البنكرياس: لقد أخبرتني أن القرآن العظيم فيه تفصيل كل شيء.
الرأس: لقد قلت ذلك مصداقاً لقوله سبحانه: } وكل شيء فصلناه تفصيلاً {. صدق الله العظيم.. وليس معني ذلك أنني أفهم كل ما فصله الله سبحانه في كتاب كريم، فإذا عجز إدراكي عن فهم ما فصله الله عز وجل، أو توزعت عن القول فيه بالعقل دون النقل من كتاب الله أو سنة رسوله، فقد يوفق المولى سبحانه لمثل ذلك غيري من عباده أو يوفقني في وقت لا حق بإذنه وحسن توفيقه، وإنني كما تعلمين لا أحب أن أتعجل أو أن أتكلف في تفهم كتاب الله وتدبر آياته.
البنكرياس: شكراً ومعذرة يا سيدي.. فإذا كانت ناصية كل دابة بيده سبحانه، وملكوت كل شيء بيده جل شأنه مما هو أصغر من الذرة أو أكبر من السماء، فهل أن هذه الخلائق منظومة كأشبه ما تكون بنبق منضود في سدرة وعلى وتيرة واحدة مصداقاً لقوله سبحانه: } ما ترى في خلق الرحمن من تفاوت {.
الرأس: لا أستبعد مثل ذلك إذا كان من قبيل ضرب المثل.
البنكرياس: حقاً سيدي بأنه لا شك أن ذلك من قبيل المثل لأن الله سبحانه لا يستحي أن يضرب مثلاً ما بعوضة فما فوقها، ولله المثل الأعلى وإنه ليس كمثله شيء وهو السميع البصير.
البنكرياس: اطمئن سيدي.. إن المولى سبحانه لا يريد من عبادة أن يكونوا إمعات، أو أن يعطوا مواهبهم أو أن يتراخوا عن واجبهم الملقى عليهم والأمانة التي حملوها، أو أن ترعبهم السلبيات الجاهلة غير المسئولة وغير المتهمة حفظاً على مراكزهم وأراهم حفظاً على لقمة العيش.. أو أن يخشوا في الله لومة لائم. علماً بأنه إذا وجد الدليل القاطع والمنطق الصادق، والحكمة البالغة والحجة الدامغة، فثم شرع الله. وأشهد ويشهد الله أنك تتورع وتقيد نفسك، وتخشى الله سبحانه ما استطعت إلى ذلك سبيلاً.
الرأس: أشكرك يا عزيزتي.. وأن السكوت عما يأمر الله به ويرضاه سبحانه لعباده فهو كتمان حذر منه المولى جل شأنه. وعلى كل فأرجوك ألا تفرطي في الثناء على عبد من عباد الله، إذ لا يمكن لعبد من عباد الله مهما أتاه الله من العلم والفضل أن يكون اكثر من طالب محتاج إلى المزيد: ] وما أوتيتم من العلم إلا قليلا[، وقوله سبحانه: ] وفوق كل ذي علم عليم[.
البنكرياس: سيدي، طالما أنك تحرص على الدليل من كتاب الله وسنة رسوله، وتتوخى الخير. والفلاح فيما تعرضه فلا خوف عليك، إذن فاصدع بالحق فيما يتبين من كتاب الله وسنة رسوله r فإن أصبت وهو ما أرجوه فلك أجران وإن أخطأت فلك أجر الاجتهاد، هذا ما تعلمناه مما أثر عن رسول الله r في هذا المعنى، أليس كذلك؟
الرأس: نرجو المولى سبحانه أن يوفقنا جميعاً لما يحبه ويرضاه.
البنكرياس: لقد اطمأن قلبي الآن حول أسئلتي عن النزلة الأولى والنزلة الأخرى وسدرة المنتهى فبارك الله فيك ونفعنا بك.
الرأس: أرجو أن يكون اطمئنانك في محله كما أرجو أن تشاركيني في هذا الدعاء الوارد في كتاب الله بآخر سورة البقرة: ] ربنا لا تؤاخذنا إن نسينا أو أخطأنا ربنا ولا تحمل علينا إصراً كما حملته على الذين من قبلنا ربنا ولا تحملنا ما لا طاقة لنا به واعف عنا واغفر لنا وارحمنا أنت مولانا فانصرنا على القوم الكافرين [.
البنكرياس:
آمين آمين لا أرضى بواحدة حتى أضيف إليها ألف آمينا
على أن تساؤلاً ترددت فيه خوفاً من بطشك ولكنك استدرجتني بالأمان والرضا مما جعلني أتشجع بعرضه عليك آملة في حلمك علي، ولا سيما أنك قد علمت صدق نيتي ونقاء طويتي.
الرأس: هاتي ما عندك ولا خوف عليك.
البنكرياس: لقد استشهدت فيما تقدم عن سعة ما في كتاب الله من العلوم النافعة والحكم المفيدة والأوامر والنواهي والترغيب والترهيب والخير كله، فيما لو استعمل لذلك من المداد مقدار ثمانية أبحر ما نفذت كلمات الله، فماذا يكون الآمر لو كانت تسعة أبحر؟
الرأس: لقد سألت عن المداد ولم تسألي عن أعداد الشجر والأقلام والكتبة التي تقوم بهذه المقام.
البنكرياس: لقد قطع علي التفكير في ذلك قوله سبحانه: ] ولو أن ما في الأرض من شجرة أقلام والبحر يمده من بعده سبعة أبحر ما نفدت كلمات الله إن الله عزيز حكيم [ بحيث تشمل أول الآية جميع أشجار الأرض بدون تحدد، كما يظهر من آخر الآية أن البحار محدودة بثمانية.. وهذا جعلني أتساءل.
الرأس: وما هو موقفك لو أن الله سبحانه قال: وما في الأرض من بحار؟
البنكرياس: طبعاً سيكون ذلك بدون تحديد ويكون حكمه كحكم الأشجار.
الرأس: إن الله سبحانه يعلم عدد الأقلام والكتبة كما يعلم مقدار المداد وعدد البحار، ولكن ليس للبشر نفع في معرفة عدد الأشجار أو الأقلام والكتبة في الأرض، ولكن للبشر نفع في معرفة عدد البحار.. وهو ما يدخل في علم الجغرافيا مثلاً. وإذا علمنا أن البحر بالتعريف هو البحر القريب من مهبط الوحي الذي هو البحر الأحمر – كما إذا قلت البحر بالتعريف وأنت بالإسكندرية فإنك حتماً البحر المتوسط، وإنه يمد هذا البحر جميع البحار العالمية السبعة، فمعنى ذلك أننا استفدنا بفائدتين: الأولى.. معرفة عدد بحار الأرض. إذ أن عدد البحار فيما عدا البحر الأحمر يكون سبعة: البحر المتوسط والبحر العربي فالمحيطات الخمسة.. وما عداها فهي خلجان وممرات. وغالباً ما يطلق على البحار البحار السبعة، ولكن لوجود البحر الأحمر قرب مهبط الوحي ولأهميته العالمية، ذكره القرآن العظيم – بحراً ثامناً.
البنكرياس: لو أن الضمير في “من بعده” في الآية 27 من سورة لقمان – يعود على فتح برزخ السويس الفاصل من البحرين المتوسط والأحمر، لكان إمداد البحر الأحمر من الجانبين، ولكان في ذلك نبوءة قرآنية بفتح البرزخ، فما رأيك سيدي في ذلك؟
الرأس: ما دام الضمير يعود على ما يضمره المتكلم ويقصده، والمتكلم هنا هو الله الذي أنزل القرآن العظيم بعلمه سبحانه، وهو الذي لا تخفى عليه خافية في السماوات أو في الأرض وما شاء سبحانه بعد ذلك، ويعلم ما كان وما يكون، فلا أرى ما يمنع مثل ذلك. على أني أرى أن إمداد البحر الأحمر من الجانبين يكون أتم للمعنى فيما يظهر.
البنكرياس: وكيف ذلك سيدي؟
الرأس: بعد أن أتم الله سبحانه المعجزة الربانية والنبوءة القرآنية بفتح هذا البرزخ – الذي هو في مركز الوسط من العالم أجمع – صار الكثير من الدول تتجنب المرور عن طريق رأس الرجاء الصالح في جنوب أفريقيا ذهابا وإياباً، وفي ذلك اختصار في الوقت وقصد في المسافات وتوفير في النفقات. على أني أبشرك بأنني وجدت في سورة الرحمن ما يظهر منه تأييد ما ظهر لك من فتح برزخ السويس، إلا أن الموضوع طويل وأود لو أجلته إلي طبعة ثانية من كتاب “العلم بين القديم والجديد في رحاب القرآن الكريم” الذي أخبرتك عنه، حيث قد يعترض الموضوع ما يشير إلى قاعدة أرخميدس في الطفو، ونظرية نيوتن في الجاذبية، وهذه قد تكون من أهم ما جاء في الكتاب سالف الذكر.
البنكرياس: أرجوك سيدي وإن طال الحديث.. فلا تحرمني من هذه البشرى.
الرأس: إذن عليك أن تصبري حتى نصل إلى آيات كتاب الله التي يظهر منها ما يشير إلى فتح برزخ السويس.. لأنه كما تعلمين أن المدرسة القرآنية هي المدرسة التي لا يتطرق إليها النقض أو التبديل لأنها كما تقدم – من علم الله الأزلي المطلق اللانهائي، وهو الصانع سبحانه الذي يبين لعباده من أسرار صنعه وقواعد حكمته ما يشاء منا منه سبحانه وفضلاً.
البنكرياس: لا شك سيدي أن علم الله سبحانه فوق كل علم.. فهو العلم الراسخ والقول الفصل الذي لا يأتيه الباطل من بين يديه ولا من خلفه، له الهيمنة على جميع ما يصل إليه علم الإنسان من القواعد والنظريات.. فتفضل سيدي بما يلوح لك لعل الله يجعل فيه خيراً كثيراً.
الرأس: بارك الله فيك، فلقد أنزل الله سبحانه وتعالى سورة أسماها باسمه ألا وهي سورة الرحمن: ] بسم الله الرحمن الرحيم ~ الرحمن ~ علم القرآن ~ خلق الإنسان ~ علمه البيان [
ويظهر من هذه الآيات أن الرحمن سبحانه هو المعلم، وأن منهج مدرسته الربانية هو القرآن الكريم، كما أنه سبحانه خلق الإنسان وأعده لأن يكون وعاء للعمل الذي فضله به الله على ملائكته الكرام، ليعلمه محكم آيات كتابه الكريم، ثم ليعلمه بيان ما أجمل في هذا المنهج الدراسي المحكم، والموسوعة الربانية التامة الكاملة. والصالحة لمختلف العصور والأزمنة إلى أن يرث الله الأرض ومن عليها – كبراعم تفتح في مواسمها دون أن يتطرق إليها الذبول مصداقاً لقوله سبحانه: ] وإن علينا جمعه وقرآنه ~ فإذا قرأناه فاتبع قرآنه ~ ثم إن علينا بيانه ~ [ القيامة / 17 – 19، وقوله سبحانه في مستهل سورة هود: ] بسم الله الرحمن الرحيم ~ الر كتاب أحكمت آياته ~ ثم فصلت من لدن حكيم خبير [. والآيات في هذه المعنى كثيرة.
البنكرياس: أشكرك سيدي على هذا البيان، ولكني منتظرة البشرى التي وعدتني بها.
الرأس: لقد أخبرتك أن الموضوع قد يطول وأنه لا بد للنتائج من مقدمات، فاصبري إن الله مع الصابرين.
البنكرياس: إن معية الله نعمت المعية، وإني صابرة محتسبة بإذن الله ، وعلة هذا الأساس فإن على كل إنسان أن يتوخى الفيض من الرحمن بالبيان الذي وعد به سبحانه دون تراخ أو تواكل أو تكلف.
الرأس: نعم.. فقد جاء في الآية الخامسة من سورة الرحمن: ] الشمس والقمر بحسبان [ أي أن الشمس والقمر وسباحتهما ضمن أفلاكهما قد يكون بحساب على قاعدة عامة لا تتبدل ولا تتغير يعلمه سبحانه. والآية السادسة: ] والنجم والشجر يسجدان [. ويتبين من ذلك أن كل ما نجم من الأرض من مناجم أو نبت على وجهها من أعشاب وغير ذلك، وكل ما طلع على ظهرها من شجر يعود إلى الأرض على ضوء القاعدة الربانية التي لا تتبدل ولا تتغير، وإن معنى السجود لغة – هو القرب من الأرض كما قيل لبعير ليلى: وقلن له اسجد لليلى فأسجدا.. أي أن بعيرها طأطأ رأسه لتركبه، وسجود المصلي هو وضع جبهته على الأرض مع باقي أعضائه السبعة.
البنكرياس: أشكرك سيدي.. وما دام العلم كله في مدرسة الرحمن، فليتنا نعرف القاعدة، ولعل الله يوفقك لمعرفتها.
الرأس: أرجوه سبحانه أن يحقق أملك.. ولقد جاء في الآية السابعة: ] والسماء رفعها ووضع الميزان [.
البنكرياس: سيدي.. سيدي..!!!
الرأس: خيراً.. ماذا بدا لك؟
البنكرياس: ألا ترى سيدي أن الرفع التلقائي معناه: السلب، والوضع معناه: الإيجاب؟ وإذا كان الوضع للوزن، والرفع للا وزن، أفلا يظهر من ذلك أنهما السلب والإيجاب؟
الرأس: بارك الله فيك.. لقد سبق في كتابي ذكر القاعدة العلمية المعروفة: السلب والإيجاب والحياد، ولكني لم أكن أعلم آنذاك أن السلب والإيجاب موجودان في القرآن العظيم. وقد بقي علينا يا عزيزتي معرفة الحياد لتكملة القاعدة، فعسى الله أن يفح عليك في معرفة الحياد المكمل للقاعدة الثلاثية أيضاً.
البنكرياس: أترك لك ذلك سيدي.
الرأس (بعد تفكير): الحمد لله.. لقد ظهر لي الحياد من الآيتين الثامنة والتاسعة وذلك في قوله سبحانه: ] ألا تطغوا في الميزان ~ وأقيموا الوزن بالقسط ولا تخسروا الميزان [. وإذا كان الميزان بلا زيادة ولا نقص فمعناه التعادل.. والتعادل هو الحياد.. أليس كذلك يا عزيزتي؟
البنكرياس: إذا كان يظهر مما تقدم أن السماء هي جهة الرفع التي هي جهة السلب، وأن الأرض هي جهة الوضع أي جهة الإيجاب، فإن كفتي الميزان المتعادلتين هما الحياد، وأن المخلوقات هي أشياء وأجواء، كذلك.. أفلا ترى أن القاعدة الكونية قد تمت في كتاب الله العزيز.. ألا وهي السلب والإيجاب والحياد؟
الرأس: لا غرابة في ذلك لأن القرآن العظيم هو مدرسة الله الخالدة ومأدبته الدائمة. وإليك الآية العاشرة: ] والأرض وضعها للأنام [.
البنكرياس: ألا يظهر أن الله سبحانه قد جعل الأرض جهة الوضع أي جهة الإيجاب لتكون مقراً للأنام يمشون في مناكبها ويأكلون من رزقه كقوله سبحانه: ] هو الذي جعل لكم الأرض ذلولاً فامشوا في مناكبها وكلوا من رزقه وإليه النشور [ الملك /15.
الرأس: الحمد لله الذي فتح علينا ووفقنا لعرفة القاعدة الكونية العامة إلا وهي السلب والإيجاب والحياد، وعلمنا جل شأنه أن جميع الأشياء – ما خف منها وما ثقل – تنطلق نحو التعادل في حالتي الرفع والوضع، وأنه سبحانه وضع الأرض لتلقي الإيجابيات بالنسبة للهواء على سطوح الأرض، وبالنسبة للماء في قيعان البحار والأنهار والعيون والآبار، إذ لولا قيعان الأرض الصلبة في أسفل الهواء والماء لغارت الأشياء. وعلى عكس ذلك الأبخرة المتصاعدة من مياه الأرض.. تنطلق نحو التعادل داخل غلاف الأرض ثم تعود إليها، وهذا من فضل الله سبحانه إذ جعل الأرض حافظة لما عليها من أشياء وأجواء.
البنكرياس: ألا ترى سيدي أن قاعة أرخميدس في الماء وقانون نيوتن في الهواء يشتملان على ما تفضلت به؟
الرأس: إن العكس هو الصحيح.. فقاعدة السلب والإيجاب والحياد تشتمل على قاعدتي أرخميدس ونيوتن معاً.
البنكرياس: وكيف ذلك سيدي؟
الرأس: إن الهواء إيجاب بالنسبة لما فوقه من الأجواء الخفيفة، وسلب بالنسبة للماء وكل ما يزيد وزنه عن مقدار حجمه منه، وإن بقاء مياه البحر على سطح الأرض رهين بهذه القاعدة إذ يمثل حالة الإيجاب بالنسبة للهواء، على أنه في حالة تبحر المياه وتحولها إلى وزن يقل عن وزن الهواء تمثل حالة السلب في انطلاقها نحو السماء بالنسبة لطبقات الجو التي تعلوها. فإذا ما عاد البخار إلى أصله المائي – يعود إلى وضع الإيجابي على سطح الأرض عذباً طهوراً. وفي ذلك تأييد لقوله سبحانه: ] والسماء رفعها ووضع الميزان [. ولولا ذلك لما بقيت حياة على سطح الأرض مصداقاً لقوله سبحانه: ] وجعلنا من الماء كل شيء حي[.
البنكرياس: أعود فأقول: كما أن قاعدة السلب والإيجاب والحياد تسري في الجو الهوائي، فإنها تسري على المجال المائي كذلك.
الرأس: لا شك في أن القواعد لجميع الأشياء في جميع الأجواء واحدة، وأن كل ما هو أثقل من الماء يرسب في قاعه بحكم دوره الإيجابي بالنسبة إليه، وأن كل ما هو أخف منه يطفو على سطحه بحكم دوره السلبي بالنسبة إليه أيضاً، وكذلك الأمر بالنسبة للهواء مثلاً.
البنكرياس: إذا كان ما تقدم يثبت أرخميدس في النطاق المائي وقانون نيوتن في المجال الهوائي تخضعان كلتاهما لهذه القاعدة الثلاثية التي جاء بها القرآن العظيم: السلب والإيجاب والحياد أفلا ترى أن من واجب العالم أن يعيد النظر في القاعدتين ويعتبرهما قاعدة واحدة ولا سيما أن قانون نيوتن في الهواء امتداد لقانون أرخميدس في الماء؟
الرأس: إن من واجب العالم أن يقدر ما قام به أرخميدس في الماء وما تبعه به نيوتن في الهواء.
البنكرياس: ولكن ألا ترى أنه كان على نيوتن أن يشير إلى قانون أرخمبدس ما دام أرخميدس سابقاً عليه في هذا المجال؟
الرأس: أن ما قلته صحيح.. إلا أن نيوتن قد ظهرت له قاعدة فأعجب بها، وأخذها عنه طلابه دون أن يتنبه هو أو طلابه إلى ذلك، وهذا ما يجعل نيوتن وطلابه يرونه مبتكراً لقاعدته في الهواء كابتكار أرخميدس لقاعدته في الماء.
البنكرياس: وما دليلك على ذلك؟
الرأس: أولاً.. أن العالم كله لا يزال يؤمن بقاعدة ارخميدس كما يؤمن بنظرية نيوتن، ولعله لم ينتبه إلى أن نظرية نيوتن في الهواء مماثلة لقاعدة أرخميدس في الماء، وأنه اعتبر نيوتن سابقاً لغيرة في المجال الهوائي كسبق أرخميدس في النطاق المائي. ثانياً.. أنه أطلق على قاعدته اسم نظرية بينما هي قانون في الهواء مساو لقانون أرخميدس في الماء. ثالثاً.. أن العالم يستعمل اسمين لقاعدة واحدة، وفي كل ذلك ما يدل على أن نيوتن- عندما قالها – لم ينتبه إلى قانون أرخميدس. لذا فإنه اعتبر ما رآه عند سقوط التفاحة إلى الأرض ظاهرة علمية جديدة. أما تسميته لها بنظرية بدلاً من قاعدة.. فقد لا يخلو من تواضع وأناة وتريث، حتى تثبت صحتها كقاعدة أو قانون، وهذا ما يؤكد ما ذهبت إليه.
البنكرياس: على كل فإن الذي يهمنا هو أن سقوط التفاحة في المجال الهوائي كقانون سقوط قطعة من الحديد في النطاق المائي. وإنه لو صادف سقوط تفاحة في وعاء به ماء لطفت عليه بنسبة وزنها إليه. وكذلك الأمر لو صادفت قطعة الحديد أثناء سقوطها في وعاء مملوءاً بالزئبق لطقت عليه بنسبة وزنها إليه أيضاً. وأن الأشياء في الأجواء تستمر في هبوطه في حال الوضع ولا تستقر إلا في حالة التعادل، أو أن يحول دون ذلك حائل صلب شأن الأرض بالنسبة لما عليها من أشياء تزيد كثافة عن مقدار مثلها من الهواء. ولا أعتقد أن القاعدة في الرفع تختلف عنها في الوضع.. إلا أنني لا أستغني عن مساعدتك في توضيح ذلك، فهل تتكرم سيدي؟
الرأس: بارك اله فيك يا عزيزتي.. ولقد قيل: بضدها تتميز الأشياء.., وإليك مثالاً لحالة الرفع: فلو أمما ملأنا بالوناً بغاز خفيف كالهليوم مثلاً، فإنه يرتفع إلى أعلى ويلتصق بالسقف كالتصاق التفاحة على سطح الأرض. على أنه لو وجد له منفذاً في السقف لانطلق منه جهة السماء ولم يقف إلا في المكان الذي يستطيع التعادل فيه، أو يحول دون استمراره حائل صلب كسقف آخر أو جسم طائر أو غير ذلك في مقابل التفاحة لو وجدت لها حفرة أو بئراً أو منخفضاً من الأرض مهما كان عمقه – لاستمر سقوطها دون أن تستقر إلا في مكان تتعادل فيه كالماء مثلاً، أو يحول دون استمرارها في الهبوط كقاع البئر فيما لو كان فارغاً من الماء.
البنكرياس: ألا ترى أن تسمية قانون نيوتن بنظرية الجاذبية الأرضية خطا؟
الرأس: وماذا تريدين تسميته؟
البنكرياس: أرى أن تسميته بقاعدة نيوتن الإيجابية في الهواء أصح.
الرأس: إن الأرض تحتفظ بجميع ما عليها من أوزان ثقيلة أو خفيفة بحكم القاعدة المتقدمة، ولعل نيوتن قد انتبه لظاهرة الأوزان الثقيلة فقط، مع أن جميع الأوزان والكثافات مرتبطة بالأرض في نطاق غلافها الجوي.
البنكرياس: إذن من حكمة الله سبحانه أن جعل الأجواء متدرجة بخفة الأوزان، بدءاً من الأمواه في أعماق المحيطات حتى الغلاف الجوي، وهذه من نعم الله التي لا تعد ولا تحصى.
الرأس: لعل الله سبحانه قد فضل الأرض بذلك على الكواكب الأخرى وجعل في ذلك سر حياة الحيوان والنبات.
البنكرياس: نكرر الحمد والشكر لله سبحانه عل هذه النعم الجلى والمنن العظمي، وأرجو أن تتكرم سيدي بتلاوة الآيات بعد العاشرة من سورة الرحمن مشكوراً.
الرأس: لقد جاء في الآية 11: ] فيها فاكهة والنخل ذات الأكمام [.
البنكرياس: ألا يظهر من ذلك أنه كما أن الشجر يعود إلى الأرض باوراقه وأخشابه، فإن لثمره وزناً كذلك كي يكون في متناول أيدينا -ومن ضمنه تفاحة نيوتن مثلاً-، وهذا من تمام نعم الله علينا.
الرأس: لا شك في ذلك إذ جعل الله في هذا الثمر منافع لنا وإليك الآية 12 يا عزيزتي: ] والحب ذو العصف والريحان [.
البنكرياس: ألا ترى أن الحب ذا العصف والريحان هو من النجم الذي ينجم فوق الأرض وأن له وزناً يعود بع إلى الأرض بحكم القاعدة؟
الرأس: لا شك أن الحبوب ذات السنابل والورود ذات الروائح هي ما يشتمل عليه النجم الذي هو غير الأشجار. ولعل ذكر العصف – لكونه من أخف الأشياء على سطح الأرض، وأنه لا يستقر إلا برصه على بعضه البعض وربطه وشده ليحفظ كغذاء للسائمة. أما في حالة كونه يابساً ومنتشراً.. فإن الرياح نذروه ويكو، أقرب إلى تمثيل التعادل بين الوضع والرفع.
البنكرياس: أحسنت سيدي.. إذ لوترك العصف الناتج من سنابل الحبوب لتطاير في الهواء لا قرار له على سطح الأرض إلا بتجميعه ورصه، وهذا من نعم الله سبحانه على عباده، ومن آلائه التي تكررت الآيات الكريمة في التحذير من التكذيب بها.. وقانا الله سبحانه وحمانا من التكذيب بمننه الجلى وآلائه العظمى التي لا تعد ولا تحصى
الرأس: أشكرك يا عزيزتي.. وإليك الآيات من 14- 16: ] خلق الإنسان من صلصال كالفخار ~ وخلق الجان من مارج من نار ~ فبأي آلاء ربكما تكذبان[.
البنكرياس: ألا ترى أن الإنسان خلق من طينة الأرض،لذا فإنه يستقر عليها ويمثل الإيجاب على سطحها، أما الجان فإنه مخلوق من مارج من نار، أي أنه من الوزن الخفيف الذي يمثل دور السلب في عدم استقراره على سطح الأرض على أن تساؤلاً يطرح نفسه وهو: كيف يستطيع الجن الوصول إلى الأرض وهو في وزن أخف من الهواء… وقد بين لنا القرآن العظيم أن نبي الله سليمان قد استخدم الجن في بناء القصور والمحاريب والتماثيل والقدور الراسيات والجفان كالجوارب وغير ذلك، فهل لديك سيدي جواب على هذا التساؤل؟
الرأس: إن أمر الله سبحانه فوق القواعد، ولا شك أن الله سبحانه يفعل ما يشاء ويحكم ما يريد.
البنكرياس: اسمح لي سيدي بأن أقول بأن مثل هذه الكلمات من أسهل وأيسر شيء على الإنسان، إذ يخلي مسئوليته بإيكال الأمور إلى الله سبحانه ويستريح من عناء الرد، بينما السائل يعلم ذلك وينتظر جواباً غير. وأن الله سبحانه قد أعطى الإنسان مواهب يكون مسئولاً عن استعمالها وعرض ما يراه ويسمعه عليها لقوله عز وجل: ] إن السمع والبصر والفؤاد كل أولئك كان عنه مسئولا [. وإذا ما تبين له رأي سديد أو علم جديد، فعليه أن يعرضه على الإيجابيين الذين يتعاونون معه على الخير والنصيحة لما فيه الرشد والصواب. فإذا ما عجزت مواهبه عن إدراك ما يروم إدراكه – اعترف يضعفه وترك الأمر لإرادة الله الكلية غير المحدودة. وما عليك إلا أن تكد قريحتك، وتشحذ همتك، وتشبع في الخير نهمتك وتستلهم الرشد والصواب من الله سبحانه لعل الله يوفقك. فإذا ظهر لك شيء تطمئن إليه فتفضل به لنعرضه في هذه المحاورة.. وإن عجزت فكله إلى الله وتتركه لغيرك. ] والله يهدي من يشاء إلى صراط مستقيم [ البقرة / 213
الرأس: أحسنت بارك الله فيك وجزاك خير الجزاء، ولعل الآية 213 من سورة البقرة التي استشهدت بآخرها تشتمل على ما جاء في نصيحتك، وكان من الأفضل تلاوتها كلها.
البنكرياس: أرجو أن تتلوها بكاملها سيدي.
الرأس: قال سبحانه وتعالى: ] كان الناس أمة واحدة فبعث الله النبيين مبشرين ومنذرين وأنزل معهم الكتاب بالحق ليحكم بين الناس فيما اختلفوا فيه وما اختلف فيه إلا الذين أوتوا من بعد ما جاءتهم البينات بغياً بينهم فهدى الله الذين آمنوا لما اختلفوا فيه من الحق بإذنه والله يهدي من يشاء إلى صراط مستقيم [. وأضيف إلى ذلك أن عدم استعمال المواهب قد يكون سبباً في دخول النار مصداقاً لقوله سبحانه في الآية 10 من سورة الملك: ] وقالوا لو كنا نسمع أو نعقل ما كنا في أصحاب السعير [، وقوله سبحانه: ] إن شر الدواب عند الله الصم البكم الذين لا يعقلون [ الأنفال / 22.
البنكرياس: سيدي.. ولكنني أكرر تساؤلي وهو: كيف يستطيع الجن الوصول إلى الأرض وهم في وزن خفيف؟
الرأس: لعل في الآيتين 37 – 38 من سورة “ص” الإجابة على تساؤلك وهما: ] والشياطين كل بناء وغواص ~ وآخرين مقرنين في الأصفاد [. إذ يظهر من ذلك أن الله سبحانه قد سخر الشياطين لنبيه سليمان لخدمته في الأرض بمستوياتها الثلاثة في خفة الوزن بالنسبة للهواء.
البنكرياس: وكيف ذلك سيدي؟
الرأس: يتبين لي أنها على ثلاثة مستويات من الوزن:
أ – بناء.
ب – غواص.
ج – مقرنين في الأصفاد.
وأن البناء من المخلوقات الخفية لا يستطيع أن يقوم بالبناء ما لم يكن وزنه بوزن الهواء. فلو زاد وزنه عن ذلك لظهر لنا في صورة دخان أو غبار أو ما شاكل ذلك، لأننا لا نرى الهواء لأنه جونا الذي نعيش فيه.. ولكننا نرى كل شيء تزيد كثافته عن الهواء.
البنكرياس: أشكرك سيدي.. ولكن ماذا يكون الأمر لو كان وزنه أخف من وزن الهواء؟
الرأس: لو كان وزنه أقل من ذلك لما استطاع الاستقرار على الأرض إلا بصرف طاقة لو استعملها في الاستقرار لشغلته عن صرفها في البناء. أما الغواص فلعل وزنه أخف من وزن الهواء لأنه يتحامل على نفسه بالغوص حتى يصل لأداء مهمته في خدمة نبي الله سليمان.
البنكرياس: بقي لدينا سيدي المقرنين في الأصفاد.
الرأس: لعلهم أخف المستويات الثلاثة حيث لا يستطيعون الهبوط إلا إذا قرنوا بالأصفاد يزيد وزنها أوزان الهواء – تساعدهم على الهبوط إلى الأرض بحكم القاعدة المتقدمة.
البنكرياس: أشكرك سيدي عل هذا الإيضاح الذي يظهر منه أنه حتى المخلوقات التي تجن عن الأنظار تشملها القاعدة الكونية.. فسبحان الله العظيم الذي خلق كل شيء فقدره تقديرا.
الرأس: لا شك في ذلك يا عزيزتي.. فلقد جاء أيضاً في الآية الثالثة من سورة الطلاق: ] إن الله بالغ أمره قد جعل الله لكل شيء قدراً [ وفي الآية 49 من سورة القمر: ] إنا كل شيء خلقناه بقدر [.
البنكرياس: أشكرك سيدي.. لقد فهمت مما تقدم أن قاعدة السلب والإيجاب والحياد تشمل جميع الأشياء في جميع الأجواء بما فيها المخلوقات الجانة عن الأنظار، وكذا قاعدة أرخميدس في الماء، وقاعدة نيوتن في الهواء وأن القواعد في الأجواء جميعها واحدة. وعليه فنما رأيك سيدي لو أراد العالم أن يوحد بين القاعدتين في التسمية، فهل تفضل قانون الطفو الذي جاء به أرخميدس أو قانون الجاذبية الذي جاء به نيوتن؟
الرأس: إن القاعدتين وإن كانتا صحيحتين لتضمنهما القاعدة الثلاثية: السلب والإيجاب والحياد شأن الخلق كله في الكون كله، إلا أن صاحبيها لم يشيرا إلى كل ذلك فيما أعلم حيث إن قاعدة أرخميدس تشير إلى السلب بالمفهوم العلمي. وأن قاعدة الجاذبية عن نيوتن تشير إلى الإيجاب بالمفهوم العلمي. كذلك أي كما أن الطفو يشير إلى السلب في الماء، فإن سقوط التفاحة يشير إلى الإيجاب بالنسبة للهواء على سطح الأرض. وعليه فإذا ما فكر العالم في توحيد القاعدتين في قاعدة واحدة، وإيجاد اسم موحد لها، فله أن يفعل ذلك ويختار الاسم المناسب حسب ما يراه. على أن الذي يهمنا هو أن القاعدة في جميع الأشياء وجميع الأجواء واحدة تدخل تحت قاعدة الكون القرآنية: السلب والإيجاب والحياد.
البنكرياس: أشكرك سيدي على هذا الإيضاح وأرجو أن لا تنسى البشارة التي وعدتني بها وهي فتح برزخ السويس الفاصل بين البحرين الأحمر والمتوسط.
الرأس: لو تركتني استمر في القراءة فقد يفتح الله سبحانه عليك فتعرفين ذلك لأن القرآن الكريم منزل بلسان عربي مبين.
البنكرياس: الحق معك سيدي.. على أن القرآن العظيم مع كونه مبيناً فإنه قد يصعب علي فهم الكثير من آياته، ويوفق سبحانه للفهم السليم من يشاء من عباده في مختلف الأزمنة والأمكنة.
الرأس: بارك الله فيك.. فقد تكونين في كثير من المواقف أستاذة أستفيد منها.
البنكرياس: لا تقل ذلك يا سيدي فأنت أستاذي وملهمي.
الرأس: إن المعلم الملهم هو الله سبحانه وحده.. وإليك باقي الآيات بعد الآية 16من سورة الرحمن. فلقد جاء في الآيتين 17 – 18: ] رب المشرقين ورب المغربين ~ فبأي آلاء ربكما تكذبان [.
البنكرياس: لقد سبق مني القول أن بعض الآيات مع كونها منزله بلسان عربي مبين.. فقد يقصر إدراكي عن فهمها، وعليه أرجوك أن تبين لي ما يفتح الله عليك به في هذا المعنى ولك من الله خير الجزاء.
الرأس: ما دام الله سبحانه أخبرنا بأن الأرض مسخرة للأنام يمشون في مناكبها ويأكلون من رزقه فلعله سبحانه بذكر المشرقين والمغربين يبين لنا شكلها الكروي المكون من نصفين.. لكل نصف مشرق ومغرب. فالمحيط الهادي مثلاً مغرب بالنسب للعالم الجديد.. ومشرق بالنسبة للعالم القديم، وعلى عكس ذلك المحيط الأطلسي، فهو مغرب القديم.. ومشرق بالنسبة للعالم الجديد. على ان لجانبي الأرض شمالاً واحداً وجنوباً واحداً.
البنكرياس: لا شك أن ذلك من آلاء الله سبحانه ونعمه التي لا تعد ولا تحصى، ويحذرنا الله سبحانه أن نكون من المكذبين بآلائه لا إله إلا هو المنعم المتفضل.
الرأس: شكراً يا عزيزتي.. وأن الله سبحانه بين لنا في سورة النحل نعماً كثيرة تؤيد الكثير مما جاء في سورة الرحمن، أذكر منها الآيات 14 – 18 قوله سبحانه: ] وهو الذي سخر البحر لتأكلوا منه لحماً طرياً وتستخرجوا منه حلية ً تلبسونها وترى الفلك مواخر فيه ولتبتغوا من فضله ولعلكم تشكرون ~ وألقى في الأرض رواسي أن تميد بكم وأنهاراً وسبلاً لعلكم تهتدون ~ وعلامات بالنجم هم يهتدون ~ أفمن يخلق كمن لا يخلق أفلا تذكرون ~ وإن تعدوا نعمة الله لا تحصوها إن الله لغفور رحيم [.
البنكرياس: أشكرك سيدي.. وإني لمتشوقة لمعرفة ما في سورة النحل من العلوم والخير كله.. إلا أنه لا يهمني تقديم الوعد الذي تفضلت علي به وهو فتح البرزخ.
الرأس: إليك الآيات 19 – 21 من سورة الرحمن لنتدارسها معاً.. نسأله سبحانه حسن التوفيق. قال عز وجل: ] مرج البحرين يلتقيان بينهما برزخ لا يبغيان ~ فبأي آلاء ربكما تكذبان [.
البنكرياس: الحق سيدي أن كرم الله سبحانه نزل بلسان عربي مبين، وإليك ما يظهر لي في هذا المعنى: بما أن ذكر البحرين بالتعريف يعني أنهما قريبان من مهبط الوحي.. وأن البحار القريبة من مهبط الوحي ثلاثة الأحمر والمتوسط والعربي، وأن البرزخ موجود بين البحرين الأحمر والمتوسط.. أفلا ترى أنه هو الذي كان يمنع التقائهما وقت نزول القرآن وأنهما سيلتقيان بعد فتحه (ولأن الفعل المضارع هو الحال والاستقبال في فعل ( يلتقيان ) وإن السؤال الذي يطرح نفسه متى يلتقيان وإن في قوله سبحانه ] بينهما برزخ لا يبغيان [ هو جواب على ذلك، في أن المانع من التقائهما الآن هو وجود البرزخ وأنهما سيلتقيان بعد فتحه).
الرأس: إن ما ظهر لك هو ما ظهر لي ووعدتك به، وإن برزخ السويس قد فتح والتقى البحران فعلاً والحمد لله رب العالمين. ولقد جاء بالآية 53 من سورة الفرقان: ] وهو الذي مرج البحرين هذا عذب فرات وهذا ملح أجاج وجعل بينهما برزخ وحجراً محجوراً [.
البنكرياس: ألا ترى سيدي أن الله سبحانه قد جعل بين البحرين العذب والمالح برزخ وحجرا إلى أن يرث الله هذه الأرض وما عليها.. إذ لولا ذلك لضاعت المياه العذبة في المياه المالحة. وألا ترى أن في الآيتين 22 و23 من سورة الرحمن ما يؤيد هذا المعنى وذلك في قوله سبحانه: ] يخرج منهما اللؤلؤ والمرجان ~ فبأي آلاء ربكما تكذبان [، وألا يظهر من ذلك أن البحرين مالحان لأن اللؤلؤ والمرجان يستخرجان من المياه المالحة – أذكر ذلك كي لا يختلط الأمر على البعض فيضن أن البرزخ هنا هو الحاجز ما بين المياه العذبة والمالحة. وعليه وإن كان كل فاصل بين شيئين يسمى برزخاً – سواء كان الفاصل طريقاً برياً يفصل بين بحرين، أو فاصلاً طبيعياً غير منظور يفصل بين البحرين العذب والمالح، إلا أن البرزخ، فيما يظهر هنا هو طريق فاصل بين بحرين مالحين، ولا يوجد في البحار الثلاثة المالحة القريبة من مهبط الوحي برزخ يفصل بين بحرين إلا برزخ السويس الذي كان – قبل فتحه – فاصلاً بين البحرين الأحمر والمتوسط. ويزيد المعنى إيضاحاً إذا كان اللؤلؤ والمرجان موجودين في هذين البحرين فعلاً، كما يؤيد ذلك أيضاً الآيتين 24 – 25: ] وله الجواري المنشآت في البحر كالأعلام ~ فبأي آلاء ربكما تكذبان [. إذ يظهر لي من الآية 24 أن الجوار هي السفن التي تمخر البحار، وقد وصفها الله سبحانه بأنها كالأعلام أي كالجبال في ضخامتها.. كما وصفها سبحانه بالمنشآت، ولا تطلق صفة الإنشاء أو المنشآت إلا على ما أنشأ حديثاً أو سينشأ. وقد تم بالفعل استخدام هذا الطريق القاصد في نقل البضائع والمؤن لتنمية التعايش بين العالمين القديم والجديد بعد فتح البرزخ والحمد لله.
البنكرياس: أشكرك سيدي.. وأزيد بأنه إذا كانت وسائل النقل العملاقة التي ينطبق عليها وصف الجبال العالية لم تستطع المرور فيه اليوم.. فلا بد أن سيجري توسيع هذا الممر المائي لعبور الناقلات العملاقة يوماً ما إذ أن العالم اليوم أحوج ما يكون إلى ذلك.
الرأس: نكرر الحمد لله سبحانه الذي بعد أن بين لنا شكل الأرض بمشرقيها ومغربيها.. بين لنا أيضاً أن طريقاً مهماً لا بد أن يفتح لتقريب المسافات وتسهيل المواصلات بين جميع أطراف المعمورة بحراً.
البنكرياس: أنها من عجائب القرآن الكريم التي لا تنقضي ونبوءاته التي لا بد وأن تتحقق.. وقد تحقق الكثير منها والحمد لله، نسأل المولى أن يبعدنا عن التكذيب بآلائه ونعمه سبحانه كما حذرنا من ذلك بعد كل عجيبة في سورة الرحمن بقوله جل شأنه: ] فبأي آلاء ربكما تكذبان [.
الرأس: أشكرك بارك الله فيك، وسبحانه القائل: ] ونزلنا عليك الكتاب تبياناً لكل شيء وهدى ورحمة وبشرى للمسلمين [ النحل / 89.
البنكرياس: صدق الله العظيم.. أما وقد بينت ما ظهر لك من فتح برزخ السويس، فإنه يهمني لو أمكنك إيضاح أهمية هذا الممر العالمي بصورة تجعل القارئ يقف عندها، ولا سيما أنه نظراً لكثرة ما يكتب وينشر ويذاع في هذه الأيام – فإن الكثير من القراء يمرون على ما يقرءون مر الكلام.
الرأس: أرجو أن أوفق في بيان ذلك على خريطة العالم.
البنكرياس: إن لدى تساؤلاً سيدي أرجو أن تسمعه منى.
الرأس: تفضلي يا عزيزتي.
البنكرياس: إذا كان الممر بعد فتح برزخ السويس يجعل سفن العالم تتجه من وإلى الشرق والغرب لتمر من هذا الطريق الوسط، أفلا ترى سيدي أنه حتى الطائرات المتجهة من وإلى الشرق والغرب تفضيل المرور أيضاً عن الطريق الوسط؟