خواطر باحث في رحاب القرآن الكريم
قصة آدم عليه السلام
عبدالعزيز العلي المطوع
بسم الله الرحمن الرحيم
القاعدة الثلاثية الكونية: السلب والإيجاب والحياد في السماء.
فلقد كان الملأ الأعلى قبل خلق آدم مكوناً من الملائكة الكرام الذين يمثلون الإيجاب .. ومن إبليس الذي يمثل السلب . وإن العلم الثابت يقر بأنه لا يجتمع إيجاب وسلب إلا إذا حصل تفريغ من كل من الجانبين في الجانب الأخر مما عنده للتأثير عليه ، وأن الجانب الأكبر يكون تأثيره أكثر . وقد كان تأثير الملائكة على إبليس أكبر حسب القاعدة العلمية . وإن التأثير في كل من الجانبين ( إيجاباً وسلباً ) يمثل شكلاً من أشكال الحياد – يتم القاعدة الثلاثية ويقر الالتقاء بين السلب والإيجاب .
وعليه فقد عبد إبليس ربه مع الملائكة الكرام رغم سلبيته التامة قبل ذلك ، فترة علمها عند الله سبحانه . هذا من جانب السلب .. أما من جانب تأثر الإيجاب بالقليل من السلب ، فقد كان قول الملائكة الكرام عندما أخبرهم المولى سبحانه بأنه جاعل في الأرض خليفة كما جاء في الآية 30 من سورة البقرة : ] قالوا أتجعل فيها من يفسد فيها ويسفك الدماء ونحن نسبح بحمدك ونقدس لك [ ، وكان الواجب عليهم أن يقولوا : سبحانك إن الأمر أمرك والحكم حكمك ، ولا سيما أنه سبحانه لا يسأل عما يفعل ، وأنه سبحانه يعلم ما لا يعلمه الملائكة الكرام وأنه على كل شيء قدير .
على أن جواب الملائكة وإن كان لا يخلو من تأثير ضئيل من الناحية السلبية – بحكم القاعدة ، إلا أنه من واقع الإيجابية الكبيرة عند الملائكة ألا وهي الغيرة على الله سبحانه من أن يخلق خلقاً لسلف أفسد في الأرض وسفك الدماء بينما هو سبحانه جدير بالتسبيح بحمده والتقديس له كما يفعل الملائكة الكرام . على أن الذي ينبغي لجنود الله سبحانه هو السمع والطاعة شأن الجندي في القيادة .. فإن عليه تنفيذ الأوامر دون اجتهاد أو رأي أو تصرف . وقد اكتفى المولى سبحانه بقوله للملائكة : ] إني أعلم ما لا تعلمون [ .
#######
قصة آدم في الملأ الأعلى – مدرسة ربانية:
ويتبين مما تقدم ومما سيأتي أن قصة آدم والملائكة الكرام وإبليس في الملأ الأعلى ، مدرسة ربانية لهذا الإنسان الذي كرمه الله وخلق له ما في السماوات وما في الأرض ، كما جاء في الآية 70 من سورة الإسراء : ] ولقد كرمنا بني آدم وحملناهم في البر والبحر ورزقناهم من الطيبات وفضلناهم على كثير مما خلقنا تفضيلا [ وفي الآية 29 من سورة البقرة : ] هو الذي خلق لكم ما في الأرض جميعاً ثم استوى إلى السماء فسواهن سبع سماوات وهو بكل شيء عليم [ ، وكما جاء في قوله سبحانه في الآية 20 من سورة لقمان : ] ألم تروا أن الله سخر لكم ما في السماوات وما في الأرض وأسبغ عليكم نعمه ظاهرة وباطنة ومن الناس من يجادل في الله بغير علم ولا هدى ولا كتاب منير [ ، وقوله جل شأنه في الآيتين 12و 13 من سورة الجاثية : ] الله الذي سخر لكم البحر لتجري الفلك فيه بأمره ولتبتغوا من فضله ولعلكم تشكرون ~ وسخر لكم ما في السماوات وما في الأرض جميعاً منه إن في ذلك لآيات لقوم يتفكرون [ .
التشاور بين القمة والقاعدة:
وإن من تعاليم هذه المدرسة الربانية أن من حق القائد الحكيم أن يستأنس بآراء أولي الحجى من جنده لعله يستخلص من ذلك رأياً ، أو أنه يرى رأياً أفضل مما سمعه منهم – فيعزم عليه ويتوكل على الله ، كما جاء في قوله سبحانه مخاطباً خاتم أنبيائه r : ] فبما رحمة من الله لنت لهم ولو كنت فظاً غليظ القلب لانفضوا من حولك فاعف عنهم واستغفر لهم وشاورهم في الأمر فإذا عزمت فتوكل على الله إن الله يحب المتوكلين [ ، أو كما حصل في حوار دار بين بلقيس ملكة سبأ وبين جندها ، أقره سبحانه وأخبرنا به في الآيات 29 – 32 من سورة النمل بقوله جل شأنه : ] قالت يا أيها الملأ إني ألقي إلي كتاب كريم ~ إنه من سليمان وإنه بسم الله الرحمن الرحيم ~ ألا تعلوا علي وأتوني مسلمين ~ قالت يا أيها الملأ أفتوني في أمري ما كنت قاطعة أمراً حتى تشهدون ~ قالوا نحن أولوا قوة وأولوا بأس شديد والأمر إليك فانظري ماذا تأمرين [ . ثم تقدمت برأيها وعزمت وتوكلت على الله وكان آخر المطاف قولها : ] رب إني ظلمت نفسي وأسلمت مع سليمان لله رب العالمين [ .
هل كان الملائكة الكرام في الملأ الأعلى يمثلون دور المؤمن الملتزم على الأرض؟
ولعل دور الملائكة في الملأ الأعلى قبل آدم – مقارب لدور الإنسان المؤمن الملتزم بالإيمان والعمل الصالح والسمع والطاعة ما استطاع إلى ذلك سبيلاً – لوجود السلب المتمثل في إبليس بينهم . ولكن إرادة المولى سبحانه اقتضت خلق إنسان حيادي – أي فارغاً – ليمتص فراغه السلبيات الضئيلة من الملائكة الكرام ، وليستعيد جميع الإيجابيات التي امتصها إبليس من الملائكة – ليكون إيجاب الملائكة إيجاباً تاماً ، وتكون سلبية إبليس تامة ، ويكون حياد آدم حياداً إيجابياً لزيادة الإيجابيات عنده على سلبيات ضئيلة امتصها من الملائكة الكرام . وإن رجحان الإيجابيات على السلبيات هو فطرة الله التي فطر الناس عليها ، وليكون هذا المخلوق الوسط بوسطيته المثلى – مركز الثقل وبيت القصيد في الخلق كله ، وقد زوده المولى سبحانه بالعقل والتميز والتفكر والتدبر والاستنباط والإدارة ، وهداه النجدين وألهمه المسلكين مصداقاً لقوله سبحانه : ] ونفس وما سواها ~ فألهمها فجورها وتقواها ~ قد أفلح من زكاها ~ وقد خاب من دساها [ .
وقوله سبحانه : ] ألم نجعل له عينين ~ ولساناً وشفتين ~ وهديناه النجدين [ [ 8- 10 / البلد ] (النجدين هما الارتفاعين عن الأرض بدليل قوله سبحانه : ] فلا اقتحم العقبة [) وقوله سبحانه : ] ولقد ذرأنا لجهنم كثيراً من الجن والإنس لهم قلوب لا يفقهون بها ولهم أعين لا يبصرون بها ولهم آذان لا يسمعون بها أولئك كالأنعام بل هم أضل أولئك هم الغافلون [ [ 179/ غافر ] . وقد علم الله سبحانه آدم الأسماء كلها ، وكان العلم أول نعمة ينعم بها سبحانه عليه بعد إتمام خلقه مما يدل على فضل العلم وأهمية الإنسان – لاستيعابه له ، ووعيه به ، وجدارته له .
وبعد أن تفضل المولى سبحانه على آدم بإيجابية حياده وفضله باستيعاب العلم على الملأ الأعلى – طلب سبحانه من الملائكة السجود لآدم إجلالاً للعلم واعترافاً بخطأ الاستعجال بدون علم ، فسجد الملائكة أجمعون لأن إيجابيتهم أصبحت تامة ، وأبي إبليس عن السجود استكباراً وكفراً لأن سلبيته أمست تامة ، وذلك بقوله سبحانه : ] وإذ قلنا للملائكة اسجدوا لآدم فسجدوا إلا إبليس أبى واستكبر وكان من الكافرين [ .
ومن تعاليم هذه المدرسة أيضاً أنه إذا لم يحصل تعايش وتقارب بين السلب والإيجاب ، فلا بد من وقوع الخصومة كما حصل في الملأ الأعلى مصداقاً لقوله سبحانه : ] قل هو نبأ عظيم ~ أنتم عنه معرضون ~ ما كان لي من علم بالملأ الأعلى إذ يختصمون [ [ 67 – 69 / ص ] .
وكما هو واقع الحال فيما بين الشرق والغرب في عصرنا الحاضر ما لم يتقاربوا ويتعايشوا . وعليه .. فإن هذا المخلوق الجديد الذي أخبر المولى سبحانه الملأ الأعلى بأنه سيجعله خليفة في الأرض ومن أديم الأرض كما كان في علم الله سبحانه – مخلوق حيادي ، أي فراغاً من السلب والإيجاب ، ليمتص فراغه السلبيات الضئيلة من الملائكة .. ويستعيد الإيجابيات التي امتصها الشيطان من الملائكة ، ويكون يعد ذلك إيجاب الملائكة إيجاباً تاماً وسلبية الشيطان سلبية تامة ، وليكون حياد المخلوق الجديد حياداً إيجابياً لزيادة الإيجابيات عنده عن السلبيات – وإن هذه فطرة الله التي فطر الناس عليها ، وليكون هذا المخلوق الوسط هو مركز الثقل وبيت القصيد في الخلق كله ، ويكون التشاور والتناصح والتواصي بالحق والتواصي بالصبر التي يأمر بها القرآن الكريم ، ويقرها المخلصون ، ويعمل بها المؤمنون ولا سيما بين القيادة وخيار القوم – موجودة في هذه المدرسة الربانية في السماء والأرض .
العلم:
كما نستفيد من هذه المدرسة أن أول شيء أكرم الله به آدم بعد الخلق – هو العلم ، وذلك بقوله سبحانه : ] وعلم آدم الأسماء كلها ثم عرضها على الملائكة فقال أنبئوني بأسماء هؤلاء إن كنتم صادقين ~ قالوا سبحانك لا علم لنا إلا ما علمتنا إنك أنت العليم الحكيم ~ قال يا آدم أنبئهم بأسمائهم فلما أنبأهم بأسمائهم قال ألم أقل لكم إني أعلم غيب السماوات والأرض وأعلم ما تبدون وما كنتم تكتمون [ .
ويتبين مما تقدم أن قول الملائكة الكرام كما أخبرنا سبحانه : ] قالوا سبحانك لا علم لنا إلا ما علمتنا [ – قول خاص بهم .. لأنهم جنود الله كما تقدم . أما الإنسان المفضل في العلم فعليه أن يكتفي بقول : لا أدري . وإن كان قول لا أدري صعباً على المسئول .. إلا أنه كما قيل : ( قول لا أدري نصف العلم ) ، وقد قيل أيضا َ : من قال لا أدري فقد أفتى . وقد أثر عن عمر بن الخطاب رضي الله عنه أنه سأل أحد فرد عليه بقوله : الله أعلم ، فقال عمر: لقد خسر عمر إذا كان لا يعلم أن الله أعلم ، فإذا سئل أحدكم عن شيء لا يعلمه فليقل لا أدري . وإن الإنسان لا يتعلم إلا إذا آمن بأنه محتاج للازدياد من العلم طوال عمره . أما من يعتقد أنه يعلم كل شيء فذلك هو الجاهل الذي لا بعلم شيئاً .
ونستفيد كذلك أن النصر والسبق يكون بالعلم أيضاً ، وأن العلم للإنسان مفتوح كل بقدر همته ونهمته . ويقول المولى سبحانه : ] وقل ربي زدني علماً [ ، كما يقول جل شأنه ] قل هل يستوي الذين يعلمون والذين لا يعلمون [ . ويقول المصطفى r : ” من سلك طريقاً يلتمس فيه علماً سهل الله له طريقاً إلى الجنة . وأن الملائكة لتضع أجنحتها رضى لطالب العلم . وإن طالب العلم يستغفر له من في السماوات والأرض . حتى الحيتان في الماء . وإن فضل العالم على العابد كفضل القمر على سائر الكواكب . إن العلماء ورثة الأنبياء . إن الأنبياء لم يورثوا ديناراً ولا درهماً . إنما ورثوا العلم ، فمن أخذه أخذ بحظ وافر “ . والآيات والأحاديث في هذا المعنى كثيرة . على أن العلم الأزلي المطلق اللانهائي هو لله وحده سبحانه ليس كمثله شيء وهو السميع البصير .
آدم في الجنة:
وقد كان جزاء آدم على تفوقه العلمي أن جعل الله سبحانه له زوجاً منه ومنحه جائزة تفوقه – جنة مليئة بالأشجار والمياه والفواكه له ولزوجه مصداقاً لقوله سبحانه في الآية 35 من سورة البقرة : ] وقلننا يا آدم اسكن أنت وزوجك الجنة وكلا منها رغداً حيث شئتما ولا تقربا هذه الشجرة فتكونا من الظالمين [ . وكان تحريم شجرة واحدة من أشجار الجنة على آدم وزوجه هو المحظور الوحيد ، وكل ما عدا هذه الشجرة كان مباحا لهما .
القانون:
ولعل معنى تحريم شجرة واحدة من أشجار الجنة . أنه أول قانون وضع لآدم وذريته ، فما القوانين إلا مباحات ومحظورات . وكان في ذلك أيضاً تحديد للملكية ، لأن المرء مهما اتسع ملكه .. فلا بد وأن يكون محدوداً لا سيما وأن آدم وحواء كانا وحدهما . وإذا كان المولى سبحانه يعطي آدم الملك كله فيما عدا ما يتطلبه القانون وتقتضيه المشيئة .. فإن هذا مما يدخل في تعاليم هذه المدرسة الربانية أيضاً وذلك لمعرفة حدود طموح الإنسان ونهمه ، ومقدار اكتفائه . وقد ثبت من هذه التجربة أن الإنسان لا يرضى إلا بالكمال المطلق والسعادة التامة ، وأن الكمال المطلق لا يكون إلا لله وحده سبحانه .
السعادة:
وأن لا تكون السعادة إلا في القناعة والاكتفاء والرضى بما قسمه الله . وقد قيل أن السعادة غمرات فينجلين ، حيث لا بد لهذا الإنسان من حوافز وضوابط ، وضيق وفرج ، وتعب وراحة ، وصحة ومرض ، وسراء وضراء .. مع ضرورة اتصاله بقوة قديرة خارقة يلتجيء إليها لتنقذه من التورط في مشاكل ومصائب كثيرا ما تمر عليه وتصادفه – لتثيبه على الصبر وتهبه القدرة للتغلب على المصائب وتجازيه بالشكر على النعم بزيادتها . ويقول المصطفى r في هذا المعنى : ” عجبت لأمر المؤمن إن أمر المؤمن كله خير ، ليس ذلك لأحد إلا للمؤمن إن أصابته سراء شكر وكان خيراً ، وإن أصابته ضراء صبر وكان خيراً “ . كما يقول أيضاً r: ” من أصبح منكم معافى في جسده ، آمناً في سربه ، عنده قوت يومه فكأنما حيزت له الدنيا ” . وإن سعادة الإنسان تأتيه من الداخل في اطمئنانه النفسي لحياته الأولى والآخرة . ويقول سبحانه في ذلك : ] يا أيتها النفس المطمئنة ~ أرجعي إلى ربك راضية مرضية ~ فادخلي في عبادي وادخلي جنتي [ .
الإله الحق:
وإن هذه القوة القديرة الخارقة لا بد وأن تكون مطلعة على نوايا العبد وخلجات صدره وضمائره ، تحاسبه على أعماله أن خيراً فخير والعكس صحيح أيضاً . ويعفو سبحانه عن كثير . ] وما تدري نفس ما أخفى لهم من قرة أعين جزاء بما كانوا يعملون [ [ 16 / السجدة ] .
وقد اختلف الناس في تعريف هذه القوة القديرة الخارقة التي يلجأون إليها ويعبدونها .. فمنهم من عددّ الآلهة ، ومنهم من اختلط عليه الأمر ، فنفاها وأحل محلها الطبيعة ومنهم من آمن بهيولات إنسانية لا قيمة لها إلا المظاهر وغسل الأدمغة وتعطيل المواهب الممنوحة للإنسان ، كالتفكر والتدبر ، فقدسوا هذه الهيولات الجاهلة وتفانوا في سبيلها ، واستماتوا في إرضائها عن فراغ وجهل . ومنهم من عمل عوذاً وشعوراً وشعوذات متعددة ليطلع من خلال ذلك إلى مصيره وحظه ومستقبله ، وإنه لم يكتشف أناس في مجاهل الأرض إلا ووجد عندها مثل ذلك .
وقد استعلمت لذلك الأنصاب والأزلام ، وظهر العرافون والمنجمون ، والفوالون وقارئوا الفنجان والطيرة في مختلف الأمكنة والأزمنة . على أن خير عقيدة هي ما أجمعت عليه رسالات الله سبحانه ألا وهي كلمة التوحيد ] لا إله إلا الله [ .
وإن في نصف هذه الكلمات الأربع ] لا إله [ نفياً للألوهيات المتعددة من دون الله وهدماً لها . وإن في النصف الثاني ] إلا الله [ – البناء الصحيح بإثبات الإله الواحد الحق الذي لا ند له ولا شريك ولا كفو ، المهيمن على الوجود كله سبحانه ، ليس كمثله شيء وهو السميع البصير ، وقد ورد عن الرسول r : ” إن أفضل ما قلته وقاله النبيون من قبلي هو قول لا إله إلا الله ” .
فإذا آمن الكثير من الناس بالطبيعة مثلاً ، فإن لسان الحال يقول لهم : إننا نعبد موجد الكون ومنظمه الذي عرفناه من آياته في السماوات والأرض ونعمه التي لا تعد ولا تحصى ، فآمنا به سبحانه إيماناً غيبياً . فإذا كانت الطبيعة تتصف بالقوة المطلقة والهيمنة التامة والنظام السرمدي والعلم الكلي المطلق مثلاً .. ولا تعتريها غفلة من هذا النظام ولا تأخذها سنة ولا نوم ، فإن هذه الصفات لا تكون إلا في معبودنا الحق سبحانه الذي جاءت به رسل الله وكتبه . فإذا كنتم تتسمون من يتصف بصفات الكمال كلها – طبيعة ، فإننا نسميه الله سبحانه ، ونكون بذلك قد التقينا ولا خلاف بيننا إلا في التسمية . أما إذا قلتم – وأنتم صادقون فيما تقولون – أنها صماء عمياء لا تعلم شيئاً ، فالجواب على ذلك : أن فاقد الشيء لا يعطيه ، وأنه لا يخلق السمع والأبصار إلا سميع بصير وعلى كل شيء قدير .. وإذا كان نصف العالم اليوم أو اكثر يؤمن بنصف كلمات التوحيد الأربع .. أي كلمتي الهدم : ] لا إله [ ، فما عليه بعد ذلك إلا أن يتم إيمانه بكلمتي البناء الصحيح : ] إلا الله [ . وإذا كان في الكلمتين الأوليين تخلية . فإن في الكلمتين الأخريين تحلية ، وإن الإيمان بالنصف الأول من كلمة التوحيد ] لا إله [ – واجب على كل مؤمن وذلك للتهيؤ والاستعداد للإيمان بالنصف الثاني بعد التخلي عن جميع أشكال الوثنيات والشركيات المتعددة . أما من اكتفى بالإيمان بالنصف الأول .. فإن لا بد له من إتمام إيمانه بالنصف الثاني سواء ً قرب الزمان أم بعد . وما ذلك على الله بعزيز مصداقاً لقوله سبحانه : ] ولو أن قرآناً سيرت به الجبال أو قطعت به الأرض أو كلم به الموتى بل لله الأمر كله جميعاً أفلم ييأس الذين آمنوا أن لو يشاء الله لهدى الناس جميعاً ولا يزال الذين كفروا تصيبهم بما صنعوا قارعة أو تحل قريباً من دارهم حتى يأتي وعد الله إن الله لا يخلف الميعاد [ .
الإمارة:
كما لا بد للإنسان من إمارة حكيمة وقيادة حازمة تنفيذاً لتعاليم الإله الحق بقوله سبحانه : ] وأطيعوا الله وأطيعوا الرسول وأولى الأمر منكم [ ، كما أنه كثيراً ما تردد على سمعنا ما ورد في الأثر : إذا خرج ثلاثة لسفر فليؤمروا أحدهم . وذلك يتحقق الانضباط وتجنب الفوضى ، كما تكرر أيضاً : إن الله ليزع بالسلطان ما لا يزع بالقرآن . وطوبى للإمارة الصالحة التي تأمر بالمعروف وتنهى عن المنكر وتؤمن بالله لتكون أمتها خير أمة أخرجت للناس ، مصداقاً لقوله سبحانه : ] كنتم خير أمة أخرجت للناس تأمرون بالمعروف وتنهون عن المنكر وتؤمنون بالله [ .
على أن الذي يؤسف له أن الإنسان بدلاً من أن يتعاون ويتناصح مع إمارته التي هو في أشد الحاجة إليها والتكامل معها ، فإنه يحملها كل المسئولية عن كل نقص أو عجز يتخيله بطريقة سلبية . وكثيراً ما يجد السلبي من يسمعه من الغوغائية وهم كثير ، مصداقاً لقوله سبحانه : ] قل لا يستوي الخبيث والطيب ولو أعجبك كثرة الخبيث [ [ 100/ المائدة ] . ولعل هذا من قديم الزمان ، ولله در القائل : نصف أهل الأرض أعداء لمن ولى الأحكام هذا أن عدل
وقوله سبحانه أبلغ ، فقد جاء في الآيتين 69 ، 70 من سورة الأحزاب : ] يا أيها الذين آمنوا لا تكونوا كالذين آذوا موسى فبرأه الله مما قالوا وكان عند الله وجيها ~ يا أيها الذين آمنوا اتقوا الله وقولوا قولاً سديداً [ . ولعل البعض لا يكتفي بتوجيه اللوم على المسئولين بل يوجهه إلى الخلاق العليم سبحانه وتعالى عما يقول الظالمون علواً كبيراً .
ويتبين مما تقدم أن الله سبحانه خلق الإنسان عاقلاً مريداً – في حدوده كانسان – مسئولاً عن تصرفاته . وجعل سبحانه حياده حياداً إيجابياً وأنعم عليه نعماً كثيرة .. أهمها بعد إرسال الرسل وانزل الكتب : المواهب الإنسانية المفضلة . وأنه سبحانه لم يجعل حياد الإنسان حياداً تاماً يساوي صفراً ، وفضله في الملأ الأعلى وأمر الملائكة بالسجود له إعلاناً لهذا التفضيل ، وحمله أمانة أبت عن حملها السماوات والأرض وأشفقن منها .
وعندما أخطأ غفر له سبحانه وأنزله إلى الأرض لفترة عابرة يؤدي فيها الامتحان ليكرم المرء بعد ذلك أو يهان ، ويعفو سبحانه عن كثير وهو الغفور الشكور . وأن في قصة آدم عبرة لمعتبر والله سبحانه يتولى الصالحين . وقد جاء في الإمارة وطاعتها أحاديث كثيرة عن المصطفى r أذكر منها : عن أبي هريرة رضي الله عنه عن النبي r قال : ” سبعة يظلهم الله في ظله يوم لا ظل إلا ظله : إمام عادل ، وشاب نشأ في عبادة الله ، ورجل قلبه معلق في المساجد ، ورجلان تحابا في الله اجتمعا عليه وتفرقا عليه ، ورجل دعته امرأة ذات منصب وجمال فقال إني أخاف الله ، ورجل تصدق بصدقة فأخفاها حتى لا تعلم شماله ما تنفق يمينه ، ورجل ذكر الله خالياً ففاضت عيناه “ .
عن عبد الله بن عمرو بن العاص رضي الله عنهما قال : قال رسول الله r : ” إن المقسطين عند الله على منابر من نور ، الذين يعدلون في حكمهم وأهليهم وماولوا ” .
عن عوف بن مالك رضي الله عنه قال : سمعت رسول الله r يقول : ” خيار أئمتكم الذين تحبونهم ويحبونكم ، وتصلون عليهم ويصلون عليكم . وشرار أئمتكم الذين تبغضونهم ويبغضونكم ، وتلعنونهم ويلعنونكم . قال : قلنا يا رسول الله أفلا ننابذهم ؟ قال : لا ، ما أقاموا فيكم الصلاة ، لا ما أقاموا فيكم الصلاة ” .
عن عياض بن حمار رضي الله عنه قال : سمعت رسول الله r يقول : ” أهل الجنة ثلاثة ، ذو سلطان مقسط موفق ، ورجل رحيم رقيق القلب لكل ذي قربى ومسلم ، وعفيف متعفف ذو عيال ” .
عن ابن عمر رضى الله عنه قال : سمعت رسول الله r يقول : ” من خلع يداً من طاعتي لقى الله يوم القيامة ولا حجة له ، ومن مات وليس في عنقه بيعة مات ميتة الجاهلية ” .
عن أبي هريرة رضي الله عنه قال : قال رسول الله r : ” عليك السمع والطاعة في عسرك ويسرك ومنشطك ومكرهك وأثرة عليك ” .
من حديث طويل عن عبد الله بن عمر رضي الله عنهما : ” ومن بايع إماماً فأعطه صفقة يده وثمرة قلبه فليطعه ما استطاع فإن جاء آخر ينازعه فاضربوا عنق الآخر ” .
عن عبد الله بن مسعود رضي الله عنه قال : قال رسول الله r : ” إنها ستكون بعدي أثرة وأمور تنكرونها ، قالوا يا رسول الله كيف تأمر من أدرك منا ؟ قال : تؤدون الحق الذي عليكم وتسألون الله الذي لكم ” .
عن أبي هريرة رضي الله عنه قال : قال رسول الله r : ” من أطاعني فقد أطاع الله ومن عصاني فقد عصى الله ومن يطع الأمير فقد أطاعني ، ومن يعص الأمير فقد عصاني ” .
عن ابن عباس رضي الله عنهما أن رسول الله r قال : ” من كره من أميره شيئاً فليصبر فإنه من خرج من السلطان شبراً فقد مات ميتة جاهلية ” .
عن أبي بكرة رضي الله عنه قال : سمعت رسول الله r ” من أهان السلطان أهانه الله ” .
بدء الغزو في الإسلام:
وإن الرسول r لم يقاتل المشركين ولم يستعمل العنف معهم زهاء ثلاثة عشر سنة قضاها في مكة رغم إيذاء المشركين له ولأتباعه r ، وقد قام بعد ذلك في المدينة بتنفيذ الإذن بالقتال دفاعاً عن الدعوة وحملتها . وآية الإذن في القتال هي قوله سبحانه : ] أذن للذين يقاتلون بأنهم ظلموا وإن الله على نصرهم لقدير[ [39/ الحج ] كما انه r لم يقاتل في الحديبية بل وقف وحده ضد القتال ، وكان r يقول لمن يسأله كسؤال عمر رضي الله عنه : أنعطي الدنية من ديننا يا رسول الله ؟ : أنا عبد الله ورسوله ولم يضيعني .
ولم يكن ذهاب رسول الله r ومن معه إلى الحديبية غزوة مقصودة ، ولكنه كان تنفيذاً لرؤيا منامية شأن رؤيا نبي الله إبراهيم في عزمه على ذبح ابنه إسماعيل . وإن رؤيا الأنبياء لا تكون إلا حقاً . وكما فدى المولى سبحانه إسماعيل بذبح عظيم .. فقد أتاب سبحانه محمداً رسوله وخاتم النبيين – عليهم جميعاً صلاة الله وسلامه – بفتح قريب ألا وهو فتح مكة . ولو لم يقف r مع ربه وحده ذلك الموقف العظيم ، ربما لقضي على الرسول والرسالة وحملتها من بعده معا ، ولكن الله سلم والحمد لله رب العالمين . ومما أثر عن النبي r أنه كان إذا غزا ينتظر فترة قبل البدء في القتال لعله يسمع أذاناً فيمتنع عن القتال . فعن أنس بن مالك أن النبي r كان إذا غزا بنا قوما لم يكن يغزو بنا حتى يصبح وينظر ، فإن سمع أذاناً كف عنهم ، وإن لم يسمع أذاناً أغار عليهم . وذلك لأن البلاد التي يؤذن فيها خمس مرات في اليوم تكون قابلة لدعوة الحق بالحكمة والموعظة الحسنة – باللسان والقلم ، والعقل والمنطق ، والحجة والبرهان . وعليه فإن الدعاة لو قاموا بذلك ووفقوا توفيقاً يتصف بالحكمة والموعظة الحسنة والنصيحة لله ولرسوله ولأئمة المسلمين وعامتهم .. لكان لدعاة الإسلام شأن آخر مصداقاً لقوله سبحانه : ] وكان حقاً علينا نصر المؤمنين [ . نسأله تبارك وتعالى أن يوفقنا للإيمان والعمل الصالح الذي يرضيه سبحانه فنكون جديرين بالعزة قمينين بالنصر .
وإذا كانت غالبية الأحاديث المتقدمة تتضمن المطلوب من الرعية ألا وهو السمع والطاعة في حدود الاستطاعة ما لم يؤمر المرء بمعصية فإنه لا بد من ذكر بعض الأحاديث فيما هو مطلوب من ولاة الأمور نحو الرعية : قال المولى جلّ شأنه : ] واخفض جناحك لمن اتبعك من المؤمنين [ ، وقال سبحانه : ] إن الله يأمر بالعدل والإحسان وإيتاء ذي القربى وينهى عن الفحشاء والمنكر والبغي يعظكم لعلكم تذكرون [ . وعن ابن عمر رضي الله عنه عنهما قال سمعت رسول الله r يقول : ” كلكم راع وكلكم مسئول عن رعيته : الإمام راع ومسئول عن رعيته ، والرجل راع في أهله ومسئول عن رعيته ، والمرأة راعية في بيت زوجها ومسئولة عن رعيتها ، والخادم راع في مال سيده ومسئول عن رعيته ، وكلكم راع ومسئول عن رعيته ” .
وعن أبي يعلي معقل بن يسار رضي الله عنه قال : سمعت رسول الله r يقول : ” ما من عبد يسترعيه الله رعية يوم يموت وهو غاش لرعينه إلا حرم الله عليه الجنة ” ، وفي رواية : فلم يحطها بنصيحة لم يجد رائحة الجنة . وفي رواية لمسلم ” ما من أمير يلي أمور المسلمين ثم لا يجهد لهم وينصح لهم إلا لم يدخل معهم الجنة ” .
وعن عائشة رضي الله عنها قالت : سمعت رسول الله r يقول في بيتي هذا : ” اللهم من ولى من أمر أمتي شيئاً فشق عليه فاشقق عليه . ومن ولى من أمر أمتي شيئاً فرفق بهم فارفق به ” .
وعن عائد بن عمرو رضي الله عنه أنه دخل على عبيد الله بن زياد فقال له : أي بني إني سمعت رسول الله r يقول : ” إن شر الرعاء الحطمة فإياك أن تكون منهم “ . وقد علق المؤلف على مهنى الحطمة : الرعاء بكسر الراء آخره ألف ممدودة : جمع رعاء ، والحطة بضم المهملة الأولى وفتح الثانية : العنيف برعاية الإبل . ضربه r مثلاً لوالي السوء أي القاسي الذي يظلمهم ولا يرق لهم ولا يرحمهم . ( عن رياض الصالحين للنووي ) .
وعن أبي مريم الأزدي رضي الله عنه أن قال لمعاوية رضي الله عنه سمعت رسول الله r يقول : ” من ولاه الله من أمور المسلمين فاحتجب دون حاجتهم وخلتهم وفقرهم ، احتجب الله دون حاجته وخلته وفقره يوم القيامة “ فجعل معاوية رجلاً على حوائج الناس .
وعن أبي هريرة رضي الله عنه قال : قال رسول الله r : ” كانت بنو إسرائيل تسوسهم الأنبياء كلما هلك نبي خلفه نبي وأنه لا نبي بعدي , وسيكون بعدي خلفاء فيكثرون . قالوا يا رسول الله ما تأمرنا ؟ قال : أوفوا بيعة الأول فالأول ثم أعطوهم حقهم واسألوا الله الذي لكم فإن الله سائلهم عما استرعاهم “.
عود إلى الملأ الأعلى – مداخل سلبيات الشيطان على آدم وذريته:
وعندما أصبحت إيجابية الملائكة الكرام إيجابية تامة .. وأمست سلبية الشيطان سلبية تامة ، وحصل التنافر بين الإيجاب التام والسلب التام حسب القاعدة العلمية – تمت بذلك المهمة التي خلق الله آدم من أجلها . وعليه فلم يبق مجال لسلبيات إبليس إلا في آدم وذريته ، علماً بأنه لا يستطيع الوصول إليهم فيما إذا كانوا ملتزمين بالحياد الإيجابي الذي فطرهم الله سبحانه عليه ، فلا سبيل إذن لإبليس وحزبه إلا بطريقة الإغراء والإغواء واستغلال الغرائز لاختلاف نقط ضعف ومواطن حرمان يدخلون منها لمحاولة زيادة السلبيات على الإيجابيات في آدم وذريته ليكون كل من يستجيب لهم من ذرية آدم من حزبهم ، نسأله سبحانه الحماية والوقاية .
وفد كان لدى آدم كإنسان – ما يمليه عليه طموحه – من تساؤلات فلسفية تدفعه إلى استعمال كلمات مثل : لماذا كذا وكذا ، وأين ومتى ؟ وإذا كان الأمر كذلك فكيف تكون النتائج ؟ وقد يكون في هذه التساؤلات الفلسفية – إذا خرجت عن الممكن والمستطاع – مدخلاً لإبليس . وقد حذرنا المولى من ذلك بقوله سبحانه : ] يا أيها الذين آمنوا لم تقولون ما لا تفعلون ~ كبر مقتاً عند الله أن تقولوا ما لا تفعلون [ [ 2 و 3 / الصف ] .
وقد قيل أن أصل الفلسفة شيطاني فنتج عن هذه التساؤلات عند آدم وزوجه ثلاث نقاط ضعف ومواطن حرمان دخل عليهما الشيطان من خلالها ونماها عندهما حتى انتهت مهمته بإخراجهما من الجنة ألا وهي : 1- محاولة معرفة السر في تحريم شجرة واحدة عليهما . 2- ولماذا لم يكتب لهما الخلود ؟ وأين يذهبان بعد الموت ؟ وكيف تكون النتيجة ؟ 3- ولماذا لم تكن لهما طاقة ملائكية تكون خير لهما من دبيبهما في طينة احتقرها الشيطان ، وفى ملأ كله طاقات ؟
وقد استغل إبليس ذلك فأغراهما بالأكل من الشجرة المحرمة لتتحقق لهما الطاقة الملائكية والخلود الدائم . ويتبين ذلك من محاورة آدم وزوجه وإبليس ، وذلك في قوله سبحانه حكاية عن إبليس : ] فوسوس إليه الشيطان قال يا آدم هل أدلك على شجرة الخلد وملك لا يبلى [ ، وقوله سبحانه أيضاً : ] فوسوس لهما الشيطان ليبدي لهما ما ووري عنهما من سوءاتهما وقال ما نهاكما ربكما عن هذه الشجرة إلا أن تكونا ملكين أو تكونا من الخالدين [ .
ويتبين من ذلك أيضاً أنه اخترق لهما حرماناً رابعاً . وذلك أنه حالما استسلما لتغريره نزع عنهما لباسهما ليريهما سوءاتهما . وقد ارتاحا في بادئ الأمر شأن أولادهما اليوم مصداقاً لقوله جل ّ شأنه : ] يا بني آدم لا يفتننكم الشيطان كما أخرج أبويكم من الجنة ينزع عنهما لباسهما ليريهما سوءاتهما [ وقد كان العري محرما عليهما لقوله سبحانه مخاطباً آدم : ] إن لك ألا تجوع فيها ولا تعرى ~ ولا تظمأ فيها ولا تضحى [ . ولم يكن لآدم وحواء غير هذه الهنات الأربع التي فكر فيها ، وصور لهما الشيطان أنها نواقص عن الكمال التام والحرية المطلقة اللتين يصبوان إليهما . على أن السؤال الذي يطرح نفسه هو : هل يكون الإنسان سعيداً فيما إذا تمرد على الأخلاق والقيم والضمير الحي والفهم السليم والمنطق القويم ؟ طبعاً لا … ] .. وإن النفس لأمارة بالسوء إلا ما رحم ربي .. [ على أن آدم لو استعمل ما وهبه الله سبحانه للتطبيق العملي لما علمه سبحانه قبل ذلك ، وأن القوانين كلها ما هي إلا مباحات ومحظورات ، وحلا ل وحرام ، وأن لدى الإنسان نوازع تتطلب روادع . ولو فكر في الخلود لعلم أن الخلود الدائم لا يكون إلا لله سبحانه وحده . ولو فكر في الطاقة الملائكية لعرف أن لديه من الطاقات العلمية ما يمكن أن يوصله طاقة تفوق طاقة إبليس ، كما حصل في عهد نبي الله سليمان عندما طلب إحضار عرش بلقيس – كما أخبرنا به سبحانه بقوله جل ّ شأنه : ] قال عفريت من الجن أنا آتيك به قبل أن تقوم من مقامك وإني عليه لقوي أمين ~ قال الذي عنده علم الكتاب آنا آتيك به قبل أن يرتد إليك طرفك [ .
ومعلوم أن الذي عنده علم من الكتاب هو من ذرية آدم ، وقد قيل أنه إيليا بن ملكان الخضر عليه السلام . وبالفعل تم إحضار العرش بطاقة علمية أخرجه بها من القصور المغلقة وجاء به أمام سليمان قبل أن يرتد إليه طرفه ، وذلك عن طريق فراغات القصر دون فتحه ، كما يسمع أحدنا الكلام المذاع من أمكنة بعيدة … عندما يحول الكلام إلى طاقة ترسل ثم تستقبل . وهذا أمر معروف علمياً . وإذا كان العلم قد توصل إلى تحويل الأجسام إلى ذرات وإرسالها . فإنه يحاول التوصل إلى استقبالها كاستقباله للكلمات والصور ، وأنه قد يصل يوماً ما كما تقدم في عهد نبي الله سليمان عليه السلام .
وعندما انتهى إبليس من استغلال جميع نقاط الضعف الوهمية ومواطن الحرمان الفلسفية عند آدم وزوجه .. تركهما ونكص على عقبه قائلاً لهما كعادته : إني برئ منكما .. إني أخاف الله رب العالمين .. علماً بأن شياطين الإنس والجن لا تستطيع الدخول على الإنسان إلا عن طريق نقاط ضعف عنده أو مواطن حرمان يصورونها له . أما إذا كان الإنسان ملتزماً بالإيمان الصادق والعمل الصالح . وكان أمره بين تقوى الله واستغفاره سبحانه من ذنب ألم به ، فإنه لا سلطان لشياطين الإنس والجن عليه . ولقد بين المولى سبحانه ذلك في قوله جل شأنه في الآيتين 99 و 100 من سور النحل : ] إنه ليس له سلطان على الذين آمنوا وعلى ربهم يتوكلون ~ إنما سلطانه على الذين يتولونه والذين هم به مشركون [ . وقد علمنا المولى سبحانه في ختام سورة المدثر أن جل ّ شأنه أهل للتقوى كلما اتقاه عبده ، وأنه أهل للمغفرة كلما استغفره من ذنب ألم به ، وذلك بقوله سبحانه : ] هو أهل التقوى وأهل المغفرة [ ، ومن يغفر الذنوب إلا الله ؟ لا ذنب مع استغفار ولا صغيرة مع إصرار وإن الحسنات يذهبن السيئات:
وعليه فلا خطيئة خالدة على آدم لقوله سبحانه : ] فتلقى آدم من ربه كلمات فتاب عليه إنه هو التواب الرحيم [ ولا على ذريته لقوله سبحانه : ] ولا تزر وازرة وزر أخرى [ .
وإن العبد المجرد من الخير الذي لا يتقي ربه ولا يستغفره – شيطان وعاثورة من الخشب في الطريق ليس لها إلا الإحراق في النار . وقد وصف سبحانه أمثاله – والفارق الكبير بين من يعمل الخير ومن لا يعمله – وذلك قبيل ختام سورة المدثر بقوله جل ّ شأنه : ] كل نفس بما كسبت رهينة ~ إلا أصحاب اليمين ~ في جنات يتساءلون ~ عن المجرمين ~ ما سلككم في سقر [ .
أي أننا كنا معاً في الدنيا ، فكيف كنا من أصحاب اليمين في الجنة وأنتم في النار ؟ ويتبين من جوابهم : – إنكم عملتم عملاً صالحاً وآخر سيئاً فعفا سبحانه عن سيئاتكم وأدخلكم الجنة بحسناتكم . أما هم .. فكانوا محرومين من الخير كله كما اخبرنا سبحانه بقوله جل شأنه : ] قالوا لم نك من المصلين ~ ولم نك نطعم المسكين ~ وكنا نخوض مع الخائضين ~ وكنا نكذب بيوم الدين ~ حتى أتانا اليقين [ . إلى آخر السورة . ويتبين من ذلك أنهم لم يعملوا ذرة من الخير تنقذهم من العذاب كما جاء في ختام سورة الزلزلة : ] فمن يعمل مثقال ذرة خيراً يره ~ ومن يعمل مثقال ذرة شراً يره [ ، وقوله r : ” اتقوا النار ولو يشق تمرة ، فمن لم يستطع فبكلمة طيبة “ – أو تشفع لهم كما جاء في قوله سبحانه في سياق الآيات بآخر سورة المدثر : ] فما تنفعهم شفاعة الشافعين [ .
وإن الشيطان لا يترك الإنسان طالما يجد مدخلاً لإغوائه حتى يجعله في الدرك الأسفل من النار إن استطاع ، وإن الشيطان لم يجد عند آدم إلا الهنات الأربع المتقدمة . وقد غفر المولى سبحانه لآدم وأعاده وإبليس إلى الأرض التي خلقا منها . فلقد خلق المولى جل ّ شأنه إبليس من نار الأرض قبل القشرة الترابية ، وخلق آدم من طينة الأرض بعد القشرة الترابية مصداقاً لقوله سبحانه : ] ولقد خلقنا الإنسان من صلصال من حمأ مسنون ، والجان خلقناه من قبل من نار السموم [ . وإن الأرض تحرص على الاحتفاظ بكل ما عليها سواء أكان ذلك أكبر من الجبل أو أصغر من الذرة ، وأن كل ما يخرج منها لا بد وأن يعود إليها . وإن الأرض من الأعماق إلى الأعراف أي من بواطن الأرض وقيعانها ماء ويابسة حتى غلافها الجوي وحدة متكاملة رفعاً ووضعاً ووسطاً بحكم القاعدة الكونية الثلاثية .
وعندما انتهى إبليس من إغراء آدم وحواء وإغوائهما في مواطن الضعف الأربعة عندهما – تركهما .. فشعرا بخطيئتهما وتركا الشجرة التي أكلا منها وطفقا إلى أشجار أخرى يخصفان عليهما من أوراقها ليسترا عوراتهما معترفين بخطيئتهما مستغفرين المولى سبحانه . وقد بين سبحانه ذلك بقوله جل ّ شأنه . ] فلما ذاقا من الشجرة بدت لهما سوءاتهما يخصفان عليهما من ورق الجنة وناداهما ربهما ألم أنهكما عن تلكما الشجرة واقل لكما إن الشيطان لكما عدو مبين ~ قالا ربنا ظلمنا أنفسنا وإن لم تغفر لنا وترحمنا لنكونن من الخاسرين [ .
وقد تكررت جوانب من قصة آدم في كتاب الله لا سيما في الآيات من 30 إلى 38 من سورة البقرة . وفي الآيات من 71 إلى آخر سورة ( ص ) ، والآيات من 11 إلى 27 من سورة الأعراف ، والآيات من 28 إلى 43 من سورة الحجر . كما جاء تحذير الله سبحانه لآدم من مكائد إبليس في الآيات من 115 إلى 123 من سورة طه .. وفي الآيات من 61 إلى 65من سورة الإسراء .
الوسطية المثلى في الدنيا والآخرة:
وعليه فقد يتساءل البعض : إذا كان الشيطان سلبياً ومفسداً ومضلاً ، فلماذا يا ترى حوله المولى سبحانه إلى الأرض بعد أن طهر السماء من سلبيته ؟ والجواب على ذلك أن في الملأ الأعلى ملائكة كرام لا يعصون الله ما أمرهم ويفعلون ما يؤمرون كجنود لله سبحانه . وقد تقدم أن الجندي لا بد وأن تكون إيجابيته سليمة وصادقة ، ومتجاوبة مع القيادة ، ولله سبحانه المثل الأعلى . كما تتمثل إيجابية الملائكة الكرام التامة في قوله جل ّ شأنه : ] يوم يقوم الروح والملائكة صفاً لا يتكلمون إلا من أذن له الرحمن وقال صوابا [ [ 38 / النبأ ] . أما الإنسان ككل .. فقد اختار المولى سبحانه له الحالة الوسطية وفضله بها على الخلق كله إذا رعاها حق رعايتها . وإن هذه الوسطية لا تتم إلا بوجود السلب المتمم للقاعدة الثلاثية : الإيجاب والسلب والحياد .. أو اليمين واليسار والوسط ، مصداقاً لقوله سبحانه في سورة الواقعة : ] وكنتم أزواجاً ثلاثة ~ فأصحاب الميمنة ما أصحاب الميمنة ~ وأصحاب المشأمة ما أصحاب المشأمة ~ والسابقون السابقون ~ أولئك المقربون [ . وعليه فإن اليمينية وحدها ناقصة .. واليسارية وحدها ناقصة أيضاً لآن القاعدة الكونية – ثلاثية .
ولذلك فإن من يحاول من الناس اليمينية المجردة – فلا بد وأن ينحرف ويخالف الفطرة الإنسانية المثلى والقاعدة الكونية . وإن حزب الشيطان كثيرا ُ ما يأتون فريستهم من اليمين ، كما جاء في تحاورهم في نار جهنم بقوله سبحانه : ] وأقبل بعضهم على بعض يتساءلون ~ قالوا إنكم كنتم تأتوننا عن اليمين ~ قالوا بل لم تكونوا مؤمنين [ [ 27 – 29 / الصافات ] . أي لو أنكم أتيتمونا عن اليسار وطلبتم منا أن نكفر بالله لما أطعناكم .. ولكنكم قلتم لنا أنه لا بد أن يكون بينكم وبين الله وسطاء ، فاعبدوا الله عن طريق هذا الوثن الحي .. أو تمثال لميت أو قبره أو غير ذلك فأطعناكم .. فكانت عبادتنا باطلة وكان نصيبنا النار . وقد جاء هذا المعنى في قوله جل ّ شأنه : ] والذين اتخذوا من دونه أولياء ما نعبدهم إلا ليقربونا إلى الله زلفى إن الله يحكم بينهم في ما هم فيه يختلفون إن الله لا يهدي من هو كاذب كفار [ [ 3 / الزمر ] .
الأمة الوسط:
فالمفروض إذن أن تكون الأمة الناجحة هي الأمة الوسط مصداقاً لقوله سبحانه : ] وكذلك جعلناكم أمة وسطا لتكونوا شهداء على الناس ويكون الرسول عليكم شهيدا [ أي أن يكون رسالة القرآن الخالدة مستمرة في هذه الأمة الوسط مصداقاً لقوله سبحانه مخاطباً محمداً رسول الله وخاتم النبيين r : ] قل هذه سبيلي أدعو إلى الله على بصيرة أنا ومن اتبعني وسبحان الله وما أنا من المشركين [ وتتلخص هذه الرسالة القرآنية الخاتمة في التسبيح العملي والقولي ، والتوحيد الخالص . وإذا كانت النبوات قد ختمت بمحمد r ، فإن رسالة القرآن خالدة إلى أن يقضي الله على هذه الأرض ومن عليها .
ويتبين مما تقدم أن على كل تابع لمحمد r أن يواصل نشر الرسالة القرآنية على بصيرة إلى قيام الساعة كفرض عين أو فرض كفاية عند قيام البعض مصداقاً لقوله سبحانه : ] ولتكن منكم أمة يدعون إلى الخير ويأمرون بالمعروف وينهون عن المنكر وأولئك هم المفلحون [ [ 104 / آل عمران ] وقوله سبحانه : ] وما كان المؤمنون لينفروا كافة فلولا نفر من كل فرقة منهم طائفة ليتفقهوا في الدين ولينذروا قومهم إذا رجعوا إليهم لعلهم يحذرون [ [ 112 / التوبة ] ، وقوله سبحانه : ] وما كنا معذبين حتى نبعث رسولاً [ ولا رسالة بعد محمد رسول الله وخاتم النبيين إلا رسالة القرآن الكريم إذا وفق له دعاة عدول ينشرون رسالته . وإن رسالة القرآن الكريم متجددة وخالدة ، وإن من يقتل في سبيل نشرها أو الدفاع عنها يسمى شهيداً ، وإنهم أحياء عند ربهم يرزقون . وتستمر الهداية وإصلاح البال معهم بعد الموت كما لو كانوا أحياء يفهمون كلام الله ، ويقومون بتنفيذ تعاليمه خير قيام . ومن شاء فليقرأ الآيات من 188 إلى 195 من سورة آل عمران ، وقوله r : ” ويل لمن لاكها بين لحييه ولم يتفكر ” ، وقوله سبحانه : ] والذين قتلوا في سبيل الله فلن يضل أعمالهم ~ سيهديهم ويصلح بالهم ~ ويدخلهم الجنة عرفها لهم [ [ 4- 6 / محمد ] .
أهمية الأرض بالنسبة للملائكة الكرام وبالنسبة للكون كله:
ولا يفوتني قبل الختام أن أشير إلى أن غيرة الملائكة الكرام على أرضنا مما يدل على أهمية هذه الأرض وكبر شأنها بالنسبة للسماء وما فيها من مجموعات وذلك بقوله سبحانه في الآيات من 9 إلى 12 من سورة فصلت : ] قل أئنكم لتكفرون بالذي خلق الأرض في يومين وتجعلون له أنداداً ذلك رب العالمين ~ وجعل فيها رواسي من فوقها وبارك فيها وقدر فيها أقواتها في أربعة أيام سواء للسائلين ~ ثم استوى إلى السماء وهي دخان فقال لها وللأرض أأتيا طوعاً أو كرهاً قالتا أتينا طائعين ~ فقضاهن سبع سماوات في يومين وأوحى في كل سماء أمرها وزينا السماء الدنيا بمصابيح وحفظا ذلك تقدير العزيز العليم [ . كما يتبين أن خلق الأرض وما فوقها من جبال وما فيها من بركات باطناً وظاهراً .. كان في الأربعة الأيام الأولى من السنة . ومن البديهي أن تكون المجموعة الشمسية معها حيث لا يمكن أن يكون في الأرض أقوات ونبات دون شمس وقمر . فالمجموعة إذن هي مجموعة مكملة للأرض بما فيها الشمس ، لأن الأرض هي المستفيدة .
ويتبين من قوله سبحانه : ] سواءً للسائلين [ أن يومين للأرض ويومين لتكملتها بالجبال والمياه والأجواء وكل ما له علاقة بالأقوات والبركات بما في ذلك المجموعة . وإذا كانت الأرض صغيرة بالنسبة لأجرام السماء مصداقاً لقوله سبحانه : ] ثم استوى إلى السماء وهي دخان [ ولا يستبعد أن يكون تجمع الدخان قد تصاعد عندما كانت الأرض كتلة مشتعلة . وكما قيل : إن المادة لا تفنى ولا تخلق من العدم وذلك في الخلق كله . وإن هذا الدخان في تمدد وتوسع مستمر ما دامت السماوات والأرض مصداقاً لقوله سبحانه : ] والسماء بنيناها بأيد وأنا لموسعون [ .
وإن مما يدل على أهمية الأرض أيضاً – ذكرها كلما ذكرت السماء . وأن مادة الأجرام في الكون من مادتها . ولقد خلق المولى سبحانه السماوات والأرض في ستة أيام مصداقاً لقوله سبحانه : ] والذي خلق السماوات والأرض في ستة أيام ثم استوى على العرش الرحمن فاسأل به خبيرا [ ، وأن هذه الأيام الستة علمها عند الله ، وقد يشتمل عليها قوله سبحانه : ] وإن يوماً عند ربك كألف سنة مما تعدون [ [ 47 / الحج ] ، أو الأيام العادية لأن المولى سبحانه لا يصعب عليه شيء لقوله جل ّ شأنه في ختام سورة يس : ] أوليس الذي خلق السماوات والأرض بقادر على أن يخلق مثلهم بلى وهو الخلاق العليم إنما أمره إذا أراد شيئاً أن يقول له كن فيكون [ يؤيد هذا المعنى قوله سبحانه : ] إن عدة الشهور عند الله اثنا عشر شهراً في كتاب الله يوم خلق السماوات والأرض [ .
كل خلف سلف – الاستخلاف من الله لا عن الله:
كما لا بد من الإشارة إلى كون آدم خليفة في الأرض ، فلعله خلف لسلف قبله أفسد في الأرض وسفك الدماء . وإن تعاقب الخلفاء على هذه الأرض كأمراء وملوك خلفا ً عن سلف وراد ، شأن آدم وداود . أما أبو بكر .. فقد كان خليفة لرسول الله r . وقد صعب على عمر من بعده أن يسمي نفسه ( خليفة خليفة رسول الله ) لصعوبة الاستمرارية لهذه التسمية ، فسمى نفسه بأمير المؤمنين . وقد ورد عن المصطفى r الأمر باتباع سنته وسنة الخلفاء الراشدين من بعده .. تسمى الخلفاء الأربعة بالخلفاء الراشدين ، كما سمي عمر بن عبد العزيز بالخليفة الخامس .
وكذلك تخالف البشر على مختلف مستوياتهم المعيشية وارد أيضاً مصداقاً لقوله سبحانه : ] هو الذي جعلكم خلائف في الأرض فمن كفر فعليه كفره [ ، وإن كلمة خليفة على وزن كريمة وجمعها خلائف على وزن كرائم وخلفاء على وزن كرماء . على أن الشيء المهم الذي ينبغي الإقلاع عنه هو ما يعتقده البعض من أن الإنسان خليفة عن الله في الأرض ، فالإنسان مهما كان ملتزماً بالإيمان والعمل الصالح ومهما فضل فإنه لا يصل لهذه المرتبة . وإن المولى جلّ شأنه ليس له خلف وليس له سلف : ] هو الأول والآخر والظاهر والباطن وهو بكل شيء عليم [ ، ] هو الذي في السماء إله وفى الأرض إله وهو الحكيم العليم [ . وعليه .. فليس الإنسان خليفة عن الله إنما هو خليفة من الله سبحانه ، وخليفة عمن سبقه من أمثاله ، ولا يلزم الأمر أكثر من إبدال حرف الجر ( عن ) بحرف جر آخر ( من ) مصداقاً لقوله سبحانه : ] واذكروا إذ جعلكم خلفاء من بعد قوم نوح وزادكم في الخلق بسطة فاذكروا آلاء الله لعلكم تفلحون [ [ 69 / الأعراف ] ، وفي الآية 74 من نفس السورة قوله سبحانه : ] واذكروا إذ جعلكم خلفاء من بعد عاد وبوأكم في الأرض [ ، وقوله جلّ شأنه : ] وأنفقوا مما جعلكم مستخلفين فيه [ [ 7 / الحديد ] .
وقد ورد في حديث عن المصطفى r في دعائه عند السفر : ” اللهم إنك أنت الصاحب في السفر والخليفة في الأهل “ وكما جاء في آخر الأحاديث المتقدمة عن الإمارة والخلافة : ( كانت بنوا إسرائيل تسوسهم الأنبياء كلما هلك نبي خلفه نبي ) حتى آخر الحديث .
كما أشير أيضاً بأن قصة آدم تشتمل على كثير مما جاء في هذه المقولة كما تشتمل على فوائد كثيرة أخرى يعلمها الله سبحانه وحده ، وستأتي مناسبة لمن يوفقه المولى سبحانه للفهم السليم دون تكلف في معنى أو استعجال في تأويل مصداقاً لقوله سبحانه آمراً رسوله r في هذه الآيات الكريمة : ] قل ما أسألكم عليه من أجر وما أنا من المتكلفين ~ إن هو إلا ذكر للعالمين ~ ولتعلمن نبأه بعد حين [ .
وقوله سبحانه في النهي عن الاستعجال بالتأويل : ] هل ينظرون إلا تأويله يوم يأتي تأويله يقول الذين نسوه من قبل قد جاءت رسل ربنا بالحق فهل لنا من شفعاء فيشفعوا لنا أو نرد فنعمل غير الذي كنا نعمل قد خسروا أنفسهم وضل عنهم ما كانوا يفترون [ . [ 53 / الأعراف ] وقوله جل شأنه : ] بل كذبوا بما لم يحيطوا بعلمه ~ ولم يأتهم تأويله كذلك كذب الذين من قبلهم فانظر كيف كان عاقبة الظالمين [ [ 39 / يونس ] .
عبد العزيز العلي المطوع |