سورة ” الكافرون ” – ومسئولية الكفار عن آثار كفرهم:
لقد وعدنا فيما تقدم أننا سنتعرض سورة ” الكافرون ” وما جاء في آياتها من تبيان لنا عن مسئولية الأجداد والآباء عن الأولاد والأحفاد والأتباع بعكس ما يعتقده اليهود ومن نحا نحوهم من أن خطيئة الآباء والأجداد تلاحق الأبناء والأحفاد إلى آخر الزمن. علماً بأن الأديان السماوية والقوانين الوضعية تقر العكس وهو مسئولية الآباء والأمهات والولاة عن تربية الأولاد والتابعين وتعليمهم العلم النافع المفيد لهم في دنياهم وأخراهم وأنهم يأثمون إذا قصروا في ذلك في حدود الاستطاعة. وأن مسئوليتهم لا تقل عن مسئولية الرسل الكرام الذين أدوا الأمانة وبلغوا الرسالة، بحق كما أنها لا تقل عن مسئولية المتفرغين للتعليم والمتفرغين لنشر دعوة الحق الذين إذا قاموا بما تعهدوا به قياماً شافياً كافياً.. فإنه يسقط الإثم عن باقي الأمة كفرض كفاية إذا قام به البعض سقط الإثم عن الباقين مصداقاً لقوله سبحانه في الآية 122 من سورة التوبة: } وما كان المؤمنون لينفروا كافة فلولا نفر من كل فرقة منهم طائفة ليتفقهوا في الدين ولينذروا قومهم إذا رجعوا إليهم لعلهم يحذرون ~ {
وإلا كانت مسئولية نشر دعوة الخير وتعليم الخير – عامة كفرض عين على كل مؤمن من أفراد الأمة كلها. مع أن مسئولية الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر واجبة في حدود الاستطاعة مصداقاً لقوله r: ( من رأى منكم منكراً فاستطاع أن يغيره بيده فليغيره بيده، فإن لم يستطع فبلسانه، فإن لم يستطع بلسانه فبقلبه وذلك أضعف الإيمان ). عن أبي سعيد ” سنن ابن ماجه “.
والمعروف هو ما يقره العرف ويقبله الضمير الحي والمنكر هو ما تنكره الأذواق السليمة والفطرة المستقيمة، ويأباه الدين القويم. على أن المسئول إذا أدى ما عليه من المسئولية بحق ثم حاد السامع أو التابع فان المسؤول لا يسأل عنه يوم القيامة مصداقاً لتكرار قوله سبحانه: } وما على الرسول إلا البلاغ المبين { 54/النور، وتكرار قوله سبحانه: }ولا تزر وازرة وزرا أخرى { 15/ الإسراء، } كل امرئ بما كسب رهين ~ { 21/ الطور
لأنه ليس على الرسول إلا البلاغ المبين وذلك لإقامة الحجة الدامغة والحكمة البالغة } ليهلك من هلك عن بينة ويحيا من حيا عن بينة إن الله لسميع عليم { 42/ الأنفال
علماً بأن بابا الفاتيكان الراحل قد أسقط عن اليهود الحاليين مسؤولية اشتراك آبائهم في إيذاء السيد المسيح، وهذا ما يعتبر تغيراً في المسيحية لأن بنوة المسيح وصلبه قائمان على قاعدة خلود الخطيئة، وبهدم هذه القاعدة لا يوجد داع لأن يكون السيد المسيح ابناً لله أو أن يصلب. وان هدم القاعدة الأمر الذي تقره الشرائع السماوية والقوانين الوضعية يقرب كثيراً بين المسيحية و الإسلام.. ويؤيد ذلك سورة الكافرون:
بسم الله الرحمن الرحيم: سورة الكافرون –
- 1- قل يا أيها الكافرون
- 2- لا أعبد ما تعبدون
- 3- ولا أنتم عابدون ما أعبد
- 4- ولا أنا عابد ما عبدتم
- 5- ولا أنتم عابدون ما أعبد
- 6- لكم دينكم ولي دين
أولاً: الوعد الذي يؤمن به اليهود نعم.. يعمل اليهود للوصول له بهدوء كتواصل بلا هوادة أو كلل، وبمختلف الوسائل وشتى المنعطفات. وهو كما جاء في قوله سبحانه في الآية 124من سورة البقرة: } وإذا ابتلي إبراهيم ربه بكلمات فأتمّهن قال إني جاعلك للناس إماماً قال ومن ذريتي قال لا ينال عهدي الظالمين ~ { ويظهر من هذه الآية أن الله تبارك وتعالى وعد إبراهيم بالإمامة وقد طلب إبراهيم من ربه أن تكون الإمامة لذريته من بعده أيضاً، فكان الجواب من الله سبحانه أن هذه الأمامة لك وللصالح من ذريتك كعهد من الله، وأن هذا العهد لا ينال الظالمين. وإذا كان اليهود هم من بني إسرائيل الذي هو يعقوب بن اسحق بن إبراهيم.. فإن العرب هم أبناء إسماعيل بن إبراهيم إذن.. فالوعد ليس لبني إسرائيل وحدهم، بل يدخل معهم أبناء عمومتهم أبناء إسماعيل. والمفروض أنه ببعثة خاتم النبيين يتحول الوعد إلى محمد رسول الله r والصالح من متبعيه. وفعلاً تحول الوعد زهاء ما يقرب من أربعة عشر قرناًمن البعثة، ولم يتحقق لليهود ما كانوا يحلمون به ويعملون له منذ آلاف السنين، إلا بعد ما تأخرنا عن نصر الله لنستحق النصر منه سبحانه كما نصر من قبلنا من المؤمنين العاملين للصالحات مصداقاً لقوله سبحانه: } إن تنصروا الله ينصركم ويثبت أقدامكم { 7/ محمد والعكس صحيح أيضاً وإذا كانوا قد وصلوا إلى ما هم عليه الآن، فلأنهم لم يفتروا عن الجهد في مواصلة دأبهم إلى تحيق ما يرمونه ويرمون إليه، لأنهم آمنوا بالوعد أكثر من إيماننا به. ونعود ونقول: إن اليهود لم ينالوا ما نالوه بصلاح وتقوى.. بل إن ما نالوه يعتبر تقدماً بالنسبة لتأخرنا أي أن الفروق فيما بين الخلائق نسبية، بمعنى أن تأخرهم في الأول كان لحساب أجدادنا، وتقدمهم في الآخر كان على حسابنا.. وسنعود ويعود النصر لنا بإذن الله. ثانياً : توقيت قيام دولة اليهود وكما أخبرنا سبحانه في القرآن الكريم عن الوعد.. فقد أخبرنا سبحانه عن قيام دولة إسرائيل بعد ذلة ومسكنة وتفرق لازمهم فترة طويلة، وذلك بقوله سبحانه: } ضربت عليهم الذلة أين ما ثقفوا إلا بحبل من الله وحبل من الناس وباءوا بغضب من الله وضربت عليهم المسكنة ذلك بأنهم كانوا يكفرون بآيات الله ويقتلون الأنبياء بغير حق ذلك بما عصواًكانوا يعتدون { 112/ آل عمران على أن الذي يتبين أن ارتباطهم بحبل من الله كان بتسمية دولتهم بدولة إسرائيل.. الذي هو يعقوب بن إسحاق بن إبراهيم كما تقدم، وهو نبي ابن نبي ابن نبي.. كما لو سمى المسلمون دولتهم باسم محمد أو إبراهيم الخليل مثلاً. أما ارتباطهم بحبل من الناس فإنه معروف سواء كان مع أميركا كما هو مشاهد اليوم، أو مع غيرها.. ولا سيما مع الفرق الباطنية الكثيرة المنتشرة في العالم كله والتي لا يعرف الكثير منها حتى الآن التي تأمل إسرائيل أن تكون منهم نفيراً لها تستعين به يوماً ما على العلم كله. وقد يدخل في هذا النفير كل تطرف يميني وكل تطرف يساري لأن التطرفين كليهما من نسيج يهودي على الأغلب، لأن دين الله وسط، وإذا كان تأييد أميركا مثلاً اليوم، أو وجود الباطنيات الكثيرة المختلفة بيننا هو الذي أدخل فينا الوهن، فإنه لا بد لليل أن بنجلي، ولا بد للقيد أن ينكسر. ولو انقطع عنهم أحد الحبلين لانتهت دولتهم. وإذا كان اسم إسرائيل ملازماً لهم كنسب.. فلا بد أن ينقطع عنهم حبل الناس لتعود إليهم ذلتهم ومسكنتهم. ثالثاً : توقيت نهايتها بعد علوها الكبير وقد جاءت نهاية إسرائيل في خمس آيات من سورة الإسراء من 4-8 هي: } وقضينا إلى بني إسرائيل في الكتاب لتفسدن في الأرض مرتين ولتعلون علواً كبيراً ~ فإذا جاء وعد أولاهما بعثنا عليكم عباداً لنا أولي بأس شديد فجاسوا خلال الديار وكان وعداً مفعولا ~ ثم رددنا لكم الكرة عليهم وأمددناكم بأموال وبنين وجعلناكم أكثر نفيرا ~ إن أحسنتم أحسنتم لأنفسكم وإن أسأتم فلها فإذا جاء وعد الآخرة ليسؤ وجوهكم وليدخلوا المسجد كما دخلوه أول مرة وليتبتروا ما علوا تتبيرا ~ عسى ربكم أن يرحمكم وإن عدتم عدنا وجعلنا جهنم للكافرين حصيرا ~ { ومن ذلك يظهر أن الله سبحانه قد تعهد ببعث عباد له أولي بأس شديد لإخراجهم من بيته الحرام الذي هو المسجد الأقصى كلما دخلوه وذلك بقوله سبحانه: } وإن عدتم عدنا { أي أنه كلما عدتم لدخول المسجد عدنا لإخراجكم منه. وإن رجال الدين لدى اليهود يعلمون ذلك تمام العلم حيث أنه مكتوب عندهم في التوراة. ولا غرو أن يكون في القرآن الكريم جميع ما جاء في الكتب المتقدمة مصداقاً لقوله سبحانه على لسان خاتم رسله r: } قل هاتوا برهانكم هذا ذكر من معي وذكر من قبلي بل أكثرهم لا يعلمون الحق فهم معرضون ~ { 24/ الأنبياء وقوله سبحانه: } وأنزلنا إليك الكتاب بالحق مصدقاً لما بين يديه من الكتاب ومهيمناً عليه { 48/المائدة ويتبين مما تقدم:
- 1) أن السلام والتصالح مع إسرائيل لا يمكن الحصول عليه طالما أنه على جانب من الملك والمنعة مصـــداقاً لقوله سبحانه: } أم لهم نصيب من الملك فإذاً لا يؤتون الناس نقيرا { 53/ النساء
- 2) إن الذي يظهر من رفض إسرائيل لمختلف عروض السلام والتصالح أنها لا تريد السلام بل تريد التوسع ما لم يجل دون ذلك قوة مرغمة.