القاعدة الكونية الواحدة… نسبية
عبدالعزيز العلي المطوع
على أنني أركز في هذه العجالة على بضع آيات من سورة الرحمن وهي من 7 إلى 9 وذلك في قوله سبحانه: } والسماء رفعها ووضع الميزان ~ ألا تطغوا في الميزان ~ وأقيموا الوزن بالقسط ولا تخسروا الميزان ~ { .
إذ يتبين من الآية السابعة أن الرفع لما يخف وزنه عن مقدار مثله من جزه سلب، والوضع لكل وزن يزيد عن مقدار مثله من جوه الأثيري أو الهوائي أو السائل – إيجاب. ومن عدم الزيادة وعدم النقصان في الميزان في الآيتين الثامنة والتاسعة.. تتبين شعبة التعادل المتممة للقاعدة الثلاثية ألا وهي السلب والإيجاب والحياد.
وعليه فإن القاعدة السليمة ثلاثية.. وإنها ملزمة لجميع القواعد والنظريات، وللخلق كله.
ورأيت أن أستعرض بعض القواعد والنظريات التي تدرس في المدارس لإخضاعها للقاعدة القرآنية الثلاثية.
وإذا كان قد قيل في المثل: إن زامر الحي لا يطرب، فقد قيل أيضا: إن الحق أحق أن يتبع.
وقد قال المصطفى r: ( الحكمة ضالة المؤمن يلتقطها حيث وجدها ).
على أني أقدم الشكر سلفا لكل ناقد بناء، يعتمد في نقده على دليل قويم ومنطق سليم وعلم ثابت،
علما بأن المغلوب في العلم هو الغالب لأنه هو المستفيد. } وفوق كل ذي علم عليم {. والسلام على من رأى قبساً فهداه.. وعرف واجبه فأداه ورحمة الله وبركاته.
الكويت
عبد العزيز العلي المطوع
القناعي
الموضوع:
أ – لمحة عن ثنائية الشيوعية المعاصرة.
ب – جميع النظريات الثنائية ناقصة.. والنظر فيها يخضعها للقاعدة الكونية الثلاثية.
ج – القاعدة الكونية الثلاثية تتكون من ثلاث شعب أصلية: سلب وإيجاب وحياد.
د- إن الرفع التلقائي والوضع التلقائي فيما بين الأشياء والأجواء نسبي بين مختلف الكائنات بحكم القاعدة الثلاثية.
هـ – أينما وجد السلب والإيجاب وجد الحياد بينهما، والحياد التام: صفر يفقد الوزن حيثما وجد.
و – يتفرع من الشعب الثلاث الأصلية – أربع شعب فرعية، وان عالم الذرة مصغر عن عالم الإنسان، وأن القاعدة في جميع العوالم واحدة، وأنه لا تعارض بين الإيمان السليم والعلم الثابت .
ز – مخالفة اليهودية لتعاليم دينها، وإساءتها للأديان السماوية الأخرى واردة.
ح- إن اللقاء بين الإسلام والمسيحية على كلمة التوحيد أمر وارد، كما أنه وارد مع كل مؤمن ينشد الحقيقة.
ط – وجوب تقييد الأسلحة الجوية بعرف دولي.
ى- كل ذلك في رحاب القرآن الكريم.
الشيوعية:
تتكون ثنائية الشيوعية من عمال ودولة، تجعل من الدولة الخصم الأقوى القائم بدور الحكم في الوقت نفسه. على أن الحكم ينبغي أن يكون مختاراً من الخصمين المتنازعين كطرف ثالث حيادي في بادئ الأمر، ثم يتحول إلى إيجابي مع صاحب الحق في مواجهة الطرف الثاني غير المحق، أو أن يختار كل من الخصمين حكماً خاصاً، ثم يختار الجانبان شخصاً ثالثاً محايداً للترجيح فيما لو اختلف الحكمان. وعليه يكون الأمر ثلاثيا في كلتا الحالتين شأن كل خصمين أمام قاض عادل.
أما إذا كان الخصم الأقوى حكماً في الوقت نفسه.. فإن الحكم يكون في صالح ذلك الخصم، وهذا ما لا يصلح في الحكم أو التحكيم المألوف، علما بأن البشرية لا تخلو من مدع ومدعي عليه ومعتد ومعتدى عليه، وعليه فلا بد من حكم عادل للفصل بين الجانبين، وسواء كان ذلك على مستوى الأفراد أو الجماعات أو الدول تنفيذا لحكم الله.
} إن الله يأمر بالعدل والإحسان وإيتاء ذي القربى وينهى عن الفحشاء والمنكر والبغي يعظكم لعلكم تذكرون {. 90 / النحل
القاعدة الصحيحة … ثلاثية
على أن القاعدة الصحيحة ثلاثية، ألا وهي قاعدة السلب والإيجاب والحياد الشاملة للخلق كله، أو ثلاثية اليمين واليسار والوسط الخاصة بالإنسان. وان هذه القاعدة الثلاثية ملزمة لان يكون في الشيوعية مثلاً: عمال وأرباب عمل كجانبي سلب وإيجاب، أو يمين ويسار، ودولة كجانب ثالث يمثل العدل، أي الجانب الحيادي الوسط بين السلب والإيجاب أو اليمين واليسار، على أن يكون هذا الحياد إيجابياً – في مواجهة أرباب العمل إذا هم لم ينصفوا العمال، وفي مواجهة العمال إذا هم أخلوا بالعمل. على أن ثنائية الشيوعية ليست متعادلة لأنها تتكون من عمال عزل ودولة ذات شوكة. وإذا كان في عدم التعادل ظلم.. فإن في التعادل فوضى – وعليه فإنه لا ينطبق على ثنائية الشيوعية المعاصرة إلا نظرية الدعوى والنقيض عند ماركس.
الدعوى والنقيض عند ماركس
إن قاعدة الدعوى ونقيض الدعوى تقتضي التهادم فيما بين الدعوى والنقيض، ثم يتحول هذا التهادم إلى جامع بين غالب ومغلوب – يقابله نقيض جديد فجامع آخر جديد، ثم نقيض آخر جديد وهكذا إلى ما لا نهاية. وإذا كانت ثنائية العمال والدولة غير متكافئة ولم يكن بين طرفيها تهادم فعال بحكم قاعدة الدعوى والنقيض، فذلك لأن الدولة مسيطرة بدعوى اشتراكية جديدة على طبقات الشعب في انتصار دعواها على نقيض طبقات الشعب. وان انتصار الدولة كون من الدولة وسائر طبقات الشعب – جامعاً بين دولة وعمال يحميه تسليح الدولة ويجعله يستمر لأمد مديد ما لم ينبعث له نقيض جديد من الداخل أو الخارج.
وإذا كان نقيض الفعل يعني رده، وأن يكون بين الفعل ورده غالب ومغلوب فذلك أمر طبيعي لأن ردود الفعل تكون مختلفة على الأغلب ليقوم على ذلك التعامل والتعايش، والتنافس والتهادم بين الأفعال وردودها عند الأفراد والمجموعات والأمم وسائر الأفعال والقوى. ومع ذلك فإنها غير مكتملة بحيث يعوزها جانب التعادل.
علماً بأن ثنائية نيشه في مجال التصور، وثنائية هيجل في مجال الفكر لا تختلفان عن ثنائية ماركس في مجال الاقتصاد والتهادم بين الأمم. ولكن هذه الثنائيات الثلاث تختلف تماما مع ثنائية نيوتن في الفعل ورد الفعل المساوي المضاد. أي أنه إذا كان رد الفعل المساوي المضاد ينطبق على الجانب التعادلي من القاعدة فقط، وينقصه الجانب الإيجابي الغالب والجانب السلبي المغلوب فإن في ثنائيات: نيتشه وهيجل وماركس جانبي الغالب والمغلوب وبنقصها الجانب الحيادي الوسط.
وقد تقدم أن الأفعال المتساوية المتقابلة تؤول إلى صفر ككل قوتين متقابلتين ومتساويتين. وللمثال فإن أمريكا قد ضربت هيروشيما وناجازاكي عندما كانت منفردة بالقنبلة الذرية ، ولم يكن في الوقت نفسه لدى اليابان قوة مقابلة أو رد فعل مساو مضاد تخشاه أمريكا . ولكن عندما تعادلت روسيا مع أمريكا في هذا المضار أو تقابلتا – تعطل استعمال القوتين المضادتين معاً، كما هو الواقع الفعلي منذ ما يزيد عن ثلث قرن، رغم ما أنفقته الدولتان – وما زالتا من نفقات باهظة في هذا الشأن. علما بأن الدمار الشامل فيما لو استعملت القوتان المتضادتان معا.. فإنه يساوي صفراً كذلك. وهذا ما يجعل هذين البيتين من الشعر العربي خالدين بالنسبة لكثير من الناس وكثير من الدول:
والظلم من شيم النفوس فإن تجد ذا عفة فلعلة لا يظلم
ومن لم يذد عن حوضه بسلاحه يهدم ومن لا يشتم الناس يشتم
هذا، وان كفتي الميزان المتقابلتين إذا كانتا في حالة تعادل، وسواء كانتا فارغتين أو مملوءتين فإن النتيجة في التعادل واحدة.
حكم القرآن العظيم فيما تقدم
إن القرآن العظيم يقر قاعدة السلب والإيجاب والحياد الثلاثية في بضع آيات من سورة الرحمن منها قوله سبحانه: } والسماء رفعها ووضع الميزان {.
1 – إن الرفع سلب لما يخف وزنه عن مقدار مثله من الهواء كالغازات الخفيفة ترتفع نحو السماء ومن ذلك بخار الماء.
2- والوضع إيجاب للوزن الذي يزيد عن مقدار مثل وزنه من الهواء إلى جهة الأرض، ومن ذلك الماء عندما يعود إلى الأرض مطراً أو طلاًً.
3- يتبين التعادل من قوله سبحانه : } ألا تطغوا في الميزان ~ وأقيموا الوزن بالقسط ولا تخسروا الميزان ~ {.
أي إن عدم الزيادة في الميزان وعدم النقص في الوقت نفسه يعطينا شعبة التعادل المتتمة للقاعدة الثلاثية.
كما أن القرآن العظيم يقر قاعدة الوسط بالنسبة للإنسان في قاعدة ثلاثية: يمين ويسار ووسط، وذلك في سورة الواقعة بقوله سبحانه: } وكنتم أزواجاً ثلاثة ~ فأصحاب الميمنة ما أصحاب الميمنة ~ وأصحاب المشأمة ما أصحاب المشأمة ~ والسابقون السابقون ~ أولئك المقربون ~ {.
وقوله جلّ شأنه: } ثم أورثنا الكتب الذين اصطفينا من عبادنا فمنهم ظالـم لنفسه ومنهم مقتصد ومنهـم سابق بالخيرات بإذن الله {. 32/ فاطر
ويتضح من الآيات الكريمة أن وسطية الإنسان هرمية لأن التعادل الإيجابي والوسط الأعلى هو فطرة الله التي فطر الناس عليها مصداقاً لقوله سبحانه: } وكذلك جعلناكم أمة وسطاً لتكونوا شهداء على الناس ويكون الرسول عليكم شهيدا {. 143/ البقرة
ثم أن القرآن العظيم ينهي عن التناقض المتساوي والمتقابل كما ينهي عن التهادم فيما بين أمتين إذا كان ذلك مجرداً من مقصد نبيل وغاية سامية أو رسالة قيمة، وكان لمجرد التنافس الترابي بيت الأمم، وذلك في قوله سبحانه: } ولا تكونوا كالتي نقضت غزلها من بعد قوة انكاثاً تتخذون إيمانك دخلاً بينكم أن تكون أمة هي أربى من أمة إنما يبلوكم الله به وليبينن لكم يوم القيامة ما كنتم فيه تختلفون {. 92/ النحل
كما يقضي القرآن الكريم بقيام أعراف دولية بين الأمم المتحاربة في كل سلاح يرسل، وذلك في مستهل سورة ” المرسلات ” بقوله سبحانه: } والمرسلات عرفاً {
ومفرد المرسلات مرسلة، والمرسلة التي يلزم تقييدها بعرف دولي لا بد وأن تكون ذات شوكة تتعرض لأضرارها الأهداف العسكرية وغير العسكرية.
لذا يلزم أن يحد من أضرارها عرف دولي، وذلك كالطائرات والقذائف الحربية.
ويصح إطلاق اسم مرسلة أو مرسلات على مثل ذلك لأن الطائرات والقذائف ترسل من بلد إلى بلد دون أن يصاحبها سلاح من المشاة أو الآليات مثلاً أو أن يحول دونها أسوار أو قلاع.
وكثيراً ما نسمع في الإذاعات ونقرأ في الصحف عبارة: أرسل السلاح الجوي الفلاني كذا من الطائرات مثلاً، علما بأن في باقي السورة بيانا للمعنى سيراه القارئ الكريم في آخر هذا البحث.
ويدافع سبحانه عن المظلوم بمن هو أقوى من الظالم وذلك بقوله جلّ شأنه:
} ولولا دفع الله الناس بعضهم ببعض لفسدت الأرض ولكن الله ذو فضل على العالمين { 251/ البقرة
أو أن يكون الرعب والإرهاب متعادلين بين الدول الكبرى حماية للدول الصغرى كما هو واقع اليوم. كما يدافع سبحانه عن دور العبادة بقوله جلّ شأنه: } ولولا دفع الله الناس بعضهم ببعض لهدمت صوامع وبيع وصلوات ومساجد يذكر فيها اسم الله كثيرا ولينصرن الله من ينصره إن الله لقوي عزيز ~ {. 40/ الحج
كما يدافع الله سبحانه عن المؤمنين بقوله جلّ شأنه: } إن الله يدافع عن الذين آمنوا إن الله لا يحب كل خوان كفور ~ { 38/ الحج
( العقيدة ) عند الشيوعية
والعقيدة عندها هي ( لا إله ) ولم تعلم الشيوعية أن كلمة ( لا إله ) هي نصف كلمة التوحيد عند الموحدين ( لا إله إلا الله )، أي لا معبود بحق سوى الله. على أن العلم والمنطق علاوة على تراث رسل الله.. يقول أنه لا بد للكون من مكون ولا بد للنظام من منظم، وأنه لا بد وأن يكون المنظم أحداً صمداً موصوفاً بجميع صفات الكمال ومنزها عن أي من صفات النقصان، وأنه سميع بصير وعلى كل شئ قدير، وأن كل شئ عنده بمقدار. وإذا كان كثير من الملاحدة ومن جملتها الشيوعية يقولون بأن الطبيعة هي السر وراء هذا التكوين والتنظيم البديع القائم على سنة كونية لا تبديل لها ولا تحويل عنها.. فإن الرد الذي يفرض نفسه هو: إذا كانت هذه الطبيعة عاقلة مدبرة لا يتطرق إليها الفناء ولا التعب أو النصب، ولا تأخذها سنة ولا نوم، وإنها سميعة بصيرة وعلى كل شئ قديرة، فنقول نحن الموحدين إن هذه الصفات لا تجوز إلا لله سبحانه المبدع وحده، وإنكم آمنتم بالله من حيث لا تشعرون. وإذا سميتم ذلك بالطبيعة أو أي اسم آخر.. فإننا نسميها ” الله “. وإذا كنتم مع ذلك تقولون أن الطبيعة صماء بكماء عمياء لا تعقل شيئاً، فإن الرد الذي يفرض نفسه: إن فاقد الشيء لا يعطيه. وكيف عرفت الطبيعة أننا محتاجون إلى سمع وبصر وإرادة..
وهي مجردة من ذلك كله ؟ علماً بأن الشيوعية في قولها ( لا إله ) تكون قد هدمت بذلك جميع الوثنيات والطواغيت. هذا وأن العلم والعقل كفيلان بأن يعترفا بوجود سر عظيم وراء هذا الكون وهذا الإبداع، وإن المبدع والمكون سبحانه سميع بصير، لا إله إلا هو يبدىء الخلق ثم يعيده
} هو الأول والآخر والظاهر والباطن وهو بكل شيء عليم { 3/ الحديد
ثم إذا كان الإنسان هو مركز الثقل وبيت القصيد من هذا الخلق كله، فإن حياته الإمتحانية الأولى مراقبة ومحاسب عليها من الخلاق العظيم.. إن خيراً فخير، وإن شراً فشر ويقبل سبحانه القليل، ويعفو عن كثير. وعليه فإنه:
لا بد للدوائر والأعمال من حوافز وضوابط
وإن العدل يقتضي ذلك وإلا كان المحسن والمسيء على حد سواء، وهذا ما لا نرضاه في وجوب المراقبة على إدارتنا وأعمالنا بضوابط وحوافز، فكيف يقبله الخلاق العظيم المبدع لا إله إلا هو للإنسان حامل الأمانة والمسئولية ككل ؟ مصداقاً لقوله سبحانه:
} أم حسب الذين اجترحوا السيئات أن نجعلهم كالذين آمنوا وعملوا الصالحات سواء ً محياهم ومماتهم ساء ما يحكمون {. 21/ الجاثية
وقوله جلّ شأنه: } أفنجعل المسلمين كالمجرمين ~ ما لكم كيف تحكمون ~ { 36/ القلم
ثم ما أعظم ذلك الإعرابي السائر خلف بعيره عندما سأله أحد المارة: كيف عرفت الله ؟ قال مشيرا إلى ما هو أمامه من بعيره والأرض والسماء: إن البعرة تدل على البعير.. والأثر على المسير، أفسماء ذات أبراج وأرض ذات فجاج ألا يدلان على السميع والبصير ؟
تطور الشيوعية من مذهب إلى مذهب آخر
إن الشيوعية تؤمن بالتطور في كيف الكيف وكم الكم، وعليه والحالة هذه.. فإن الشيوعية إذا ما رأت إن التوحيد الخالص في العبادة هو الأصلح، فإن دخولها في عقيدة التوحيد البعيدة عن الوثنيات والطواغيت لا يكلفها هدم عقائد من وثنيات وطواغيت راسخة في أدمغة الناس وعقولهم، وما عليها إلا أن تقوم بإعلان إيمانها بنصف كلمة التوحيد الأولى ( لا إله ) عن عقيدة صحيحة مستثنية ما يقره العلم النافع والعقل الراجح والفطرة السليمة والسجية المستقيمة من إثبات مبدع ومكون لهذا الكون، وسر أعظم وراء هذه الخلائق ومتممة لكلمة التوحيد ( لا إله إلا الله ) لا سيما وأن الإنسان في فطرته وضعفه محتاج إلى قوة تنشله مما يتعرض له من مشاكل كثيرة تمر عليه، أو أطماع يتوق إليها بدليل أن العالم اليوم كلما اكتشف قوماً بدائيين في أحد مجاهل العالم، يجدهم يعملون تمائم وعوذاً ورهبنات يؤمنون بقدسيتها. كما يوجد في كثير من بلاد العالم منجمون، وفوالون، وضاربو ودع وأزلام وأصنام لينقذوهم من ورطتهم المتكررة، علما بأن مثل ذلك موجود في جميع أطوار البشرية منذ قوم نوح إلى عصرنا الحاضر، وأن الرسل والأنبياء قد أرسلها الله سبحانه لترشد الناس إلى العقيدة السليمة التي يحتاج إليها البشر حاجتهم للغذاء والهواء، ألا وهي الإيمان بإله واحد سميع بصير.
على أنه إذا كان في كلمة ( لا إله ) مجرد هدم.. فإن في تكملتها ب ( إلا الله ) بناء. ومن الثابت أنه لا يجوز هدم بناء قائم قبل تصور واضح وبخطة مدروسة كتمهيد لبناء جديد يحل محل البناء المزال. على أن كلمة ( لا إله إلا الله ) تعني الهدم للخطأ مع البناء الصحيح بكلمات قليلة جديرة بالإيمان والتقدير.
مخالفة اليهود لتعاليم دينها
على أن الأمر الذي يؤسف له هو أن اليهودية العالمية وهي دين توحيد قد كانت عاملاً مهماً في ضياع التوحيد عند كثير من الأمم ولا سيما في الديانتين المسيحية والإسلام. فقد أوجدت بينهما من الباطنيات وإنصاف الباطنيات الشيء الكثير، وكونوا الرهبنات والقدسيات ومدعي الإلهامات والرؤى وغير ذلك مما جعل للبعض قدسيات تدعي بأنها عارفة بالله ومتصلة به، ومتصلة برسل الله أو بعباد الله الصالحين، وأنها مكشوف عنها الحجاب، لا تناقش.. تقول فيسمع قولها، وتقدس وتتخذ أرباباً من دون الله في حياتها، ثم تشيد عليها القبب والمساجد بعد موتها ليستمر التبرك بها والتقديس لها تقرباً وتزلفاً على الله مما يجعل الأمر ملتبساً على المتوجه إلى مسجد خاص فيمن هو المقصود باتجاهه.. أهو الله سبحانه أم ذلك الضريح ؟ إذ لا يخلو ذلك من شرك والله سبحانه هو أغنى الشريكين (مصداقاً لقوله سبحانه: ” فما كان لشركائهم فلا يصل إلى الله وما كان لله فهو يصل إلى شركائهم ساء ما يحكمون ” الآية 136/ الأنعام).
علماً بأنه لا فرق بين ضريح سعد زغلول وتمثال سعد زغلول لأن كليهما يرمز إليه. وما أعظم مناداة القرآن العظيم لهدم ذلك كله بقوله جل ّ شأنه مخاطباً خاتم رسله عليهم جميعاً صلاة الله وسلامه :
} قل يا أهل الكتاب تعالوا إلى كلمة سواء بيننا وبينكم ألا نعبد إلا الله ولا نشرك به شيئاً ولا يتخذ بعضنا بعضاً أرباباً من دون الله فإن تولوا فقولوا أشهدوا بأنا مسلمون ~ { . 64/ آل عمران
على أنه يجب ألا يغيب عن البال أيضاً أن الكثير من الباطنيات وأنصاف الباطنيات تتعاون مع اليهودية العالمية باطناً وظاهراً، وتحاول اليهودية أن تجعل من هؤلاء أرتالاً منبثة في صفوف الإسلام والمسيحية. ونفيراً تتخذ منه عونا لها عند الاقتضاء. ثم أتمت اليهودية مهمتها بالمساهمة الفعالة في تكوين الشيوعية بقصد القضاء على كل تجمع يقوم على توحيد ما، سواء كان ذلك التجمع دينياً أو قومياً أو وطنياً. وكونت بذلك تعادلا دولياً جعل وزن الدول الكبرى متعادلاً مشلول الحركة.. وأخذت تعيث في الأرض فساداً بسبب هذا التعادل المشلول. وقد جعلت من بعض الدول ولا سيما أمريكا أداة طيعة في يدها فأخذت تقتل أعدائها بالجملة ( وكل العالم أعداء لها ) ويوم إيقافها عند حدها آت ولا ريب بإذن الله ( وكل آت قريب ) وأن مما يقضي على هذا التعادل المشلول الحركة توحيد كلمة العالمين المسيحي والإسلامي على كلمة التوحيد ( لا إله إلا الله )، الله، الرحمن، الرحيم، إله واحد. وما أخال غرب أوروبا إلا عاملاً على ذلك وما ذلك على الله بعزيز. (وسيأتي تفصيل ذلك في كتابي ” توحيد الكلمة على كلمة التوحيد ” الذي سيظهر قريباً إن شاء الله).
علماً بأن ما عدا مثل هذا التثليث في أسماء الله وصفاته الكثيرة المتعددة باطل وسواء كان شعاراً دينياً أم قومياً أم وطنياً، إذ لا يجمع مع الله سبحانه في شعار قومي أو وطني شيء إلا باستعمال حرف ” ثم ” الذي يأتي للترتيب والتراخي بدلاً من ( واو العطف )، لكيلا يقول خطيب ما: الله والشعب والوطن مثلاً.. بل يقول الله، ثم الشعب والوطن. أي أن إرادة الله أولا ً ثم الإرادة الشعب، لأن إرادة الله كلية مطلقة.. وإرادة الإنسان جزئية محدودة.
على أنه لا يجوز استعمال مثل ذلك في الشعارات الدينية كالتثليث عند الرومان: الله والروح والعقل، والتثليث عند الإغريق: الله والروح والجمال، لأنه تثليث وثني فيه شرك بالله، والله سبحانه هو الغني الحميد.
وعليه.. فإذا كانت عقيدة التوحيد الخالص في الإسلام الصحيح فإن أ ي جانب من الجانبين العالميين يسبق إلى الإسلام يضيف إلى تعداده ما يقرب من خمس سكان العالم. علماً بأن أوروبا الغربية أحوج من روسيا لزيادة العدد، وأن الإسلام متمم للمسيحية، وأن في الإسلام من الدفاع عن السيد المسيح عليه لصلاة وسلامه وعن والدته السيدة العذراء البتول سيدة نساء العالمين الشيء الكثير مما حدا بالهر”إرنست دي بونس ” في كتابه ” الإسلام.. أو النصرانية المصححة” أن يقول: ما دام الله واحداً فلا بد أن يكون الدين واحداً.
على أن الإسلام والمسيحية ككل يشكلان ما يقرب من نصف سكان العالم، وأن القرآن العظيم كما قال الهر إرنست مصحح للمسيحية وأذكر بهذه المناسبة آيات قرآنية مما جاء في حق السيد المسيح ووالدته العذراء البتول سيدة نساء العالمين، ففي الآية 87 من سورة البقرة يقول سبحانه: } وآتينا عيسى ابن مريم البينات وأيدناه بروح القدس {
وفي الآية 12 من سورة التحريم قوله تعالى: } وصدقت بكلمات ربها وكتبه وكانت من القانتين {
وقد سمي الله سبحانه السورة الثالثة من سور القرآن الكريم باسم آل عمران، وعمران هو والد السيدة مريم العذراء أم المسيح عليهم السلام.
كما ننصح الأخوة المسيحيين بأن يطلعوا على هذه السورة الكريمة ونخص بالذكر الآيات من 33 إلى 64 علماً بأن يحي بن زكريا المذكور في هذه السورة من آل عمران .. هو ابن خالة السيد المسيح، وعمران هو جدهما لأمهما عليهم جميعاً صلاة الله وسلامه، ويحي هو يوحنا المعمدان عند المسيحيين. كما ننصح بقراءة سورة مريم. على أن القرآن كله يدافع عن السيدة العذراء البتول والسيد المسيح عليهما السلام، ويدافع عن المسيحية بقوله سبحانه: } لتجدن أشد الناس عداوة للذين آمنوا اليهود والذين أشركوا ولتجدن أقربهم مودة للذين آمنوا الذين قالوا إنا نصارى ذلك بأن منهم قسيسين ورهباناً وأنهم لا يستكبرون { . 82/ المائدة
ماركس واطلاعه على الأديان
إنني أعتبر الشيوعية شيئاً واحداً دون أن أفرق بين صاحب النظرية ماركس.. والمنفذين لها من بعده كلينين وستالين مثلاً رغم بعض الخلاف بينهم.
على أنني لا أستبعد فيما لو جاء للشيوعية رجل مثل لينيين أن يتم كلمة التوحيد وينادي بها، وأن الشيء بالشيء يذكر.. فقد تم لقاء بين أحد الأخوة الذين نثق بهم، وبين وزير الخارجية السوفييتي المستر أندريه جروميكو، ويذكر الأخ الكريم أن مما قاله الوزير جروميكو أن الشيوعية سائرة ولا يقف في وجهها إلا الإسلام وتشريعه كالزكاة والصدقات .
كما يجب ألا يغيب عن البال أيضاً أن ماركس قد درس المذاهب المسيحية وأنه ربما مارس اعتناقها فعلاً قبل أن يبرز نظريته. ومما صرح به بأنه درس الإسلام وقرأ القرآن، وعليه فلا يستبعد أن يكون إيمانه أو بعض تلاميذه بكلمة ( لا إله ) كانت مقدمة للقضاء بها على جميع الأديان التي لا تخلو من الشركيات، وأن تترك الخطوة الأخرى في إتمام كلمة التوحيد للمستقبل فيما إذا اقتضى الأمر ذلك. ومن المحتمل أن يكونوا قد تصوروا ما سيكون علبه رجال الفكر العالمي اليوم إذ يكاد يكون الإجماع وارداً في السر والعلن على أن محمداً رسول الله وخاتم النبيين عليهم جميعا صلاة الله وسلامه هو خير مخلوق وطأت قدماه الأرض، وأن القرآن العظيم هو أعظم كتاب منزل، وأنه لم يتطرق إليه التحريف أو التغيير وأن عجائبه لا تنقضي.. وأن الفتوحات الإسلامية هي أسرع وأكبر الفتوحات العالمية وأقومها رسالة وعدلاً. ومما قاله الفيلسوف الفرنسي غوستاف ليبون: ( ما عرف العالم فاتحا أرحم من العرب ) وقال الفيلسوف البريطاني الكبير برنارد شو بما معناه: أن العالم سيؤول في النهاية إلى عقيدة إيمان وتوحيد في الإسلام، وليس غير الإسلام إلا الإلحاد.
وإذا كان فيما تقدم أن الإلحاد باطلا عقلا ونقلاً.. فإنه لا عقيدة إلا عقيدة التوحيد الخالص.
وكما تقدم أن الدين عند الله واحد وأن الإسلام خاتم الأديان يعترف بجميع الأنبياء من قبله ويصدق دعوتهم عليهم جميعاً صلاة الله وسلامه وأن المسيحية ليست كاليهودية محجورة بسياج عنصري عن الاندماج مع الإسلام في عقيدة توحيد خالص، نعم.. إذا كان ماركس أو تلاميذه قد قصدوا أن تكون كلمة ( لا إله ) مقدمة لإتمام عقيدة التوحيد ( لا إله إلا الله ) فبذلك تكون الفكرة سليمة (وكما قيل: الغاية تبرر الوسيلة).
أما إذا كان العكس هو المقصود، وذلك باتخاذ الجانب الآخر.. أي الجانب الإلحادي اليساري كي يكون في جانب ويكون الموحدون في جانب آخر.. خدمة لنزعة عنصرية، وحباً في استمرار بقاء الأقلية اليهودية متفوقة بين قوتين متعادلتين فلا !!!
وأن الشيء بالشيء يذكر فإنه عندما رأت اليهودية أن بعض اليهود معجبين بتعاليم الإسلام في إسبانيا، وأخذوا يدخلون في الإسلام رأى رجال الدين أن يأخذوا الكثير من فقه الإمام مالك ويجمعوه في كتاب أسموه بالتوراة الحديثة لإيقاف ذلك حيث أن المعروف عن اليهودية أنها تؤمن بالإيحاء الإنساني المقدس من رجال الدين أي الإلهام – إيمانها بالتوراة – أو يزيد بدليل أن إيمانها بالتلمود يفوق إيمانها بالتوراة. وقد صدرت من ذلك لغيرها الشيء الكثير.
ولعل كارل ماركس لم يكن يقصد الجانب الآخر لأن والده تحول إلى المسيحية عندما كان عمر كارل ست سنوات.
ولزيادة الإيضاح.. نؤكد أن
القاعدة الصحيحة الشاملة للخلق كله: ثلاثية
وطالما أننا تحدثنا عن ذلك فلا بد لنا من تثبيت القاعدة.. وأن جميع الثنائيات تخضع لها، وأنه لا بد لكل صف من يمين ويسار ووسط، كما أن لكل فكرة مؤيداً، ومعارضاً ومعتدلاً أو غير مهتم وكذلك الأمر بالنسبة لكل خطيب أو متحدث أو كاتب أو غير ذلك من الأفعال والأقوال.
وعلى ذلك تكون هذه الثنائيات صحيحة فيما تتوافق به مع القاعدة وناقصة بما ينقصها من القاعدة وعليه فإن ثنائيات الثلاثة: نيتشه وهيجل وماركس تبدأ من فعل ورد فعل مضاد غير مساو يشكلان سلباً وإيجاباً وينقصهما التعادل.
ومما يدل على أن هذه الثنائيات الثلاث ينقصها جانب التعادل الوسط الذي يقره العلم والواقع أن الكثير من أشكال الصراع والمنافسة ينتهي بالتعادل بين جانبي السلب والإيجاب أو الفعل والنقيض
كما أن كثيراً من الحروب تكون سجالاً بين الجانبين المتحاربين دون أن تتلاشى أمة في أخرى، بدليل أنه لم يحصل اندماج بين دولتي الروم والفرس ولم يشكلا جامعاً رغم حروبهما الطويلة وبقيت إيران محتفظة بقوميتها واستقلالها رغم إسلامها حتى عصرنا الحاضر.
كما أن فرنسا لم تستطع إدماج الجزائر فيها رغم محاولتها ذلك زهاء مائة عام.. لأن القاعدة في الخلق ثلاثية، فالغالب إيجاب والمغلوب سلب، وتعادل الجانبين حياد، على أن في الدين الصحيح جامعاً فيما لو سلم من انحرافات مضادة لتعاليمه تعمل على التفرقة بين الصفوف.
ثم طالما تحدثنا عن خضوع هذه الثنائيات الثلاث للقاعدة الثلاثية.. فلا بد لنا من التحدث عن خضوع ثنائية نيوتن للقاعدة الثلاثية في الفعل ورد الفعل المساوي والمضاد، فنقول أنه إذا زاد رد الفعل عن الفعل كان الفعل إيجاباً وكان رد الفعل سلباً والعكس صحيح أيضاً، وأن في تعادل الفعليين حياداً. وأن الثنائيات الثلاث بعد نيوتن تختلف معه تماماً إذ أن الذي يظهر من مقولته: لكل فعل رد فعل مساو له في القوة ومضاد في الاتجاه.. أنه اعتمد على التعادل فقط اللهم إلا إذا كان قد قال: إن لكل فعل رد فعل مساو له في القوة ومضاد له في الاتجاه يساو صفراً وان التسابق والتنافس يحتمان على ردود الفعل أن تكون مختلفة، وأن تلاميذه لم ينتبهوا لذلك واعتمدوا في تطبيق نظريته في الأمور المتعادلة والمتقابلة فقط فإنه يستحق التخليد، وإلا فإن نظريته تحتاج إلى تكملة كباقي النظريات.
وتؤكد أن القاعدة الثلاثية شاملة للخلق كله، وإن بين كل متقابلين جانباً ثالث ً وسطاً. ونذكر بعضاً مما جاء في القرآن العظيم كقوله سبحانه: } وكلوا واشربوا ولا تسرفوا إنه لا يحب المسرفين { 31 / الأعراف
لكي تكونوا معتدلين في الأكل بين التفريط والإفراط وبين ضرري الجوع والتخمة. وقد ورد في الحديث الشريف: ( نحن قوم لا نأكل حتى نجوع، وإذا أكلنا لا نشبع ). وقوله سبحانه: } ولا تجعل يدك مغلولة إلى عنقك ولا تبسطها كل البسط فتقعد ملوماً محسوراً {. 29/ الإسراء
لكي لا تبخل أيها الإنسان ولا تبذر فترهق نفسك في الصرف غير المحتمل مصداقا ً لقوله سبحانه: } والذين إذا أنفقوا لم يسرفوا ولم يقتروا وكان ذلك قواما { 67/ الفرقان
والقوام هو الوسط بين التبذير والتقتير. ولله در من قال:
بين تبذير وبخل رتبة وكلا هذين إن زاد قتل
وكما جاء في بعض الأمثلة: لا ضرر ولا ضرار، ولا تفريط ولا إفراط وإن وخير الأمور الوسط، وكذا فإنه لا تطرف يميني في الدين ولا تطرف يساري على أن الملاحظ أن كثيراً ممن هداهم الله إلى الإيمان يقفزون من اليسار إلى اليمين دون استهداف الوسط المثل، علماً بأنه أقل ما يقال عن التشيع والتصوف أنهما تطرف نحو اليمين، وأن دين الله وسط.
قاعدة – أرشميدس.. في الطفو.. والقاعدة الثلاثية
إن قاعدة أرشميدس تشكل الإيجاب في الجانب الغاطس، والسلب في الجانب الطافي، على أنه وإن كان الحياد موجوداً في الوسط بين الجانبين ، ألا أنه لم يشر أرشميدس ولا غيره من تلاميذه كما أنهم لم يشيروا إلى أن الغاطس إيجاب، واكتفوا بالطفو الذي هو سلب بحكم القاعدة. على أن تفاحة نيوتن في الهواء امتداد لقاعدة أرشميدس في الماء إذ تشكل الجانب الغاطس من تجربة أرشميدس، أي الجانب الإيجابي. ولم يشر تلاميذ نيوتن من بعده عن جانبي السلب والحياد، علماً بأن القواعد في النطاق المائي والمجالين الهوائي والغازي واحدة. وعلبه فإنه تخضع للقاعدة في حركة دائبة مصداقاً لقوله سبحانه: } وترى الجبال تحسبها جامدة وهي تمر مر ّ السحاب صنع الله الذي أتقن كل شيء إنه خبير بما تفعلون { . 88/ النمل
وأن الأشياء والأجواء في حركة دائبة وتبادل مستمر بين الرفع والوضع.. وأن الرفع والوضع نسبي فيما بين الأشياء والأجواء.. وأن الكل يسعى ـ بحكم القاعدة ـ ليستقر في تعادل أو تكامل أو سكون على جرم صلب يحمله – كسطح الأرض مثلاً – التي هي جهة الوضع ومقر الإنسان الذي هو مركز الثقل المسخر له الخلق، كله، وذلك مصداقاً لقوله سبحانه: } والأرض وضعها للأنام {
ومصداقاً لقوله جلّ شأنه: } أمن جعل الأرض قراراً وجعل خلالها،أنهاراًوجعل بين البحرين حاجزاً إله مع الله بل أكثرهم لا يعلمون {. 61/ النحل
وقوله تبارك وتعالى: } الله الذي جعل لكم الأرض قراراً والسماء بناء ً {. 64/ غافر
أي كما أن السماء هي جهة الرفع للأشياء التي يقل مقدار وزنها وكثافتها عن مثلها من جوها، فإن الأرض هي جهة الوضع للأشياء التي يزيد وزنها وكثافتها عن مقدار مثلها من جوها. وسواء كان ذلك النطاق أو المجال ماء أم هواء أم عازاً.. فإن القاعدة لجميع الأشياء في جميع الأجواء واحدة كما تقدم.. بدليل أن الأموات على مختلف أشكالها بما فيها من قذارة وملوحة تتبخر مشكلة الجانب السلبي.. أي جانب الرفع نحو السماء، ثم تستقر استقراراً مؤقتاً بين جوين: جو أخف منها كثافة لا تستطيع اختراقه رفعاً، وجو أثقل منها لا تستطيع اختراقه وضعاً إلا إذا عادت إلى أصلها المائي إيجابا فتعود إلى الأرض ماء عذباً طهوراً. مطرا أو طلاً أو برداً أو جليداً. وهكذا الأمر باستمرار دائب، وهذه من نعم الله سبحانه التي ينهى جلّ شأنه عن التكذيب بها ومنها تكرير الماء وتطهيره في الرفع والوضع فيما بين الأرض والسماء، بل إن الأمر يقتضي الشكر لأن الماء مثلاً أصل الحياة وفيه استمرار بقائها. علماً بأن الكثافات محسوبة وموزونة، فإذا كانت التفاحة ترسب في مجال الهواء فإنها تطفو على الماء بمقدار كثافتها بالنسبة إليه، وأن قطعة الحديد ترسب في الماء وتطفو متعادلة بمقدار كثافتها لكثافة الزئبق كالتفاحة في الماء. وعليه فإنه لا خلاف بيننا وبين نيوتن في سقوط كل ما زاد وزنه عن مقدار مثله من الهواء نحو الأرض، وذلك بحكم قاعدة أرشميدس في الماء.. وأنه لا فرق بين التفاحة الراسبة في الهواء وقطعة الحديد الراسبة في الماء، وأن القواعد في جميع الأشياء والأجواء واحدة، وهذا أمر معروف بالبداءة والفطرة كما تقدم.
على أنه لا فرق بين سقوط صخرة كبيرة من عل نحو بحر أو محيط، أو انطلاق غرفة غاز من أعماق المحيط . وقد تغرق الصخرة غرفة الغاز إذا كانت أكبر منها.. وقد تقذف غرفة الغاز بالصخرة إذا كانت أقوى منها.. وقد تتعادل صخرة أو قطعة من الأرض على غرفة من الغاز فتشكل جزيرة كبيرة أو صغيرة وتبقى طافية على الماء ما لم يتسرب الغاز من الغرفة عن طريق بركان أو غير ذلك، أو تتفتت الصخرة فينطلق الغاز لجهة السماء.
كما أنه لا فرق بين ارتطام الإيجابيات بالنسبة للهواء على سطح الغرفة من فوق أو التصاق السلبيات في سقفها من الداخل ما لم تجد لها منفذاً تحرج منه على شكل بركان ممثلاً.
وكذا الأوزان على سطح الغرفة تبقى ساكنة ما لم تجد لها منفذاً تخرج منه نحو أرضها فتستقر ما لم تصادف بئراً تسقط إلى قاعه، فيما إذا كانت أقفل وزناً من مائه ، أو تتعادل فبه بالنسبة للفرق فيما بين الوزنين أو الكثافتين. على أن الشلالات والفيضانات على عكس البراكين إذ تتدحرج معها الحجارة نحو الأسفل وكل ذلك معروف بحكم القاعدة الثلاثية المتقدمة، ومعروف بالبداءة والبداهة والفطرة والواقع والغريزة. ولا يخفى ما في ذلك من المحافظة على بقاء الجنس في كل كائن حي ليتحاشى السقوط أو أن يسقط شيء عليه. والصورتين جزيرتين كبيرتين في حالات ثلاث:
أ ) محمولتين فوق غرفتي غاز.
ب) في حالة تسرب الغاز من تحتهما.
ج ) غرقهما بعد نفاذ الغاز من تحتهما.
أينما وجد السلب والإيجاب.. و جد الحياد بينهما
وكثيراً ما يظهر ذلك على الأرض في الألعاب الرياضية ولا سيما في الحركات التي يفقد فيها المتمرن وزنه، كما هو ظاهر أيضاً في التزحلق على الجليد وفي الطيران الشراعي، والحركات البهلوانية، وفي طائرات التدريب الصغيرة عندما ينفذ منها الوقود أو عندما تصاب يخلل فإن الطيار يستطيع الهبوط بها بشيء من المواربة والتعديل بين الأرض والسماء حتى يصل بها إلى الأرض سالماً. وكما يحصل مثل ذلك عند صعود متمرن من الأدنى إلى الأعلى بين عمارتين ماشياً على حبل ممدود بينهما، متعادلاً برمح طويل نسبياً. يحصل ذلك أيضاً لدى المتمرنين عل خفة الحركة ولا سيما عند الرهبنات الهندوكية وغير الهندوكية كمعاجز يظهرونها أمام الجماهير.
وقد بحدث مثل ذلك للبعض بالا شعور. وإن الشيء بالشيء يذكر فقد سقطت حفيدة لي ولها من العمر سنتان من الدور الثالث إلى الأرض متأرجحة حتى وصلت إلى الأرض سالمة، وكان ذلك في إحدى عمارات بالقاهرة، وكانت العمارة مملوكة في الأصل لكنيسة بجوارها، مما حدا ببعض المتدنيات المسيحيات أن يقبلن الأرض مكان سقوطها معتقدات أن ذلك من كرامات الكنيسة .
كما أـنه من غير المستبعد وصول المصريين القدماء إلى التعادل والمواربة بين الوزن واللاوزن أو الرفع والوضع أو السلب والإيجاب بدليل السرعة في بناء الأهرامات وإلا فكيف استطاعوا نقل تلك الأحجار الثقيلة ورفعها بهذه الفترة الزمنية المتناهية السرعة ؟ وإذا كان ذلك لا يحصل لكل إنسان على الأرض فذلك لالتصاقنا بالأرض وبعدنا عن السماء، وعدم استعمال الحركة الانطلاقة المفقدة للوزن، وفوق ذلك كله أنها من نعم الله سبحانه على الخلق لتبقى مستقرة على الأرض.
يؤيد هذا لمعنى الآيات 10/12 من سورة الرحمن وهي قوله سبحانه: } والأرض وضعها للأنام ~ فيها فاكهة والنخل ذات الأكمام ~ والحب ذو العصف والريحان { ~
ويتبن من ذلك كله أنه كلما السماء هي الجهة الرفع، فإن الأرض هي جهة الوضع، كما يسميها نيوتن والعالم كله بالجاذبية الأرضية. وإن في هذه الأرض أشجار فاكهة ونخيل غذاء للأنام، وبما قي ذلك تفاحة نيوتن، وفيها أيضاً الحبوب ذوات السنابل والورود والرياحين، وأن تخصيص العصف بالذكر يشير إلى أن خفة التين الناتج عن سنابل الحبوب بعد ما يجف الماء منها تجعله يتطاير في الهواء فيما لو ترك ولم يشد بعضه إلى بعض ويربط ويحفظ كغذاء للسائمة. وأن هذه الأشياء تعود إلى الأرض مصداقاً لقوله سبحانه في الآية السادسة.
على أن فقدان الوزن يحصل لكل جرم يخرج من غلاف الأرض الجوي ويتحول من الحركة الرأسية داخل الغلاف إلى الحركة الأفقية المواربة حول الأرض، إذ يكون الجرم أقرب شيء إلى التعادل فيما بين الرفع والوضع، إلا أنه إلى الوضع أقرب نظراً لقربه من الأرض غلا بتركيز رأسي وبقوة كاستعمال صواريخ مثلاً لاختراقه. ومثل هذا ما سيتم للجرم واحتكاكه به شيئا فشيئا ولله در الشاعر العربي قوله في هذا المعنى:
أنظر تر الحبل بتكراره في الصخرة الصماء قد أثرا
ويؤيد التعادل قوله سبحانه في الآية الخامسة من السورة الكريمة: } والشمس والقمر بحسبان {
إذ يتبن من ذلك أن الشمس والقمر وغيرها من الأجرام السماوية بحساب رباني دقيق فيما بين الرفع والوضع والوزن واللا وزن ليكونا بوزن الصفر أو ما يقرب من ذلك ومن المعلوم أنه إذا كان لدينا بلايين الأطنان في مقابل بلايين أخرى مماثلة فإن الوزن يؤول إلى صفر. أي أن الأبعاد والميل الأفقي الموارب فيما بين الأرض والسماء والموقع والحركة كل ذلك بحسبان رباني دقيق، ولعل لذلك معان أخرى لا نحيط بها علماً. وأم مما يعلم منها أن المسافة بين الشمس والأرض مثلاً لو زادت في البعد قليلاً لتجمدت الأرض، ولو نقصت لاحترقت. وكذلك القمر لو زاد قرباً أو بعداً لتغير نظام المد والجزر في البحار وأغرق اليابسة. كما أن اختلاف الليل والنهار، والفصول الأربعة في دورتي الأرض اليومية والسنوية بحساب رباني دقيق أيضاً على غرار هذه القاعدة الثلاثية الكونية الشاملة للخلق كله على أن الوضع والرفع والوزن واللا وزن وكل نقيضين – تعادلا.
والذي يتبين من تخصيص الأنام بقوله سبحانه: } والأرض وضعها للأنام {
إن المفروض في الأنام أن يقدروا آلاء الله التي هي نعمه سبحانه وألا يكذبوا بها، لن الإنسان هو حامل الأمانة وموضع المسئولية من الخلق كله، فلو عرف أهميته ومكانته، لما ضيع مواهبه الجمة وأذهب الكثير من عمره القصير في لهو الحديث. وسبحانه من لا يسهو ولا يلهو ولا ينام، القائل: } فاتقوا الله ما استطعتم واسمعوا وأطيعوا وانفقوا خيراًً لأنفسكم ومن يوق شح نفسه فأولئك هم المفلحون { 16/ التغابن
وأن تقوى الله تكون في حدود الاستطاعة ولا يكلف الله نفسا إلا وسعها وأن من نعم الله سبحانه على الإنسان جعله على أرض صلبة غير منهارة ليستقر عليها وليفكر في خلق الله وآلائه هادئا مطمئنا. وأن النجم والشجر يسجدان إلى الأرض بحكم قاعدة الوزن لأن كل شيء يزيد وزنه عن مقدار مثل وزنه من جوه يسجد نحو الأرض أي يسقط عليها وينحني أو يتدلى قم يسقط عليها في النهاية. وأن كل نبات الأرض له وزن لينتفع به سكان الأرض مصداقا لقوله سبحانه: } والأرض ممدناها وألقينا فيها رواسي وأنبتنا فيها من كل شيء موزون { 19/ الحجر
هذا وإن كل ما تراه العين داخل غلاف الأرض له وزن نسبي يسقط عليها، على أن الذي يتصاعد نحو السماء ضمن غلافها الجوي لا يكون له وزن بالنسبة للهواء ولا تراه العين المجردة.
وان الإنسان يحس بالهواء دون أن يراه لأن الهواء هو هواء الجو الذي يعيش فيه ومن خلاله يرى الأشياء وأن العين ترى كل ما زاد عن كثافة الهواء كالدخان والضباب والغبار والسحاب ومن البديهي أنه إذا كانت العين المجردة لا ترى الهواء، فإن عدم رؤيتها هو أقل من الهواء كثافة أولى وأخرى.
كما يمكن فقد الوزن وفقد المسافة بتحويل الأقفال إلى ذوات ترسل كطاقات لا تحول الموانع والمسافات دونها، ثم يعاد استقبالها بطريقة علمية. كما احضر الذي عنده علم من الكتاب عرش بلقيس إلى النبي سليمان من اليمن إلى القدس قبل أن يرتد طرف سليمان إليه، وكما تحول الكلمات والصور في الإذاعات وغيرها إلى طاقات ترسل من مكان إلى آخر فتستقبل بنفس اللحظة رغم المسافات الشاسعة.
وقد ذكر سبحانه حكاية عن نبي الله سليمان عليه السلام: } قال يأيها الملأ أيكم يأتيني بعرشها قبل أن يأتوني مسلمين~ قال عفريت من الجن آنا أتيك به قبل أن تقوم من مقامك وإني عليه لقوي أمين ~ قال الذي عنده علم من الكتاب أنا آتيك به قبل أن يرتد إليك طرفك فلما رآه مستقراً عنده قال هذا من فضل ربي ليبلوني أشكر أم كفر ومن شكر فإنما يشكر لنفسه ومن كفر فإن ربي غني كريم ~ { 38/39/40/ النمل
الجاذبيـــات
هذا وان التجاذب بين الأشياء يحفظ ذراتها وخلاياها في كتلها وأجسامها فرادى كما يحفظها مجموعات في حب أو جاذبية. على أنه لا بد من يوم تختل فيه الموزاين والجاذبيات فتنتشر الكواكب فيما عدا الأرض فإنها تشرق بنور ربها حاملة الشهداء والنبيين وغيرهم للقضاء العادل يوم القيامة لأنها فقدت نور تشرق به الأرض بعد انتشار الكواكب بما فيها الشمس إلا نور الرحمن سبحانه مصداقا لقوله تبارك وتعالى: } وأشرقت الأرض بنور ربها ووضع الكتاب وجيء بالنبيين والشهداء وقضي بينهم وهم لا يظلمون{ 69 / الزمر
ومصادقاً لقوله سبحانه في سورة الانفطار بعد البسملة: } إذا السماء انفطرت ~ وإذا الكواكب انتثرت~ وإذا البحار فجرت~ وإذا القبور بعثرت ~ علمت نفس ما قدمت وأخرت ~ يأيها الإنسان ما غرك بربك الكريم ~ الذي خلقك فسواك فعدلك ~في أي صورة ما شاء ركبك ~ كلا بل تكذبون بالدين~ وإنّ عليكم لحافظين ~ كراماً كاتبين~ يعلمون ما تفعلون ~ إن الأبرار لفي نعيم ~ وإن الفجار لفي جحيم ~ يصلونها يوم الدين ~ وما هم عنها بغائبين ~ وما أدراك ما يوم الدين ~ ثم ما أدراك ما يوم الدين ~ ثم ما أدراك يوم الدين ~ يوم لا تملك نفس لنفس شيئاً والأمر يومئذ لله ~ {
وإن الأرض تشرق بعد أن تتخلى عن جميع أثقالها من بحار وجبال وغير ذلك كما جاء في كثير من آيات كتاب الله وسوره، أذكر منها سورة الزلزلة وهي بعد البسملة: } إذا زلزلت الأرض زلزالها ~ وأخرجت الأرض أثقالها~ وقال الإنسان ما لها ~ يومئذ تحدث أخبارها ~ بأن ربك أوحى لها ~ يومئذ يصدر الناس أشتاتاً ليروا أعمالهم~ فمن يعمل مثقال ذرة خيراً يره ~ ومن يعمل مثقال ذرة شراً يره ~ {
وأعود إلى أصحاب النظريات والقوانين التي يتم القرآن ما نقص منها، فأقول إنه إذا كان لأصحاب النظريات والقوانين المتقدمة هالات كبيرة فذلك لأن التلاميذ والمريدين قدروا أساتذتهم وطوروا المسيرة وأحسنوا التجارب على ضوء هذه النظريات والقوانين لأولئك الأساتذة المحترمين، لا سيما من انتصر منهم على محاكم التفتيش في عدم تقييد حرية العلوم والتجارب. علماً بأن جلّ دوري في ذلك هو إتمام المسيرة على ضوء القاعدة القرآنية الثلاثية الشاملة للخلق كله. كما أني أحب من كل قلبي وأرجو من تلاميذ أولئك الأساتذة ألا ّ يعطلوا مواهبهم ويوقفوها عند نصوص النظريات مؤمنين بها إيماناً روحياً كما أرجو من الأخوة المسلمين ألا يوقفوا إعجاز القرآن العظيم عند الأقوال المتقدمة ويتعصبوا لها من دون استعمال مواهبهم والنظر فيها على ضوء الدليل من كتاب الله وسنة رسوله والعلوم الراسخة المستبينة، وإلا يكونوا مجرد إمعات، ولله در القائل:
لا تقل قد ذهبت أربابه كل من سار على الدرب وصل
وما أعظم حديث المصطفى r في هذا المعنى: ( نضر الله امرؤاً سمع منه شيئا فبلغه مثلما سمع، فرب مبلغ أوعى من سامع ).
علما بأن السامع صحابي والمبلغ كل من بلغه الأمر بعد ذلك إلى قيام الساعة.
وقوله سبحانه فوق كل قول مخاطباً خاتم رسله عليهم جميعاً صلاة الله وسلامه: } قل ما أسألكم عليه من أجر وما أنا من المتكلفين ~ إن هو إلا ّ ذكر للعالمين ~ ولتعلمن ّ نبأه بعد حين { 86/87/88 سورة ص
وعليه يجب على الإنسان ألا ينتمي انتماء روحياً لقول كل قائل وعليه أن يستنبط المعاني المتجددة ويعرضها، وأن كل إنسان له وعليه وكذا كل مدرسة وكل مذهب وأن المذهب الحقيقي هو الذي يصح بالدليل القطعي من أنبياء الله المرسلة وكتبه المنزلة المختتمة بالقرآن العظيم، المنزل على محمد رسول الله خاتم النبيين.
يتفرع من القاعدة الثلاثية أربع شعب
إن الخلق كله على وتيرة واحدة مصداقاً لقوله سبحانه: } الذي خلق سبع سماوات طباقاً ما ترى في خلق الرحمن من تفاوت فارجع البصر هل ترى من فطور { 3/ الملك
وأن وحدة الخلق كله من حيث تكرار عدد الثلاثة وعدد السبعة، ومن حيث النظام الكامل الشامل مما يدل على وحداني الخلاق العظيم. وعليه فإن في عالم الذرة نموذجاً عن عوالم الكون بما فيه عالم الإنسان ولا فرق بينهما إلا أن النظام الذرة مثلاً يسير على سنة كونية لا تبديل فيها لها ولا تحويل عنها، وكذلك الكون والخلق كله فيما عدا الإنسان الذي حمل الأمانة التي أشفقت من حملها السماوات والأرض والجبال فكان ظلوماً جهولاً في تصرفاته بتوجيه الإرادة النسبية المعطاة له والتي على أساسها يتحمل المسئولية ويستحق الضوابط والحوافز والثواب والعقاب في الدنيا والآخرة مصداقاً لقوله سبحانه: } إنّا عرضنا الأمانة على السماوات والأرض والجبال فأبين أن يحملنها وأشفقن منها وحملها الإنسان إنه كان ظلوماً جهولا ~ ليعذب الله المنافقين والمنافقات والمشركين والمشركات ويتوب الله على المؤمنين والمؤمنات وكان الله غفوراً رحيماً { 72/ الأحزاب
وقوله جل ّ شأنه: } ولقد خلقنا فوقكم سبع طرائق وما كنا عن الخلق غافلين { 17/ المؤمنون
مما جعلني أتساءل مع الأستاذ حسن سعيد الكرمي – صاحب ” قول على قول ” في القسم العربي من الإذاعة البريطانية في لندن عن عدد شعب الذرة وأنها لا تقف عند الأعداد الثلاثة: السلب في الإلكترون، الإيجاب في البروتون، والحياد في النيوترون – وأنه لا بد وأن ينطبق عليها ما ينطبق على الإنسان في وجود سلب إيجابي، وحياد إيجابي، وإيجاب سلبي، وحياد سلبي. وقد كتبت له هذه الشعب الأربع في ورقة رجوته الاحتفاظ بها لديه، فإذا ما اكتشف شيء من ذلك فأرجو أن يذكر ما كتبته. وكان هذا في أوائل الستينات. على أنه لم أكن من المشتغلين بالذرة إلا أن اعتقادي في الآية الكريمة جعلني أقول ذلك وأتوقعه .
ثم بلغني فيما بعد اكتشاف كهرب صغير في عالم الذرة اسمه البوزيترون، وأن لهذا الكهرب واجهة سلبية وشحنة إيجابية . وأن هذا الكهرب الصغير مكلف في إصلاح أي عطل في الذرة سواء كان العطل في فضاء الذرة كأن يحصل تصادم بين الأشعة أو في نواة الذرة كأن تتحول القاعدة من إيجاب إلى تعادل فينطلق لإصلاح الخلل في جزء من عشرة ملايين من الثانية متعادلاً فيه جانبا الإيجاب والسلب، ثم يتحول إلى طاقة ويتلاشى، ففرحت بذلك. وقد وصل ذلك إلى علمي في أواخر السبعينات، فاعتبرت أن البوزيترون أقرب ما يكون شبها بالجندي المجهول في عالم الإنسان، وأنه مخلوق تام تتوفر فبه السلبية بشكله الإلكتروني، كما تتوفر فبه الإيجابية بشحنته الإيجابية وتتوفر فيه التعادلية بشحنته التعادلية لأنه عندما ينطلق لإصلاح الخلل يتحول إلى تعادل ثم طاقة وينتهي عمره القصير. وهذا من لطف الله سبحانه في الكون كله بما فيه الإنسان.
كما اكتشف أيضا َ كهرب صغير مضاد للبوزيترون تماماً باسم الإيجاب المضاد، أي أته إذا كان البوزيترون يشكل المؤمن المتفاني في الخير والإصلاح في عالم الإنسان، فإن الإيجاب المضاد شر كله، وأنه أقرب ما يكون إلى المنافقين في عالم الإنسان أو ذوي النوايا السيئة الذين يظهرون بالمظهر الإيجابي بينما شحنتهم وطويتهم سلبية، وأن إيجابيتهم لمصالحهم الخاصة شأن بعض مراكز القوى في الدول إذ يظهرون الإيجابية ويبطنون السلبية، فتكون إيجابيتهم لمصالحهم الخاصة، أو شأن اليهودية العالمية إذ تكون مع القاعدة اليمينية ( أمريكا ) مثلاً في إيجابية بينما في طوياها إن هذه الإيجابية لصالح عنصريتها وقوميتها حتى ولو ذهبت أمريكا كلها في سبيل ذلك، مما يجعل الإنسان يؤمن أن الخير والشر موجودان في كل مكان حتى في عالم الذرة، وحتى في البكتيريا المفيدة منها والضارة، وأن العاقبة للخير المنتصر بإذن الله.
على أن الإيجاب المضاد يتعالى على القاعدة الشعبية في عالم الإنسان، والنواة في عالم الذرة، وأن القاعدة في العالمين واحدة. على أنه فيما لو استطاعت القاعدة الشعبية إدراك هذا الإيجاب المضاد فإنها تقضي عليه. وكذلك الحال بالنسبة لعالم الذرة، فإنها حالما تستطيع النواة الإيجابية وهي القاعدة أن تتناوش الإيجاب المضاد فإنها تقضي عليه كذلك، ولولا ذلك لتحولت النواة إلى تعادل، وفي تعادل النواة نهايتها وأننا نخشى على أميركا أن تتعادل يوماً ما، لا سيما وأنها قاعدة اليمين في العالم اليوم ما لم يتسنى لها بوزيترون سريع لإنقاذها من هذا التحول بتأثير الإيجاب المضاد.
وأذكر بهذه المناسبة آيتين قرآنيتين جاء فيهما وصف الإيجاب المضاد من الناس وذلك بقوله سبحانه: } ومن الناس من يعجبك قوله في الحياة الدنيا ويشهد الله على ما في قلبه وهو ألد الخصام ~ وإذا تولى سعى في الأرض ليفسد فيها ويهلك الحرث والنسل والله لا يحب الفساد ~ { 204/ 205 البقرة
وهذا مما جعلني أوحي بأن البوزيترون بواجهته السلبية وشحنته الإيجابية بشكل السلب الإيجابي، والحياد الإيجابي في عالم الذرة، وأن الإيجاب المضاد بواجهته الإيجابية وشحنته السلبية يشكل الإيجاب السلبي والحياد السلبي فيها شأن اليهودية في إيجابيتها وحيادها. فإنها لا تعمل ولا تهتم إلا لما فيه مصالح عنصره ا وقوميتها ولو هلك العالم كله عن بكرة أبيه في سبيل ذلك.
وعليه يتم ذلك للذرة سبع شعب بما فيها الشعب الثلاث الأصلية وهب الإلكترون والبروتون والنيترون. وكون الشعب السبع موجودة في الإنسان فهذا أمر معروف مما جعلني أذكر الأستاذ الصديق حسن سعيد الكرمي بذلك فكان جوابه: نعم أذكر ذلك علماً بأن العددين ثلاثة وسبعة واردان دينياً وعلمياً، ومقبولان من العالم كله في الخلق كله.
ويتبين مما تقد أن نظام الخلق كله على وتيرة واحدة، وأنه لا تفاوت في خلق الرحمن مما يدل على أن الخلاق العظيم واحد أحد فرد صمد. ونذكر للمثال لا للحصر أن للسماء سبع طبقات وللأرض مثلهن، وللذرة سبع شعب وسبع مدارات، ولجلد الإنسان سبع طبقات، وكذلك الأمر بالنسبة لطبقات العين وألوان الطيف وغير ذلك من الخلق كله، والله سبحانه بكل شيء عليم.
وجوب تقييد الأسلحة الجوية بعرف دولي ( سورة المرسلات )
لقد قامت حرب قصيرة في العراق بين حكومة رشيد عالي الكيلاني وبريطانيا العظمى وذلك في سنة 1941 أي أثناء الحرب العالمية الثانية وقد كنت موجوداً في بغداد آنذاك فأرسل السلاح الجوي البريطاني طائرات على مدينة بغداد. وقد كنت أصلي العصر في أحد جوامع المدينة وكان مدخل الجامع مقهى كان في الأصل بناء ً تركياً قديماً أشبه بقبة ضخمة فرأيت أن أستريح في ذلك المقهى حتى تنتهي الغارة. وكنت أتحدث في نفسي أن القاذفات لا بد وأن تقيد بعرف دولي، وإذا بقارئ يقرأ سورة ” المرسلات ” في المذياع مستهلاً بعد البسملة: } والمرسلات عرفاً {
فصادفت قراءة هذا القارئ منى استعداداً جديد تشتمل عليه هذه السورة فيما تشتمل عليه من معاني قيمة فأخذت أتمعن في معاني ما بعد ذلك من السورة الكريمة لعلها تؤيد المعنى الذي تبادر إلى ذهني منذ تلك الساعة، وإذا بالقارئ يقرأ في الآية التالية بعدها:
} فالعاصفات عصفاً ~ {
فوجدت أن كل معنى يشتمل عليه العصف موجود في القاذفات أو القاصفات الجوية، لأن معنى العصف في اللغة هو القوة والسرعة كأن يقال: ذلول عاصف أي سريعة الجري. كما أن العصف يشمل الطيران مصداقاً لقوله سبحانه: } ولسليمان الريح عاصفة تجري بأمره إلى الأرض التي باركنا فيها وكنا بكل شيء عالمين { 81/ الأنبياء
كما أن المعنى يشتمل على الدمار الذي تحدثه الطائرات الحربية، ويتبين ذلك من قوله سبحانه في سورة الفيل: } وأرسل عليهم طيراً أبابيل ~ ترميهم بحجارة من سجيل ~ فجعلهم كعصف مأكول {
وتشتمل آيات السورة على الإرسال والعصف معاً.
ثم قرأ القارئ الآية الثالثة: } والناشرات نشرا {
فقلت في نفسي إن أي معنى يشتمل عليه النشر موجود في الطائرة إذ أنها تنتشر في الهواء، وتنشر الأخبار والمنشورات ، وان الناس ينتشرون متفرقين عندما يرون القاذفات لأنها تستهدف الجموع. وقد كنا ننتشر ملقين بأنفسنا على الأرض لأن القذائف عندما ترتطم بالأرض ترتفع ثم تنتشر، وقد لا تصيب شظاياها المستلقي على الأرض. وقد كان استلقاؤنا من قبيل الاحتياط إذ لم يحدث أن ألقيت علينا قنابل ببغداد ونحن على تلك الحال. وللحق فإن الطائرات لم تستهدف المنازل فضلاً عن دور العبادة والمدارس حتى لكأنها مقيدة بعرف فعلاً.
ثم قرأ القارئ الآية الرابعة } فالفارقات فرقا {
فاعتقدت أن كل معنى يشتمل عليه معنى الفارقات موجود في الطائرات لأنها تفرق بين الأحبة في السفر والقصف، وتفرق بين الحق والباطل، وبين المنتصر والمنخذل، وتفرق بين الجموع. ثم قرأ الآيتين الخامسة والسادسة: } فالملقيات ذكرا ~ عذراً ونذرا ~ {
والإلقاء يكون من أعلى على أسف، ومن ذلك إلقاء المنشورات أثناء الحروب. ولقد كانت القاذفات البريطانية تلقي منشورات من الجو على الأهالي. والمفروض أن المنشورات الملقاة من الطائرات قد لا تعدو أن تكون عذراً أو نذراً كأن تحتوي على إحدى عبارتين وهما في العذر: أنها لا تقصد الشعب العراقي بل حكومة رشيد الكيلاني مثلا ً، أو أنها تنذر الحكومة وكل من يساندها. ثم قرأ الآيات بعدها إلى الآية 24، وقد يشتمل المعنى ما جاء في هذه الآيات على القيامة والبعث وغير ذلك، أو ما تتطور إليه حروب الطائرات من انفلاق النواة وما يترتب على ذلك من دمار وهلاك، والله سبحانه أعلم بما يريد. ثم وقفت عند قوله في الآيتين 25 و 26: } ألم نجعل الأرض كفاتا ~ أحياء ً وأمواتا ~ {
فتبين لي أن الأرض تكون أثناء القصف والقذف من الطائرات مكاناً للأحياء والأموات إذ تدفن فيها الأموات وتسعى الأحياء إلى الملاجئ في باطن الأرض أيضاً.
وقد تكرر قوله سبحانه: } ويل يومئذ للمكذبين {
محذراً من التكذيب. وقد كنت أتحث بهذا الحديث إلى أحد المشايخ وكان يقول لي كلما وصلت آية: صدقت، فكان جوابي : نجوت من الويل، ولم يكن يفهم ما كنت أقصده بذلك إلا في النهاية فضحك.
كما أن الآية 27 تؤيد المعنى وذلك في قوله سبحانه: } وجعلنا فيها رواسي شامخات وأسقيناكم ماءً فراتا ~ {
وقد تبادر إلى ذهني أن في الرواسي الشامخات كهوفاً تصح أن تكون ملاجئ من القصف والقذف . وقد جاء مثل هذا المعنى في بعض آيات من سورة النحل أذكر منها الآيات 79 إلى 81 وذلك في قوله جل ّ شأنه:
} ألم يروا إلى الطير مسخرات في جو السماء ما يمسكهن إلا ّ الله إن في ذلك لآيات لقوم يؤمنون {
إلى قوله سبحانه: } والله جعل لكم مما خلق ظلالا وجعل لكم من الجبال أكنانا وجعل لكم سرابيل تقيكم الحر وسرابيل تقيكم بأسكم كذلك يتم نعمته عليكم لعلكم تسلمون {
ويتبن من الطير إشارة للطائرات، وفيه تأييد لما جاء في سورة المرسلات:
} وجعل لكم من الجبال أكناناً {
وهي الكهوف الجبلية، وسرابيل تقيكم الحر وسرابيل تقيكم بأسكم، إذ لا سرابيل تقي من الحر والبأس في الوقت نفسه إلا ّ ما يسمى بالسراديب اليوم التي تستعمل في البلاد الحارة بباطن الأرض كي تحمي من السموم – في الفرات الأوسط من العراق، وفي المدينة المنورة مثلاًً، وأن هذه السراديب تصلح أن تكون ملاجئ عند الاقتضاء.
وقد وقفت أيضاً عند الآيات 29 إلى 33 من سورة المرسلات، وذلك لقوله سبحانه:
} انطلقوا إلى ظل ذي ثلاث شعب ~ لا ظليل ولا يغني من اللهب ~ إنها ترمي بشرر كالقصر كأنه جمالت صفر ويل يومئذ للمكذبين {
لقد تقدم أن الشعب الأصلية في الذرة ثلاث: البروتون إيجاب، والإلكترون سلب، والنيوترون حياد. والذي يتبين من الآيات أن الطائرات والقاذفات ستتطور لنحمل ما يؤدي إلى انفجارات ذرية. وقد ظهر أول ما ظهر انفجار نواة البروتون في اليورانيوم والكوبالت، ثم انفجارات النواة الهيدروجينية ذات الكهرب الواحد، وأخبراً اكتشف انفلاق نواة النيوترون فتمت الشعب الثلاث. وقد وقفت عند وصف الانفجار النووي وتشبيهه بجمالة صفر. وعندما رأيت بعض أشكال الانفجار وجدتها مسنمة كأسنام الجمال المتتابعة إذ لو وضع رأس الجمل في الأول وذنب الجمل في الآخر، وبعض الرؤوس والأذناب في الوسط لانطبق الوصف على ذلك تماماً. كما وقفت عند قوله سبحانه: ´كأنه جمالة صفر ” أي أن هذه الجمال المشبه بها اللهب صفر أي بلون لهيب الانفجارات النووية، وباستثناء الألوان الأخرى الموجودة في الجمال. ومن المعلوم أن الانفجار الذري يقضي على الكثير عند حدوثه، وأن اللهب يقضي على قسم آخر من البشر والديار، كما حصل في هيروشيما وناجازاكي.
هذا وإن الله سبحانه قد أمرنا بالتفكير في كثير من آيات كتابه الكريم وشجعنا الرسول r على ذلك بما معناه: ( إن للمجتهد المخطئ أجر الاجتهاد وللمجتهد المصيب أجران ) كي لا نكون إمعات إن أحسن الناس أحسنا وإن أساءوا أسأنا مصداقاً لقوله سبحانه:
}إن السّمع والبصر والفؤاد كل أولئك كان عنه مسئولا {
وقوله r عندما نزلت هذه الآيات الكريمة من سورة آل عمران: } ولله ملك السماوات والأرض والله على كل شيء قدير~ إن في خلق السماوات والأرض واختلاف الليل والنهار لآيات لأولي الألباب ~ الذين يذكرون الله قياماً وقعوداً وعلى جنوبهم ويتفكرون في خلق السماوات والأرض ربنّا ما خلقت هذا باطلاً سبحانك فقنا عذاب النار~ {
قال عليه صلاة وسلامه وآله في العالمين: ( ويل لمن لاكها بين لحييه ولم يتفكر ). والآيات والأحاديث الشريفة في هذا المعنى كثيرة.
وعليه فإن التفكير واستعمال المواهب واجبان على كل مسلم ومسلمة، وعلينا أن نعرض ما يتبين لنا من المعاني لآيات كتاب الله دون أن نفرضه، بل يفرضه الدليل الكريم والمعنى القويم والذوق السليم، والعكس يرفضه. وإني أرجو ممن يرى غير ما رأيت أن ينبهني مشكوراً لا سيما إذا كان لديه دليل من كتاب الله وسنة رسوله، أو من العلوم الثابتة، وله أجر من الله والمثوبة، علماً بأن المغلوب في العلم هو الغالب لأنه هو المستفيد كما جاء في المقدمة.
على أني لم أكن من خريجي الأزهر الشريف، ولا من خريجي الجامعات، وقد كان تعليمي في وطني الكويت ولم يزد عن ست سنوات في المدرسة المباركية وستة أخرى في مدرسة عبد الملك الشيخ صالح في بيت العامر ، وأربع سنوات في المدرسة الأحمدية (أما الحضانة وأوائل الطفولة فكانت في كتّاب مطوع جاسم عبد الصمد، وملا زكريا الأنصاري رحم الله الجميع). وقد أخرجني والدي رحمه الله من المدرسة الأحمدية وألزمني أعماله في الخامسة عشر من عمري. وقد أخذت الفقه والنحو والصرف والتوحيد وعلوم الدين في المدرسة الأحمدية، وقد كان أستاذنا في ذلك الشيخ عبد العزيز الرشيد رحمه الله، وكان أستاذنا في الخط وعلم الحساب والقرآن هو الأستاذ عبد الملك الشيخ صالح وكان رحمه الله لا يترك فرصة إلا ويتحدث معنا عن معلوماته، وعن الهند والعراق وغيرها. وأخذنا التاريخ والجغرافيا من بعض الأساتذة المصريين، وعلوماً أخرى من بعض الأساتذة العراقيين. وكان الشيخ يوسف بن عيسى القناعي يعطينا دروساً في الفقه والقرآن في مدرسة الأحمدية وخارجها.
على أن جامعتي الكبرى هي القرآن الكريم إذ أخذت أنظر في آياته منذ سن التاسعة عشر من وعمري، كما أنني لم أترك فرصة كلما وجدت معلماً خاصاً يعلم في منزله. وإن الحياة كلها مدرسة، كما جاء في الأثر: اطلبوا العلم من المهد إلى اللحد.
وإذا كنت قد استعرضت بعض النظريات وعرضتها على القاعدة الثلاثية القرآنية: السلب والإيجاب والحياد فقد استنبطت ذلك من سورة الرحمن الكريمة، علما بأن ذلك أمر طبيعي في البداءة والبداهة. وقد يكون من السهل الممتنع ودليلي على ذلك بالنسبة للجاذبية الأرضية أن العصفور الصغير في عشه يبقى ملازماً له حتى وصوله إلى القدرة على الطيران، وقد يلازمه الخوف من السقوط على الأرض بعد ذلك أيضاً ولكن أبويه يدفعانه إلى الطيران، وعليه لا يكون في استعراضي شيء جديد على البداءة والبداهة والفطرة السليمة والسجية.
على أني لا أعرف من النظرية النسبية لأينشتين إلا البعد الرابع، وأن كل شيء عنده نسبي، وعليه فإن البعد الرابع وهو الزمن صحيح وكون كل شيء في الوجود تسبيا صحيح أيضاً ويتماشى مع العلم والواقع، وما عدا ذلك يكون صحيحاً إذا كان لا يتعارض مع القاعدة الثلاثية الكونية النسبية ألا وهي قاعدة السلب والإيجاب والحياد.
على أن العلم المطلق الكامل الشامل هو الله وحده سبحانه علام الخبايا الغيوب لا إله إلا هو إليه المرجع والمصير. ثم ما أجمل هذا القول الموجه إلى رسول الله r من ربه ولنا فيه أسوة حسنة: } قل إن صلاتي ونسكي ومحياي ومماتي لله رب العالمين~ لا شريك له وبذلك أمرت وأنا أول المسلمين ~ { 162-163/ الأنعام