الثاني: لتكملة الأجناس أربعة طرا.

 

ولادة السيد المسيح معجزة ربانية:

وإنه لا يخفى ما في ذلك من بيان قدرة الله سبحانه، وإنه جلّ شأنه فوق القواعد والسنن، وأنه على كل شيء قدير } لا يسئل عما يفعل وهم يسئلون {   23/ الأنبياء

 

الإسلام كلمة ومعنى.. يشمل الدين كله

   ويعلم الله أني كنت أدعو إلى التقاء أصحاب الأديان في كتاباتي منذ ثلث قرن أو يزيد، على أني أحمد الله اليوم إذ أرى الكثيرين يدعون إلي ذلك بما فيهم رؤساء دول وحكومات.. في الجنوب والشمال، والشرق والغرب، علماً بأن القرآن الكريم قد نعت الرسل المتقدمة ومن تبعهم بإحسان في الإسلام، وختم النبوات بمحمد r مصداقاً لقوله سبحانه – مخبراً عن دعاء نبيه إبراهيم وإسماعيل أثناء قيامهما ببناء البيت الحرام: } ربنا واجعلنا مسلمين لك ومن ذريتنا أمة ً مسلمة ً لك وأرنا مناسكنا وتب علينا إنك أنت التواب الرحيم {       128/ البقرة

 

وعن طاعة نبيه وخليله إبراهيم عليه السلام عندما أمره سبحانه بأن يسلم في الآيات 131و132من نفس السورة:} إذ قال له ربه أسلم قال أسلمت لرب العالمين ~ ووصى بها إبراهيم بنيه ويعقوب يا بني إن الله اصطفى لكم الدين فلا تموتن إلا ّ وأنتم مسلمون ~ {

 

وبأمره سبحانه اتباع محمد r في الآية 136 من السورة نفسها: } قولوا آمنا بالله وما أنزل إلينا وما أنزل إلى إبراهيم وإسماعيل وإسحاق ويعقوب والأسباط وما أوتي موسى وعيسى وما أوتي النبيون من ربهم لا نفرق بين أحد منهم ونحن له مسلمون ~ {

وعن قول بلقيس ملكة سبأ عندما أقبلت على نبي الله سليمان طائعة: } قالت ربي إني ظلمت نفسي وأسلمت مع سليمان لله رب العالمين { 44/ النمل

وقد جمع سبحانه الدين الحق كله في قوله جل ّ شأنه: } إن الدين عند الله الإسلام {   19/ آل عمران

وقد عرف المصطفى r بقوله ( المسلم من سلم المسلمون من لسانه ويده ) ووصف النبي r الدين كله بقوله: ( الدين المعاملة )، و( الدين النصيحة ), وقال سبحانه: } ومن يتبع غير الإسلام دينا ً فلن يقبل منه { 85/ آل عمران

وعليه فإن الإسلام اسم عام لدين جميع رسل الله ومتبعيهم بإحسان، وقد تسمى به متبعو خاتم الأنبياء محمد r.. وأن هذه التسمية صادرة عن أبي الأنبياء إبراهيم خليل الله عليهم جميعاً صلاة الله وسلامه، بشهادة القرآن العظيم في ختام سورة الحج   : } وجاهدوا في الله حق جهاده هو اجتباكم وما جعل عليكم في الدين من حرج ملة أبيكم إبراهيم هو سماكم المسلمين من قبل وفي هذا ليكون الرسول شهيداً عليكم وتكونوا شهداء على الناس فأقيموا الصلاة وآتوا الزكاة واعتصموا بالله هو مولاكم فنعم المولى ونعم النصير { 78/ الحج

 

فكان هذا الاسم معروفا لهذا الدين الرباني المهيمن، الذي هو امتداد لدين أبي الأنبياء إبراهيم الخليل عليه وعلى آله من النبيين وعباد الله الصالحين صلاة الله وسلامه.