Alqenaei

الرئيسية » المكتبة » العلم بين القديم والجديد – في رحاب القرآن الكريم » العلم بين القديم والجديد – في رحاب القرآن الكريم – الجزء الاول

العلم بين القديم والجديد – في رحاب القرآن الكريم – الجزء الاول

العلم بين القديم والجديد – في رحاب القرآن الكريم – الجزء الاول

بسم الله الرحمن الرحيم

الحمد لله رب العالمين والصلاة والسلام علي سيد المرسلين محمد بن عبد الله وآله وأصحابه والمقتدين به على الصراط المستقيم إلى يوم الدين.

يعيش الإنسان في معبر الحياة من خلال سويعات امتحانيه يسعى فيها لتحقيق رضى الله تعالى ثم رضا الوالدين، مؤمناً أنه لا يقدر أن يقدم المكافأة بالمثل لوالديه، ومن هذا المنطلق فإني لا أستطيع أن أقدم لوالدي رحمه الله إلا القليل مما من الله علي به، ومنه هذه الفرصة التي قدمتها لي أختي الفاضلة سمية بتقديم كتابه “حوار بين الرأس والبنكرياس” حيث عاصرت تأليفه وانطلاقة خواطره عبر حوار ممتع بين الرأس والبنكرياس لم يتقيد فيه بتبويب ولا عنونه إنما أطلق العنان لأفكاره المتنوعة لتنساب من خلال حوار متأدب بين الأستاذ وطالب العلم يرشدنا فيه بشكل غير مباشر أن أدب التعلم يقدم على استقبال المعلومة لكي يجني صاحبها بعد ذلك ثمرة المنفعة، كما قدم للقارئ مجموعة من القواعد والأفكار المختلفة كباقة ورد تحمل في طياتها ورود مختلفة الرائحة واللون ليكون رحمه الله كالنحلة يأخذ رحيق الأفكار من كل زهرة تمر على خاطره ثم يقدمها عسلاً صافياً للقارئ نتيجة اجتهاد وتجربته وما من الله عليه به من فتح فكري ولا أنسى أبداً كيف يناقش أفكاره مع جلسائه، وكان لي بفضل من الله تعالى نصيب الأسد من بين أولاده في الساعات الطوال التي كان يقضيها معي يناقشني فيها بما يعتقده ويكرمني بالشرح والتفسير، وكثيراً ما كان يزورني في بيتي بعد ذلك لنقضي سوياً أمتع الأوقات في حوارات جميلة تعلمت منه من خلالها الكثير، وفي إحدى المهاتفات النقاشية بيني وبينه عندما كان يعيش في دولة مصر الشقيقة طلب من زوجي رحمه الله أن أقضي عطلة أربعة أيام عنده نتذاكر سوياً بعض كتاباته ليشرحها لي بإسهاب، وفعلاً وعلى غير ما كنت أتوقع سمح لي زوجي بزيارته في القاهرة نزولاً عند رغبة والدي لتكون هذه الرحلة أجمل رحلات حياتي.

إن فضل والدي علي كبير – بعد الله تعالى – ولكن من أهم ما تعلمت منه الآتي:

  • 1- علمني كيف أفكر وعلمني كيف أنتقل إلى زاوية التفكير الأخرى التي لا ينظر منها الآخرون.
  • 2- علمني الغيرة على الإسلام والمسلمين.
  • 3- علمني أهمية الحوار مع الأولاد.
  • 4- علمني أن السعادة في العطاء.
  • 5- علمني أهمية حب الأرحام والأصحاب والناس حباً مسئولاً.
  • 6- علمني بسلوكياته أن قيمة الإنسان بمبادئه.

علمني الكثير الذي لا أجد مجالاً لذكره الآن، كذلك أكثر ما كان يعجبني به على شهرته تواضعه لكل الناس خصوصاً العلماء وكان رحمه الله يحبهم ويجلهم ويقدرهم، ولا أنسى قوله الجميل الذي إن دل على شيء دل على حبه لاصطياد المعلومة الجديدة فقال لي ذات يوم: “ابنتي إن المغلوب في الحوار هو الغالب لأنه أضاف إلى معلوماته الجديد، على حين الغالب لم يضف جديداً إلا ما عنده”.

لقد كان لي رحمه الله مدرسة سلوكية بعد الرسول r، فلا أذكر أنه اغتاب أحداً أمامي أو قبل أن يسمع غيبة بل كان يتصدر الإحسان في كل مواقفه حتى خلت هذه الفضيلة سجية فيه ممزوجة بحبه للتغافل حتى يحسبه الجاهل بسيطاً لا يقدر الأمور، على حين كنت أشعر بالجهد الفكري وأنا أحادثه لسرعة استيعابه وحدة عقله وقدرته الرائعة على الاستنتاج، فإن ناقشته بالشعر فهو يتلذذ به ويحفظ منه الكثير، وإن ناقشته بالاقتصاد فهو رجل الاقتصاد الفذ منذ بداية شبابه، وإن ناقشته بالرياضيات فهو أبو الحساب، والصيرفة، وإن ناقشته بأمور الدين من تفسير وفقه كانت متعته الكبرى التي لا يمل منها ولا يسأم، وإن ناقشته في الفكر الغربي حلله وأعطاه حقه وحجمه لينظر إليه من زاوية شمولية يأخذ منه الطيب ويرفض السيئ.

يحب الخير لكل الناس ويسعى لإسعادهم حتى قال لي أحد أصدقائه: إن والدك كان يبحث في شبابه عن من يعتقد أنه يستطيع أن يكون تاجراً بفرده فيعرض عليه قرضاً للتجارة وفي أكثر الأحوال كان يسامحه ولا يسترجع قرضه منه، إنما كان يسعده أن يرى الشباب قد استقلوا بتجارتهم وتيسر حالهم.”

ومن القصص اللطيفة التي سمعتها من أحد أقربائنا أنه التقى بوالدي في إحدى الديوانيات فقال له مازحاً: مازلت شاباً يا عبدالعزيز، أتدري لماذا؟ إني سمعت أحد سكان الكويت في الأربعينات يقول: اللهم ألبس من ألبسني هذا الثوب العافية، وكان ذلك يا عبد العزيز ما كنت تبعثه من الهند من كسوة لأهل الكويت.

وكثيراً من هذه القصص الجميلة كنا نسمعها من الناس ولا أذكر في حياتي أنه قص علينا أعماله الخيرية ودائماً ما كنت أستغرب في طبعه سرعة الاستجابة للتبرعات حتى إنني لم أستشعر معه بكوكبة في تفكيره كردة فعل سؤالي بل الإجابة كانت دائماً فورية وأكثر مما أحتاج إليه.

أما قصصه معي فكثيرة: فمنها عندما كنت في الخامسة عشر من عمري أعطاني مبلغاً من المال ثم طلب مني توزيعه على خمسة عائلات وطلب مني أن أعتبر هذه الصدقة مني لتلك العائلات على أن لا أخبرهم بالمصدر الأصلي للمال، فقد تعلمت من هذه التجربة لذة العطاء ولذة التمتع بسعادة الآخرين المرسومة على تعابير وجوههم تبسماً من الأعماق وعلى ألسنتهم بكلمات الدعاء والامتنان كما تعلمت منه جمال الصدقة في السر التي كان حريصاً عليها كل حياته.

وأيضاً قصتي معه عندما كنت في السادسة عشر من عمري في بيروت سنة 1967 حينما احتجت أن أدخل المستشفى لإجراء عملية اللوز في مستشفى د. محمد خالد رحمه الله، فسمعته يشتكي لوالدي على أن المسجد الذي في طور البناء يتعرض لصعاب مالية فقال له (هذه عشرة آلاف ليرة لمسجدك) وكان ذلك يعد مبلغاً كبيراً في تلك الآونة.

فإذا رأيته حسبته بسيطاً ضعيف القلب رحيماً بدوائره لا يرفض طلباً لأحد، ولم أسمعه قال لي لا في حياته ومع ذلك فهو في حقيقته قوي العزيمة، حديدي الإرادة، حليماً في المواقف العصيبة. قال لي مرة: (إني بدأت من الصفر ثلاث مرات في حياتي) فلم يكن يهزه الربح أو الخسارة، لارتباطه بهدفه الأساسي في الحياة رضا الله تعالى والدعوة إلى الله، كما قال لي العم العزيز/ صالح الشايع أطال الله في عمره وعافاه وهو صديق حميم لوالدي والذي كنت أرى دموعه تنهمر بدون حساب عند رؤيته لوالدي في مرضه الأخير قال لي: عجباً لأخي عبد العزيز لقد بلغ في مصر أنه خسر ثروته كاملة ومع ذلك وضع رأسه على الوسادة ونام نوماً عميقاً متيقناً لإيمانه الكبير أن قدر الله كله له خير.

ولا أذكر والدي إلا وفي جيبه مالاً يوزعه على أهله وأرحامه والأطفال المحيطين به والفقراء والمحتاجين وقال لي زوج ابنتي محمد العلي أنه هو وأصدقائه في الصغر كانوا يتسابقون في العيد للصلاة بجانبه في المسجد طمعاً في العيدية معتقدين أن عيديته أكبر عيدية للأطفال وهكذا كان رأي الأطفال فيه، ومن العجيب أنه في مرض وفاته رحمه الله كانت أصابع يده اليمنى مقفلة كأنها في حالة توزيع المال على الناس وكنا حريصين أن نضع بعض المال في جيبه لإدخال السعادة على قلبه ونساعده بتوزيعها على الأطفال حتى يستشعر عادته المحبوبة إلى قلبه.

ومن بين القصص التي قصها علي في طفولتي وكان، أثرها مصيري في حياتي تلك الجمعية الخيرية في إندونيسيا التي كانت تدخل على ربة البيت وتطلب منها أن تتصدق بحفنة أرز من بيتها وتجمعه في كيس، وقال لي أن هذه الجمعية امتلكت الملايين من هذا التبرع الصغير لأن الأرز هو الغذاء الرئيسي لشعب إندونيسيا واستطاعت هذه الجمعية بناء المستشفيات والمدارس للفقراء، وظلت هذه الفكرة في لاوعي عقلي سنوات حتى بعد زواجي كنت أجد نقوداً معدنية صغيرة هنا وهناك فقلت في نفسي لو وضعت هذه النقود في صندوق وساعدت بها الفقراء ثم عمّمت هذه الفكرة في كل البيوت لنفع ذلك أمة الإسلام.

وفعلاً منّ الله علينا في عام 1981 بفكرة صندوق ساعد أخاك المسلم في كل مكان ليكون ذلك الصندوق لجنة قائمة بذاتها مع أعضائها، ثم انتشرت فكرة صندوق النقود في اللجان الأخرى وذلك من فضل الله تعالى وكرمه

وكم كانت سويعات المناوبة أثناء مرضه الأخير ممتعة جداً، فقد كانت الساعات ثمر سريعة جميلة نقضيها معاً في القراءة، وخصوصاً قراءة القرآن الكريم، فهو دائماً حاضر الذهن مع كتاب الله حتى مع صعوبة النطق عنده فما زال يصحح لي فهو الأستاذ دائماً في أي حال هو فيه.

وفي ذات يوم أخبرني ابني أن صديقه المحامي الشاب قال له: إني أحب جدك من كثرة ما سمعت عنه، حتى ونحن نقف في العزاء كنا نعجب من حب الناس له، والأعجب من هذا حرص كبار السن على التعزية حتى مع عجزهم عن الدخول إلى المنزل فكنا نخرج لهم حتى لا نكبدهم العناء.

هذا شعور الناس أما شعوري نحوه رحمه الله فإنه حب ممزوج بالإعجاب والانبهار بكثير من جوانب شخصيته الفذة، يعيش في أعماقي أستخرج من مخزون الذكريات ملفاته السلوكية كلما احتجت إليها فهو ما زال أستاذي في حياتي إنه عبد العزيز العلي المطوع محبوب الصغار قبل الكبار، ويعرفه الناس بطيبته وابتسامته المشهورة، يحب الناس والناس يحبونه، بسيطاً في حياته لا يحب عنجهية المظهر والجوهر، ومع ذلك يحترمه الجميع، ويهابه من يتعامل معه مع تواضعه الشديد لمن حوله.

هذا الأب رحمه الله أعطاني الكثير وأسأل الله أن يمن علي بأفضاله ويرزقني بره بعد وفاته، حيث حرك هذا الكتاب الكثير من الذكريات المواكبة لكتابته حتى قلت لأختي سمية عندما طلبت مني قراءته من جديد إني أذكر كلماته وحواراته وقد شهدتها قبل أن يسطرها في كتاب. جزى الله أم فهد خير الجزاء على هذا العمل وجعله في ميزانها، وجزى الله خيراً كل من تقرب إلى الله تعالى بقراءة كتاب ومناقشة فكر لنكون تلك الأمة الخيرة التي تملك القدرة على التواصي بالحق والتواصي بالصبر ونثبت جميعاً بإذن الله تعالى على الصراط المستقيم إلى الهدف المنشود.

سبحانك اللهم وبحمدك أشهد أن لا إله إلا أنت أستغفرك وأتوب إليك.

 
نسيبة عبد العزيز علي المطوع

الكويت 3 / 12 /1999

إهــــــــــداء

 

أهدي كتابي هذا إلى كل إيجابي يعمل لتوحيد كلمة الأمة العربية على كلمة التوحيد، وينطلق من ذلك إلى جمع شمل المسلمين على الدين الحنيف، الملة السمحاء، والمحبة البيضاء، دين إبراهيم الخليل الذي جاء به حفيده خاتم رسل الله r مطهراً من الشرطيات والباطنيات الدخيلة والسفاسف والمحدثات الرذيلة..إلى كل جندي يجاهد بالمال والحال والنفس والنفيس والقض والقضيض إنقاذاً للعرض والأرض، ودفاعاً عن القيم والمثل المقدسات، مغتنماً هذه الفترة التي يتطلع فيها العالم إلى عقيدة حقة لا تصطدم بالعلوم المتقدمة بل تسبقها، ولا بالنظم السليمة بل تفوقها، يدعو إلى الله بالحكمة والموعظة الحسنة على بصيرة وعلم، ويعمل بمختلف الوسائل والإمكانيات على إنقاذ البلاد والعباد من الإلحاد والفساد. متفانياً في سبيل قضيته. منسجماً في إطار قيادته. إلى كل زعيم يؤمن بالله العظيم ويسير على صراطه المستقيم، فيزيل الغمة بجمع شمل الأمة وينادي بالسلام متحفظاً على قيمه ومثله ومباديه، ويبث الوئام على الخير ويحميه، وينشر الحب والرخاء والعدالة والوفاء، دأبه الكامل وهمه المتواصل بما أوتي من حول وقوة، وحكمة وروية – ( أن تكون كلمة الله هي العليا )، فيبدل ظلام العالم نوراً، وضلاله هدى ، وجهالته معرفة، وفوضاه هيمنة ونظاماً، وتطاحنه تفهماً وسلاماً.. وما ذلك على الله بعزيز.

} ولله العزة ولرسوله وللمؤمنين {.

 
عبد العزيز العلي المطوع القناعي